الذكرى الـ 35 للحرب.. إسرائيل صاحبة المصلحة في الحرب اللبنانيّة
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
ظهيرة يوم الأحد 13 نيسان 1975 بدأت الحرب اللبنانية بزخات من الرصاص أطلقت على حافلة (باص) كانت تقلّ مجموعة من الفلسطينيين في طريق عودتهم من مخيم شاتيلا الى مخيم تل الزعتر فقتلتهم جميعاً، وذلك عند مرور الباص على طريق الشياح - عين الرمانة، حيث أقامت المنظمات الفلسطينية وأنصارها في الحركة الوطنية اللبنانية بعد ذلك متاريس وحواجز في منطقة الشياح، بينما أقام حزب الكتائب وأنصاره سواتر ومواقع في منطقة عين الرمانة المقابلة.
لم تكن شرارة الحرب مفاجئة، فقد سبقها مقتل معروف سعد في صيدا، والاحتقان الذي أعقب توقيع اتفاق القاهرة بين الحكومة اللبنانية برئاسة رشيد كرامي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقبل ذلك الاحساس بالغبن لدى المسلمين في لبنان نتيجة حرمانهم من مواقع التأثير في القرار السياسي: (رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية البنك المركزي)، في معادلة تعتبر المسيحيين أكثرية، والمسلمين (من كل الطوائف) أقلية.
وكان في الساحة اللبنانية من يسمي تلك الأحداث حرباً أهلية، ومن يعتبرها «حرب الآخرين على أرضنا»، بينما تأكد بعد ذلك أنها حرب اسرائيلية بامتياز، لأن المقاومة الفلسطينية نقلت الى لبنان فصائلها وأسلحتها بعد معارك «أيلول الأسود» في الأردن، ولأن منظمة التحرير بسطت سيطرتها على معظم مناطق الجنوب اللبناني، ومنه الى المناطق التي كانت تسمى وطنية أو اسلامية، من بيروت الى الشمال والبقاع.
توقفت المرحلة الأولى من الحرب رسمياً مع نهاية عام 1976 بقرار أصدرته جامعة الدول العربية، يقضي بتشكيل «قوات الردع العربية»، التي نشرت قواتها في مواقع الاقتتال، وكانت سورية سعودية ليبيّة سودانية اماراتية، ثم انتهت الى أن تكون سورية فقط بعد انسحاب القوات الأخرى، نتيجة التواصل البري والامتداد السكاني والأمني بين البلدين.
وقد كانت سوريا خلال هذه المرحلة حليفاً لفصائل المقاومة الفلسطينية برئاسة عرفات والحركة الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبلاط، لكن الصورة انعكست في بعض المراحل وشهدت مصرع جنبلاط وقيام معارك في الجبل والجنوب بين حلفاء الأمس، مما قلب المعادلة وجعل حلفاء الأمس أعداء الحرب..
في مطلع حزيران 1982 فتحت صفحة جديدة في الحرب اللبنانية، بالاجتياح الاسرائيلي الكبير، ووصول قوات الاحتلال الى العاصمة بيروت، وبروز ظاهرة «المقاومة الإسلامية» بعد الوطنية والفلسطينية، وخروج قوات الاحتلال بعد أيام من بيروت، وبعد أشهر الى صيدا، وفي شباط عام 1985 الى الشريط الحدودي، وفي عام 2000 الى خلف الحدود اللبنانية.
وقد تخلل هذه المرحلة حروب وأحداث متوالية، من قيام حركة التوحيد في طرابلس عام 1983 وحرب ياسر عرفات مع سوريا، الى انقسام حركة فتح وحصار طرابلس عام 1985، وبعدها حروب المخيمات وحصارها من عين الحلوة الى الرشيدية، وحروب العلمين في بيروت بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، وتفجير سيارة المفتي الشيخ حسن خالد، وطائرة الرئيس رشيد كرامي، وصولاً الى توقيع اتفاق الطائف، وانتخاب رينيه معوّض رئيساً للجمهورية، وتفجير موكبه بعد أيام، وانتخاب الياس الهراوي.. وصولاً الى دخول الرئيس رفيق الحريري على مسار الحياة السياسية..
نعود الى طرح السؤال الأساس: هل هي حرب أهلية لبنانية؟ لا بالتأكيد، لأن الجانب الاقليمي والدور الاسرائيلي فيها واضح جليّ. بالمقابل هل هي - كما يقولون - حرب الآخرين على أرضنا؟
لا كذلك، لأن أي حرب لا بدّ لها من مبررات وأدوات، وما لم تتوافر هذه المبررات والأدوات فلا يمكن لأي حرب أن تقوم، يضاف الى ذلك التمويل والحوافز الدينية أو المذهبية أو القومية.
لذلك فإنه لا بدّ أن يصل اللبنانيون، بكل أطيافهم الدينية والمذهبية، والسياسية والقومية، الى أن يتعلموا دروساً من هذه الحرب الطويلة العالية الكلفة.
فقد جرى تدمير البلد عدّة مرات، وتهجير أهله من منازلهم ومدنهم وقراهم ومخيّماتهم عدّة مرات كذلك.
وتكبدوا حوالي مائتي الف قتيل، وتشردوا في كل أقطار الأرض، وتأكد لهم أن «لبنان» الحرّ المستقل، هو الخيار الوحيد المتاح لجميع اللبنانيين.
ونتيجة الانهيار العربي والتردي السياسي في المنطقة، فقد تراجعت الرؤى القومية، عربية وسورية، وبات الخيار اللبناني هو الوحيد الذي يجد له أصداء لدى التيارات الشبابية، مسلمة كانت أو مسيحية.
وباتت التوجهات الوحدوية طرحاً تاريخياً لا يجد له أي رصيد في الشارع العربي، واللبناني على وجه الخصوص.
هذا لا يعني بأي حال أن تنكفئ القوى الحيّة في المجتمع، لا سيما الإسلامية فيه، من الاهتمام بالقضايا الكبرى الى التقوقع داخل الاطار العنصري أو المذهبي، لأن أمامنا قضايا كبرى بالغة الأهمية لا يمكن معالجتها الا بتنسيق الجهود وتكامل القوى ورص الصفوف، وأبرزها القضية الفلسطينية.
ونحن نرى العالم من حولنا يتجه الي الوحدات الكبرى سعياً وراء المصالح والمنافع.
فأوروبا التي لا يجمع بين أقطارها لغة ولا قومية ولا دين، نراها تنشئ الاتحاد الأوروبي، وترفع الحدود والحوجز فيما بينها.
وكذلك تفعل دول أمريكا الوسطى والجنوبية، وعدد من الدول الآسيوية.
ونحن في لبنان، صحيح أننا نحرص على سيادتنا وحرّيتنا واستقلالنا، لكن هذا لا يعني انقطاعاً عن العالم العربي وتقوقعاً حول قضايا داخلية وانتماءات وزعامات عفا عليها الزمن.
واذا كانت الحرب اللبنانية الطويلة لا تزال تعشش في عقول أو مخيّلات بعض اللبنانيين، فإن عليهم أن يدركوا أن صاحب المصلحة الأول والأخير لا يمكن أن يكون لبنانياً، لأن تاريخنا الحديث يؤكد أن هذه الحرب لم تحقق مصلحة ولا تقدماً ولا تفوّقاً لأيّ من القوى أو الأحزاب أو الطوائف اللبنانية، وأن الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد منها.
فلبنان بلد تعددي، في الدين والسياسة، وهو نقيض «اسرائيل» التي تقيم كياناً عنصرياً ضيقاً لا يشاركها فيه أحد.
لذلك فإنها معنيّة بإضعاف النموذج اللبناني الحر التعددي أو ازالته لو استطاعت.
وتبقى القضية الفلسطينية هي الجامع الأكبر للبنانيين مع العرب جميعاً من أجل مواجهة المشروع الصهيوني، الذي يريد بناء الكيان العنصري النقيض للجميع، مسلمين ومسيحيين، وما يجري هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي القدس الشريف، من تواطؤ وتآمر لإزالة المعالم المسيحية والإسلامية، خير شاهد على ذلك.
المصدر
- مقال:الذكرى الـ 35 للحرب.. إسرائيل صاحبة المصلحة في الحرب اللبنانيّةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان