الدعوة والدعاة
المستشار عبد الله العقيل
لم يخلقنا الله (عز وجل) إلا لعبادته وحده لا شريك له (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، والعبادة هي الخضوع لله (عز وجل) والتذلل له، وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب؛ حتى يعبد الناس الله تعالى على بصيرة، والرسل هم هداة الخلق وأئمة الهدى ودعاة الثقلين جميعًا إلى طاعة الله وعبادته (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
وقد ختم الله الرسل ببعثة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فكان خاتم الأنبياء، وكان الإسلام خاتم الأديان، وكان القرآن خاتم الكتب السماوية، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأوذي في الله أشد الأذى، ولكنه صبر على ذلك كما صبر مِن قبله الرُّسل، وظل يدعو إلى الله سرًا وجهرًا، وسار الصحابة من بعده على منهجه، وكذا التابعون وأتباعهم إلى يومنا هذا.
إن الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأشرفها في كل زمان ومكان، فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوبها، وأنها من الفرائض (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وقال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وقال عز من قائل: (وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين)، وقال سبحانه: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
فبيّن الله (عز وجل) أن الدعاة إلى الله هم أتباع الرسل (صلى الله عليه وسلم)، وهم أهل البصائر.
ولقد صرح العلماء بأن الدعوة إلى الله فرض كفاية بالنسبة للأقطار التي يقوم فيها الدعاة بالدعوة إلى الله، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة، وعملاً صالحًا جليلاً، ولكن عند قلة الدعاة وكثرة المنكرات وغلبة الجهل، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته.
وفضل الدعوة والدعاة إلى الله وردت فيه آيات وأحاديث كثيرة كقوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين)، وقال (صلى الله عليه وسلم): «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».
فالمقصود من الدعوة إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإرشادهم إلى الحق، والمسلمون هم أمة دعوة عالمية؛ لأن رسولهم وكتابهم ودينهم للعالمين جميعًا.
ولا يصح بحال من الأحوال أمام هذه النكبات التي تجتاح العالم الإسلامي كله، وتستهدف الدم المسلم والمال المسلم والعرض المسلم والأرض المسلمة أن نقف مكتوفي الأيدي، نمضغ خلافات جوفاء، وتسيطر علينا أفكار ضحلة، وتسيرنا أهواء قاتلة وشهوات غبية.
إن الهداة المبلغين عن الله جمع غفير من بدء الخليقة إلى ختام النبوات بصاحب الرسالة العظمى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان منهجه تغيير العالم أجمع من الشرك إلى التوحيد، ومن الضلال إلى الهدى ومن الجهل إلى العلم.
إننا نريد ثقافة تجمع ولا تفرق، وترحم المخطئ ولا تتربص به المهالك، وتقصد إلى الموضوع ولا تتهارش على الشكل.
يقول الغزالى: "الحق أن هناك أناسًا يشتغلون بالدعوة الإسلامية، وفي قلوبهم غل على العباد، ورغبة في تكفيرهم، وإشاعة السوء عنهم.. غل لا يكون إلا في قلوب الجبابرة والسفاحين، وإن زعموا بألسنتهم أنهم أصحاب دين، إن فقههم معدوم، وتعلقهم إنما هو بالقشور والسطحيات".
ويقول أيضًا: «إن الجهود مبذولة لمطاردة الدعاة الصادقين من العلماء الأصلاء والفقهاء الحكماء للقضاء عليهم، وترك المجال للبوم والغربان من الأميين والجهلة والسطحيين يتصدرون للدعوة، ويتحدثون باسم الإسلام.
إن القليل من الدعاة المخلصين تضيع جهودهم رغم إخلاصهم بسبب التضييق عليهم وهضم حقوقهم وجهودهم التي يبذلونها أمام هذا الجيش اللجب من المنصِّرين، فأصبح جهدهم يشبه نشاط التجار الصغار أمام الشركات الكبرى".
المصدر
- مقال: الدعوة والدعاة موقع عبدالله العقيل