الحلقة الثامنة الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية (الحلقة الثامنة)


خطوة نحو البرلمان


إعداد: إخوان ويكي

أدركت الجماعة ما يحاك لها من محن وأن الزمن قد تغير وتكشفت للجميع قوة الإخوان وتأثيرهم سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي مما دفع الإنجليز على العمل للحيلولة بين الإخوان ووصليهم للبرلمان.

المشاركة الأولى ..انتخابات 1942م

تدرج الإخوان في دعوتهم من التعريف للتكوين للانتشار في كل مكان، ومع هذا الانتشار وتغير الأوضاع على أرض الواقع كان لابد للجماعة من التطور والتغيير، والاندماج في العمل العام مع مؤسسات الدولة فكان القرار بالاشتراك في الانتخابات البرلمانية.

كما علمنا كانت البلاد تموج بالاضطرابات خاصة بعدما حقق الألمان نجاحات كبيرة واستطاعوا أن يجتاحوا فرنسا ودول شمال إفريقيا حتى اصطدموا بالانجليز في معركة العلمين والتي أوقفت تقدمهم لكن الأمور في مصر كانت تسير وفق إرادة الإنجليز فبعد أن أجبروا الملك على إقالة عزيز المصري من قيادة الجيش أجبروه على إقالة وزارة على ماهر باشا لأنها ضد رغبة الإنجليز

وجاء حسن صبري والذي توفي بعد توليه بأشهر ثم كانت حكومة حسين سري والتي كانت مطية في يدي الإنجليز ومع ذلك لم يرض الإنجليز عليها وخافوا مغبة الأمور فأجبروا الملك على تكليف وزارة تتعاون مع الانجليز وأمهلوه فترة لكنهم سرعان ما حركوا مدرعاتهم وجيشهم وحاصروا قصر عابدين في 4 فبراير 1942م

وأجبروه على تكليف النحاس باشا بتشكيل حكومة وفدية خالصة ليضمنوا بها ولاء هذه الوزارة ولتستكمل ما بدأته عام 1936م حينما عقدت مع الإنجليز معاهدة الشرف والاستقلال، ولقد صرح أحمد ماهر باشا بقول: إن وزارة النحاس باشا جاءت على أسنة الدبابات.

وكعهد أية وزارة تتشكل من جديد يقوم رئيس الوزراء بحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات جديدة يكون سمتها دائما التزوير لتتوافق مع الحزب الذي يشكل الوزارة، وبالفعل قام النحاس بالإعلان عن انتخابات برلمانية جديدة..ولذا أعلن الإخوان اشتراكهم في هذه المعركة حيث كان من قرارات المؤتمر السادس للإخوان المسلمين فى عام 1941م السماح لمكتب الإرشاد العام بالتقدم بالأكفاء من الإخوان إلى الهيئات النيابية المختلفة ليرفعوا صوت الدعوة وليعلنوا كلمة الجماعة فيما يهم الدين والوطن (1)

انعقد مكتب الإرشاد وناقش موضوع الترشح في الانتخابات واستقر على قرار ترشح حسن البنا المرشد العام واختار مدينة الإسماعيلية من حيث أنها مهد الدعوة وللبنا شعبية كبيرة هناك، وتم دفع التأمين وبدأت الدعاية الانتخابية والتي قام بها الأهالى تقدير وحبا لحسن البنا.

وقد نشرت مجلة "الإثنين" التي كان يرأس تحريرها مصطفى أمين تحت عنوان "مَنْ زعيم المعارضة فى البرلمان الجديد؟" ، وتجيب المجلة: "إنه حسن البنا؛ لأنه سينجح بلا منازع" (2). لم يترشح حسن البنا فقط في هذه الانتخابات بل ترشح أيضا النائب في البرلمان محمد نصير عن دائرة بنها والذي كان انضم للإخوان وأصبح عضو فيها.

كانت الدعاية تجري على قدم وساق حتى فوجئ النحاس باشا بتكليف من الإنجليز بمنع حسن البنا من الترشح بل وصل الحال في عدم تنازله أن يعاود الانجليز احتلال المناطق التي انسحبوا منها وكان هذا مثار تعجب لدى النحاس، فأرسل صهره في استدعاء حسن البنا. (3)

وحينما تقابل في فندق مينا هاوس أطلع البنا على الموقف وتشدد الانجليز في طلب حل الجامعة ومنع البنا من الترشح، غير أن البنا رفض هذا الأمر وطلب إرجاء القرار لاطلاع مكتب الإرشاد على الأمر لأنه صاحب القرار. لكن النحاس أكد للإمام البنا أن هذا الأمر خارج عن إرادته، وأن الإنجليز جادون فى تهديداتهم؛ فهم يستطيعون أن يدمروا البلد فى ساعتين، كما سيقومون بحل الجماعة ونفى زعمائها خارج القطر إذا لم يتم التنازل.

عرض حسن البنا الأمر على مكتب الإرشاد والذي رفض أغلبيته فكرة الانسحاب لكن البنا كان يخشى على الجماعة من أن تدخل في محنة شديدة. توجه للقاء النحاس بناء على الموعد المنعقد سابقا واخذ قرارا منفردا بالانسحاب من الانتخابات مقابل أن يسمح النحاس للإخوان بالانتشار ويصدر قرار بمنع البغاء وتحريم الخمر، ووعده النحاس ببذل المجهود في تحقيق المطالب، وقد نشرت جريدة الوفد المصرى إشادة الإمام البنا بنشاط وزير الصحة وقراره ببدء إلغاء البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو. (4)

أحدث قرار انسحاب البنا استياء كبير وسط الإخوان لشعورهم بالاضطهاد المستمر حتى في أبسط حقوقهم لكن البنا وقيادات الإخوان نشطوا في الشعب لتعريف الناس بالأسباب التي دفعته للانسحاب، حتى أن البوليس السياسي رصد هذه التحركات وكتب التقارير عنها ومنها ما جاء في الأهرام:

محافظة بوليس الإسكندرية - 104 سرى سياسى

حضرة صاحب العزة مدير إدارة الأمن العام، نتشرف بأن نبلغ عزتكم ما يلى:

علمنا أن أعضاء جمعية الإخوان المسلمون بالإسكندرية تلقوا خبرًا باعتزام الأستاذ البنا رئيس المركز العام للإخوان المسلمون بمصر الحضور إلى الإسكندرية بقطار الساعة الحادية عشرة صباح يوم 6 الجارى، فتوجه نحو أربعين شخصًا منهم إلى محطة السكة الحديد لاستقباله، ولكنه لم يحضر بالقطار فظنوا أنه سيحضر بالسيارة

وقصدوا دار الجمعية بشارع التتويج رقم 59 وانتظروا بها وشاع الخبر بين الأعضاء الآخرين، فتوافدوا على دار الجماعة حتى وصل عدد ا لحاضرين إلى 80 تقريبًا، وأثناء فترة الانتظار هذه ألقى جاد أفندى لاشين مدرس اللغة العربية بمدرسة رأس التين الثانوية كلمة أشاد فيها بفكرة الإخوان المسلمون، وأيدهم فى العمل على تحقيق مبادئهم.

وفى الساعة الواحدة والثلث بعد الظهر وصل الأستاذ حسن البنا إلى دار الجمعية فاستقبله الحاضرون بالتكبير والتهليل، وترديد مبادئ الإخوان المسلمون. وبعد فترة قصيرة وقف على منصة الخطابة وقال: إنه قام بهذه الزيارة العاجلة لكى يفضى إليهم بالأسباب التي حملته على التنازل عن ترشيح نفسه لعضوية مجلس النواب، وأن ما سيقوله إنما هو من الأسرار الخاصة بالإخوان المسلمون دون سواهم، ولا يجوز إطلاع الجمهور عليه.

ثم انتقل إلى الحديث عن موضوع الترشيح، فقال: إن الغرض الذي رمى إليه من ترشيح نفسه لعضوية النواب عن دائرة الإسماعيلية هو العمل على تحقيق مبادئ الإخوان المسلمون بالطرق الدستورية المشروعة ورفع صوتهم فى البرلمان، ولكنه لم يكد يذاع خبر الترشيح ودفع التأمين إلا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وتكلم معه فى موقف الإخوان المسلمون

وطلب منه الرجوع إلى رفعة النحاس باشا لكى يكون رفعته على بينة من أمرهم؛ لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم، وبعد بضعة أيام تلقى دعوة بمقابلة النحاس باشا وتمت المقابلة فعلاً بفندق مينا هاوس، وقد طلب منه النحاس باشا أن يتنازل عن ترشيح نفسه وصارحه رفعته بأنه يطلب ذلك إيثارًا للمصلحة العامة ولمصلحته –أى مصلحة الأستاذ البنا – إنْ كان يريد الإبقاء على جماعة الإخوان المسلمون فى مختلف البلدان، فرفض ذلك وقال: إنه يستعمل حقًّا من حقوقه الدستورية ولا يرى ما يمنعه من الترشيح، وإن كانت هناك موانع فإنه يطلب بيانها كى يتبين مبلغها من الصحة.

وفضلا عن ذلك فإن قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمون، وأنه شخصيًّا لا يملك حق الرجوع فى ذلك، فرجاه رفعة الباشا أن يعمل على إقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك، وأن رفعته رأى أن يدعوه لينصح له بالتنازل وإلا اضطر إلى اتخاذ إجراءات أخرى يراها رفعته قاسية ولا يرتاح إليها ضميره، ولكنه حرصًا على مصلحة البلد مضطر لتنفيذها

ولما استوضح عن تلك الإجراءات قال رفعته: إنها حل جماعة الإخوان المسلمون، ونفى زعمائها إلى خارج القطر، وتلك هى رغبة هؤلاء الناس "يقصد الإنجليز" الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون، ونحن مضطرون إلى مجاملتهم خصوصًا فى هذه المسائل الفرعية وفى هذه الظروف العصيبة؛ لأنهم يقدرون على كل شىء، وفى استطاعتهم أن يدمروا البلد فى ساعتين إن شاءوا.

وقد ترك رفعته فرصة للتفكير فى الأمر، وأن تتم مقابلة أخرى فى هذا الشأن، وقد عرض الأمر على هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل، ولكنه هو شخصيًّا وافق عليه، لا خوفًا من النفى ولكن حرصًا على قيام الجماعة واستمرارها فى تنفيذ أغراضها.

وأخيرًا استقر الرأى على التنازل وتوجه مرة أخرى لمقابلة رفعة النحاس باشا بواسطة سليم بك زكى الذي بسط لرفعته دعوة الإخوان ومدى انتشارها فى المدن والأقاليم، فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجماعة وفروعها وعدم الوقوف فى سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم، فوعده رفعته بما طلب، وقد ظهرت نتيجة ذلك فيما نشر بالجرائد عن الجماعة وعن اجتماعاتها، واستشهد بما نشر بأهرام أمس عن اجتماع طنطا وغيره من الاجتماعات.

ثم عاد إلى تلخيص أسباب التنازل فقال:

  1. الحرص على قيام جمعيات الإخوان المسلمون فى مختلف البلاد.
  2. كسب ثقة النحاس باشا بوصفه رئيس الحكومة وزعيم الأغلبية.
  3. عدم الاطمئنان إلى نتيجة الانتخابات خوفًا من التلاعب، فيستعمل خصومهم ذلك لتشويه سمعتهم، وأشار إلى الخطاب الذي وجهه إلى رفعة النحاس باشا ونشرته الصحف على أثر التنازل، وقال بأن سعادة عبد الواحد الوكيل بك تفاهم معه بشأن الخطاب.

وكان يريد أن يشار فيه بأن التنازل هو احترام لقرار الوفد بترشيح آخر، وأن يعلن تأييد الوفد في سياسة التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف ولكنه – الأستاذ البنا – رفض هذا، واكتفى بذكر فقرات من خطاب رفعة النحاس باشا بأن الإخوان عون له في سياسة الإصلاح الديني والاجتماعي.

وختم حديثه بِحَثِّ الإخوان على مواصلة النشاط في نشر الدعوة، ثم تناول الحاضرون طعام الغذاء وغادر الأستاذ الدار إلى محطة سيدي جابر للسفر إلى طنطا بقطار الساعة الرابعة مساء. وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام 7/4/1942م. حكمدار بوليس الإسكندرية. (5)

كما أن أ. محمد حامد أبو النصر يحكى ما حدث وسط الإخوان بسبب انسحاب الأستاذ البنا من نفسه فيقول:

ولما طرح هذا الأمر علي الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين مجتمعة تبلور الحوار عن وجهتي نظر إحداها عدم التنازل ويمثل الأغلبية والأخر ترك الأمر لفضيلة الإمام الشهيد علي اعتبار إنها مساءلة شخصية وعلي ذلك فقد تصرف الإمام الشهيد علي هذا الوضع الأخير فاحدث ذلك اضطرابا في صفوف الإخوان فمنهم الموافق ومنهم المعارض وعمت هذه الموجة الغاضبة جميع الإخوان داخل القطر مما اضطر مكتب الإرشاد إرسال بعض أعضائه إلي الأقاليم لعرض المساءلة وشرحها بما يطمئن النفوس .
فكان إن زارنا في الصعيد الأستاذ المرحوم عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة وعقد لذلك اجتماع لنواب الإخوان في دارهم بأسيوط وأعطيت الكلمة للأستاذ عبد الحكيم عابدين فتناول الموضوع بالشرح والإسهاب وانتهي به الأمر إلي إن التنازل مساءلة خاصة بفضيلة الإمام الشهيد ولا يصح أن تكون موضع قلق أو اضطراب الإخوان
وبعد ذلك عقبت في كلمتي قائلا : إن التنازل مساءلة انتهت ولا يصح تضييع الوقت في الكلام فيها لكني أرجو من أ. عبد الحكيم عابدين أن يرفع إلي فضيلة الإمام الشهيد إننا قد سلمنا بما انتهي به الأمر ولكن علي فضيلته أن ينزل مستقبلا علي رغبة الأغلبية مهما كانت النتيجة
وما إن سمع أ. عبد الحكيم عابدين كلامي حتى وقف معقبا وأعلن إن هذا معناه عدم الطاعة لفضيلة مرشد الجماعة والتمرد بل هو الخروج علي مبادئ الجماعة وصور ذلك في قوة شديدة وثورة عارمة وعلي اثر ذلك انصرفت من الاجتماع محتجا ومن ثم عدت إلي منزلي بمنفلوط وقضيت بقية الليل اكتب رسالة مطولة لفضيلة الإمام الشهيد اشرح فيها ما حدث في الاجتماع موضحا رأي بصراحة ووضوح
وموقف الأخ الأستاذ عبد الحكيم عابدين نحوي وكررت طلبي النزول علي رأي الأغلبية مستقبلا وما أن وصل خطابي إلي فضيلة الإمام الشهيد حتى اتصل بي هاتفيا من القاهرة معتذرا عن ما حدث من أ. عبد الحكيم عابدين ووعدني بأنه سوف يأخذ بما أشرت في خطابي من احترام قرارات الهيئة مهما كانت الظروف واكبر في هذا المعني الصريح
فسعدت بهذا أيما سعادة وفهمت إن الدعوة الإسلامية بين يدي رجل يعشق الحرية ويحترم الرأي الأخر مهما تعارض مع ما اصدر من قرارات وشكرت لفضيلته روح التفاهم العالية وسماحة قلبه الكبير لتصحيح الأوضاع وإرساء قاعدة الشورى واحترامها والعمل حفظا علي وحدة الكلمة وجمع الصف وفي هذا قوة الجماعات. (6)
ولما طرح هذا الأمر علي الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين مجتمعة تبلور الحوار عن وجهتي نظر إحداها عدم التنازل ويمثل الأغلبية والأخر ترك الأمر لفضيلة الإمام الشهيد علي اعتبار إنها مساءلة شخصية وعلي ذلك فقد تصرف الإمام الشهيد علي هذا الوضع الأخير فاحدث ذلك اضطرابا في صفوف الإخوان فمنهم الموافق ومنهم المعارض وعمت هذه الموجة الغاضبة جميع الإخوان داخل القطر مما اضطر مكتب الإرشاد إرسال بعض أعضائه إلي الأقاليم لعرض المساءلة وشرحها بما يطمئن النفوس .
فكان إن زارنا في الصعيد الأستاذ المرحوم عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة وعقد لذلك اجتماع لنواب الإخوان في دارهم بأسيوط وأعطيت الكلمة للأستاذ عبد الحكيم عابدين فتناول الموضوع بالشرح والإسهاب وانتهي به الأمر إلي إن التنازل مساءلة خاصة بفضيلة الإمام الشهيد ولا يصح أن تكون موضع قلق أو اضطراب الإخوان
وبعد ذلك عقبت في كلمتي قائلا : إن التنازل مساءلة انتهت ولا يصح تضييع الوقت في الكلام فيها لكني أرجو من أ. عبد الحكيم عابدين أن يرفع إلي فضيلة الإمام الشهيد إننا قد سلمنا بما انتهي به الأمر ولكن علي فضيلته أن ينزل مستقبلا علي رغبة الأغلبية مهما كانت النتيجة وما إن سمع أ. عبد الحكيم عابدين كلامي حتى وقف معقبا وأعلن إن هذا معناه عدم الطاعة لفضيلة مرشد الجماعة والتمرد بل هو الخروج علي مبادئ الجماعة
وصور ذلك في قوة شديدة وثورة عارمة وعلي اثر ذلك انصرفت من الاجتماع محتجا ومن ثم عدت إلي منزلي بمنفلوط وقضيت بقية الليل اكتب رسالة مطولة لفضيلة الإمام الشهيد اشرح فيها ما حدث في الاجتماع موضحا رأي بصراحة ووضوح وموقف الأخ الأستاذ عبد الحكيم عابدين نحوي وكررت طلبي النزول علي رأي الأغلبية مستقبلا وما أن وصل خطابي إلي فضيلة الإمام الشهيد حتى اتصل بي هاتفيا من القاهرة معتذرا عن ما حدث من أ. عبد الحكيم عابدين
ووعدني بأنه سوف يأخذ بما أشرت في خطابي من احترام قرارات الهيئة مهما كانت الظروف واكبر في هذا المعني الصريح فسعدت بهذا أيما سعادة وفهمت إن الدعوة الإسلامية بين يدي رجل يعشق الحرية ويحترم الرأي الأخر مهما تعارض مع ما اصدر من قرارات وشكرت لفضيلته روح التفاهم العالية وسماحة قلبه الكبير لتصحيح الأوضاع وإرساء قاعدة الشورى واحترامها والعمل حفظا علي وحدة الكلمة وجمع الصف وفي هذا قوة الجماعات.

ولقد كتب الأستاذ مصطفى أمين (الصحفي المشهور) حينما زار الإسماعيلية عام 1942م ووجد الناس متحمسين لترشح الأستاذ حسن البنا لمجلس النواب، ورأى الجميع هناك يتحدثون عن خصائصه المميزة ومواهبه

فسطر بقلمه كلمات أوجزت المشهد القائم فقال:

أنا أول من رشح حسن البنا زعيمًا للمعارضة، كان ذلك فى مارس سنة 1942م، كان الوفد قد جاء إلى الحكم قبل ذلك بشهر، وبدأت الاستعدادات لإجراء انتخابات جديدة، كتبت فى "مجلة الاثنين" - وكنت رئيس تحريرها، وكانت أوسع المجلات انتشارًا فى ذلك الوقت - مقالا يوم 2 مارس سنة 1942م بالصفحة الخامسة تحت عنوان "من يكون زعيم المعارضة"؟
قلت فيه بالحرف الواحد: متأكدون أن زعيم المعارضة فى مجلس النواب سيكون واحدًا من اثنين، عبد الرحمن عزام باشا، أو الأستاذ حسن البنا رئيس جمعية الإخوان المسلمين، وهو شخصية سياسية جديدة، ويقدر المراقبون أنه سيكتسح مدينة الإسماعيلية فله فيها أنصار كثيرون، وأهالى المدينة يعتقدون أن ترشيحه مسألة كرامة لهم، وهم الذين دفعوا له مبلغ التأمين، واستضافوه، وقدموا سياراتهم وبيوتهم لتكون مركز الدعاية له، وهو خطيب مُفوّه يتزعم دعوة دينية إصلاحية، ونتنبأ له بأنه سيشق طريقه بسرعة إلى الصفوف الأولى.
وبعد ذلك بأسابيع ثلاثة عاد مصطفى أمين يكتب فى نفس الموضوع فنشر يوم 23 مارس سنة 1942م مقالا تحت عنوان "الإسماعيلية" قال فيه أبرز مرشحى هذه الدائرة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، وهذه الجمعية تتألف من فئات الشعب فى مختلف أنحاء القطر وأغلبية المنتمين إليها من المثقفين من المحامين والأطباء والموظفين والطلاب ومَن إليهم
ويمتاز حسن البنا بأنه خطيب مفوه ساحر، يستطيع أن يخطب عدة ساعات دون أن يتعب مع أنه نحيف وضعيف البنية، وقد يحسب البعض أنه شيخ أزهرى، ولكنه شاب تخرج من دار العلوم وعمل فى المدارس الحكومية ثم ألف جمعيته مع بعض إخوانه، وأصبحت بسرعة من أكبر الجمعيات فى مصر والشرق.

ويضيف:

وقد أحدثت هذه المقالات ضجة، وتعجب الناس لهذه التنبؤات، ودهش لها حسن البنا نفسه، فلم أكن قد التقيت به قبل ذلك، ومع ذلك توقعت له أن يكون زعيم المعارضة دون أن أعرفه.
وطلب حسن البنا مقابلتى، وفعلا تم ذلك فى مركز الجماعة بالحلمية كتبت بعدها مقالا فى مجلة الاثنين نشر فى 27 أبريل سنة 1942م قلت فيه: نشأت جماعة الإخوان المسلمين دون ضجة، ونمت رويدًا رويدًا حتى ملأت جوانب المدن وتغلغلت فى القرى، وهى دعوة للدين السمح الكريم.
وأمل الجماعة الأعظم ينطوى فى كفاحها الدائم، وتكاد تلمسه فى أحاديث رئيسها الذى يقول: "منذ اليوم الأول الذى أنشأنا فيه جماعتنا نؤمن بأن الغد سوف يخصنا بتبعاته".
ورئيس الإخوان المسلمين لا يسمى رئيسًا بل مرشدًا، وقد قصد بذلك ألا يكون هناك رئيس ومرؤوس بل إخوة متحابون، وأشد ما تحرص عليه الجماعة هو الصلة الروحية بين أعضائها وتقويتها بشتى السبل والمرشد العام هو شعلة متقدة من النشاط والهمة، وهو يوصى دائمًا بأن تكون الأخوة الإسلامية ممثلة فى كل حركة للجماعة، وجماعة الإخوان تخلص الإخلاص كله لفضيلة المرشد العام، وأعتقد أن مستقبل هذه الجماعة يفوق حساب كل متفائل.
وقد تنبه الاستعمار البريطاني إلى خطورة حسن البنا على مصالحه، فأرسل إنذارًا إلى الحكومة المصرية بألا يرشح مرشد الإخوان نفسه فى البرلمان.

ويضيف:

أعجبني في البنا إيمانه بفكرته، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك، كان خطيبًا مفوهًا قادرًا على التأثير فى آلاف الناس، كما كان شديد التأثير على كل من يجلس معه أيًّا كان تفكيره، كان يقنع العامل ويحدثه بأسلوبه، وكذلك يفعل مع الطالب، والكبير والصغير، والغنى والفقير، وساكن الريف والمدينة وكل طبقات الشعب. أعجبني كذلك فى حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفيًا فقط، بل كان محسوب الخطوات مدروسا. (7)

كانت هذه التجربة الأولى للإخوان في خوض غمار جديد وهو غمار السلطة التشريعية، وظل الإخوان يعملون من أجل دعوتهم حتى أقيلت وزارة النحاس باشا أواخر عام 1944م لتغيير أوضاع الحرب ولاستغناء الانجليز عن النحاس مما دفع الملك لإقالته وتكليف أحمد ماهر باش لتشكيل الوزارة.

المراجع

  1. رسالة المؤتمر الصادرة عن المركز العام فى ذى الحجة 1359هـ / يناير 1941م.
  2. جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الثالثة – العدد 719 – صـ7 – 2 ذو القعدة 1367هـ/ 5 سبتمبر 1948م.
  3. روز اليوسف – السنة الثالثة والعشرين – العدد 1035 – صـ14 – 4 جمادى الآخرة 1367هـ / 13 أبريل 1948م.
  4. جريدة الوفد المصرى – 6 ربيع الأول 1361هـ / 23 مارس 1942م.
  5. جريدة الأهرام اليومية – السنة 101 – العدد 32207 – صـ7 – 30 محرم 1394هـ / 14 فبراير 1975م.
  6. محمد حامد أبو النصر: حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  7. لواء الإسلام – السنة الثانية والأربعين – العدد 5 – محرم 1408هـ / أغسطس 1987م، وهذا المقال عبارة عن تحقيق أجراه معه الأستاذ محمد عبد القدوس.