الدولة»..والمشروع الوطني

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الدولة»..والمشروع الوطني


بقلم : محمد السهلي

اقصاء قرارات الشرعية الدولية عن المفاوضات، وتهميش مقاومة الاحتلال وضعا هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في معادلة تسوية سياسية ربطت انجاز هذا الهدف بالتوسعية الإسرائيلية تتزايد على نحو مضطرد الأصوات المؤيدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

وهذا مكسب وضع مهمة ترسيم هذا التأييد الواسع في إطار معركة سياسية مفتوحة مع الاحتلال ينبغي خوضها حتى نهاياتها المرتجاة، وعدم اللجوء من قبل البعض إلى التلويح بهذا الزخم السياسي والدبلوماسي من زاوية السعي لتحسين شروط المفاوضات التي من المفترض أن المفاوض الفلسطيني غادرها غير آسف.

وفي هذا السياق، نفهم أن دوافع السعي باتجاه الأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف بهذه الدولة لا تنحصر بوجود أكثرية في الجمعية العمومية تؤيد هذا المسعى، ولا ينحصر أيضاً في محاولة الانفكاك من معادلة التحكم الإسرائيلي ـ الأميركي بمسار المفاوضات ونتائجها.

بل نتجه نحو الأمم المتحدة في الأساس باعتبارها مصدر التشريع الدولي الذي أقر رزمة من القرارات التي من شأن إعادة الاعتبار لها أن يضع الحقوق الفلسطينية على سكة الإنجاز، بعيداً عن التسويات التي تشطب معظم هذه الحقوق وتقايض فيما بينها.

فاقصاء قرارات الشرعية الدولية عن المفاوضات، وتهميش مقاومة الاحتلال على أجندة العمل الوطني وضعا هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في معادلة تسوية سياسية مسقوفة بموازين قوى تؤدي محصلتها إلى ربط أفق انجاز هذا الهدف بالتوسعية الإسرائيلية مسنودة بمواقف واشنطن التي تولت الإشراف الحصري على هذه المفاوضات.

وهذا بحد ذاته وضع مسألة الدولة الفلسطينية في إطار مناقصة لم تنته فصولا بدأت بتقليص حدودها لصالح ضم الكتل الاستيطانية وأقسام واسعة من مدينة القدس الشرقية من خلال فرض مبدأ تبادل الأراضي الذي من المؤسف أن المفاوض الفلسطيني قد وافق عليه ودخل مع الاحتلال في بازار النسب التي يمكن اعتمادها مما فتح شهية التوسعية الإسرائيلية في الضغط من أجل الحصول على أوسع نسبة من التبادل.

كما أدى التوافق الأميركي الإسرائيلي على جعل هذه الدولة بدون سيادة كاملة من خلال توصيفها بدولة منزوعة السلاح إلى تقديم الخيار الإسرائيلي باستقطاع منطقة غور الأردن ومواقع أخرى في الضفة الفلسطينية كمناطق أمنية إسرائيلية.

وهذا أمر لا يتفق وقرارات الشرعية الدولية لو تم الإصرار على حضورها أساسا في المفاوضات.

لذلك قلنا في أوقات سابقة بأن المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وحتى تكفل عوامل نجاحها ربطاً بالحقوق الفلسطينية ينبغي أن تضمن أولاً وقبل انطلاقها اعتراف تل أبيب بأنها دولة محتلة للأراضي الفلسطينية بعدوان عام 1967 وبالتالي تبدي استعدادها للنزول عند قرارات الشرعية الدولية وبالتالي تكون مهمة المفاوضات كما هو مفترض البحث في آليات انهاء الاحتلال وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية لهذه الأراضي.

إن الخروج عن قرارات الشرعية الدولية وتغييبها عن مسار التسوية السياسية التي جرت إنما جاء بناء على تصورات سياسية انطلقت تعبيرا عن محاولات البعض فصل استحقاقات النكبة الفلسطينية عن المهام التي نشأت على أجندة العمل الوطني جراء الهزيمة التي وقعت في عام 1967 .

وجرى البحث عن قيام الدولة الفلسطينية من موقع تهميش القضايا الأساسية التي أنتجتها النكبة وفي المقدمة قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى الديار والممتلكات التي طردوا منها ويكفله لهم القرار الدولي 194.

إن السياسات التي أدت إلى ذلك تشكل خروجا بينا عن البرنامج الوطني الفلسطيني الذي ربط ما بين الحقوق الفلسطينية من زاوية تكاملها وتعبيرها عن قضية واحدة لشعب واحد فتجزئة القضايا برأينا تعني الفصل بين الحقوق وتجزئة القضية الواحدة إلى عناوين متفرقة تفسح في المجال أمام توسعية الإسرائيلية وتواطؤ الأميركي لتعامل مع هذه العناوين بانتقائية ربطا بمصالح الاحتلال.

ومن هذه الزاوية تم إقصاء قضية اللاجئين إلى مسار تفاوضي آخر في اتفاق أوسلو.

ومنذ ذلك الوقت بدأ تهميش هذه القضية إلى أن تم اعتبارها عقبة أمام تحقيق هدف قيام الدولة الفلسطينية وتم المساومات من أجل شطبها مقابل «الدولة».

وعلى الرغم من أن البعض اعتقد أنه سيكسب من وراء هذه المقايضة دولة مستقلة إلا أن معادلة التفاوض التي غابت عنها قرارات الشرعية الدولية فتح شهية الاحتلال ومن يسانده لعرض مقايضات جديدة تساوم فيما بين القضايا الأساسية التي تشكل عماد قيام هذه الدولة مثل الحدود والقدس والأمن والمياه وغيرها..

وبات الحديث عن دولة مستقبلية للفلسطينيين بنظر تل أبيب ينحصر في حصولهم على اعتراف الاحتلال بولاياتهم على المساحة التي سلمت للسلطة الفلسطينية في إطار اتفاق أوسلو أي المنطقتين أ و ب ومساومتهم على حصة صغيرة من المناطق المسماة ج مقابل الموافقة الفلسطينية على الاكتفاء بإعلان قيام دولة فلسطينية على نصف مساحة الضفة أي بحدود مؤقتة وتترك مسألة الحدود الدائمة لمفاوضات طويلة الأمد تحددها الرؤية التوسعية الإسرائيلية.

كل ما جرى يؤكد بطلان «النظريات» التي خرج بها البعض وكانت تعترف أن التخفيف من الأهداف والشعارات الوطنية المرتبطة بتكامل الحقوق يساعد على انجاز بعضها متجاهلين أنهم بهذه الطريقة لا يجزؤن فقط عناصر القضية الفلسطينية بل يقسمون القوة الحقيقية الدافعة لانجاز هذه الحقوق ونقصد عموم الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده والذي توحده الحقوق وبالتالي الأهداف باعتبار إن المأساة الفلسطينية قد أصابت الفلسطينيين دون استثناء وأن تهميش قضية اللاجئين يعني بكل وضوح محاولة وضع اللاجئين الفلسطينيين في خانة التقاعد عن العمل الوطني الفاعل وهذا ما لم ينجح وزاد من التفاف اللاجئين الفلسطينيين كما جميع الشعب حول تمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات وعدم مقايضته بأي شعار أو هدف آخر.

ولم تقتصر محاولات تفكيك البرنامج الوطني على الفصل بين العناوين الرئيسية للقضية الوطنية بل تجاوزها وفقا للرؤية السابقة ليصل إلى تفكيك عناصر العمل الوطني في المكان الواحد وعلى سبيل المثال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 عندما تم تسييد الخيار التفاوضي وتهميش كافة مناحي العمل الوطني وخاصة مقاومة الاحتلال بكافة أشكالها مما مكن الجانب الإسرائيلي من أن يحشر المفاوض الفلسطيني في حلبة التفاوض ووضعه أعزلا أمام الخلل الهائل في ميزان القوى لصالح الاحتلال وسياسته التوسعية.

وجاء الانقسام الفلسطيني وتداعياته ليزيد الطين بلة بقيام سلطتين متناوئتين في كل من رام الله وغزة واحتل التجاذب فيما بينهما مساحات واسعة من اهتمام وجهد كل من الطرفين المتصارعين وهو ما عزز قدرة الاحتلال على الاستفراد بالحالة الفلسطينية بكافة مكوناتها كما أدى الانقسام إلى إقصاء البرنامج الوطني الموحد عن حيز الفعل الميداني.

على هذه الصورة، من الطبيعي أن ندعو لتصويب الوضع الفلسطيني بدءا من إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بناءا على إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الموحد الذي يكفل وضع عناصر القضية الفلسطينية جنبا إلى جنب في تكامل نضالي ووفق خطة وطنية يتفق عليها الجميع ويضعون الحقوق الفلسطينية مرة أخرى على سكة الانجاز.. وهذا ممكن وواجب.


المصدر