الرجولة وقاية من الانتحار

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الرجولة وقاية من الانتحار

بقلم/ الشيخ عصام تليمة

مقدمة

الشيخ عصام تليمة

يظن كثير من الناس أن شباب اليوم هم أكثر فسادًا من غيرهم، وأن من كان قبلهم كأنهم أطهار، وفي يقيني أن الشر موجود في كل زمان ومكان؛ لأن طبيعة الحق والباطل أنهما متصارعان، فعلى سبيل المثال نتعجب من أن يفكر بعض شباب اليوم في الانتحار، وحق لنا أن نتعجب، ولكن هذا الأمر يحتاج منا إلى علاج ندرك به طبيعة الشباب، وكيف نتسلل إلى نفوسهم حتى نخاطبهم بلغة الحرص عليهم، ونلمس شغف القلوب بدواء الإخلاص والخوف عليهم، فنرد الحيارى إلى طريق الحق والصواب.

وقد وقعت على رسالة بعث بها شاب إلى الشيخ حسن البنا -رحمه الله- يطلب فيها مساعدته على التوبة؛ إذ ضاقت به الدنيا، وهو يفكر في الانتحار حتى لا يستمر على معصية الله.


بلاغة الخطاب

وأحب أن نقرأ رسالة الشاب سويًّا، حتى نعيش روحها، يقول الشاب:

"أنا شاب شاركت الشباب لهوهم، وشاطرتهم عبثهم. طالما مشت أقدامي إلى مواطن الرِّيَب، وفي طرق الغواية شاءت نفسي الدنيئة ألا تترك وليمة الحياة دون أن يكون لها نصيب منها. لقد جعل بيني وبين الخير ستار كثيف.

كانت حياتي سلسلة من المعارك كان يقودها إبليس، ولا أدري ما الحكمة في أنه كان ينتصر فيها دائمًا. لو كان الشيطان والنفس شيئين ملموسين أمامي إذن لاستطعت أن أنتقم وأتخلص منهما.

ولكن ما الحيلة؟ إن للشباب نزعات للشر، وميلاً مع الهوى، وإنهم مهما فعلوا فلن يبلغوا الكمال، ولن تستقيم أمورهم.

هكذا قيل لي يا سيدي. فهل هذا صحيح؟

هل يمكن لشاب مثلي -بلغ الحادية والعشرين- أن يسير في طريق الحياة الصحيحة التي تكتنفها الفضيلة، وتحوطها تقوى الله؟

وأخيرًا: هل من دواء ناجع لديك يا سيدي يشفي سَقَمي؟ وهل يقبل الله توبتي؟

أرشدني إلى الطريق المستقيم. إن نفسي لتسول لي أن أنتحر وأتخلص من الحياة؛ لأني أخشى أن يمتد عصياني، وحينئذ الموت خير لي".


العصيان سلوك بشري

فلما تسلم الشيخ البنا هذه الرسالة خط قلمه، وأرشد الشاب إلى التوبة الصادقة إلى الله تعالى، وجعل استشارته محاور عديدة، أولها: عدم استغراب أن يقع الشاب في المعصية كبقية الشباب، فطبيعة الإنسان أنه يخطئ. قال الشيخ البنا له: "قرأت خطابك ولست -يا عزيزي- بأول شاب سلك هذه السبل، ولست كذلك آخر من سيسلكها، فهكذا خلقنا الله العزيز الحكيم؛ ليبتلينا بالشر والخير فتنة، ثم مردنا بعد ذلك إليه، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره) الزلزلة: 7، 8".


ما أيسر الفضيلة!

ثم استمر الشيخ البنا معه، ووضع الكفة الأخرى، وهي أن كثيرًا من الشباب يعيشون في طاعة الله، وليس هذا بالأمر العسير "ولكن الكثيرين من الشباب -يا عزيزي- استطاعوا أن يعيشوا في مثل سنك ودونه وفوقه أطهارًا أبرارًا في جو من الطهر والفضيلة والتقوى والنقاء، وليس بصحيح ما قيل لك من أن هذه الحياة الفاضلة متعذرة أو عسيرة على الشباب، بل أؤكد أنها أيسر بكثير مما يظن الناس، وأن من الممكن اليسير -كل اليسر- أن يعيش شاب مثلك في الحادية والعشرين حياة صحيحة طيبة، تكتنفها الفضيلة، وتحفُّ بها معاني تقوى الله العلي الكبير، فاطمئن".


قبول التوبة من رب العباد

ثم وضع الشيخ البنا الطمأنينة في قلب الشاب من كون الله تعالى يقبل توبة عباده مهما كانت.. "أما أن يقبل الله توبتك، فلم لا؟! وهو التواب الرحيم، (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام: 54، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى: 25، وهو الذي ينادي عباده فيقول: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) الزمر: 53، 54.

وقد جاء في الحديث الصحيح: "إن العبد إذا أذنب الذنب فذكر الله واستغفر، قال الله للملائكة: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويقبل التوب؟ أشهدكم أني قد غفرت له" متفق عليه. وذلك مصداق الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران: 135،136".


وسائل عملية للتوبة

ثم أوضح له وسائل التوبة العملية: "والدواء يا عزيزي سهل لذيذ. أن تصحب أهل التقوى والصلاح والاستقامة، وتبتعد ما استطعت عن أصدقاء اللهو والعبث، وأن تُشْعِر نفسك دائمًا أن عين الله لا تغيب عنك طرفة عين، فهو معك أينما كنت. وأن تقضي وقت فراغك في عمل نافع صالح لبدنك أو دينك، وأن تؤدي فرائض دينك في خشوع وتبتل، وتلحّ بعد ذلك في الدعاء أن يهديك الله سواء السبيل، واضعًا نُصْبَ عينيك قول الله العلي الكبير لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة: 186".


عتاب رقيق

ثم ختم رسالته بعتاب رقيق من أنه فكر في الانتحار، وأن هذا ليس من معاني الرجولة، فقال له: "وبعد، فإني أعتب عليك أن تفكر في الانتحار، أو أن يتطرق إلى قلبك اليأس، فإنك يا عزيزي رجل، والرجولة أقوى من كل هذه الأعراض، لا تهن ولا تحزن، وخذ بعزيمة في الدواء والاستشفاء، والله أسأل لي ولك التوفيق وتمام الهداية، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".


  • المصدر: موقع إسلام أون لاين