الحلقة الثانية الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الحلقة الثانية الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية


  • الحلقة الثانية


سلك الإخوان كل الطرق القانونية والدستورية وما توافق مع شرع ربهم ومصلحة أمتهم فانتشرت الدعوة في ربوع الجموع المصرية والشعوب الإسلامية والعالمية فأصبحت هذه الدعوة في أغلب بلدان العالم.

الإخوان لم يكونوا في يوم من الأيام غرباء عن المجتمع بل هم من نسيج هذا المجتمع يتألمون لقضاياه ويعملون على النهضة به ولذا نراهم يحاربون كل مظاهر الفساد والطبقية وعملوا على تحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي للمحتل حتى خرج من أوطانهم ووضعوا التصورات والخطط المنهجية للارتقاء بالاقتصاد ونجحوا في إنشاء المشروعات القوية والتي عادت بالنفع على الجميع وسلكوا النهج السياسي الصحيح فدخلوا المجالس المحلية والبرلمان وشاركوا في السلطة التنفيذية في وقت من الأوقات سواء في مصر أو خارجها ورغم العراقيل كانت لهم النجاحات التي شهد لها الجميع.

دخل الإخوان المجالس المحلية والتشريعية وهم مؤمنون بالتغيير عبر هذه المنافذ وعبر المبادئ التي تربوا عليها والقيم التي نهلوها من كتاب ربهم وسنة نيبهم.

يقول حسن البنا:

الواقع -أيها الإخوان- أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التى تتلخص فى المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم.

ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر.

بقى بعد ذلك أمران: أولهما: النصوص التى تصاغ فى قالبها هذه المبادئ، وطريقة التطبيق التى تفسر بها عمليًّا هذه النصوص.

إن المبدأ السليم القويم قد يوضع فى نص مبهم غامض، فيدع مجالاً للعبث بسلامة المبدأ فى ذاته، وإن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق وينفذ بطريقة يمليها الهوى وتوحيها الشهوات، فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة.

وإذا تقرر هذا فإن من نصوص الدستور المصرى ما يراه الإخوان المسلمون مبهمًا غامضًا يدع مجالاً واسعًا للتأويل والتفسير الذى تمليه الغايات والأهواء، فهى فى حاجة إلى وضوح وإلى تحديد وبيان هذه واحدة، والثانية: هى أن طريقة التنفيذ التى يطبق بها الدستور، ويتوصل بها إلى جنى ثمرات الحكم الدستوري فى مصر، طريقة أثبتت التجارب فشلها، وجنت الأمة منها الأضرار لا المنافع، فهى فى حاجة شديدة إلى تحوير وإلى تعديل يحقق المقصود ويفى بالغاية.

وحسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب، وهو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون إرادة الأمة، ويقومون بتنفيذ دستورها وحمايته، وما جره هذا القانون على الأمة من خصومات وحزازات، وما أنتجه من أضرار يشهد به الواقع الملموس، ولابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء والعمل على تعديلها.

لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة فى الدستور المصرى، وتعدل الطريقة التى ينفذ بها هذا الدستور فى البلاد (1).

وقال:

إن الذين وضعوا الدستور المصرى قالوا فى المادة التاسعة والأربعين بعد المائة منه: (إن دين هذه الدولة الرسمى هو الإسلام) فالأمر لا يعدو أحد اثنين إما أن يكونوا جادين فى هذا الذى سجلوه على أنفسهم وعلى الدستور المصرى، فيجب أن يكون محل احترام منهم، وأن يعملوا جاهدين؛ حتى تحل النظم الإسلامية محل كل نظام غير إسلامى فى كل شىء فى الحكم والقانون والعادات والمعاملات وكل مظاهر الحياة. وحينئذ يكون بحق دين الدولة الرسمى هو الإسلام، ويكون الدستور المصرى محترما مصونا قد احترمه واضعوه، ونزلوا على حكمه هو الآخر، وإما أن يكونوا لا يقصدون ما يقولون، ولا يؤمنون بما يكتبون، وهم بذلك يعبثون ويلهون أو يغشون الشعب ويخدعونه بمثل هذا النص الذى لا تحقق له فى الخارج. وحينئذ يجب علينا -معشر الدعاة- أن نقوم إليهم وإلى هذا الشعب المخدوع بالنصيحة، فإن فعلوها فبها وإلا فنحن دائبون فى جهادنا عاملون على تحقيق هذه الغاية مهما كلفتنا، جادون فى إيقاظ الفكرة الإسلامية النائمة فى نفس الشعب المسلم المسالم الطيب القلب؛ حتى يعرف حقه، ويحرص على دينه، ويملى إرادته على حكامه، فينزلون عليها ولا يجدون مناصا من تحقيقها فيكون الدين الرسمى بذلك للدولة هو الإسلام. فأى الموقفين يريد حماة الدستور وواضعوه أن يضعوا أنفسهم فيه أمام الأمة؟ وهل يرضيهم أو يروقهم أن يظل هذا التناقض قائما بين الدستور المكتوب والدستور المنفذ؟ وما قيمة نصوص لا تتحقق؟ أفتونا -أيها الفقهاء الدستوريون- أثابكم الله!!

ذلك موقف الإخوان المسلمين من القرآن والدستور منذ عشر سنين، وذلك موقفهم منهما الآن وذلك موقفهم الذى سيظل قائما فى المستقبل؛ حتى تتحقق غايتهم فيتفق تعليم الدستور مع تعليم القرآن، وتكون تعاليم القرآن هى لب الدستور ومحوره، والحكم بيننا وبين الفقهاء الدستورين كتاب الله على أوسع حدوده، ومدلولاته فى غير سرف ولا تحكم ولا جمود ولا اشتطاط. فلعمر الله، لقد أنصفناهم، وسنظل ننصفهم، وإنا لندعوهم إلى خطة سواء فهل هم يقبلون؟

نريد تعديلات فى النصوص والأشكال توفق بين تعاليم الإسلام وما نحن عليه، وتخلصنا من هذا البلاء الداهم الذى وقعنا فيه من جراء تقليد الغرب من غير تبصر ولا تقدير لعواقب الأمور. نسأل الفقهاء الدستوريين: هلا يكون المعنى النيابى قائما صحيحا إذا وضع للانتخاب ولمحاسبة الحكام نظام غير هذه الحزبية المفرقة؟ ووضع للبرلمان نظام غير نظام المجلسين، وهل البلاد التى توحدت فيها الأحزاب والمجالس وتغيير نظام الانتخاب ليست أنها بلاد دستورية نيابية؟ وسنسألهم أيضا: هل لو عدلنا المادة الثانية فى الدستور المصرى، مادة حرية الاعتقاد، فأضفنا إلى ذلك ما أضفناه لمادة حرية الرأى من أن ذلك مقيد بالقوانين والنظم الموضوعة؛ حتى يخرج المرتد فلا يكون محميا بالدستور. هل إذا فعلنا ذلك يكون ذلك تغييراً لنظام الحكم النيابى وقلبا له؟ أيها السادة الفقهاء، وأيها السادة الحاكمون والزعماء، صارحوا الناس وقولوا لهم: إن ذلك ليس قلبا لنظام الحكم فى شىء، وإنما هو قلب لهذه الأوضاع الفاسدة، ونحن لا نحسن الانتفاع فى جو غير هذا الجو فنحن لهذا نحارب هذا التعديل الذى لا ينقذ الأمة سواه. هذا هو موقف الإخوان المسلمين فى الماضى والحاضر والمستقبل، وسيظلون ثابتين عليه ويتنادون به فى خطبهم وكلماتهم ومجالسهم، وسيعلنونه فى جرائدهم وفى مجلاتهم، وسيصلون لتحقيقه بكل الوسائل، وسيصلون إلى غايتهم بتوفيق الله؛ لأنهم لله يعملون، ومنه يستمدون، ولدعوته ينصرون ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز (2).

وكتب عن القانون فقال:

إن الإسلام لم يجئ خلوًّا من القوانين، بل هو قد أوضح كثيرًا من أصول التشريع وجزئيات الأحكام، سواء أكانت مادية أم جنائية، أم تجارية أم دولية، والقرآن والأحاديث فياضة بهذه المعانى، وكتب الفقهاء غنية كل الغنى بكل هذه النواحى، وقد اعترف الأجانب أنفسهم بهذه الحقيقة، وأقرها مؤتمر لاهاى الدولى أمام ممثلى الأمم من رجال القانون فى العالم كله.

فمن غير المفهوم ولا المعقول أن يكون القانون فى أمة إسلامية متناقضًا مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيها، مصطدمًا كل الاصطدام بما جاء عن الله ورسوله، وقد حذر الله نبيه  ذلك من قبل، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 49-50]، وذلك بعد قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ- والظَّالِمُونَ- والْفَاسِقُونَ﴾[المائدة: 44، 45، 47]، فكيف يكون موقف المسلم الذى يؤمن بالله وكلماته إذا سمع هذه الآيات البينات، وغيرها من الأحاديث والأحكام، ثم رأى نفسه محكومًا بقانون يناقضها ويصطدم معها؟ فإذا طالب بالتعديل قيل له: إن الأجانب لا يرضون بهذا ولا يوافقون عليه، ثم يقال بعد هذا الحجر والتضييق: إن المصريين مستقلون، وهم لم يملكوا بعد أن يتمتعوا بحرية الدين، وهى أقدس الحريات.

على أن هذه القوانين الوضعية كما تصطدم بالدين ونصوصه تصطدم بالدستور الوضعى نفسه الذى يقرر أن دين الدولة هو الإسلام، فكيف نوفق بين هذين يا أولى الألباب؟!

وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا، وحظر الربا، ومنع الخمور، وحارب الميسر، وجاء القانون يحمى الزانية والزانى، ويلزم بالربا، ويبيح الخمر، وينظم القمار، فكيف يكون موقف المسلم بينهما؟ أيطيع الله ورسوله، ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى؟ أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقى فى الآخرة والأولى؟ نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة (3)، ومعالى وزير العدل (4)، ومن علمائنا الفضلاء الأجلاء. أما الإخوان المسلمون، فهم لا يوافقون على هذا القانون أبدًا، ولا يرضونه بحال، وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع الإسلامى العادل الفاضل فى نواحى القانون، ولسنا هنا فى مقام الرد على ما يقال فى هذه الناحية من شبهات أو ما يعترض سبيلها من توهم العقبات، ولكنا فى مقام بيان موقفنا الذى عملنا وسنعمل عليه متخطين فى سبيله كل عقبة موضحين كل شبهة ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾[الأنفال:39].

ولقد وصف حسن البنا البرلمان بقوله:

إن دار البرلمان هى مظهر كرامة الأمة ورمز آمالها وأمانيها وصورة قوميتها وحياتها (5)

ويقول في موضع أخر: نحن لا نعترض على الحكم الشورى النيابى من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأى ولسلطة الأمة، ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية، ولكن الذى نعترض عليه ونطالب بالتحرر منه هذه الشكليات الفارغة التقليدية التى جربناها عشرين سنة، فلم نجن منها إلا الفرقة والخلاف والشوك والحسك والصاب والعلقم. (6)

ويرى الإخوان أن النظم النيابية والديمقراطية صور من صور الشورى إن استمدت قوانينها ودساتيرها من القرآن والسنة والشريعة وما تعارف عليه الناس، فالشورى مبدأ أصيل في الإسلام وأمرنا الله سبحانه بالالتزام به والسير على نهجه، وهو ما نادى به الإخوان المسلمين، يقول سيد قطب: يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يتولاه. وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي ، لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه.. أما شكل الشورى، والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها. وكل شكل وكل وسيلة، تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام، لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم! اختلفت الآراء. فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها، حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة. وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين.

وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف. إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية. إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله بن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية، فبقوا فعلا في المدينة ، وأقاموا الخندق ، ولم يخرجوا للقاء العدو. منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !.

ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج.

فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة، التي رآها، والتي يعرف مدى صدقها. وقد تأولها قتيلا من أهل بيته، وقتلى من صحابته، وتأول المدينة درعا حصينة.. وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى.. ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات. لأن إقرار المبدأ، وتعليم الجماعة، وتربية الأمة، أكبر من الخسائر الوقتية .

ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة. أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف; وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة! ولكن الإسلام كان ينشئ أمة، ويربيها، ويعدها لقيادة البشرية. وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة، أن تربى بالشورى; وأن تدرب على حمل التبعة، وأن تخطئ - مهما يكن الخطأ جسيما وذا نتائج مريرة - لتعرف كيف تصحح خطأها، وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها. فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ (7).

ومن هنا كذلك كانت كتب الفقه الإسلامى قديمًا وحديثًا فياضة بأحكام الإمارة والقضاء والشهادة والدعاوى والبيوع والمعاملات والحدود والتعزيرات، ذلك إلى أن الإسلام أحكام عملية وروحية، إن قررتها السلطة التشريعية فإنما تقوم على حراستها وإنفاذها السلطة التنفيذية والقضائية، ولا قيمة لقول الخطيب كل جمعة على المنبر: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[المائدة: 90]، فى الوقت الذى يجيز فيه القانون السكر، وتحمى الشرطة السكيرين، وتقودهم إلى بيوتهم آمنين مطمئنين، ولهذا كانت تعاليم القرآن لا تنفك عن سطوة السلطان، ولهذا كانت السياسة الحكومية جزءًا من الدين، وكان من واجبات المسلم أن يعنى بعلاج الناحية الحكومية كما يعنى بعلاج الناحية الروحية. وذلك موقف الإسلام من السياسة الداخلية.

ويضيف: كما أن تعاليم الإسلام وسياسته ليس فيها معنى رجعى أبدًا، بل هى على أدق قواعد التشريع الصالح، وقد اعترف التشريع لكثير منها -وسيكشف الزمن للناس على جلالة ما لم يعرفوا- بأنها قد سبقته فى دقة الأحكام، وتصوير الأمور، وسعة النظر، وشهد بذلك كثير من غير المسلمين، كما ورد كثيرًا فى كلام "المسيو لامبير"(قانوني فرنسي) وأضرابه، وأكدت ذلك مؤتمرات التشريع الدولية على أن الإسلام قد وضع من القواعد الكلية ما يترك للمسلم بابًا واسعًا فى الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده، وأثاب على الاجتهاد بشروطه، وقرر قاعدة المصالح المرسلة، واعتبر العرف، واحترم رأى الإمام، وكل هذه القواعد تجعل التشريع الإسلامى فى الذروة السامية بين الشرائع والقوانين والأحكام. هذه معان أحب -أيها السادة- أن تذيع بيننا، وأن نذيعها فى الناس، فإن كثيرًا لازالوا يفهمون من معنى النظام الإسلامى ما لا يتفق بحال مع الحقيقة، وهم لهذا ينفرون منه ويحاربون الدعوة إليه، ولو فقهوه على وجهه لرجعوا به، ولكانوا من أوائل أنصاره، وأشدهم تحمسًا له، وأعلاهم صوتًا فى الدعوة إليه (8).

نظر الإخوان للبرلمان على انه وسيلة يستطيع فيها الإنسان التعبير عن فكره ومنهجه الإصلاحي وبرنامجه من خلاله وأنه وسيلة سلمية بتفويض من قبل الشعب لمن تم انتخابهم لتشريع ما يصلح الحياة المجتمعية بجميع مناحيها سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حتى رقابية، فإصلاح المجتمع المصرى يتلخص فى كلمتين: "تشريع صالح، ومنقذ غيور

وربما يقول البعض في كل وقت ما للإخوان والبرلمان وكأنهم فقط جماعة دعوية في المسجد فقط رغم اعلانها أنها ليست حزب سياسي فحسب بل هى جماعة إسلامية شاملة تعرف وتطبق الإسلام في كل مناحي الحياة ولذا يرد حسن البنا على هؤلاء بقوله: وقد يقول بعض الناس: وما للإخوان والبرلمان، والإخوان جماعة دينية وهذه سبيل الهيئات السياسية؟ وليس هذا يؤيد ما يقول الناس من أن الإخوان المسلمين قوم سياسيون لا يقفون عند حد الدعوة إلى الإسلام كما يدعون؟

وأقول لهذا القائل فى صراحة ووضوح:

أيها الأخ، أما إننا سياسيون حزبيون نناصر حزبًا ونناهض آخر، فلسنا كذلك ولن نكونه، ولا يستطيع أحد أن يأتى على هذا بدليل أو شبه دليل. وأما إننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل فى نطاقه، وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه، وفريضة من فرائضه، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشىء جديد، فهذا هو المعروف عند كل مسلم درس الإسلام دراسة صحيحة، ونحن لا نعلم دعوتنا، ولا نتصور معنى لوجودنا إلا تحقيق هذه الأهداف. ولم نخرج بذلك قيد شعرة عن الدعوة إلى الإسلام، والإسلام لا يكتفى من المسلم بالوعظ والإرشاد، ولكنه يحدوه دائمًا إلى الكفاح والجهاد ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت: 69] (9).

بل أن الإخوان أيدوا كل من عمل لمصلحة الأمة الإسلامية من البرلمانين وأيضا نصحوا كل من حاد أو أخطأ في حق هذا الشعب، فتأييدا لموقف علوبة باشا نحو فلسطين كتب الإخوان على صفحات جرائهم يقولون:

الإخوان المسلمون يؤيدون قرارات اللجنة البرلمانية لإنقاذ فلسطين، وينتظرون عملا جديا وموقفا حازما قويا، ويضعون دماءهم وأموالهم وأوقاتهم تحت تصرف اللجنة فى سبيل فلسطين العربية المجاهدة (10).

كما أرسل حسن البنا ببرقية تأييدا لما جاء فى مذكرة القضاة الشرعيين جاء فيها:

صاحب المعالى رئيس مجلس الشيوخ:

يؤيد المركز العام (للإخوان المسلمين) وجهة النظر الواردة بمذكرة القضاة الشرعيين فيما يتعلق بتشكيل هيئة المجالس الحسبية، ويرجو أن يأخذ المجلس الموقر بها صيانة للحقوق ووضعا للأمور فى نصابها (11).

وحينما توجه النقراشي باشا رئيس الوزراء لمجلس الأمن لعرض القضية المصرية عليه عام 1947م أرسل حزب الوفد برسالة للمجلس يطلعه أن النقراشي لا يمثل الشعب المصري في عرض قضية الجلاء عليه وأن الوفد هو الحزب الوحيد الذي له شرعية على الأرض ويجب ان يكون هو حامل هذا العبء فكانت طعنة في صدر القضية المصرية خاصة بعدما رفض مجلس الأمن حل القضية من خلاله فأرجعها إلى طاولة المفاوضات، وحينما عاد النقراشي كتب النحاس باشا والوفديون أن برلمان النقراشي برلمان غير شرعي لا يؤله بأخذ القرارات التي تخص الشعب.

أغضبت هذه المقالات الإخوان المسلمين فكتب حسن البنا مدافعا عن البرلمان ومذكرا النحاس باشا بأنه قبل من قبل ما يعيب عليه الآن فقال:

أن قيام مجلس النواب الحالى ليس مهددا للدستور ولا مهدرا لأحكامه بالدرجة التى يتوهمها الوفد ويبالغ فى تصويرها للرأى العام، وإلا كان قيام مجلس نواب سنة 1942 الوفدى الذى قاطعته الأحزاب وأقصى عنه بأمر الإنجليز كثير من النواب، وفصل منه بعض أعضائه بعد أن حكم لهم بصحة الانتخاب مهدرا كذلك لأحكام الدستور، ومع ذلك رضى به الوفد وحكم فى ظله ولم ترتفع منه صيحة واحدة بأنه كان برلمانا لا يمثل الأمة ولا يتفق مع روح الدستور ونصه، فليسع الوفد اليوم ما وسعه حينذاك، وإذا قيل: إنها كانت أحكام عرفية قيل كذلك: إن ظروف اليوم استثنائية فلم يحدث اليوم أن واجهت الأمة من الظروف والأحداث ما تواجه فى هذه الأيام والظروف الاستثنائية التى تقتضى المرونة السياسية وبغير ذلك لا يستقر أمر ولا يستقيم حال.

وثانيهما: أن الأمة اليوم وفى ظرفها الدقيق أحوج ما تكون إلى اجتماع جهود بنيها جميعا وكفاياتها حول منهج للجهاد، وميثاق للعمل وخطة للكفاح وذلك لا يتطلب أكثر من صفاء القلوب ونسيان الأشخاص وتوجيه الدعوة للاجتماع وتأليف اللجان للمدارسة، وهو لاشك أولى وأحسن من شغل الأمة بتقسيم الدوائر بعد التعداد الأخير، واستنفاد الجهد فى ترتيب إجراءات الانتخابات وما تستلزمه من خصومات وحزازات، ولعلنا حين نسلم بمثل هذه الخطوة نتبعها فى التعاون وتحقيق الرغبات خطوات، وعلى هذا فوقوف الوفد هذا الموقف وإصراره على هذا الشرط ليس له معنى أكثر من أنه يتجاهل كل الظروف والملابسات، ويحول دون اجتماع القوى على منهاج الجهاد فى أدق المواقف وأحرج الساعات.

وتتردد فى صحف الوفد وبيانه وخطاباته نغمة وخلاصتها أنه إذا كان الذين فى الحكم يدعون أن الأمة معهم فلم يخافوا من الاستفتاء، وهذا قول قد يبدو للناظر فيه لأول وهلة أن له نصيبا من المنطق والحق مع أنها قضية فيها نظر؛ لأن خصوم الوفد لا يسلمون معه بأن مجلس النواب القائم لا يمثل الأمة بل شأنه فى هذا شأن كل المجالس السابقة وما قيل ويقال عنه قيل مثله ويقال عنها جميعا.

ومن الخير أن يقضى على هذه السنة السيئة، وأن يترك مجلس واحد ليتم مدته القانونية، وبغير ذلك لا يسود حكم الدستور ولا يستقر على حال مجلس نواب، بل يذهبون إلى ابعد من هذا فيقولون: إن التسليم بحل هذا المجلس من وجهة نظرهم اعتداء على الدستور لا يسلمون به ولا يوافقون عليه. نكتب هذا الكلام مع احتفاظنا -نحن الإخوان المسلمين- برأينا فى مجلس النواب الحالى وسابقه، لأن هذا ليس وقت الحساب الذى لا خير فيه ولا فائدة.

لا شىء يفيد قضية الوطن فى هذا الظرف الدقيق إلا شىء واحد هو الالتقاء على منهج وميثاق، وهذه الدعوة يجب أن توجه حالا من رئيس الحكومة إلى الزعماء ورؤساء الهيئات على السواء، وأن يكون هدفها شيئا واحدا هو تحديد المنهج وإعلان الميثاق عليه وتوزيع التبعات بغير نظر إلى شىء آخر فى هذه الآونة (12).

كما كتبوا لبعض النواب تحت عنوان (إلى حضرات النواب المحترمين وبخاصة الأستاذين عباس العقاد وزكريا مهنا:

منذ أسبوعين أثار النائب المحترم عبد العزيز بك الصوفانى مناقشة فى مجلس النواب حول موضوع الدكتور طه حسين اشترك فيها كثير من حضراتهم، وقد تناولت أمرين هامين: أولهما الإبطاء فى إعدام كتاب "فى الشعر الجاهلى"، وثانيهما وجوب إخراج الدكتور من الجامعة وإبعاده عن التدريس. فإلى حضرات النواب المحترمين أتقدم بهذه الملاحظات التى هى شعور كل مسلم، وعاطفة كل مؤمن، وواجب كل مصرى غيور على الدين والخلق، راجيًا أن يكون لها أثرها.

يا حضرات النواب: قرر مجلسكم الموقر إعدام هذا الكتاب ومصادرته بناء على التقارير الرسمية التى أوضحت مغامزه وخلطه وجنايته على الفكر والعلم الصحيح، وبناء على قرار النيابة العمومية المؤيد لذلك، والمصرح بأن هذا الكتاب خطأ محض فى مادته، وفى أسلوبه، وفى معانيه، وفى غاية مؤلفه، فهل يسوغ لنا بعد كل هذا أن نتأخر فى إنفاذ حكم الإعدام على هذا الكتاب، وأن نلجأ إلى المناقشة والحوار، وأن يقول البعض: إن من مصلحة العلم بقاءه. فهل سمع أحد أن من مصلحة العلم أن يكون الجهل مصدرًا من مصادره، ومادة من مواده ينبع منها ويؤخذ عنها، وأن يعتذر آخر بحرية الفكر، ولم يقل أحد: إن معنى حرية الفكر إبطال الحق، وإحقاق الباطل، وخرق النواميس، وانتهاك حرمات الشرائع والقوانين، والإساءة إلى أربعمائة مليون من المسلمين كما فعل صاحب هذا الكتاب.

إن الإبطاء فى إعدام هذا الكتاب يمس كرامة مجلسنا، وينال من حرمة قراراته، ويعطل حكم القضاء وأنتم حماته والقائمون عليه.

وإن الواجب أن تبادر وزارة المعارف إلى إعدام نسخ الكتاب، وتقرير مصادرة الكتاب الثانى "فى الأدب الجاهلى" الذى لا يخالف سابقه إلا بالتسمية، فتكون بذلك قد احترمت قرار المجلس واعتبرت قول لجان انتدبتها من خيرة رجالها، فحكمت على الكتاب بما يستحقه، وأحسنت إلى العلم، وأنقذت طلبته من مهاوى الحيرة والضلال.

أما إقصاء الدكتور عن التدريس والجامعة فأمر حتم يقتضيه واجب الوزارة من المحافظة على عقائد الطلبة وأخلاقهم، فإن المدرس ينظر إليه من جهات ثلاث: من مواهبه الخاصة فى المادة التى يدرسها، ومن مادته التى يقدمها لتلاميذه، ومن طريقته فى التفكير وما يبثه فى نفوس طلبته من أخلاق وطبائع.

والدكتور طه متهم فى ذلك جميعًا، فهو لا يحسن الشعر، وإن حاول ذلك أتى بالغث المتكلف الذى يمجه الطبع ويستثقله السمع على نمط لاميته التى يقول فيها:

مالى للبدر أطلب ردّه

بل ما لأفلاك السماء ومالى

لا درّ درّ المال لو لم يدخر

لبناء مكرمة وحسن فعال

لا درّ درّ المال لو لم يدخر

إلا لذات الطوق والخلخال

لا درّ درّ المال لو لم يدخر

إلا لنيل مراتب الإجلال

إلى آخر ما قال من هذا النظم المهلهل النسيج، المتنافر اللفظ، الضئيل الغاية.

وهو لا يجيد أسلوب الكتابة إذا حاكمته إلى الذوق العربى والبلاغة اللغوية وقسته بما وضعه الأئمة من أوزان البيان ومقاييسه، أما فى حشو القول والاتساع فيه وإطالته بالتشدق والتفيهق فالرجل فى ذلك لا يشق له غبار، واعتبر ذلك بما كان منه فى قصة المعلمين وقضيتهم التى كتب عنها فى السياسة فأعيدت القصة وذكرت القضية بضع مرات فيما لا يزيد عن عشرة أسطر.

الشواهد على ذلك كثيرة وإنما نشير هنا إلى القصد فى إيجاز واختصار.

وما هو بالناقد الذى يحسن النقد الصحيح فى الشعر والنثر، وإن أحسن التهجين والتجريح والزراية على غيره من الأدباء والكتاب، وإن الذى يقرأ بيت شوقى فى ميميته التى يقرظ بها ترجمة كتاب الأخلاق:

يا لُطف أنت هو الصدى

من ذلك الصوتِ الرخِيم

فيفهم أن الشاعر يقول: إن أرسطو كان ذا صوت رخيم. ويرد على ذلك أنه لا هو ولا شوقى سمع هذا الصوت، ثم لا يدرك ما فى هذه الاستعارة البليغة من عذوبة وجمال وتناسب، لحرى به أن يدع النقد لأهله وأن يعلم أن دعواه فيه كدعوى آل حرب فى زياد.

وبعد:

فليس الدكتور متخصصًا بدراسة تاريخ العرب، فلم يتلقه عن أستاذ، ولم يلم به فى مدرسة، وإنما علم من ذلك ما يعلق بذهن من يطالع كتب الأدب -لا ليدرسها- ولكن ليراها، وما نال الدكتور إجازته فى تاريخ اليونان أو تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده أقوى الدعائم التى يستند عليها الكاتب إذا أراد أن يكتب فى الأدب العربى، فمن فاتته روايته ودرايته فقد فاته أس البحث ونبراسه وسار على غير هدى.

ذلك من ناحية مواهب أستاذ الجامعة فى الأدب العربى وتاريخه، وأما من ناحية ما يقدمه لتلامذته من المادة، فقد كانت باكورة ذلك كتابه "فى الشعر الجاهلى"، وقد حكم عليه عقلاء الأمة وأدباؤها بالخطأ والخطل والغثاثة، وكشف المحققون من الأدباء الغطاء عن مغامز ومعايب فيه، يبرأ منها العلم، وأيد ذلك حكم القضاء.

أما طريقته فى التفكير وما يبثه فى نفوس طلبته من طبائعه وأخلاقه، فما علم الناس من ذلك إلا الشك والحيرة والانسلاخ عن العقيدة والدين، وتسمية ذلك منهجًا علميًا، وقد برهن العالم الضليع مؤلف "النقد التحليلى" أن هذا الأسلوب ليس من المنهج العلمى فى شىء، فأى شىء بعد ذلك كله يسوّغ بقاء أمثال هذا المدرس فى منصب كبير كمنصبه الحالى، وإن تعجب فعجب دفاع الأستاذ عباس العقاد عنه وزعمه أن الدكتور نابغة ونادرة العصر، وأنه لا يمكن لأحد أن يسد فراغه أو يملأ مكانه أو يدرس الأدب كما يدرسه، وأنه قرأ كتابه فلم يجد فيه ما يمس الدين والأخلاق!.

حنانيك يا أستاذ عباس فإن الأمر هام لا يفتى فيه بالرأى ولا يؤخذ بالظن، المسألة مسألة دليل وبرهان وحق يتبعه الجميع.

إنك بقولك هذا تتحدى الأمة جمعاء وتسىء إلى رجال وزارة المعارف الذين تخصصوا بدراسة هذه المادة وفيهم أساتذة الدكتور طه وأولياء نعمته، وتطعن فى تقارير تلك اللجان التى انتدبتها الوزارة لفحص الكتاب، فحكمت عليه بالخطأ والتجهيل وأظهرت معايبه فى عشرات المواضع، وتحكم على الأمة بالجدب الأدبى حين تزعم أنه لا يستطيع أن يدرس الأدب فيها إلا واحد.

ولعل حكمك هذا على رجال الأدب فى مصر من نوع حكمك السابق على شوقى وحافظ وهما مفخرة أدب العرب وحاملا لواء الشعر العصرى.

ولو كان لك وجه من الحق، أو جانب من الشبهة فيما تفتيه عن رجال الأدب من كفاءة لهان الأمر، ولكن الذى تدعيه غير مسلّم، وليس من الحقيقة فى شىء، فإن كنت لا تعتدّ إلا بنفسك وبالدكتور وتدعيان الحق والدليل والبحث فهى ما أسلفناه بالدليل من أن الرجل متهم فى مواهبه ومادته وطريقة تفكيره وغايته جميعًا، فاستغفر الله والأمة ورجال الأدب من دفاعك عن هذا الدكتور ﴿وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾[النساء: 107].

وأما قولك إن الكتاب ليس فيه ما يمس الدين والأخلاق، فاسمح لى أن أصارحك بأنك لست من أهل الدين المتخصصين به، وقد أقر هؤلاء خلاف رأيك. فأيكما نتبع؟

أليس الإنصاف والواجب عليك وعلينا أن نتبع هؤلاء فى شىء هم أخبر الناس به؟ وإذا لم يعجبك هذا وأبيت إلا الدليل، فاذكر قصة إبراهيم وإسماعيل وتكذيب المؤلف للقرآن والتوراة والإنجيل، وتهوين شأن النبى  ونسبته إلى التحايل بالأساطير، والتهكم بالأجلاء من الصحابة ورميهم بالمخاتلة وعدم التأثر بتعاليم الإسلام إلا ظاهرًا -كذا يزعم صاحبك- وتكذيب صريح الأحاديث الصحيحة وتعطيل أحكامها، والخلط فى الأغراض والأنساب والنتائج والأسباب، اذكر كل ذلك وغيره مما يمس الدين والأخلاق، ثم قل لنا هل اقتنعت بما نذهب إليه؟!

وأعجب من موقف الأستاذ العقاد موقف الأستاذ "زكريا مهنا" يدافع عن الدكتور ويعارض القائلين بوجوب إخراجه من الجامعة معترفًا بأنه لم يقرأ الكتاب -وربما لم يره- وإنما يعتمد فى ذلك على شهادة الأستاذ العقاد.

ما شاء الله، إن كانت المسألة يا أستاذ زكريا مسألة تقليد، فما الذى يرجح تقليدك للأستاذ العقاد على تقليدك لغيره من النواب والأدباء الذين ردوا على الكتاب وعدوه أكبر إساءة توجه للإسلام والمسلمين؟

ومن المناسب أن نذكر هنا بعض تلك الأحكام التى أصدرها كل أولئك عن هذا الكتاب ومؤلفه، لعل حضرة النائب المحترم يعدل عن تقليده للأستاذ العقاد ويدع الأمر لأهله.

كانت مسألة الجامعة وكتاب "فى الشعر الجاهلى" عرضت على المجلس فى سبتمبر سنة 1928م وفى جلسة الاثنين 13سبتمبر تكلم الأستاذ عبد الخالق عطية فى هذا الشأن فكانت شهادته على الكتاب: "أنه ذلك الذى تضمن طعنًا ذريعًا على الموسوية الكريمة، والعيسوية الرحيمة، وعلى الإسلام دين الدولة المصرية بنص القانون"، وكانت شهادته على المؤلف: "أن تصرفه كان مخالفًا للذوق؛ إذ لم يكن من المعقول، ولا من المفهوم، ولا من حسن الذوق أن يقوم هذا الشخص فيبصق فى وجه الحكومة التى يتقاضى مرتبه من أموالها بالطعن على دين رعيتها من أقلية وأكثرية، وأنه على الذين يريدون حرق بخور الإلحاد أن يحرقوه فى قلوبهم، أما أن يطلقوه فى أجواء دور العلم ومنابر الجامعة فهذا مالا يمكن أن يفهم بحال من الأحوال".

وتكلم فى هذه الجلسة نفسها المرحوم الشيخ القاياتى فكان من قوله بالنص: "لقد جاء فى هذا الكتاب تكذيب صريح للقرآن، ونسبته جريمة للنبى عليه الصلاة والسلام بأنه متحايل، وكذب صريح على التاريخ لا يجوز أبدًا أن يُهمل، ولا أن نترك صاحبه دون تدقيق معه فى البحث ويكون حسابنا معه عسير. إن الدولة أعلنت فى دستورها أنها دولة إسلامية، وإن دولة إسلامية لا تحافظ على دينها من أن يمس، ولا على كرامتها أن تجرح، لهى دولة أعوذ بالله أن تكون مصر من أمثالها".

يا سيدى الأستاذ، فى وزارة المعارف الآن تقارير كثيرة كتبها أدباء كبار وأعلام من أئمة الأدب، ندبتهم الوزارة للحكم على الكتاب ومؤلفه، وكونت منهم اللجنة تلو اللجنة، واتفقت كلمتهم بعد التحرى العظيم والبحث الدقيق على جهالة الرجل فى كتابه وخلطه فى التاريخ والأدب معًا، ثم حفظت هذه التقارير فيما حفظ، وانبرى للرد عليه كل كاتب، وحسبك برد الرافعى والخضر وشكيب والغمراوى وغيرهم كثير، حتى قال الأستاذ الرافعى فى هذا المؤلف: "كانت دروسه الأولى "فى الشعر الجاهلى" كفرًا بالله وسخرية بالناس، فكذب الأديان وسفه، وكثر غلطه وجهله، فلم تكن فى الطبيعة قوة تعنيه على حمل ذلك والقيام به إلا المكابرة واللجاجة، فمر يهذى فى دروسه، لا هو يثبت الحقيقة الخيالية ولا يترك الحقيقة الثابتة، وأراد أن يسلب أهل العلم ما يعلمونه، كما يسلب اللص ما تملك بالجرأة لا بالحق، وبالحيلة لا بالإقناع، وعن غفلة لا عن بينة".

فهل بعد كل هذا يريد حضرة النائب أن يصر على متابعة الأستاذ العقاد- وما نظن الأستاذ العقاد إلا رجع عن رأيه- أم يشايع الجماعة ويتابع السواد الأعظم؟

  • يا حضرات النواب.
  • يا معالى وزير المعارف.

إن الأمر واضح لا يحتاج إلى بحث أو نقاش، فالكتاب مبتذل ممقوت، والمؤلف متهم فى عقيدته ومادته والأدباء غيره كثير، فأعدموا الكتاب، وأقصوا المؤلف عن بث تعصبه على الإسلام فى أبنائنا وشبابنا، وأيدوا الحق، وأريحوا الطلبة والأمة من هذا العبء الثقيل. إن الأمة جميعًا لتؤيد الأستاذ عبد العزيز الصوفانى بك فى موقفه المشرف لإعلاء كلمة الله والانتصار لدينه، وتتمنى له ولكل غيور النجاح والتأييد (13).

وكتب أيضا في مثل الموضوع السابق يناشد البرلمان ان ينتصر للأمة فقال تحت عنوان هذه الثلاثة من أركان الإسلام (الدولة، والقومية، والعلم) مهداة إلى مجلس النواب المصرى الموقر..

شهدت جلسة مجلس النواب المصرى الموقر التى ناقش فيها النواب المصريون المحترمون الاستجواب الخاص بمراقب الثقافة العامة. وتردد فى القاعة ما ذهب إليه الدكتور طه حسين بك فى كتابه "مستقبل الثقافة" -تصريحا أو تلميحا- من أن الدين شىء والسياسة شىء آخر، والدين شىء والقومية شىء غيره، والدين شىء والعلم شىء سواه، وأن وحدة الدين واللغة لا تصلحان أساسا لتكوين الدول، وأن هذا التفريق بين الدين وبين السياسة والوطن والعلم أصل من أصول الحياة الحديثة التى نقلناها عن أوروبا. ولقد كانت علامات الاستحسان لهذه الآراء تبدو فى كلمات وإشارات وحركات بعض حضرات النواب المحترمين، وكنا -نحن المشاهدين- مقيدين بلائحة المجلس، فلا نظهر استحسانا ولا غير استحسان، وذلك ما دعانى إلى أن أتناول هذا الموضوع فى هذه الكلمات، وإلى أن أتقدم بها إلى مجلس النواب المصرى الموقر.

فأما أن هذا التفريق والفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والقومية، وبين الدين والعلم، أصل من أصول الحياة الحديثة فى أوروبا أمر لا نخالف الدكتور طه ولا غير الدكتور طه فيه ولا ندعى غيره، بل نستطيع أن نقول أيضا: إن أوروبا استفادت من هذا التفريق والفصل أجزل الفوائد ولعلها ما كانت تستطيع النهوض بغير هذا.

وأما أننا نقلنا بعض هذه الأفكار من أوروبا، وتأثرنا بها إلى حد كبير أو صغير، وجرت عليها سياستنا العملية فى كثير من مظاهر حياتنا فأمر لا نخالف فيه كذلك وسببه واضح بيِّن هو أننا أسلمنا قيادنا أو أسلمتنا الحوادث -بعبارة أدق- إلى ساسة أوروبين، ومعلمين أوروبين، ومشرعين أوروبيين، فصاغونا كما يريدون وكما يعلمون، واصطبغت سياستنا العملية فى معظم شئوننا بهذه الصبغة الأوروبية، وأذكر أن أحد إخواننا أراد بناء مسجد، فدعا مقاولا أوروبيا وترك له الحرية فى بناء المسجد، ووضع رسمه التصميمى فجاء كنيسة طبق الأصل فى مختلف أوضاعه، حتى إنه جعل موضع القبلة إلى جهة المشرق أيضا لولا أن تداركنا الأمر، ونبهنا الرجل إلى خطئه قبل أن يمضى فيه إلى النهاية فأصلح ما أمكن إصلاحه، وظلت فى المسجد إلى الآن آثار المعابد المسيحية، وكان عذر المقاول أمامنا واضحا إذ قال: إننى لا أستطيع أن أفهم فى المعبد إلا هذا الوضع. وما أذكر هذه القصة على أنها مثال بل هى حقيقة وقعت فعلا وهى تنطبق على ما نحن فيه تمام الانطباق، فنحن لا نخالف الدكتور طه ولا غيره فى أن حياتنا العملية فى كثير من مظاهرها العامة والخاصة قد انحرفت إلى معنى أوروبى بفعل الحوادث المتعاقبة طول هذه السنين الطويلة، وهذا الانحراف نفسه الذى يتخذه الدكتور -ومن نحا نحوه- حجة على وجوب رضانا بأوروبا والاندفاع فى تقليدها فيما بقى لنا من مظاهر الحياة هو نفسه الذى يدفعنا نحن إلى تحذير الأمة من التقليد، وإلى وجوب رجوعها إلى تعاليم الإسلام، وعرض هذه الحضارة الأوروبية عليها فما وافقها قبلناه وما خالفها رفضناه، ونحن لم نجن بعد من هذا التقليد الخاطئ إلا الصعاب والعلقم واضطراب الحياة فى كل ناحية من نواحيها.

ولكن الذى نخالف فيه الدكتور طه وغير الدكتور طه ممن يؤمن بفكرته هذه: ادعاء أن هذا التفريق بين الدين والسياسة، وبين الدين والقومية، وبين الدين والعلم نافع لنا متفق مع تعاليم ديننا. هذه دعوى ينقصها الدليل النظرى والدليل التاريخى، وتتنافى تمام التنافى مع مصلحتنا ومع مقومات نهضتنا، والذى يريد أن يجرد الإسلام عن معناه السياسى وعن معناه القومى وعن معناه الثقافى يريد بمعنى آخر ألا يكون هناك شىء اسمه الإسلام تؤمن به هذه الأمة وتدين بها، وهو عند نفسه وعند الناس يخدع هذه الأمة ويخاتلها، ويعدل بها عن الإسلام الحق إلى إسلام من عند نفسه لا يتصل إلى الإسلام الصحيح بسبب، وإنما هو فى الحقيقة مسيحية سماها هو الإسلام.

إن أوروبا يا حضرات السادة المحترمين حينما فصلت بين السياسة والدين، وبين السياسة والقومية، وبين السياسة والعلم كانت مدفوعة إلى ذلك بعوامل قهرية ضرورية:

فالدين الذى كان يسودها وتؤمن به شعوبها خال تماما من التشريعات العملية والمعانى السياسية، وهو وصايا روحية محدودة فى الكتب المقدسة، وطقوس كهنوتية بين جدران الهياكل والمعابد.

والرجال الذين كانوا يمثلون هذا الدين كانوا شجا فى حلق الدولة والعلماء بما لهم من سلطان مطلق أكسبتهم إياه هذه التعاليم. وتاريخ أوروبا القديم والمتوسط سلسلة نزاع بين الأمراء والبابوات من جهة، وبين العلماء والكنيسة من جهة أخرى، بل تعد الأمر فى هذا النضال إلى الشعوب نفسها فكان النضال كثيرا ما يكون بين الشعب بأسره وبين الكنيسة.

هذه الأمور الثلاثة: طبيعة الدين الأوروبى. هيمنة رجاله على الدولة والعلم: والنضال الطويل بين نواحى الجهات الأوروبية المختلفة. كل ذلك دعا أوروبا إلى أن تفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والقومية، وبين الدين والعلم.

فهل هذه المعانى تنطبق على الإسلام الحنيف؟

أحب أن يفكر السادة الباحثون فى الجواب على هذا السؤال بإنصاف وهم سيقولون بعد ذلك بملء الفم: لا ثم لا.

إن طبيعة الإسلام ليست طبيعة روحية بحتة، فهو دين روحى وعملى معا، وهو لم يحصر نفسه فى حدود المساجد والمعابد ولم يحفل بالطقوس والمظاهر، وإن الدين الذى يقول نبيه: (ابنوا مساجدكم جما). أى: غير مزينة ولا مزخرفة ولا مبالغة فى بنائها ورفعها. (وابنوا مدائنكم مشرفة). أى: محصنة مسورة مجهزة بأدوات الدفاع وما إليها. رواه ابن أبى شيبة وهو حديث حسن.

إن الدين الذى يجعل هذا من شعاره لعظيم العناية بشئون الدنيا ومصالح الناس فيها، كما يعنى تماما بصلاح الروح والآخرة وشعار الإسلام دائما: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[القصص: 77]. وسأبين موقف الإسلام من هذه الأمور الثلاثة: الدولة، والقومية، والعلم، بالتفصيل -إن شاء الله تعالى- فى كلمات تاليات، وحسبى أن أقول الآن: إنها من أعظم أركانه، وأثبت قواعده وأظهر تعاليمه وشعائره، فأين هذا من بعد الدين الأوروبى عن مظاهر الحياة العامة؛ وأن رجال الإسلام فى كل عصر من عصوره إلى الآن لم يدعوا لأنفسهم سلطة أكثر مما يؤهلهم له علمهم بهذا الدين وصلتهم به، ولم ينازعوا الأمر أهله بعضا من الأيام، ولم يعرف عنهم إلا إنكار المنكر حين يشيع، وتشجيع المعروف حين يظهر، والوقوف عند حدود الله، وإذا كان شعار الرسول الأعظم : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف: 110] إلى جانب قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ﴾[الأعراف: 188] إلى جانب قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا*إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾[الجن: 22-23] فأين هذا من سلطان "الإكليروس" فى أوروبا وما ادعوه لأنفسهم من سلطان على قلوب الناس وإيمان الناس وحياة الناس الدنيوية والأخروية؟

وتبعا لهذا كان تاريخ الإسلام مع الدولة ومع القومية ومع العلم صفحات مجيدة من التعاون والتآزر والسلام.

فكيف يقال بعد ذلك أن هذا الأصل الذى سارت عليه أوروبا من فصل سياستها وعلومها وقوميتها عن الدين يجب أن يطبق عندنا ويجب أن نتلقاه على أنه أصل صالح لنا؟!

يا حضرات السادة المحترمين:

علم الله أننا لا نريد لهذا البلد ومن ورائه الشعوب الإسلامية عامة إلا الخير كل الخير، ولو كان فى ذلك ذهاب أرواحنا، وتقطير دمائنا، وفناء أموالنا وأبنائنا، بل إن ذلك هو أسعد أوقات حياتنا يوم تعتز هذه الأوطان الحبيبة ونكون نحن فداء لهذه العزة لو صلحنا لها فداء، ولكنا نريد أن نتفق على أصل صالح للنهوض، ونريد أن نحدد الهدف معا حتى لا نختلف ولا نضل، ونريد أن نتبع الهدى الواضح والنور اللائح حتى لا نفشل ونقاسى مر الآلام ولا ينفعنا فى ذلك إلا العودة إلى هدى الإسلام.

ألستم مسلمين أيها الناس؟ ألا ترضون الإسلام حكما؟ نحب أن تكونوا صرحاء، فإن كنتم آمنتم بهذه الأصول فى حياة أوروبا على أنها حقائق لا تقبل النقض فاعلموا أنها لا تتفق مع الإسلام، وأنكم بذلك تصطدمون بإسلامكم، فكونوا شجعانا وكونوا صرحاء فى إعلان الخروج على تعاليم الإسلام حتى لا تخدعوا أنفسكم وتخدعوا الناس.

وإن كنتم آمنتم بالإسلام على أنه حق ثابت، فنحن نرضى أن نتحاكم جميعا إليه ونتوجه إلى ما يوجهنا نحوه، وحينئذ فسنلتقى وسنتفق، وستعلمون أن الدولة وأن القومية وأن العلم من أركان الإسلام (14).

ورأى مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين أن يتوجه إلى رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب برسالة باسم الإسلام الحنيف وباسم مصر الناهضة أن يتدخلوا فى الإصلاح بين الزعماء وجمع كلمتهم فى هيئة قومية واحدة باسم جديد تضمهم جميعا ومعهم كل ذوى الكفايات والمواهب تضع برنامج النهضة وافيا شاملا لكل نواحى الحياة على أساس من تعاليم الإسلام القويمة وتشريعه الحكيم وإرشاداته السامية مع تنازل كل حزب عن اسمه فى سبيل الله والإصلاح

لقد بغض الإخوان والفرقة التي ألمت بالشعب المصري وأحدثت بينهم القطيعة والبغضاء بسبب الحزبية التي كان يغذيها وينفخ فيها المحتل فتجد الوفدي يناحر السعدي ويشكل الوفدي جهازا عسكريا ليناحر مصر الفتاة وبقية الأحزاب ويتعصب هذا لذاك حتى أضحى الشعب في فرقة دائمة ووصل الحال أن طعن النحاس باشا في شرعية النقراشي باشا رئيس الوزراء أثناء عرض القضية المصرية على مجلس الأمن عام 1947م مما اضعف كلمته أمام الجمعية العامة فعاد بخفى حنين دون أن تنال البلاد استقلالها، ولذا كتب وناشد حسن البنا والإخوان كل المؤسسات المعنية بمحاولة القضاء على هذه الحزبية البغيضة وتوحيد الصفوف والجهود.

وكما رأينا ما سطره ونادى به الإخوان في هذا الشأن للملك والأمراء ورؤساء الأحزاب وغيرهم نجدهم يبعثون لرؤساء مجلسي النواب والشيوخ بهذا المعنى تقدير لوضع هذه المؤسسات وعلو شأنها فكتب حسن البنا تحت عنوان (إلى صاحبي السعادة رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب):

حضرة صاحب السعادة

أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأرفع إلى سعادتكم تحية الإخوان المسلمين مشفوعة بالإجلال والإكبار فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يا صاحب السعادة: مواقفكم المجيدة، ورغبتكم الأكيدة فى صلاح الشعب ورخائه، كل ذلك دفعنا إلى التقدم إلى سعادتكم بهذا الخطاب.

يا صاحب السعادة: إن الحزبية السياسية قد مزقت أوصال الأمة، وتركت فى حياتها العامة والخاصة أسوء الآثار ومحال أن يتم إصلاح أو ينتج عمل مع هذا التناحر البالغ والخصومة الشديدة اللديدة، ومحال أن تصل الأمة إلى غايتها وكل هم زعمائها ورؤساء الأحزاب فيها أن يكيد بعضهم لبعض وينال بعضهم من بعض وإن أخطار هذه الخصومة لم تقف عند حد الزعماء ومن يليهم ولا عند المدن والأندية والصحف، بل إنها تغلغلت فى حياة الأفراد والأسر، وأفسدت كل شىء فشغلتهم عن كل الواجبات الوطنية والشخصية والإنسانية والخلقية، وإن الأمم الناهضة الآن قد أخذت تتخلص من آثار الخصومة الحزبية المعقولة فضلا عن الخصومة الحزبية الهوجاء، التى لا تقف عند حد ولا تعرف مدى تنتهى إليه، وإن الإسلام -يا صاحب السعادة- يحرم هذه الفرقة، وينهى عنها أشد النهى، ويأمر بإصلاح ذات البين، ويجمع الكلمة ويوحد قوى الأمة. وإن الأحزاب فى مصر لا تخالف بينها فى المناهج، ولا تباعد فى الغايات، وقد أنتجتها حوادث مضى عهدها، وانتهى أمدها ولا معنى لتعددها وبقائها على هذه الصورة العقيمة، التى لم تنتج إلا الشحناء والبغضاء والتناحر حول الأسماء والألقاب والمطامع الشخصية التافهة الصغيرة.

ولما لسعادتكم من المنزلة الرفيعة فى كل نفس، والمقام الأسمى فى كل قلب رأى مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين أن يتوجه إلى سعادتكم وسعادة رئيس مجلس.. وإلى صاحب السمو الملكى الأمير محمد توفيق وسمو الأمير الجليل عمر طوسون باسم الإسلام الحنيف وباسم مصر الناهضة أن تتدخلوا فى الإصلاح بين الزعماء، وجمع كلمتهم فى هيئة قومية واحدة باسم جديد تضمهم جميعا، ومعهم كل ذوى الكفايات والمواهب. تضع برنامج النهضة وافيا شاملا لكل نواحى الحياة على أساس من تعاليم الإسلام القيمة وتشريعه الحكيم وإرشاداته السامية مع تنازل كل حزب عن اسمه فى سبيل الله والإصلاح... أنقذ الله بكم الأمة وحقق بكم آمال الشعب المصرى الكريم (15).

وكتب أيضا يقول:

كل يوم يقوم دليل جديد على فساد الحزبية فى مصر، وعلى سوء أثرها البالغ فى كل مرافق الحياة المصرية.

إننا أمة ناشئة, كل شىء فيها يحتاج إلى تجديد بعد هذا التحطيم الذى تناول كل شىء فى عصر السيطرة الأجنبية، والاحتلال الإنجليزى البغيض. نحن فى حاجة إلى تجديد أخلاقنا وأرواحنا وإلى وضع سياسة ثابتة لتعليمنا ناشئة أبنائنا, وإلى تقوية دفاعنا الوطنى، وتكوين الجيش بكافة أسلحته، وما يتبع ذلك من معامل ومصانع ومرافق، وإلى استكمال نواحى النقص فى حياتنا الاقتصادية؛ فإن الشعب فقير والموارد محدودة والمطالب كثيرة وما خفى منها أعظم مما عرف. كل شىء فى مصر الناهضة المتوثبة يحتاج إلى عمل واثب وإلى مجهود كبير وإلى تعاون من كل القوى والمواهب، لقد برهن هذا الشعب المصرى فى كل تاريخه على أنه أوفر الشعوب حيوية، وأشدها قابلية للتجديد والإصلاح لو وجد القيادة التى تدفعه إلى الغاية من غير تعويق. ولا يحول بيننا وبين القوة فى كل شىء حائل من حداثة عهد النهضة ولا من قلة الكفايات، ونضوب موارد المال، فقد تقوى هذا الشعب فى القديم، ووصل إلى حدود القوة بأقل من الوسائل التى بين يديه الآن.

إن العناصر السليمة فى مصر أوفر منها فى أى شعب آخر يريد النهوض، لكن الحائل دون النهضة والمانع من تقدم الأمة، والمعول الذى يهدم كل خير فيها، ويحطم كل عنصر سليم، شىء واحد فقط هو الحزبية البغيضة هو التفرق الشنيع، هو هذه الخصومة الحادة التى لا تبقى على شىء، هو الأنانية وحب المصلحة الخاصة الذى استولى على قادة مصر فأنساهم الأمة, وأنساهم الظروف التى تحيط بها وبهم وأنساهم التفاهم فى سبيل استغلال عناصر الخير فيها، وتوجيهها إلى العمل الصحيح، إن الفرصة مواتية لمصر فى كل ناحية فى الداخل وفى الخارج، فى الداخل شعور ملتهب وشباب متوثب واستعداد بديع للعمل واتجاه طيب للغاية وبخاصة بين المثقفين من الشباب المضحى، وفى الخارج ارتباك قام بين الخصوم ورعب مقذوف فى قلوبهم يوسع الخناق على الفريسة؛ لتفلت من يد الصياد ولتحتمى منه بما تشاء من أنواع الحماية، ولكن هذا الموقف البديع للغاية الذى أتاحه لنا القدر الموالى قد غفل عنه قادتنا كل الغفلة، وأهملوه كل الإهمال، وكيف تتخلص الفريسة وقد زاحت عنها يد الصياد؟ وهى قد حاكت لنفسها قبورا من الذلة المستكنة فى نفسها والوهم الضارب على فؤادها والشهوات المخيمة على تفكيرها والغفلة المستحكمة على بصائرها وأبصارها.

يا زعماء مصر وقادتها وحكامها وأولى الرأى فيها، ما أعظم تبعتكم بين يدى الله وبين يدى الأجيال القادمة إن ظلت الحالة على ما هى عليه الآن فأضعتم بتفرقكم واشتغالكم بخصوماتكم هذه الفرص المواتية على هذا الشعب الذى ائتمنكم على مقدراته فلم تحفظوا فيه حق أمانته.

يا زعماء مصر وقادتها وحكامها وأولى الرأى فيها، لا تزال هناك بقية من أمل وموضع من رجاء إن أردتم الإصلاح فطهروا أنفسكم من هذه الأدران، واطرحوا هذا الكبرياء الكاذب الذى يزينه لكم شيطان النفوس الجامحة، وفكروا فى مصر، واعملوا لمصر، وتعاونوا فى سبيل مصر، فإن تعلمتم ذلك فهو حظكم فى الدنيا وناجتكم فى الآخرة وإن لم تفعلوا – ولا أقول الثانية- فسيحيق بكم سوء تفريطكم، وسنحاسبكم أشد الحساب على إهمالكم، وسيدمغ تاريخكم بأشنع تهمة لوث بها تاريخ إنسان، وسنسير فى طريقنا وسنحاول أن نعمل لهذا الشعب ونسلك به مسالك الجهاد الصحيح فى سبيل استكمال حريته، واستعادة مجده والانتفاع التام بنهضته رضيتم بذلك أو وقفتم فى سبيله، ولن يدفع أمر الله دافع ولكنا نريد أن تكونوا معنا فنختصر الطريق فهل أنتم فاعلون؟

نادى الإخوان المسلمون فى وضوح وفى صراحة وفى جلاء بوجوب إلغاء الأحزاب السياسية الحالية جميعا فقد تكونت فى ظل حوادث قد انتهى أمرها، وصارت الآن هيئات أثرية لا هى جددت نفسها كما يقتضيه العصر ويتطلبه الوضع الجديد للبلاد، ولا هى سلمت الأمر لغيرها؛ ليقوم بحق هذا البلد وقيادته إلى الرقى والكمال، فكانت هذه الأحزاب علة هذا الشعب، وأكبر عائق له على النهوض. دعونا الزعماء إلى هذا وكتبنا لرئيس الحكومة؛ لعله ينهج ذلك النهج ويبدأ بحل حزبه فيكون سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها، وطرق الإخوان كل باب إلى هذه السبيل، ولكن النفوس التى عاشت فى ظل الخصومة وتاجرت بها ولم تحسن بضاعة سواها عجزت عن الخير حين قدرت على الشر، وقعدت عن العمل حين أجادت المهاترة والكلام، وانحل أحد هذه الأحزاب، وانضم إلى شبيه له، ولكن ماذا عسى أن يفيد هذا فى الموقف؟ نحن نريد أن تسير الأمة كتلة واحدة إلى الأمام، إلى العمل الذى لا يحتمل التأخير ولا الإبطاء.

هل هناك فارق يفصل حدود الأحزاب القائمة بعضها عن بعض؟! رأيت تقسيم النواب فى المجلس إلى (وفدى وسعدى ودستورى ووطنى) فسألت نفسى: ما الفرق بين هؤلاء جميعا؟ إن كلا منهم يقول إن حزبه يعمل لخير مصر ونهوض مصر وتقدمها، ولو سألت أحد حضرات النواب عن الفارق الذى يفرق بين حزبه وحزب غيره، لما أوضح لك فرقا جوهريا فى مبادئ ولا عقائد ولا أعمال, إذ إن ذلك غير موجود فعلا، وكل الذى يستطيع أن يقوله أى رجل حزبى فى هذا البلد: إن رئيس الحزب فلان ورئيس ذلك الحزب فلان وإن هذا يؤيد الحكومة وهذا معارض الحكومة ولابد من تأييد ولابد من معارضة؛ حتى يقوم النظام البرلمانى. فسنقول لحضرته: هل إذا أخطأت الحكومة خطأ صارخا يؤيدها فيه نوابها, وهل إذا أصابت الحكومة صوابا واضحا ينقدها معارضوها؟ فإن قال: نعم قلنا: لعنة الله على الحزبية التى تبطل الحق، وتحق الباطل، وتحكم على الأعمال بأهواء الرجال وإن قال: لا، قلنا: فما قيمة الحزبية إذا ما دام التأييد والمعارضة على الإحسان والإساءة؟ يا قوم، تحرروا من هذه الأوهام الشكلية، وتخلصوا من عبث الأطفال وسلطانها الوهمى، وواجهوا الحقائق فى جرأة وفى شجاعة، وحطموا كل مظهر فارغ يقف فى سبيل النهوض الصحيح. إن كان هذا النظام الحزبى عائقا عن النهوض والعمل ومؤخرا للإنتاج الذى نحن فى أشد الحاجة إليه، ومفرقا لكلمة أمة مجتمعة لا قوة لها أمام عدوها الجاثم على صدرها إلا وحدتها واجتماعها، وهو فى الوقت نفسه لا لزوم له أبدا فإن أصول العمل والنهضة متفق عليها من الجميع. إن كان ذلك كذلك فلماذا لا تحطمون الحزبية؟ وإذا كان النظام البرلمانى لا يقوم إلا على أساس الحزبية وشأنها ما عرفنا من بلاء ومصائب، فلماذا لا نستبدل بهذا النظام البرلمانى نظاما نيابيا آخر نجتمع عليه كلمة أولى الرأى؟ يا قوم: إن الزمن لا ينتظركم والواجب لا يعذركم أو اتركوا المجال للعاملين.

قامت فى الأيام الأخيرة دعوة إلى الفكرة القومية، وهى دعوة كريمة ما فى ذلك شك، وخطوة إلى الإصلاح وإلى الوحدة المنشودة ما فى ذلك شك أيضا، ولكن هل تنجح هذه الدعوة؟ وعلى فرض نجاحها فهل تبقى طويلا؟ أما إن بقيت هذا الأحزاب وحدات قائمة فلن تنجح هذه الدعوة، ولن يضمن بقاؤها إن نجحت نجاحا وقتيا، فإن اعتزاز كل حزب بأنصاره، ورغبته فى سوق غيره فى تياره، ستحول دون التعاون المنشود أو دون استمراره على الأقل. فخير لهؤلاء الدعاة الفضلاء ومنهم من غير شك المخلصون الذين لا يريدون من وراء هذه الدعوة إلا الخير للبلد، خير لهم أن يضموا صوتهم إلى صوت الإخوان فى المناداة بحل هذه الأحزاب القائمة جميعا، والتفكير فى نظام نيابى يقوم على أساس الوحدة لا الفرقة والاجتماع لا التحزب ومتى توحدت الجهود فى هذه السبيل فسنصل إن شاء الله.

اجتمع مجلس الشيوخ والنواب وبدأت الجلسات بكلمات طيبة للغاية، وهى فى حلاوتها وعذوبتها كأنغام الدعوة إلى القومية والجبهة الوطنية، ولكن سرعان ما تكشفت الرغوة عن اللبن الصريح وغلب الطبع التطبع فثارت الزوبعة الحزبية بأقصى حدتها، وانتهى ذلك بانسحاب المعارضين فى كلا المجلسين ولا ندرى كيف يكون التعاون بين حضرات أعضاء المجلسين إذا كان هذا هو مظهر من مظاهره فى أول اجتماع؟ وهذا المظهر سيتجدد قطعا فى كل مناسبة ما بقيت هذه الأحزاب وحدات مستقلة، فلابد إذن من علاج واحد محتوم هو حلها، وتوحيد الأمة من بعدها، ونعتقد أن ذلك ما سيكون -إن شاء الله- إن لم يكن برضا الزعماء وتفكيرهم فسيكون بمعرفة الأمة لواجبها، وانقضاضها عمن لم يحسنوا قيادتها، ولم يعملوا لخيرها (16). وكتب جمعية الإخوان بالقاهرة تستحث رئيس مجلس الوزراء على إتمام مسجد البرلمان حتى لا تكون الصلاة عقبة أمام النواب في إيجاد مكان لإقامة صلواتهم فكتبوا يقولون:

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء (17).... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد؛ فقد كان سرور الأمة جميعًا بتوليكم أمرها شاملاً، وفرحها إذ أخذ القوس باريها، وعاد الأمر إلى نصابه فى أشخاصكم الكريمة عظيمًا، ولا شك أن عهدكم الزاهر هو عهد الإصلاح الكامل والخير الشامل -إن شاء الله تعالى.

وقد ظهرت بوادر هذا الإصلاح جلية واضحة فى أروع صورة وأبهج مظهر فيما قامت به الوزارة منذ تولت الحكم إلى الآن من جلائل الأعمال، وما تحقق على يدها من صادق الآمال على قصر المدة وكثرة المشغلة.

ويؤلمنا يا صاحب الدولة أن نرى إلى جانب ذلك الجهاد الموفق قرار وزارة الأشغال الذى نشرته جريدة "السياسة" وهو "انصراف النية عن بناء مسجد البرلمان" الذى كان قد تقرر إنشاؤه.

إن دار البرلمان هى مظهر كرامة الأمة ورمز آمالها وأمانيها وصورة قوميتها وحياتها، وإن المسجد فى البرلمان أمر لابد منه، فحضرات النواب إلا عددًا قليلاً مسلمون، ودين الدولة الرسمى الإسلام، والاجتماعات تعقد فى المجلس فى أوقات تتخللها أو تتقدمها أو تليها أوقات صلاة، فالمسجد فى البرلمان مظهر من مظاهر عناية الحكومة بتحقيق دستورها، وعناية الأمة بشعائر دينها، ومعين لحضرات النواب على أداء واجبهم الإلهى، إلى جانب واجبهم الوطنى، وما أوثق ارتباط كل منهما بالآخر.

وإن حرصنا على أن يكون عهدكم الزاهر ناصع البياض مشرق الصفحات لا يبدو على وجهه كلف، ولا يحجب جماله حجاب، دعانا إلى أن نتقدم إليكم ملحين فى الرجاء أن تؤيد وزارة الأشغال قرارها السابق بإنشاء مسجد البرلمان. وتتعجل إنفاذه، حتى نرى هذا المسجد فى القريب مستقر الرحمة فى مهبط الحكمة -إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (18).

وكتب الأستاذ صالح عشماوي (وكيل الجماعة) تحت عنوان في مجلس النواب:

أثار موضوع اتفاقية السكر اهتمام الرأي العام منذ وقف النائب المحترم "إسماعيل باشا رمزي" رئيس اللجنة المالية يطلب بإلحاح عرض هذه الاتفاقية على مجلس النواب، ووقف معالي وزير المالية يطلب التأجيل للاستعداد ووقف معالي وزير الداخلية يعلن أن الحكومة تعد بعدم فض الدورة البرلمانية قبل نظر هذا الاتفاق.

ثم مضى أسبوع واجتمع مجلس النواب فتغيرت الأوضاع واختلف الموقف فإذا رئيس اللجنة المالية يطالب التأجيل لوضع تقريره وإذا بالحكومة في هذه المرة تطلب وتلح في نظر الاتفاقية في هذه الجلسة وأخيرًا وبعد جدل طويل يؤجل النظر في هذا الموضوع على أن تجتمع اللجنة المالية – ولو إلى منتصف الليل – لتنتهي من تقريرها على أن يطبع بعد ذلك ويوزع على الأعضاء في الصباح، وينعقد المجلس في اليوم التالي فيعلن رئيس اللجنة المالية أن التقرير لم يتم بعد، وتظهر الحكومة تبرمها من هذا التأخير ويطلب نواب المعارضة تأجيل النظر إلى أمد طويل يتسع للبحث والدرس وأخيرًا يحال الأمر إلى لجنتي المالية والشئون الدستورية على أن تنظر الاتفاقية حتما في اليوم التالي.

لا عجب إذن إذا كانت هذه الحوادث المتلاحقة قد زادت من اهتمام الرأي العام وأرهفت من إحساسه وقد تجلى هذا الاهتمام في جلسة النواب مساء الأربعاء فحضر أصحاب المعالي الوزراء جميعا وعلى رأسهم صاحب المقام الرفيع رئيس الحكومة. وامتلأت مقاعد النواب من مؤيدين ومعارضين وازدحمت شرفات الزائرين حتى كان الواقفون أكثر من الجالسين.

وفي هذه الجلسة يدلي معالي وزير المالية ببيان طويل استغرق إلقاؤه ساعتين كاملتين وفي هذه الجلسة تصول المعارضة وتجول فيتكلم أحد النواب المحترمين عن الموضوع ويتكلم الأستاذ فكري أباظة عن الاتفاقية من ناحية الفقه وناحية الدستور ويرد معالي وزير العدل مرتجلا – وعلى غير استعداد كما قال معاليه – على كلمات المعارضة وأسئلة السائلين.

وتمتد الجلسة وتطول، وتتحرك عقارب الساعة وتدور، وينتهي الأمر بالموافقة على الاتفاقية بأكثرية 142صوتًا ضد 19صوتًا.

هذه لمحة سريعة عن أدوار عرض الاتفاق مع شركة السكر على مجلس النواب ولست أقصد التعرض لبيان وزير المالية وتحليله ولا التحدث عن المعارضين وإن كنت أسجل أن هذه الضجة قد انتهت على أنها زوبعة في فنجال!

إنما قصدت شيئًا أخطر من كل هذه المناقشات البيزنطية والمناورات البرلمانية ذلك أن الجلسة الأخيرة – وقد كنت أحد شهودها من شرفة الصحافة – بدأت بعد الساعة السادسة بقليل واستغرقت إلى ما بعد منتصف الليل بقليل من غير انقطاع! سيقال وأي شيء خطير في هذا؟ همة مشكورة وغير محمودة من الوزراء ومن النواب على أموال الدولة ومصالح الأمة! ولئن صح هذا في دولة مسيحية أو لا دينية فهو في دولة إسلامية يجتمع وزرائها ونوابها في ظل دستور ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام منكر وتفريط واستهتار، لقد حانت الساعة الثامنة وحل وقت صلاة المغرب وما زال وزير المالية يلقي بيانه الطويل ثم انتهى منه بعد ذلك بقليل وتوقعت رفع الجلسة لصلاة المغرب بالنسبة للمسلمين وللراحة والاستجمام لغير المسلمين. ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث وأخذت أراقب المقاعد من حزب اليمين وحزب اليسار فرأيت بعض الوزراء وبعض النواب – وقليل ما هم – يتسللون لواذًا ويغيبون دقائق ثم يعودون إلى قواعدهم سالمين!

أغلب الظن أنهم قاموا لأداء الصلاة مشكورين ولما طال الوقت وقرب موعد صلاة العشاء قمت بدوري وأديت الفريضة وعدت إلى الوقوف لأن مكاني قد احتل قبل أن أغادر الشرفة، لم يطل غيابي أكثر من دقائق معدودات وعدت فوجدت الجلسة مستمرة وما زال صاحب السعادة "عبد السلام فهمي جمعة باشا" رئيس المجلس متربعًا على كرسي الرياسة وما زال كثير من الوزراء ومن النواب وأغلبيتهم الساحقة من المسلمين في أماكنهم لم يغادروها لحظة واحدة، الوزراء يتهامسون ويقلبون بعض الأوراق ويدونون بعض الملاحظات، والنواب يتكلمون ويقاطعون ويستمعون، وظل الحال كذلك حتى حل وقت العشاء وانتهى وقت المغرب بل ظل الحال كذلك حتى انتهت الجلسة بعد منتصف الليل.

في أي شرع وفي أي دين يجوز لمصر المسلمة أن تجتمع في صعيد واحد حكومة وشعبا، أما الحكومة فممثلة في الوزراء، وأما الشعب فممثل في النواب، ثم يتفق هذا الجمع على إهدار فريضة المغرب، والصلاة أبرز شعائر الإسلام وعماد الدين؟ والأدهى من ذلك أن تنشر الصحف ويطلع الناس عليها في مصر وغير مصر من البلاد العربية والإسلامية أن مجلس النواب ظل من الساعة السادسة مساء إلى ما بعد منتصف الليل. بل أنكى من هذا وأمر أن تثبت الدولة رسميًا هذه المخالفة الصريحة للإسلام في وثيقة رسمية هي مضبطة جلسة مجلس النواب فيسجل التاريخ وتقرأ الأجيال المقبلة أن وزراء الأمة ونواب الشعب قد اتفقوا على إهدار صلاة المغرب لأنهم كانوا يتناقشون في مشروع الاتفاق مع شركة السكر فيتسع وقت الوزراء والنواب لسماع وزير المالية ساعتين كاملتين ولسماع بعض النواب ساعات طوال ثم يضيق وقتهم بدقائق قليلة للوقوف بين يدي الله العلي الكبير وهل يرضى هذا صاحب المقام الرفيع "مصطفى النحاس باشا" الرجل التقي الذي تصف الجرائد صلاته في كل جمعة وخشوعه وهو جالس إلى المحراب؟ لقد كنت أنتظر من رفعة النحاس باشا – وقد كان حاضرًا وجالسًا في الجلسة – أن يطلب رفع الجلسة لصلاة المغرب. ألم يصدر الباشا منشورًا يطلب فيه إلى الموظفين أن يراعوا حرمة شهر رمضان الكريم فلا يرى أحدهم متجاهرًا بإفطاره؟ والصلاة يا رفعة الباشا أليست ركنًا من أركان الدين كالصيام؟ فهل يرضيك أن يتجاهر الوزراء ورئيس النواب والنواب وجلهم من المسلمين بإهدار فريضة المغرب؟ وهل يوافق معالي "محمد فؤاد سراج الدين باشا" وقد كان حاضرًا طول الجلسة – بصفته وزير الشئون الاجتماعية على الاستهتار بأحكام الدين جهارًا؟

وكيف يسمح معالي "عبد السلام فهمي جمعة باشا" لنفسه ولنواب مجلسه بالبقاء في مقاعدهم من قبل المغرب إلى ما بعد العشاء كأنه وكأنهم غير مكلفين بأداء فريضة المغرب (19).

وكتب أيضا فقال:

النظام البرلماني هو آخر ما وصلت إليه الدول في العصر الحديث لحكم الشعب بواسطة الشعب وفي ظله يتحقق الاستقرار وتطلق الحريات العامة في حدود القانون ومن مفاخر الإسلام أنه قرر هذا المبدأ الذي تتباهى به أوروبا وأمريكا اليوم منذ أربعة عشر قرنا، فقرر الشورى وسجلها في القرآن الكريم "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ" آل عمران الآية 159. "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" الشورى الآية 38. كما نادت تعاليم الإسلام باختيار الحاكم "الإمام" ومسئوليته أمام الشعب أو ممثليه من أهل الحل والعقد. ولم يعترف الإسلام بالقداسة ولا بأنه فوق القانون كما أنه لا يعرف نظام الوراثة الذي قد يضع على رأس الدولة طفلا لا يعقل ولا يعي (20).

وكتب أيضا مفارقات عجيبة تحت قبة البرلمان

قدم معالي وزير المالية الميزانية الجديدة إلى البرلمان ببيان مستفيض استعرض فيه العلل الاجتماعية والاقتصادية في جرأة محمودة وصراحة مشكورة، فتحدث عن الثروة العقارية وسوء توزيعها وتكلم عن انخفاض مستوى المعيشة للسواد الأعظم من المصريين ناعتًا إياه بأنه "مستوى الحرمان؟" وتعرض لهذا التفاوت البعيد عن الطبقات، ففئة قليلة تخوض بالثروة وتزداد في كل عام غني وأغلبية عظمى منهوكة من العوز تزداد في كل يوم فقرًا ووصفت النتيجة بأنها "استعباد المصري لأخيه المصري".

وكل هذا جميل وعظيم وكان المنتظر أن يشفع معالي الوزير الداء بالدواء وأن نجد صدى هذا الكلام مجسدًا في الميزانية بالأرقام ولكن إذا ما طوينا البيان ونشر بالميزانية التي بلغت 90مليونًا من الجنيهات لم نجدد فيها لمحاربة الفقر والجهل والمرض وتحقيق العدالة الاجتماعية إلا مبلغ 11مليونًا من الجنيهات فقط! فإذا قدرنا عدد السكان بثمانية عشر مليونًا كان نصيب الفرد من الإصلاح 60قرشًا وهكذا نجد معالي وزير المالية اكتفى من الإصلاح بالكلام دون الأرقام!.

ولم تكن هذه هي الظاهرة العجيبة الوحيدة ففي أثناء مناقشة السياسة العامة للميزانية رأينا مفارقات أعجب! رأينا الحكومة لا تملك إلا أن تساير الرغبة في الإصلاح فتقر المجانية في التعليم الابتدائي التي قررتها وزارة الوفد الأخيرة ولكننا سمعنا نوابًا يمثلون هذا الشعب الجاهل الأمي يعترضون على المجانية ويعتبرونها إفسادًا للتعليم! ويطالبون بفتح مدارس بمصروفات لأولاد الأغنياء، ولماذا؟ لأن أولاد الفقراء مرضى متخمون بالأمراض وهم باختلاطهم بأولاد الأغنياء ينقلون إليهم العدوى فيجب "عزل" أولاد الفقراء في مدارس خاصة يكون التعليم فيها مجانًا!! كنا ننتظر من نواب الشعب المريض الجاهل أن يطالبوا بمعالجة أولاد الفقراء في المدارس لا أن "يعزلوهم" في المدارس بدل المستشفيات.

وسمعنا نغمة رأسمالية منكرة ومتنكرة من نواب وصلوا إلى مقاعدهم على أكتاف الفقراء، سمعنا نوابًا يعترضون على معالي وزير المالية لأنه تحدث عن سوء توزيع الثروة العقارية ففتح بذلك العيون والأذهان وسمعنا نوابًا يطالبون بعدم فرض ضرائب جديدة أو زيادة الموجودة حتى إذا طمأنهم وزير المالية اهتز المجلس من التصفيق الحاد.

وأعجب من هذا أن يقف حضرة النائب المحترم نجيب ميخائيل بشارة بك فيطالب بفرض الزكاة على الأموال العاطلة المودعة في البنوك وقد مضى عليها الحول تطبيقًا للشريعة، أين النواب المسلمون؟ وأين النائب المحترم فضيلة الشيخ دراز سكرتير عام الأزهر الشريف ومفتش عام الوعظ وعضو مجلس إدارة الشبان المسلمين، لم نسمعه يتكلم إلا حين قام يشكر رئيس الحكومة على بيانه بإطلاق الحريات!!

وإذا انتقلنا من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ رأينا شيخًا محترمًا من مواطنينا الأقباط يطلب مساعدة جمعية لتحفيظ القرآن كما يطلب ترميم مسجد. ورأينا أيضا كيف ظل مشروع الشيخ المحترم محمد بك خطاب الذي يقضي بتحديد الملكية الزراعية بخمسين فدانًا "معتقلا" أكثر من عام إذا ما أفرج عنه وطرح للبحث، سرعان ما انتهى أمره إلى التأجيل أسبوعًا ثم أسدل الستار على سحبه من المجلس بواسطة لجنة الشئون الاجتماعية.

"وبعد" وزير المالية يريد الإصلاح فيسعفه البيان والكلام ولا تسعفه في الميزانية الأرقام، وحكومة ديموقراطية تريد نشر التعليم والتقريب بين الطبقات وشيوخ ونواب أرستقراط يريدون فصل أولادهم عن أولاد الفقراء ويعارضون كل ضريبة ويقتلون كل مشروع لنشر الملكيات الصغيرة، ومواطنون أقباط يطالبون إنشاء جمعيات لتحفيظ القرآن وإقامة المساجد وفرض الزكاة وشيوخ ونواب مسلمون من بينهم علماء لا يطلبون شيئًا من ذلك ولا يتكلمون، أليست هذه مفارقات عجيبة تحت قبة البرلمان. (21)

لم يكن الإخوان بعيدين عما يجرى داخل البرلمان بل كانوا على علم تام بكل ما فيه وكانوا يتفاعلون مع الأحداث التي تقع داخل أروقة البرلمان، والقضايا التى يناقشها النواب، ففي برلمان عام 1945م (حيث حصل السعديين على الأغلبية) احتدمت المعركة على رئيس البرلمان من يكون، فكتب صالح عشماوي مقالا حول ما يجري فقال:

كانت معركة حامية تلك التي دارت رحاها في أول جلسة عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيسه، فقد أعلن دولة صدقي باشا في جريدة الأهرام أنه نزولا على رغبة زملائه النواب ولاعتبارات المصلحة العامة وحدها قبل ترشيح نفسه لرئاسة مجلس النواب فألقى بذلك القفاز، والتقطه دولة النقراشي باشا وجمع الهيئة السعدية وهدد بالاستقالة إذا انتخب صدقي باشا، وزكى ترشيح الأستاذ حامد جودة.. واعتبر انتخاب صدقي باشا من النواب خيانة للعهد الحاضر، كما طرح المسألة في مجلس الوزراء وأخذ الموثق على زعماء الأحزاب المؤتلفة من الوزارة أما النتيجة فكما علمها القراء انتخاب الأستاذ حامد جودة وانهزام أبي السباع، ولسنا نريد أن نردد ما قاله مكرم باشا "رب فوز أشرف منه الفشل" ولكن استوقف نظرنا أن دولة صدقي باشا فاز بـ 74 صوتًا أي بأصوات 73نائبًا إذا استبعدنا صوت الباشا نفسه، وإذا حصرنا عدد نواب الحزب الوطني والمستقلين نجدهم لا يبلغون أبدًا ذلك العدد، وبذلك نعلم أن نوابًا من السعديين والدستوريين والمكرمين قد خرجوا على قرارات أحزابهم وضربوا بها عرض الحائط وانتخبوا أبا السباع، ولو أن صدقي باشا انتخب رئيسًا لكان معنى ذلك أنه يمكن تغييرا لوزارة ويبقى البرلمان يؤيد أية وزارة مستقلة تتقدم إليه، أما الآن فتغيير الوزارة أصبح معناه تغيير العهد الحاضر كله حكومة وبرلمانًا، على كل حال هل نطمع بعد هذا الموقف أن نرى في الدورة الحالية للمجلس معارضة قوية تتكون من 30 أو 40 نائبًا بزعامة صدقي باشا؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام (22).

وأيضا ما كتبه محمد نايل في جريدة الإخوان المسلمين في يونيو 1937م في مقال بعنوان: "من جهل شيئًا عاداه" استنكر فيه فهم بعض نواب البرلمان للدين وتفريقهم بين الدين والسياسة، واتهمهم بالجهل في فهمهم للدين والسياسة التي فهموها على أنها المناورات الحزبية وأن الدين لا علاقة له به وختم مقاله بقوله: "وأن رجال الدين في غنى عن سياستهم التي هم حريصون على أن يدفعوا الناس عنها، وأن يجعلوها شيئًا غير الدين، لأنها ليست هي السياسة التي يتشرف رجال الدين بالاشتغال بها، ويعتز الإسلام بالقرب منها. فإن للدين سياسة غير سياستهم لابد أن تأخذ مكانها يومًا من الأيام قريبًا كان أو بعيدًا والعاقبة للمتقين" (23).

الهامش

(1)"رسالة المؤتمر الخامس" مجموعة رسائل الإمام البنا

(2) جريدة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939، ص(3-5).

(3) هو محمد محمود باشا.

(4) هو أحمد محمد خشبة باشا.

(5) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (33)، السنة الثانية، 13رمضان 1353ه/ 20ديسمبر 1934م، ص(26).

(6) جريدة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939، ص(3-5).

(7) في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، 1423 هـ - 2003 م، طـ:32، جـ1، صـ 502

(8) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين 20فبراير 1938م.

(9) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة المؤتمر السادس

(10) مجلة النذير، العدد (2)، السنة الأولى، 7 ربيع الثانى 1357ه- 6 مايو 1938م، ص(19).

(11) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (333)، السنة الثانية، 14 رجب 1366 هـ/3 يونيو 1947م، ص(4).

(12) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (426)، السنة الثانية، 7 ذو القعدة 1366 ه/22 سبتمبر 1947م، ص(1).

(13) مجلة الفتح، العدد (202)، السنة الخامسة، 8محرم 1349ه- 5يونيو1930م.

(14) مجلة التعارف، العدد (4)، السنة الخامسة، السبت 30 محرم 1359ه- 9 مارس 1940م، ص(1-2).

(15) جريدة النذير، العدد (2)، السنة الأولى، 7 ربيع ثان 1357 / 6 يونيو 1938، ص(9). ورئيس مجلس الشيوخ فى ذلك الوقت هو محمود بسيوني, أما رئيس مجلس النواب فكان بهى الدين بركات. [عبد الرحمن الرافعى: فى أعقاب الثورة المصرية, (3/67)].

(16) جريدة النذير، العدد (27)، السنة الأولى، 13 شوال 1357 / 6 ديسمبر 1938، ص(3-5).

(17) رئيس مجلس الوزراء هو محمد توفيق نسيم باشا، ووزير الأشغال هو عبد المجيد عمر بك.

(18) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (33)، السنة الثانية، 13رمضان 1353ه/ 20ديسمبر 1934م، ص(26)، رئيس مجلس الوزراء هو محمد توفيق نسيم باشا، ووزير الأشغال هو عبد المجيد عمر بك.

(19) الإخوان المسلمون – العدد (17) – 13شعبان 1363هـ / 2أغسطس 1944م.

(20) الدعوة – العدد (159) – 26جمادى الآخرة 1373هـ / 2مارس 1954م.

(21) الإخوان المسلمون – العدد (63) – 3شعبان 1364هـ / 12/7/1945م.

(22) الإخوان المسلمون – العدد (78) – 18ذو الحجة 1364هـ / 24/11/1945م.

(23) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الخامسة – العدد 3 – 25ربيع الأول 1356هـ / 4يونيو 1937م.