الدعوة والمال والوعي الإيماني

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الدعوة والمال والوعي الإيماني

د.إبراهيم زيد الكيلاني

مقدمه

الدارس للسيرة النبوية يجد الوعي الإيماني لما تتطلبه الدعوة من إنفاق وقيام الصحابة الكرام ببذل المال في الوقت المناسب، كان من أعظم أسباب انتصار الدعوة، وثناء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على هؤلاء السابقين المحسنين.

وفي حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مالُ أَحَدٍ قط ما نفعني مال أبي بكر" (سنن الترمذي).

الذي كان لماله يوم الهجرة أثره العظيم في إعداد الراحلة والزاد، كما كان سباقاً في البذل في الغزوات وعلى حاجات الدعوة ومطالبها.

وحين أُشيعَ عن تعرض المدينة لغزو الروم سَارعَ الصحابة بالإنفاق على غزوة تبوك ليواجهوا الروم في بلادهم قبل أن يصلوا إلى المدينة المنورة، وكان في مقدمة هؤلاء عثمان بن عفان صلى الله عليه وسلم الذي جاء بماله وجهَّز معظم الغزوة حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه بالدعاء له: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم، اللهم ارضَ عن عثمان فإني عنه راضٍ".(سنن الترمذي)

واليوم، والمسلمون يواجهون أخطر غزوة صليبية صهيونية، تسعى لهدم المسجد الأقصى المبارك، وتهويد القدس وفلسطين، واحتلال البلاد العربية والإسلامية عسكريّاً، وثقافيّاً، وسياسيّاً، واجتماعيّاً، وتغريب قوانين الأسرة لهدم الحصن الأول في بناء المجتمع وهو الأسرة، وتغريب القيم والأخلاق عن طريق المدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية، ونجد كثيرين من الحكام وأصحاب القرار ينفذون خطط الأعداء في فلسطين المحتلة، والعراق، وغيرها من بلاد الإسلام.

  • ماذا نفعل لمواجهة هذه الأخطار؟
هنا نجد الوعي الإيماني والحضاري بالأخطار المحدقة ووجوب مقاومتها ودفعها.
هذا الوعي الذي نفتقده عند الكثيرين من الأغنياء الذين يسرفون على أنفسهم وحفلات أعراسهم وزينة بيوتهم، ولا يقدمون شيئاً للجهاد والمجاهدين.
كما نجد عند كثيرين من الذين يتصدقون لا ينفقون في سبيل الجهاد والمقاومة، ولا ينفقون على المؤسسات الدعوية التي تسعى لدفع فتنة الأعداء بحجب أبنائنا عن القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه، أو مؤسسات الدعوة الإسلامية التي تقاوم التغريب فكراً وتربية من خلال مدارسها وعلمائها.


اليهود والمال:

ولذلك كان وعي المؤمن بالأخطار وما يفرضه الله عليه لدفعها أساساً لحركته وجهاده.

وإذا عرفنا أن أعداءنا الذين احتلوا فلسطين وشردوا شعبها ثم احتلوا العراق ودمروه، يعتمدون على المال اليهودي، وتجد أموال اليهود في العالم تصب لدعم العصابات الصهيونية، فأولى بالعرب والمسلمين أن يحوِّلوا مالهم لنصرة المجاهدين، والمقاومة، ونصرة الدعوة ومؤسساتها.

والدارس لآيات الإنفاق في القرآن الكريم وللأحاديث النبوية يجد التوجيه الإلهي: كيف ننفق المال في الطريق السديد والتجارة الرابحة التي تحوِّل المال إلى جهاد في سبيل الله، وإعداد للمجاهدين وإنفاق عليهم، وعلى أُسَرِهِم، وتأمين للسلاح لتستمر المقاومة للمحتل، حتى ينتصر دين الله.

كما تحوِّل المال إلى الدعوة ومؤسساتها القرآنية والعلمية والاجتماعية لتقف في وجه الفتنة التي يسعى الأعداء من خلالها إلى تغريب الأسرة المسلمة بفرض القوانين الغربية على مؤسساتنا القانونية، وفرض القيم والأخلاق الغربية على مؤسساتنا التعليمية والثقافية والإعلامية.

والمسلم الواعي لأهداف دينه، ومقاصده، وللأخطار التي تسعى لهدمه وإبعاده عن المجتمع، متمثلة بالصهيونية والصليبية وأعوانهما من الحكام ورجال الصحافة والكتاب والمستغربين، يعرف بوَعْيِهِ وإيمانه كيف يقاوم بالنفس والمال والكلمة ويجعل ماله مجاهداً في سبيل الله يدافع عن دين الأمة ووجودها.


وقفة مع بعض الآيات والأحاديث:

وهنا يحسن الوقوف عند بعض النصوص الكريمة لنجد كيف تدعونا للإنفاق في سبيل الله، وتُذكِّرُنا بالأخطار العظيمة التي ندفعها بهذا الإنفاق، ونحصِّن بها أنفسنا وأمتنا من الهلاك.

1. قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].

فالقرآن يقرن الأمر بالإنفاق على الجهاد والمقاومة بالتحذير من أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة؛ لأن المقاومة والجهاد حياة الأمة، ومنع تقديم العون لهما والدعم فيه هلاك الأمة وانتصار أعدائها وتحقيق أهدافهم في بلاد المسلمين.

وهذا ما حذر الله تعالى منه المسلمين في عهد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم بعد أن انتصر الإسلام ورأوا أن ينشغلوا بتجارتهم وزروعهم، فعرَّفهم ربهم أن الانشغال عن الجهاد وعدم الإنفاق عليه يعني الكارثة والهلاك والزوال.

2. وفي قوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ والله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

فالآية تقدم للأمة الوعي الإيماني بأن الأغنياء حين يبخلون،إنما يبخلون عن أنفسهم،حين يعرِّضونها للهلاك وغلبة الأعداء،أو للجهل وغلبة الدهماء والجهلاء.

3. ويخاطب القرآن الكريم عقل المؤمن وتفكيره ليعرف ثواب الإنفاق في سبيل الله حين يقرنه بالإيمان بالله ورسوله؛ لتستقر في عقيدته أن الذين يدافعون عن دينهم وإيمانهم هم الذين يحسنون الإنفاق في سبيل الله لنصرة دينهم،والقيام بمؤسسات الدعوة العلمية والقرآنية والحركية.

قال تعالى: {آَمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7].

4. ونجد قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] يَعْقُبُه الحديث عن ثواب المؤمنين، ثم عن خسارة المنافقين الذين لم يَصدُقوا في الإيمان والجهاد والبذل للدعوة.

قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:12]. وقال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13].

5. ونجد في نهاية هذه الآيات الوصف الجامع وهو الصِّدِّيقيّة والشهادة، لمن أحسنوا الإنفاق على الدعوة والجهاد بقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا الله قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ . وَالَّذِينَ آَمَنُوا بالله وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:18-19].

والصِّدِّيقون والشهداء هم رجال الدعوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وشهدوا على الناس بالدعوة والتبليغ، وأحسنوا الإنفاق والجهاد بالمال والكلمة والنفس في سبيل الله.

6. وفي أواخر سورة البقرة يتجلى الوعي الإيماني الحضاري للإنفاق في سبيل الله من خلال ما يلي:

- كيف تفدي نفسك وتعتق رقبتك من النار؟ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].

- وتأتي آية الكرسي، وهي آية الوحدانية بعدها مباشرة، لتربط الإنفاق بالعقيدة، ولتُخَلِّص نفوس المنفقين من كل ما يشغلهم عن الله، والإنفاق في سبيله، وهم يذكرون ما يعتق رقابهم من النار في يوم لا تنفع فيه خُلَّةُ صديق، ولا شفاعة شافع، ولا مال تجارة، ويستذكرون بعدها عظمة الله الحي القيوم لتمتلئ نفوسهم بجلال عظمته فلا يبخلون ولا يقصِّرون في نيل رضوانه.

- ثم تأتي الآيات التي تذكر جهاد خليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومقاومته للطاغية الذي نصَّب نفسه إلهاً من دون الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ والله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

- وتأتي بعد آيات تقرير الوحدانية في آية الكرسي، وفي حوار نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم للملك الظالم، آيات الإنفاق في سبيل الله وثوابه وأدب الدعاة المنفقين، وما يملك قلوب أهل الإيمان وهم ينفقون في سبيل الله ويعملون للدعوة، لنجد منهج القرآن الكريم في الربط بين الإيمان والإنفاق، وإيجاد الوعي الإيماني الحضاري الذي يعرف فيه المسلم أنه مستخلف على مال الله، وأن أولى مصارف الزكاة والصدقات: الجهاد والمقاومة، وحفظ الإسلام في الأرض في مواجهة فتن اليهود والصليبيين الذين أعلنوا حربهم وأعدُّوا عدتهم للقضاء على الإسلام والمسلمين.

قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

وقد ورد في سبب نزولها في غزوة تبوك وصدقة عثمان صلى الله عليه وسلم بماله، التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم".

وإذا كان ثواب الحبَّة بسبعمئة، والمئة بسبعين ألفاً، والله يضاعف لمن يشاء، تنبيهاً وتوجيهاً لخطر المرحلة، وتعليماً للمسلم كيف يواجه الخطر؛ فغزوة تبوك كانت لمواجهة خطر الروم، ووعي المسلمين وإدراكهم لدفع هذا الخطر جعلهم يتسابقون ببذل أموالهم، كما كشفت المنافقين الذين فقدوا حقيقة الإيمان، كما فقدوا الوعي بخطر المرحلة، وعِظَم المواجهة.

واليوم، ونحن نواجه خطر الروم من جديد متمثلين بالصليبية والصهيونية ندعو المؤمنين ورجال الدعوة ليتمثلوا توجيه القرآن الكريم في التعاون لدفع هذه الأخطار من خلال تقديم العون والمال للدعوة ومؤسساتها وللجهاد والمقاومة بكل صورها وألوانها.


من قواعد الوعي الإيماني في الإنفاق:

  1. إخلاص العمل لله رب العالمين، لا يطلب ربحاً ولا ذكراً ولا مصلحة دنيوية.
  2. ألاّ يُتْبِع الصَّدقة بما يُبطِلها من منٍّ أو أذى، والمن هو تعداد أعمالك في الخير، والافتخار بها، ولفت النظر إليها، والأذى ما توجهه للسائل من كلمات قاسية، ويدخل فيها بالنسبة للعلماء والدعاة ألا يخدشوا الأخوَّة بالحرص على تحقيق المصالح داخل الحزب أو الجماعة، وفي سبيل ذلك يستبيحون أعراض إخوانهم وغيبتهم، فإذا كان إنفاق المال لا يقبله الله إلا خالصاً لوجهه، مطهراً من المنِّ والأذى، فكذلك إنفاق العلم، وعمل الدعوة وهو جهاد في سبيل الله بالكلمة والعمل الصالح لا يجوز أن يُستغلّ للمصالح الشخصية داخل التنظيم أو خارجه، ولا يجوز أن يُتْبَعَ بالأذى، المقطِّع لأرحام الدعوة، وقوة التنظيم.

ونقف مع الآيات الكريمة التي أتبعت ثواب الإنفاق بأدب الإنفاق حتى لا يُحبَط ولا يَضيع. قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى والله غَنِيٌّ حَلِيمٌ .يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا والله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:262-264].

المصدر