الخسارة على رهان الديمقراطية في الشرق الأوسط
تيموثي دبليو براون
محتويات
مقدمة
جاءت الانتخابات اللبنانية في أغسطس 2007 من أجل ملء فراغ المقاعد الذي خلفته سلسلة الاغتيالات التي طالت الرموز البرلمانية من بدايات هذا العام.
كما خسر الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل الذي اغتيل ابنه بيير في شهر مارس الماضي. كتب حسن فتح مقالة فى نيويورك تايمز في 10 أغسطس 2007 مقالة بعنوان ((الولايات المتحدة تساند الانتخابات النزيهة لأنها تريد أن تشاهد حلفاءها وهم يخسرون)) U.S. Backs Free Elections, Only to See Allies Lose” حيث وصف فيها خسارة السيد الجميل بأنها بسبب دعم الولايات المتحدة له بدلا من تشتت أصوات الناخبين المسيحيين وزعم الجميل أن هذه الخسارة كانت بسبب تزوير الانتخابات, وفي يناير 2006 ساندت الولايات المتحدة منظمة فتح في مواجة منظمة حماس في الانتخابات السلطة التشريعية كما ساندت في أغسطس 2007 أمين الجميل وحركته 14 آذار.
السؤال لماذ تساند الولايات المتحدة أحزابا سياسية ومرشحين دائما ما يكونوا في الجانب الخاسر في انتخابات بلادهم.
يرى حسن فتح أن المشكلة هو أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تعتقد أن تعزيز الديمقراطية من وجهة نظرها سوف يقرب تلك الدول من الغرب, في أي مرة تجرى فيها الانتخابات حرة وفي كل مرة تخسر الفئات التي تدعمها الولايت المتحدة.
في كلا المثالين السابقين فإن الانتخابات النزيهة قد أجريت من أجل تعزيز الديمقراطية في المنطقة كجزء من مبادرة الرئيس جورج بوش من أجل الشرق الأوسط الكبير. لكن أدبيات الرئيس بوش في مبادرة الشرق الأوسط لم تترجم في الواقع إلى أي شيء يصب في صالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
على سبيل المثال, جاءت الانتخابات حماس على عكس الحسابات السياسية لواشنطن وتل أبيب أما خسارة أمين الجميل لم تكن في صالح أيا منهم على الإطلاق ولا في صالح الغرب, والآن فإن المثالين المذكورين أثبتا أن الفريق الذي ساندته الولايات المتحدة قد خسر المعركة ومرة أخرى نعود للسؤال لماذا تدعم الولايات المتحدة أحزابا ومرشحين في الجانب الخاسر في الانتخابات بلادهم.
كلنا يعتقد ويؤمن أن مساندة أقوى دولة ديمقراطية في العالم لأي طريق سياسي لا بد وأن يحظى بالفوز الساحق في أي انتخابات نزيهة .
هناك العديد من الإجابات والاستنتاجات لهذا السؤال, لكن أهم الأسباب التي تؤدي إلى فشل المرشحين المدعومين من أمريكا هو أن مصالح أمريكا ترادف مصالح دولة إسرائيل , كما أن هذه المصالح هي التي تسببت في وصول المالكي إلى الحكم من خلال الانتخابات ديمقراطية حيث ركزت الولايات المتحدة على دعم أفراد وفصائل وأنظمة بجانب التشدق بحقوق الإنسان بدلا من منظمات الحكم.
السياسة الأمريكية = السياسة الإسرائيلية
إن الدعم المطلق من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل هو السبب الحتمي لكراهية السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة حيث إن المرشحين الخاسرين تلتصق بهم تهمة حمل أجندات امريكية وهي التي تدعم إسرائيل وتسببت في دوامة العنف في العراق.
يشار إلى أن رؤساء الولايات المتحدة منذ عام 1947 وهم يشعرون بالتزاما تجاه إسرائيل أمنها لا يضاهيه التزاما تجاه أي دولة في المنطقة.
يعتقد الكثير من العرب أن إعلام الولايات المتحدة ودوائر صنع القرار تسيطر عليها جماعات الضغط الصهيونية كما ينظر لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة على أنها منحازة وتغض الطرف عن الاعتداءات الصهيونية كما تدعم بلا انقطاع السياسة الإسرائيلية وتتجاهل محنة الشعب الفلسطيني.
إن سياسة الإدارة الأمريكية في عهد بوش تميزت بإطلاق العنان لإسرائيل كي تفعل ما تشاء تجاة الشعب الفلسطيني. إن سياسة الولايات المتحدة المتجاهلة منذ أمد بعيد أجندة منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت التي تنحاز فيه انحيازا مطلقا لدولة إسرائيل يرسل رسالة مدمرة للدول العربية المجاورة.
الحكومة الديمقراطية في العراق
إن من أكبر التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة بعد الحرب وبعد شنق صدام هي مساعدة العراقيين لبناء حكومة مركزية تتولى مهامها من بغداد. بالرغم من أن العامل الطائفي يتغلغل بشدة في عمل الحكومة العراقية إلا أن وجود قوات احتلال والدور "الاستعماري" للولايات المتحدة هو الذي أدى إلى هذا التخبط السياسي في المشهد العراقي.
ومما زاد الطين بلة بعد وجود قوات أجنبية في العراق هو الانتهاكات التي ارتكبها جنود أمريكيين في سجن أبى غريب مما عقد الموقف بشكل أكبر. مما جعل هذا التحدي يبدو جليا هو الصعوبات التي تعرقل إعادة بناء العراق سياسيا بعد الحرب.
إن حقيقة أن الولايات المتحدة هي التي تتولى الحديث عن مستقبل العراق السياسي والدستوري يعني أن الجماعات التي تعارض مكائد القوة الكبرى لن تشارك في هذه المناقشات حيث ستكون تكاليفها باهظة.
إن بعض الفصائل مثل مقتدى الصدر وأعوانه يعتبرون مشاركتهم في حكومة تدعمها الولايات المتحدة أو حكومة مؤقتة لن يحقق لهم أمالهم التي يطمحون إليها كما أنها تضاف إلى رصيدهم السياسي إذا ابتعدوا عن تلك الحكومة .
إن الإملاءات الأمريكية على الاجندة السياسية العراقية وإضعاف نفوذ الحكومة الانتقالية يجعل العديد من العرب يفقدون الأمل في بناء عراق ليبرالي متعدد الأنظمة السياسية في العراق.
المالكي بين السندان والمطرقة
إن المؤازرة القوية من قبل الولايات المتحدة قد وضعته بين السندان والمطرقة, حيث إن الدعم التي توجه الولايات المتحدة للمالكي قد دفع العديد من القوات المتحالفة في حكومته إلى فقدان الثقة فيه كرئيس للوزراء كما أن علاقاته بإيران دفع العديد من الدول العربية إلى التشكك في نواياه في استعادة الاستقرار للعراق والمنطقة وإضافة إلى ذلك هو الضعف التي تتميز به حكومته في أدائها مما جعله عرضة لانتقادات عديدة, ويصف بعض المسئولين الأمريكيين المالكي سرا بأنه مشروع فاشل حيث إن أعظم ما حققه لم يتجاوز الالتقاء بزعماء سنة وشيعة وأكراد.
كل هذا يعني أنه لا يمكن إحداث أمر فعال في عهده ومع ذلك المالكي مستمرا في منصبه. ويبدوأن السبب في ذلك يعود في عدم اتفاق العراقين والأمريكيين على من يتولى الأمر. وبسبب غياب البديل أصبح الأمر بمثابة توجيه انتقادات بجانب استخدام المهادنة, أي في الوقت الي يعنف الأمريكيين فيه المالكي تجدهم أيضا يرجعون الأمر إلى اختيار العراقيين ويصفه العراقيون بأنه شخصية طائفية غير مؤهلة للحكم كما يتحينون اللحظة التي يتوقف فيها الأمريكيين عن مساندته, وخاصة في ظل تزايد وتيرة العنف الطائفي.
أما فيما يتعلق بتغيير رئيس الوزراء فإن القلة القليلة من السياسيين العراقيين بدأوا يتباحثون في هذا الأمر.
يذكر أن إحدى المشرعات وهي شاثا الموسوي وعلى علاقات بآيه الله علي السيستاني قد اقتربت من شخصيات عراقية في الخارج وطلبت منهم القيام بحملة من أجل ترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الوزراء, ولكنهم جميعا رفضوا وامتنعت شاثا عن ذكر أسمائهم وعندما سئلت عن السبب قالت إنهم لا يريدون أن "تلطخ " سمعتهم.
إن كلمة تتلطخ تعني انصياعهم للإملاءات الأمريكية المهيمنة وأنهم سيكونوا بمثابة دمى تحركها الولايات المتحدة تبعا لمصالحها.
مصالح الولايات المتحدة على حساب الحكم السليم
لقد ظلت الولايات المتحدة لعقود طويلة تركز في سياستها على مصالحها الأمنية في منطقة الخليج العربي وذلك لتأمين وصول البترول إلى الغرب مقابل الحفاظ على استقرار تلك الدول.
كما أن واشنطن ظلت تؤيد إسرائيل وبعض الدول العربية السنية في المنطقة كما أنها صبرت لسنوات عديدة على حلافائها الاستبداديين وغير الديمقراطين في الشرق الاوسط أي أنها تضحي بالحريةر مقابل أمنها, كما أنها في كثير من الأحيان كانت ترتبط بعلاقات مع استبداديين وآثرت صداقتهم عن إدانة سياساتهم القمعية كل ذلك وهي تؤثر الحفاظ على سياساتها البترولية.
إن تبني المعايير المزدوجة في السياسة الأمريكية مثل دعم دول عربية صديقة مثل مصر والسعودية وتونس وفي نفس الوقت تنتقد دول أخرى بسبب سجلها في انتهاك الحريات المدنية ينتقص من صورة الولايات المتحدة كراع رئيس للحرية العالمية.
إن الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة قد أججت النظريات بشأن سياساتها خاصة مع إصرارها على توريط باكستان (وهي الدولة التي يحكمها العسكريون) وأوزباكستان (ذات الحكومة الاستبدادية) بحكم جيرتهم لأفغانستان في هذه الحرب, وأضف إلفى ذلك الحرب على العراق وإساءة معاملة السجناء في العراق وأفغانستان وجوانتانامو كل ذلك نال من سمعة الولايات المتحدة كمدافع عن حقوق الإنسان وأخيرا سياساتها المنحازة مطلقا إلى إسرائيل جعل العرب ينظرون إليها على إنها دولة تمارس سياسة الكيل بمكيالي.
وعلاوة على ذلك فلإن دعمها لشخصيات في الأنظمة العربية الحاكمة بجانب الحديث الضعيف عن حقوق الإنسان يجعل العرب لا يصدقون دعاوى نشر الحرية والديمقراطية عندما تأتي من النموذج الأمريكي.
إن المواطنين الذين يأنون من وطأة ظلم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط يعتبرون العلاقة بين خطابات أمريكا عن الحرية والديمقراطية وأفعالها الحقيقية تجاههم غير متكافئة وتكيل بمكيالين خاصة فيما يتعلق بقمع قوى المعارضة في بلدناهم والحجر على حرية الصحافة.
مساندة فصائل ومرشحين بدلا من مساندة الهيئات والمؤسسات
إن مبدأ فرق تسد كان مبدأً رئيسيا في حكم الاستعمار والإمبريالية الأوروبية في الدول التي احتلتها بل وكانت الدول الاستعمارية تعتمد على تقوية طرف على حساب الآخر في الدول الإفريقية والآسيوية في القرن التاسع عشر.
إن هذا المبدأ وهو تقوية طرف على حساب الآخر من أجل المصالح الاستعمارية خلف بعد استقلال تلك الدول التفرق وانعدام الثقة بين الجماعات العرقية وفي بعض الأحيان تطورت إلى حروب أهلية.
إن هذا الأسلوب المتبع بجانب دعم جماعات وفصائل ومرشحين معينين قد جعل ممن يحظون بالدعم الأمريكي لا ينجحون في أي انتخابات,...((أي دعم من قبل دولة تساند إسرائيل إلى كونها السبب الرئيسي في دوامة العنف في العراق...لكن الأهم هو أن الدعم الأمريكي يتركز على فصيل واحد بدلا من تركيزه على المؤسسات مما يتسبب في وجود انقسامات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار (فتح 2007, أ4)
يرى نيقولا نصيف وهو أحد الكتاب في جريدة الأخبار اللبنانية اليسارية أن ((الأمريكيون يعنقدون أن دعم الديمقراطية لا بدج وأن يؤدي إلى تفاعلات إيجابية, ...ويضيف لا يمكن لأحد أن يكون معارضا للديمقراطية والسيادة والاستقلال والحرية..
لكن عندما تؤدي إلى إغضاب القوى الداخلية وتقوية طرف على حساب الآخر خاصة في دول قد يؤدي فيها هذا السلوك إلى عنف أو حرب أهلية فإنها مرفوضة)) لكن تجدر الإشارة إلى أن اللبنانيين المسيحيين هم أكثر الناس تعاطفا مع أمريكا عن كثير من العرب, لكن التوتر بين رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي تدعمه أمريكا على حساب الطرف المدعوم من إيران يبدو جليا.
وبالرغم من التوقعات التي تعتمد على تعاطف المسيحيين إلا أن السيد الجميل والذي كان من المتوقع أن يملأ مقعدا شاغرا بسبب اغتيال ابنه بيير لم يكسب, حيث توجه الناخبون المسيحيون من جبل متن ومعهم الشيعة وآخرون يقطنون هذه المنطقة إلى الصناديق لاختيار الفريق غير المتوقع وهو الفريق المتعاطف مع حزب الله المتعاطف مع إيران وسوريا المعارضين لأمريكا.
اعتبارات أخرى لدعم التنمية الديمقراطية
إن دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل تحديات للسياسة الأمريكية في المنطقة خاصة بعد الحرب الأمريكية على العراق وأحداث أخرى قد وقعت في الخليج.
ولكن لكي نتحدث عن دعم الديمقراطية في المنطقة لابد من الحديث عن بعض النقاط:
1)إن فرض النموذج الغربي للديمقراطية في المنطقة يعتبر أمرا بلا جدوى في منطقة الشرق الأوسط, ويرى تركي الرشيد وهو إصلاحي سعودي من أجل الديمقراطية أن الناس بشكل أو بآخر يستاءون من القوة القادمة من الخارج ويعتبرون أن المصدر الشرعي الوحيد لقوة أي سياسي عربي تعتمد إما على قوته العشائرة أو علاقاته الدينية.
إن أي أمريكي أو غربي واتته الفرصة ليزور منطقة الشرق الأوسط مؤخرا سيرى الاحتجاج العربي على صعوبة فرض الديمقراطية من الخارج. إن التنمية الديمقراطية في العالم العربي ستكون نتاجا للحراك الداخلي أو الضغوط الداخلية أو المتناقضات.
2)لم يعد هناك أي رصيد للعلمانية في المنطقة, فلسنوات عديدة ساندت الولايات المتحدة الانظمة العلمانية الموالية لها مثل شاه إيران وحتى صدام حسين , لقد بدى إفلاس العلمانية في المنطقة لأنها في نظر المسلمين ما هي إلا نتاجا غربيا لم يؤد سوى إلى تناقضات ثقافية واجتماعية بينهم وبين النخب المتغربة التي شكلت شريحة معينة من الناس في مجتمعاتهم بعد انتهاء حقبة الاستعمار.
3)إن الإسلام عامل رئيسي في المنطقة لا يمكن الاستهانة به وأصبح اليوم يغزو السياسة في المنطقة, وما يمكن أن نشير إليه هو أن الإسلام أصبح العملة السياسية في المنطقة.
ومما يدل على ذلك هو فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا أي دولة غير عربية, ومما يليه فوز صعود الإخوان المسلمون في الانتخابات التشريعية المصرية أمام الحزب الوطني الديمقراطي الذي يترأسه حسني مبارك كل هذه علامات على دور الإسلام المستقبلي في المجال السياسي في الشرق الأوسط في مواجهة الأنظمة العلمانية المستبدة التي لم تجر أي إصلاحات.
الهوامش
End Notes
1. Hassan M. Fattah, “U.S. Backs Free Elections, Only to See Allies Lose” New York Times, nytimes.com, (10 August 2007), p A4, http://www.nytimes.com/2007/08/10/world/middleeast/10arab.html?ex=1187496000&en=953076bd8dcf71db&ei=5070&pagewanted=all&emc=eta-1.
2. John C. Buss, Democratization as a United States Strategy for Middles East Security USAWC Strategy Research Project (18 Mar 2005), 12, http://www.strategicstudiesinstitute.army.mil/pdffiles/ksil219.pdf .
3. Daniel Neep, Dilemmas of Democratization in the Middle East: The Forward Strategy of Freedom, Middle East Policy Council, Vol. XI, Fall 2004, No.3 http://www.mepc.org/journal_vol11/0409_neep.asp.
4. Damien Cave, “Iraqi Premier Stirs Discontent, Yet Hangs On,” New York Times, nytimes.com, (18 Aug2007), http://www.nytimes.com/2007/08/19/world/middleeast/19iraq.html?_r=1&n=Top%2fReference%2fTimes%20Topics%2fPeople%2fM%2fMaliki%2c%20Nuri%20Kamal%20al%2d&oref.
5. نفس المصدر
6. Buss, 11.
7. Fattah, A4.
8. نفس المصدر
9. Ibid.
10. Steven A. Cook, U.S. Democracy Promotion in the Middle East: Is it Working, Council on Foreign Relations, Op Ed (16 Aug 2005), http://www.cfr.org/publication/8618/us_democracy_promotion_in_the_middle_east.html.