الحلقة السابعة الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية
إعداد: إخوان ويكي
كانت جماعة الإخوان على مفترق طرق بعد انعقاد المؤتمر الخامس للإخوان بسراى آل لطف الله عام 1939م وأعلن البنا موقف الإخوان من السياسة والبرلمان والمحتل ووضع مصر، وقد تصادف ذلك الإعلان العالمي للحرب العالمية الثانية حيث اندفعت ألمانيا بجحافلها وقوتها تدك حصول وقلاع البريطانيين والفرنسيين وحلفائهم ظانة منها أنها قادرة على دحر هؤلاء الحلفاء والذين توحدوا ضدها ومن سار في فلكها فابيد الأخضر واليابس من جراء هذه الحرب التي لم تخلف إلا الدمار.
اندفع الألمان في بداية الحرب معتمدين على قوتهم العسكرية وتفوقهم العددي والأسلحة حتى وصلوا إلى العلمين بغرب مصر حيث دارت على رحاها معركة من اكبر المعارك والتي كانت تعتبر بداية النهاية للألمان.
بحث الانجليز عن كل ما يضعف شأنهم ففرضوا جبرا على الملك فاروق وزارة هى من حلفاء المحتل وهي وزارة النحاس باشا أملا منهم في أن تلتزم بمعاهدة 1936م وتقوم على تنفيذ بنودها التي كان في مجملها بنود في خدمة المحتل وجيشه. وضع الانجليز مخطط لنسف القناطر والسدود في حال تقدم الألمان للقاهرة غير عابئين بغرق البلاد والناس معا.
لم يتوقف الأمر على ذلك لكنهم حاربوا كل من يظنون أنه عدوهم، فحاربوا الملك الذي كان يميل للألمان، وطاردوا حركات المقاومة ضدهم وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين حيث حاولوا شرائهم ففشلوا حيث أوفدوا المستشرق البريطانى هيورث دان لإجراء اتصالات مع الإخوان، واستمرت هذه الاتصالات؛
حيث أخذ هيورث دان يتردد على المركز العام، وأظهر إعجابه بمبادئ الإخوان المسلمين وذلك عام 1939م وطلب من الجماعة دعم الانجليز مقابل دعمًا ماليًا للإخوان قدره عشرون ألف جنيه.. وعندها رد أحمد السكري وكيل الجماعة
وكان الرد حاسمًا - قائلا:
- "ألا فلتعلم يا مستر دان أنك لن تستطيع أن تشترينا بالمال، الآن تطبع إنجلترا جنيهات وتعطيها لنا، وغدًا تطبع ألمانيا ماركات وتعطيها لنا، وبعد غد لا ندرى. إن الشعوب التي تعاونكم بالنقود تبيعكم بالنقود".
وأضاف السكرى قائلا:
- "إذا كنت تريد أن تشترى الإخوان ومن ورائهم الشرق العربى فهناك شروط:
- عليكم أن تتفقوا معنا على الجلاء التام الناجز عن وادى النيل.
- عليكم أن تتفقوا مع فرنسا على إخلاء سوريا ولبنان من جنودها.
- عليكم أن تخلوا فلسطين للعرب.
- عليكم أن تمدونا بالأسلحة والمعدات، ونحن مستعدون لطرد الطليان وحكومة فيشى من شمال أفريقيا، ونحمى بلادنا من أى غزو أجنبى".
وهنا وقف دان وقال:
- "هذه سياسة عليا، وإنما مهمتى عمل الدعاية فقط، وعلى كلٍّ فسأحضر مستر كلايتون بعد ذلك. طلب دان من الأستاذ حسن البنا مقابلة كلايتون فرد البنا: وما حاجة الجنرال كلايتون إلىَّ وهو رجل عظيم يقابل رؤساء الوزراء، وأنا معلم ابتدائي، وكل الناس المحيطين بى ما بين موظف درجة ثامنة ونجار وحداد؟!! قال له دان: لا، فالصورة التي نعرفها عنك والتي فى ذهن الإمبراطورية صورة رجل عظيم له أعظم مؤهلات الزعامة.
- وحينما التقى البنا وكلايتون حيث أظهر كلايتون أنه مسيحي متعصب وأن بريطانيا وفرنسا يحبان الديمقراطية ويريدون للشعوب أن تعيش فيها فما كان من البنا إلا أن رد عليه بقوله:
- إنكم لستم ديمقراطيين؛ حيث إن من يؤمن بالديمقراطية لا يمكن أن يطبقها فى جهة ويهملها فى جهة أخرى؛ فأنتم قد تكونون ديمقراطيين داخل بلادكم، ولكن إذا ما عبرتم البحار لا ترون الناس إلا عبيدًا. قال له كلايتون: لا، إنما جئت لأقول لك: إننا لا نريد أن نعمل شيئًا إلا برضا الشعوب واختيارها.
- فرد عليه الإمام البنا قائلا: تعلمون أن ما من بلد عربى فيه جندى أجنبى إلا وله كاره، فإن كنتم جادين فى الديمقراطية فأول شىء أن تعلنوا الجلاء التام بلا قيد ولا شرط عن جميع البلاد التي تحتلونها. فقال كلايتون: سنفعل هذا بعد الحرب.
- قال له الإمام البنا: وما المانع أن تعلن أثناء الحرب؟ فراغ كلايتون من هذا السؤال ثم علق الإمام البنا قائلا: لقد قطعتم مثل هذه العهود أثناء الحرب العالمية الأولي، وبعد انتهائها لم تزيدوا الشعوب إلا اضطهادًا واستعبادًا، هذه واحدة، أما الثانية يا مستر كلايتون فهى قضية فلسطين البلد العربى بمسلميها ومسيحييها التي تعلنون الانتداب عليها، وترتكبون مع اليهود أفعالا أشد مما فعلته محاكم التفتيش فى القرون الوسطى بأهلها من قتل وتشريد وإزالة القرى ونسفها؛
- فأين تكون الديمقراطية فى هذا؟ ولما لا تنسحبون منها وتتركون لأهلها إدارة شئونها؟ الأمر الثالث: إنكم تحتكرون المواد الخام فى بلادنا وخاصة القطن المصرى، تأخذون القنطار بجنيه وتردونه علينا بأكثر من مائة جنيه لمنعنا من إقامة مصانع غزل ونسيج، كما تحرمون على الحكومات أن تبيع القطن لغيركم.. فهل هذه ديمقراطية ؟
- أما عن محاربة الإنجليز للدعوة الإسلامية وتحريض الحكومات ضدها فى كل مكان فأمر لا يخفى على أحد وحدث فيه ولا حرج، بالإضافة إلى محاربة الهيئات الوطنية والنزعات التحررية فى البلاد العربية؛ فأى ديمقراطية فى ذلك؟
- ثم قال الإمام البنا:
- ماذا تقولون عن هتلر الذي دفع بالعالم إلى هذه الحرب؟ قال كلايتون: مجنون، قال: وماذا يقول الروس عنكم وعنه؟ قال: يقولون مجانين، قال الأستاذ البنا: كل فريق فى الحرب يقول عن الآخر: إنه مجنون، أما بقية العالم فيقولون عن الجميع: إنهم مجانين، والحقيقة أن الجميع مجانين؛ لأنهم لو أنفقوا ما ينفقون على الحرب فيما بينهم لحلوا المشاكل التي بينهم، ولكن لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها، ولكن أخلاق الرجال تضيق.
- وحينما عرض كلايتون عليه المال يطور جماعته رد عليه بقوله: إذا فتحت خزائن الإخوان فقد لا تجد فيها خمسين جنيهًا أو أقل، إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا فى الدعوة خمسة قروش فى الشهر، وأيسر الإخوان حالا قد يدفع جنيهًا، هذا فى الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا فى حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هى قلوب الإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف فى أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأى هيئة لقيتها من قبل.
- وأمسك الإمام البنا بعباءته وجلبابه وقال له: هذه العباءة بمبلغ ثمانين قرشًا مصريا، وهذا الجلباب بمبلغ عشرين قرشًا مصريا؛ فثمنهما جنيه واحد؛ فالذي يلبس بجنيه ويوفر ما بقى من راتبه للدعوة ومعه الآلاف من الإخوان على شاكلته لا يحتاجون لمساعدة أحد والحمد لله. وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن" (1)
لم يتوقف الأمر عند ذلك بل عمد الانجليز إلى اتهام كلا من محمد عبد السلام فهمى (مهندسًا في مصلحة الطرق والكباري بطنطا ثم وكيلاً لجامعة الأزهر)، وجمال الدين فكيه (موظف ببلدية طنطا) بأنهما يعدان جيشًا للترحيب بمقدم الألمان، وأنها يحدثان بلبلة في الأفكار، ويعدان عناصر معادية للحلفاء
وأن هذين الأخوين هما الوسيطان بين الإمام البنا ومجموعة أفراد عرضت على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألماني، وقدما للمحاكمة التي استمعت لهما وللشهود والدفاع واستقر في وجدنها تزييف الشهود للحقائق واختلاق الواقعة فحكمت ببراءتهما،وإن كان الانجليز كانوا يهدفون من هذه الواقعة أن تكون ذريعة لحل الإخوان المسلمين. (2)
زادت ضغوط الانجليز على الإخوان فأوعزوا لرئيس الوزراء –يومئذ- حسن صبري باشا بغلق صحفهم فأصدر قرار بغلق مجلة التعارف عام 1940م التي كانت تمثل الصوت الوحيد للإخوان في هذا الوقت كما قاموا بغلق مجلة المنار التي كان يشرف عليها البنا بعد وفاة رشيد رضا.
واشتدت الهجمة بمنع الإخوان من إقامة مؤتمرهم السادس وواجهوا العراقيل من المحتل وأعوانهم القائمين على الحكم في مصر غير أنه عقده في دار الإخوان بعد سحب الموافقة منه حيث كان مقرر عقده في سراى آل لطف الله وذلك عام 1941م. لم يكد المؤتمر ينتهي حتى كانت المفاجأة حينما تقرر نقل حسن البنا من مدرسته بالقاهرة إلى مدرسة بمحافظة قنا مما دفع مكتب الإرشاد والإخوان لعقد اجتماعات لدراسة الموقف.
لم تجد بريطانيا صعوبة فى تنفيذ مخططها لنفى الإمام البنا؛ حيث إن الأحكام العرفية مفروضة على البلاد، وعلى رأس الوزارة أحد رجالها والتقى مايلز لامبسون "لورد كليرن" سفير إنجلترا فى مصر بحسين سرى رئيس الوزراء فى السادسة مساء يوم 16 مايو 1941م وتم بحث الوضع الداخلى، وكانت حادثة هروب عزيز المصرى محل بحث، وقد صرح حسين سرى بأن المقابلة تضمنت بحث مسائل داخلية التي كان منها طلب نقل الإمام البنا إلى قنا فى تلك المقابلة.
وفى اليوم التالى استقبل رئيس الوزراء حسين سرى فى مكتبه محمد حسين هيكل وزير المعارف، وقد استدعاه حسين سرى ليبلغه بما أراد الإنجليز، وتم الاتفاق على نقل الإمام البنا لقنا. (3)
ويؤكد محمد حسين هيكل ذلك فى مذكراته، فيقول:
- "كان الإنجليز يومئذ شديدي الحساسية، وبخاصة إزاء ما يبديه بعض ذوى الرأى من المصريين من ميولهم المحورية، وإزاء بعض العناصر ذات النشاط بين سواد الشعب، وكانت جماعة الإخوان المسلمين تدعو للتخلق بالأخلاق الإسلامية وللأخذ بقواعد التشريع الإسلامى فى النظام المصرى، وكان الشيخ حسن البنا مرشدها العام، وكان معلمًا للغة العربية فى مدرسة المحمدية الابتدائية الأميرية.
- وقد أبلغت السلطات البريطانية رئيس الوزراء حسين سرى أن هذا الرجل يعمل فى أوساط جماعته لحساب إيطاليا، ورغبت إليه العمل على الحد من نشاطه، ورأى حسين سرى أن نقل الرجل من القاهرة إلى بلد ناءٍ بالصعيد يكفل هذا الغرض، فحدثنى فى الأمر وطلب إلىَّ نقله لقنا، ولم أجد بأسًا بإجابة طلبه، فنقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرًا ذا بال؛ إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أى أثر. (4)
سافر البنا لقنا وكان يهدف لنشر الدعوة بصورة جيدة في صعيد مصر غير أن الإخوان انتفضوا رفضا لهذا النقل ووجدت هذه الانتفاضة اذانا صاغية من قبل البرلمان الذي ناقش موضوع النقل.
أثار قرار النقل عددًا من الشخصيات العامة والنواب الذين راعهم هذا الأمر، فأقبلوا يتوافدون على المركز العام لمحاولة حل هذه الأزمة، وكان منهم محمد عبد الرحمن نصير عضو مجلس النواب عن حزب الأحرار الدستوريين، والشيخ محمد عبد اللطيف دراز وكان مديرًا عاما للأزهر، وإبراهيم دسوقى أباظة سكرتير حزب الأحرار الدستوريين ووزير الاتصالات.
وقد قال هيكل بعد ذلك فى مذكراته:
- "أدى قرار نقل الشيخ حسن البنا إلى قنا ما لم يؤدِّ إليه نقل مدرس غيره؛ إذ جاء غير واحد من النواب الدستوريين يطالب بإعادته إلى القاهرة، وخاطبنى فى ذلك عبد العزيز فهمى باشا رئيس الحزب، فذكرت له أن حسين سرى هو الذي طلب إلىَّ نقل الشيخ حسن البنا بحجة أن نشاطه سياسى، وأن النشاط السياسى محرم على رجال التعليم، كما أننى لا أمانع فى عودته إلى القاهرة إذا أبدى سرى عدم اعتراضه" (5)
تقدم النائب محمد عبد الرحمن نصير فى جلسة مجلس النواب المسائية بسؤال عن هذا القرار، وقد جاء ذلك فى مضبطة الجلسة الحادية والأربعين لمجلس النواب والمنعقدة فى أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء 22، 23، 24 من ربيع الآخر 1360هـ الموافق 19، 20، 21 مايو 1941م؛ حيث جاء فى جدول أعمالها وتحت عنوان: "رابعًا الأسئلة" :
(2) حضرة النائب المحترم موجِّه السؤال محمد عبد الرحمن نصير.
الوزير الموجَّه إليه السؤال: رئيس مجلس الوزراء.
موضوع السؤال: إعادة النظر فى الأمر الصادر من الحاكم العسكرى بنقل مدرس بوزارة المعارف، يرأس جماعة الإخوان المسلمين إلى أقصى الصعيد. (6)
وقد طلب رئيس المجلس من النائب المحترم تلاوة نص السؤال، فقال:
- "هل أمر دولة رئيس الحكومة -بوصفه الحاكم العسكري- بنقل مدرس بوزارة المعارف من القاهرة إلى أقصى الصعيد، وفى غير أوقات التنقلات العامة، وهو رئيس جماعة الإخوان المسلمين التي تقوم بجهد كريم فى نشر الفكرة الإسلامية، ولها فى أنحاء البلاد شُعَب ترمى إلى تنشئة البيئات على العزة الدينية، وجعل النظام الإسلامى أساسًا للحياة المصرية؟
- فإذا كانت هذه الجماعة تؤدى خير واجب للأمن والطمأنينة والنظام؛ بما تبث من الفضائل ومكارم الأخلاق والخدمة لمصلحة الوطن والمسلمين، أفلا يرى دولة الرئيس إعادة النظر فى هذا التصرف على هذا الأساس الواجب من تكريم للجماعات الإسلامية، وتشجيع القائمين بها؟"
فقام حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية "محمد حسين هيكل"
- وقال: هذا السؤال خاص بوزارة المعارف العمومية، ولذلك أجيب عنه: "علمت بأن الأستاذ حسن البنا المدرس بمدارس الوزارة منصرف عن عمله فى التدريس إلى القيام باجتماعات ودعايات من أنواع مختلفة، من شأنها أن تصرفه عن أداء واجبه كموظف على النحو الذي تقتضيه مصلحة التعليم، ولذلك أمرت بنقله؛ لأن واجب على الموظف أن يؤدى عمله للدولة كاملا بذمة وصدق، وألا ينصرف عنه إلى عمل آخر".
- فرد النائب المحترم محمد عبد الرحمن نصير قائلا: حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية هو الذي أخبرنى بأن حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء –بوصف كونه حاكمًا عسكريًّا– قد أمر بنقل هذا الأستاذ إلى أقصى الصعيد.
- ثم قال حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية: وصلتنى الأخبار الخاصة بالأستاذ حسن البنا من إدارة الأمن العام وقد وثقت بها واطمأننت إليها، ولذلك أمرت بنقله. فرد عليه حضرة النائب المحترم محمد عبد الرحمن نصير: أشعر أن الإجابة عن سؤالى غير كافية، ولذلك سأقدم استجوابًا فى الموضوع (7)
- ضغط النواب على الوزارة حتى تراجعت وأصدرت قرارها بعودة حسن البنا إلى مدرسة عباس الابتدائية بالقاهرة. وأوضح هيكل فى مذكراته مدى التخبط الذي كان فيه سرى؛ حيث قال: "ترى أأحسن سرى باشا فى تراجعه هذا أم أساء؟ لعله خشى أن يزداد ضغط النواب جسامة حين رأى سؤالا يقدم للبرلمان فى هذا الشأن، فأراد اتقاء ما قد يجر إليه ذلك من نتائج الأمر الذي أشعر الشيخ حسن البنا بأن له من القوة ما يسمح له بمضاعفة نشاطه، وأن هذا الشعور كان له أثره فى تطور الجماعة". (8)
لم تكد هذه المحنة التي كان للبرلمان دور حلها حتى وقعت محنة أخرى وهي اعتقال حسن البنا المرشد العام وأحمد السكري وكيل الجماعة وعبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة في أكتوبر سنة 1941م.
وخلال فترة اعتقال الإمام البنا وصاحبيه قامت ضجة كبرى وسط الإخوان للضغط على الحكومة للإفراج عن المرشد وزميليه، فكان طلاب الإخوان يقومون بالاعتصام ويهتفون ضد الظلم والطغيان وذلك بعد صلاة الجمعة بمسجد السلطان حسن، وسرعان ما تحتشد قوات الأمن لمحاولة فض المعتصمين دون جدوى، فكانوا يعدون الإخوان بالسعى للإفراج عن الإمام الشهيد حتى ينصرف الشباب إلى منازلهم. (9)
وقد حدثت مصادمات بين البوليس وطلاب الإخوان بالقاهرة فى 12 نوفمبر بسبب إصرار الطلاب على عقد مؤتمر للمطالبة بالإفراج عن الإمام البنا، إلا أن البوليس منع ذلك بالقوة (10) لاواشتدت حركة التذمر فى الجامعة وعلا لهيبها، وكانت الحكومة حريصة على إخماد هذا الاشتعال بأى وسيلة؛
خاصة أن الإنجليز كانوا يرتكبون أبشع الجرائم فى حق الشعب فى تلك الآونة، وخافت أن يؤدى الأمر إلى ثورة وكان أقوى عمداء الجامعة فى ذاك الوقت وأكبرهم منزلة عند الطلبة الدكتور على بدوى عميد كلية الحقوق، فكان طلاب الجامعة يحبونه وينزلون على إرادته وكان البوليس السياسى يعرف ذلك
فتقدم البوليس السياسى إلى حسين سرى ليتدخل بنفسه ويطلب من الدكتور على بدوى أن يعمل على تهدئة الوضع، واتصل سرى بالعميد ورجاه أن يهدئ الطلبة، وقد عبر له الدكتور بدوى عن رفضه لسياسة التخبط والاعتقالات، وقبل أن يقوم بمسئوليته بتهدئة الطلاب كان فى مقابل ذلك شرط واحد وهو الإفراج الفورى عن المرشد العام وصحبه. (11)
وتحت الضغوط والخوف من انتقال الأمر للبرلمان تم الإفراج عن البنا والسكري ومن بعدهما عابدين وكان ذلك فى 13 نوفمبر 1941م؛ أى بعد ما يقرب من شهر على اعتقال الإمام البنا وبعد خروجه ظل يطالب بالإفراج عن الأستاذ عابدين حتى أفرج عنه فى 30 ديسمبر 1941م. (12)
وقد قدم النائب عبد المجيد نافع استجوابًا للحكومة حول الاعتقالات السياسية واعتقال الإمام البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين ولكن الحكومة لم تناقش الاستجواب إلا فى ديسمبر وبعد الإفراج عنهم. (13)
ويقول محمد حامد أبو النصر (مرشد الإخوان الرابع):
- في منتصف الأربعينيات تقريبًا قرر مكتب الإرشاد بعد اعتقال فضيلة الإمام الشهيد أن يتصل الإخوان بأعضاء مجلس النواب لاستجواب الحكومة وكان يرأسها حسين سري باشا في شأن اعتقال فضيلة الإمام الشهيد في معتقل الزيتون فاتصلت فورًا بتوفيق باشا دوس نائب دائرة منفلوط والذي كان وزيرًا للمواصلات سابقًا
- وطلبت إليه عمل استجواب بخصوص اعتقال فضيلة الإمام الشهيد وشرحت له في خطاب مطول من هم الإخوان المسلمون وما هي مبادئهم ومن هو فضيلة مرشدهم وأوضحت له أن مهمة الإخوان المسلمين هي تربية الشباب على مبادئ الإسلام ثم العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد فرحب بهذا
- وبعد أسبوع قرأت في "الأهرام" أن نائب منفلوط تقدم باستجواب للحكومة بخصوص اعتقال المرشد العام للإخوان المسلمين ولم يلبث الأمر إلا قليلا حتى أفرج عن فضيلة الإمام الشهيد قبل موعد النظر في الاستجواب ولما تم الإفراج توجهت إلى القاهرة لتهنئة فضيلة الإمام الشهيد ولشكر توفيق باشا دوس على اهتمامه بالموضوع والذي دعاني لزيارته
- حيث دار بيننا حديث طويل حول تطبيق الشريعة الإسلامية وكان ملخصه كما قال توفيق باشا أن الشريعة الإسلامية تحافظ على أمن وأرواح الأقباط في مصر (14) تطورت المحنة حينما تسرب للإخوان خبر مفاداة أن الانجليز يخططون لاغتيال البنا غير أنهم استطاعوا أن يشعوا الخبر وسط الناس مما جعل الانجليز في ظل الظروف أن يمتنعوا عن تنفيذها. (15)
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل عمل الانجليز جاهد لمنع الإخوان من الوصول لقاعة البرلمان والتمثيل فيه.
المراجع
- جمعة أمين عبد العزيز، أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار النشر والتوزيع، جـ 4، صـ 228- 235
- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ216.
- جريدة المقطم – السنة 53 – العدد 18162 – صـ2 – 21ربيع الآخر 1360هـ / 18مايو 1941م.
- محمد حسين هيكل: (مذكرات فى السياسة المصرية) – جـ2 – صـ177.
- محمد حسين هيكل: (مذكرات فى السياسة المصرية) – جـ 2 – صـ177.
- مجـلس النواب: (مضبطة الجـلسة الحادية والأربعين) – صـ1129 – والمنعقد فى 22، 23، 24ربيع الآخر 1360هـ، الموافق 19، 20، 21 مايو 1940م.
- المصدر السابق، صـ1132، عبد الحكيم عابدين: (مذكرات غير منشورة).
- محمد حسين هيكل: (مذكرات فى السياسة المصرية) – جـ2 – صـ178.
- عباس السيسى: (في قافلة الإخوان المسلمين) – جـ1 – صـ66.
- زكريا سليمان بيومى: (الإخوان المسلمون والجـماعات الإسلامية) – صـ99 نقلاً عن وثيقة الأمن العام رقم 49/ 2357 – سرى سياسى.
- مجلة الدعوة – السنة الثانية - العدد 66 – صـ10 – 26شعبان 1371هـ / 20مايو 1952م.
- جمعة أمين عبد العزيز، مرجع سابق جـ 4، صـ 312.
- مضبطة مجلس النواب – الجلسة الرابعة – صـ67، 68 – 19ذو القعدة 1360هـ / 8 ديسمبر 1941م.
- الدعوة – العدد (22) – ربيع الثاني 1358هـ / مارس 1978م.
- جمعة أمين عبد العزيز، مرجع سابق جـ 4، صـ 314.