الخلافة القوة القادمة
بقلم : محمد خضر قرش ـ القدس
على مدى الشهور القليلة الماضية ، استوقفتني عبارات ثلاث ، وضعتها إحدى الحركات الإسلامية على ملصقات ويافطات ملأت شوارع رام الله والبيرة وغيرهما من المدن .
ولخدمة سياق المقال لا بد أن نشير إليها قبل القيام بتحليلها وتبيان جوهرها ومعناها ومغزاها في هذه الفترة بالذات.
أما العبارات فكانت : الخلافة هي الرد وفتح روما هو الرد والثالثة كانت الخلافة القوة القادمة .
ومن يقرأ هذه العبارات البراقة يظن (والظن هنا بمعنى الاعتقاد فهو ليس إثم) بأن أصحاب هذه الشعارات لديهم جيش جرار وتنظيم طويل وعريض ومتين يعمل ليلا ونهارا لترجمة هذه الشعارات إلى واقع ملموس .
إلا أن حقيقة الموقف ليست كذلك .
فالحزب أو الحركة التي أطلقت هذه الشعارات البراقة الخالية من أي فعل حقيقي وميداني على الأرض، لم تطلق بتاريخها رصاصة واحدة ضد كل المحتلين والمستعمرين الذين احتلوا فلسطين وبلاد العرب والمسلمين اعتبارا من الاحتلال العثماني مروراً بالفرنسي والبريطاني والإيطالي وأخيرا الإسرائيلي ، كما أنهم لم يشاركوا في أي فعالية نضالية سواء بالمظاهرات أو الاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي ل فلسطين و القدس على الأقل.
وحتى لا ننكر لها شيئا من هذا القبيل ، فكل ما تفتق عقل هذا الحزب كان الفعل السلبي ضد زيارة وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر للمسجد الأقصى المبارك .
وشخصيا لم أسمع أو أشاهد وعلى امتداد الخمسين عاما أن قام هذا الحزب بالمشاركة بأي فعالية نضالية مسلحة أو غير مسلحة جماعية أو فردية، بشكل منفرد أو بالاشتراك مع الآخرين علما بأن القدس الشرقية محتلة منذ عام 1967 و فلسطين منذ عام 1948 وأن إسرائيل أقامت سورا لعزل مدينة القدس عن المدن الفلسطينية الأخرى ناهيك عن الجدار الأسمنتي الذي يقضم الأرض والسكان ..الخ.
ليس هذا فحسب بل أنني حتى تاريخه لم اقرأ لهذه الحركة أو الحزب كيف يمكن تحقيق الخلافة ومتى سيتم إعلانها وما هي الوسائل النضالية التي سيتم إتباعها و/أو انتهاجها وقبل ذلك ما هو تعريف وإطار ومضمون الخلافة !!
فهل المقصود الخلافة التي اعتمدها الخلفاء الراشدون بعد وفاة رسول البشرية صلى الله عليه وسلم؟
أم المقصود الخلافة الأموية الوراثية ومثلها العباسية والمملوكية والأيوبية والأموية الاندلسية أم المقصود الخلافة العثمانية الوراثية المتخلفة؟.
وهل المقصود الخلافة بمعناها الديني أم السياسي ؟
وهل ستتم الخلافة عن طريق ذهاب الشعب لاختيار الخليفة الصالح لحكم المسلمين أم سيتم اختياره من مجلس يمثل الشعب أو مجلس يمثل العلماء ؟
هذا الحزب عليه أن يوضح للناس كل الناس ما الذي يقصده بالخلافة ومتى سيتم إعلانها ومن الذي سيعلنها وما هو الرأي الشرعي إزاءها .
هل سيتم اعتماد وجهة نظر المسلمين الشيعة (ولاية الإمام) أم المسلمين السنة؟
أم هل سيتم الأخذ بالنهج الوهابي وما هي آراء ومواقف مؤسسة الأزهر الشريف والأخوان المسلمين وبقية الاتجاهات الدينية المنتشرة في بلاد العرب والمسلمين .
فتعريف الخلافة هام وحيوي وضروري لإقناع الناس بالسير وراء هذا الشعار والدفاع عنه والعمل لتحقيقه بما في ذلك الاستشهاد في سبيله ، كما فعل المسلمون الأوائل لنشر الدعوة والخلافة الإسلامية الأولى.
أم المقصود بالخلافة قيادة هذا الحزب للعمل الديني والسياسي فحسب؟.
وما دام الحزب لم يقم بتعريف الخلافة ولم يوضح محدداتها وقواعدها وأساليب الحكم فيها ، فإن الحديث عنها ليس أكثر من عملية هروب إلى الأمام وترك الكفاح والقتال لدحر الاحتلال .
فكيف يمكن إقامة الخلافة وفلسطين و العراق و أفغانستان و الصومال محتلة والعديد من الأنظمة الإسلامية غير معنية بها ولا تريدها .
عبارة «الخلافة هي الرد» أو «القوة القادمة» يماثل تماما عبارة تحرير فلسطين ودحر الاحتلال التي رفعها العرب والمسلمون منذ ستين عاما .
فكل العبارات ثبت بأنها غير ممكنة بل وغير قابلة للتحقيق وهي ليست أكثر من إعفاء النفس عن النضال والعمل الفعلي لإقامة الخلافة وقبلها لدحر الاحتلال .
فحينما يأتي رد الحزب على تصريحات البابا بشأن الإسلام هو عبارة «فتح روما هو الرد» فإن ذلك يحمل في طياته سذاجة وجهل وعدم وعي واستغباء الآخرين .
فإذا أراد الحزب أن يفتح روما رداً على تصريحات البابا فعليه أولا أن يفتح القدس ويزيل «الجدار» ويطهر المسجد الأقصى الأسير ويزيل الاحتلال الإسرائيلي وبعد ذلك ينتقل إلى العواصم العربية والإسلامية ويفتحها ويقيم حكم الله فيها ومن ثم يذهب لفتح روما بل أنه حينما يتم كل ما سبق فإن روما سوف تسلم بدون قتال.
فرفع شعار «فتح روما هو الرد» يماثل تماما قرار إقامة الدعوة الإسلامية فوق سطح القمر وبناء نظام إسلامي هناك .
فعلى الحزب في البداية أن يصعد إلى القمر ويرسل جنوده وأعوانه ومناصريه إلى هناك بالإضافة إلى إرسال البشر ، وبعد ذلك يقيم الخلافة كيفما يريد.
إطلاق الشعارات البراقة الكبيرة الخالية من المضمون والفعل المصاحب لها لا تعدو كونها هروبا واستنكافاً وعزوفاً عن ممارسة النضال وتقديم الشهداء لتحقيق الخلافة وأن يفعل ما قاله اليهود لسيدنا موسى عليه السلام «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون».
كيف يمكن إقامة الخلافة وكل دولة عربية وإسلامية لها مفهومها وتفسيرها لدولة الخلافة؟
بل أن بعض دول المغرب العربي تعتبر نفسها بأنها بلد الخلافة وأن إيران الإسلامية قد بدأت بتطبيق نظام الخلافة على طريق ولاية الفقيه .
لقد بلغنا سن الرشد الديني والسياسي ولم يعد لمثل هذه الشعارات البراقة الخالية من أي مضمون و غير المصحوبة بالفعل الملموس، تأثير علينا .
فالصراخ في الجبال والوديان والصحاري لا يفيد بشيء ..
حيث لا تسمع شيئا سوى صدى الصوت .
الخلافة انتهى عصرها وولى ولن تعود حتى يرث الله الأرض ومن عليها . فإقامة الخلافة لها متطلبات وقواعد وشروط غير متوفرة لدى أي حركة أو حزب إسلامي حتى تاريخه.
إذا فلماذا تطرح الآن وبهذا الشكل؟
سؤال من حقي وحق كل مواطن فلسطيني أن يسأله ؟
فالعرب والمسلمون لم يتفقوا على تخليص اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من الاحتلال الإسرائيلي وكذلك بالنسبة للعراق و أفغانستان و الصومال فكيف تريد منهم أن يقيموا الخلافة الواحدة ويلغوا سلطتهم وحكمهم ؟.
الخلافة ليست شعارا يرفع، كما رفع شعار تحرير فلسطين من قبل . ووقائع الحياة عنيدة حيث المسلمين في كل بقاع الأرض مهزومين ومقهورين ..
فقبل تحقيق الخلافة يتطلب الأمر نصرة المسلم في فلسطين و العراق ..الخ
والوقوف معه ومده بكل وسائل الدعم والمساندة وبعد ذلك لا بأس من رفع شعار الخلافة القوة القادمة ، وبعكس ذلك فإنه يحق لي أن أقول عنها الخلافة هي السراب الدائم أو الوهم الدائم الخلافة ليست قادمة و«فتح روما» لن يتحقق لأنه باطل.
علينا أن نفتح القدس أولا ونزيل «الجدار» ثانياً وننهي الاحتلال الإسرائيلي ثالثا وبعد ذلك ننادي الخلافة القوة القادمة ..
وبدون ذلك ، فهذه الشعارات لن تجلب لأصحابها سوى اليأس والإحباط والهزيمة والمكوث طويلا طويلا بانتظار جلاء السراب وزوال الوهم المسكون في عقول وأدمغة أصحاب هذه الشعارات البراقة التي لا فائدة ترتجى منها سوى استخدامها للاستنكاف عن المشاركة بالعمل الجماعي لفتح القدس وتحرير الأقصى والتخلص من الاحتلال.
كيف يريد أصحاب الشعارات البراقة أن يفتحوا روما هل سينزلون بالمظلات أو بلبس طاقية الإخفاء ؟.
الطريق إلى روما طويل جداً جداً ، فالأولى إذا كانوا جادين ومؤمنين بشعاراتهم أن يعملوا شيئاً ملموساً لفتح القدس وإزالة «الجدار» وإنهاء الاحتلال .
والغريب من كل ما تقدم ، بأن هذا الحزب لم يرفع أي شعار أو يلصق أي بيان كالذي وزعه في رام الله والبيرة وغيرهما في شوارع القدس وأسوارها ، فماذا يفهم من ذلك؟
لماذا لم يقم وينظم احتفالاته في القدس ، سؤال على هذا الحزب أن يجيب عليه قبل أن يطلق شعارات براقة خالية من أي مضمون أو مغزى ؟
والله نسأل الهداية والتوفيق وأن يلهمنا الرأي الرشيد والسديد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر
- مقال:الخلافة القوة القادمةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات