الرسالة النبوية.. والانطلاقة الجديدة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الرسالة النبوية.. والانطلاقة الجديدة


( الاربعاء, 27 يونيو 2012)

د . سعد المرصفي

بقلم : د . سعد المرصفي

أمتنا تقف اليوم على أعتاب انطلاقة جديدة، يجدر بها أن تتحسس مواقعها، وتمتحن طاقاتها، وتقوّم مقدار إحساسها بمقدار علاقتها برسالة الرسول الذي أضاء ليل الظلام الداجي، يوم كان العالم يتخبّط في متاهات الحيرة والضلال، ويئن من وطأة الظلم والظالمين، يوم كان نهباً لأولئك الذين استطاعوا ببغيهم وعدوانهم، وجحودهم وكنودهم، وفسوقهم وعقوقهم، أن يستعـبـدوا مَن دونهم مِن البشر، بلا هوادة ولا رحمة.

إننا حين تظلّنا العلاقة الإيجابيّة برسالة الرسول نبصر مواقع خطونا في الحياة، ولا نرى من حولنا شيئاً من معاني السموّ والجلال، والرفعة والكمال، يتحرّك إلاّ بين يدي الرسالة والرسول.

وأسوق هنا قصة عجيبة حدثت منذ أكثر من ألف عام في أرض فارس، على يد ابن سينا، حين قال غلامه: لست أدري بأيّ شيء يفضلك محمد رسول الله كلمة غليظة كبيرة، بيد أن ابن سينا قال: يا بنيّ، سأخبرك غداً عن هذا الأمر، وكان الوقت شتاء، والجوّ في شدّة من البرودة، لا يكاد يتحملها الإنسان، وفي منتصف الليل طلب ابن سينا من غلامه أن يحضر له الماء الدافئ للوضوء، فإذا بالغلام يقول له: دعني بعض الوقت، فإنني متعب، ولو انتظرت قليلاً لقمت، وغلب النوم على ذلك الغلام، ومضى نصف ساعة، ثم ساعة، وابن سينا يكرّر القول على الغلام، حتى نبّهه مؤذّن الفجر، وإذا بهم يستمعون من فوق المئذنة إلى كلمات المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا لله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله.. واستمرَّ إلى آخر الأذان، وهنا قال ابن سينا: يا بنيّ، هذا وقت تعليمك، قم الآن واستمع إلى ما أقول: إننا الآن في أرض فارس، وبيننا وبين العرب حيث قام الإسلام، وظهر النبيّ عليه الصلاة والسلام مسافة ضخمة، وبيننا وبينهم قرون متطاولة، وهو نبيّ عربيّ، والذي فوق المئذنة رجل من فارس، وبينه وبين النبيّ عليه الصلاة والسلام من الناحية الزمانيّة قرون، ومن الناحية المكانيّة أميال، وبينهما عجمة في لسان هذا، وفصاحة في لسان النبيّ ولكنه جاء في الليل الشديد البرد، على رغم هذا كله، وصعد فوق أعلى مكان في المدينة، وفي أبرد الأوقات في جوف الليل، ليقول: أشهد أن محمداً رسول الله، وأنا معلّمك أعلّمك وأربّيك، وأطلب منك وأنت في الدار أن تعدّ لي شيئاً من الماء لوضوئي، فتؤخّرني ساعة، ثم ساعة بعدها. هذا هو الفرق بين مقام الأنبياء ومقام العلماء.

وهنا نبصر جانباً كبيراً عملياً من عمق التأثير في الأجيال المتعاقبة من المسلمين، نبصر إحساساً عميقاً بمكانة الرسول ، وجلال مقامه. وحسبنا أن نبصر معالم هذا الحبّ في أعمق الأعماق، وفي مشاعر المسلمين، وفي الإحساس العميق الذي يدفع الصادقين دفعاً إلى أن تختلج المشاعر، وتتحرّك الخواطر، ونبصر روحاً نورانيّة؛ مـما يضفي على الحياة بهجتها وسعادتها، بيد أنَّا نبصر عند كثيرين صوراً غير متحرّكة، وغير مجلوّة، وغير فاعلة، نبصر حبـاً سلبيـاً لا صدى له في واقع الحياة والسلوك، ونبصر فصاماً نكداً. ولا شك أن هذا الواقع قد حال بيننا كمجتمع إسلاميّ وبين أن نسعد بمثل ما سعد به سلفنا الصالح، الذي لم تكن علاقته بالرسول منعزلةً في وجدانه عن واقع حياته، وكيف لا؟ إن العلاقة الإيجابــيّـة المتحرّكة الحــيّـة الفاعلة، في القول والعمل، والعبادة والسلوك، ستظل شاخصة في وجدان المسلمين، حيَّة في نفوسهم، فقد أحسّوا إحساساً عميقاً بأنّها ملء قلوبهم، وإن غابت عنهم ذات الرسول في عالم الحسّ والمشاهدة، فإن رسالته حيّةٌ نابضة في معالم حياتهم، وواقع سلوكهم، ولم تنحسر تلك العلاقة شيئاً فشيئاً، إلاّ حين أحكمت الحلقات، وانفرجت الشقّة. ولم تتكامل تلك العزلة الموحشة إلاّ حين تمّ الفصل نصـاً ومفهوماً، وفقهاً وروحاً، وحياة وسلوكاً، بين واقع المسلمين وتلك العلاقة الإيجابيّة، يا حسرة على العباد، كيف جاز لهم أن يصنعوا ذلك؟ وكيف جاز لهؤلاء أن يعيشوا في دائرة العزلة؟ كيف، وأبرز خصائص التصوّر الإسلاميّ ومقوّماته أنه دين القول والعمل، والظاهر والباطن، والحياة والسلوك؟

إن صورة العلاقة الإيجابيّة يجب أن تتضح في عالم الضمير وعالم الرّوح حيّة شاخصةً، ممتلئةً بالحيويّة والعاطفة، والواقعيّة والسلوك، حتى نرى النور الصافي يشرق من جديد، وينفذ إلى الأعماق. ومن ثم تطمئنّ النفس، وينتشي الحس، وترفرف الروح، وينشرح الصدر، وينسكب هذا في الحنايا والجوانح، ويظهر في السلوك والجوارح، أيّ سكينة ينشئها هذا الإدراك؟ وأيّ طمأنينة يفيضها على القلب؟ وأيّ سعادة يضفيها على الرّوح؟ وأيّ قوّة يسكبها في الضمير؟ إن هذه العلاقة ليست هياماً ولا خيالاً ولا كلاماً، ولكنها أسوة ومحبّة، وعقيدة وسلوك، تجعلنا ننهل من معين الوحي، وندرك أفق التجليّات المباركات الطيبات، ونبصر شفافية الروح، ولا نلبث أن نتقدّم إلا حيث نقتبس من النور الوضاء، الذي ينير حوالك الدجى، وييسِّر معالم الهدى.

المصدر