الحكومة.. في بناء البنَّا تنظيريًّا
موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)
بقلم:د/ محمد علي عطا
محتويات
- ١ مقدمة
- ٢ أولا: مراده بالحكومة
- ٣ ثانيا: مشروعيتها
- ٤ ثالثا: أهميتها في فكره
- ٥ رابعا: متى تكون الحكومة إسلامية
- ٦ خامسا: وظيفتها
- ٧ سادسا: شكلها
- ٨ سابعا: صفاتها
- ٩ ثامنا: واجباتها
- ١٠ تاسعا:حقوقها
- ١١ عاشرا: ما يجوز لها
- ١٢ حادي عشر: عقابها
- ١٣ ثاني عشر: هل يطلب الإخوان الحكومة؟
- ١٤ ثالث عشر: روافد فكرة الحكومة في بناء البنا
- ١٥ المصدر
مقدمة
لأنه رأى ـ عكس الرؤية الغالبة في عصره ـ أن الإسلام حكومة وسياسة أيضا، احتلت الحكومة جزءا كبيرا من بنائه الفكري، نظريًّا وعمليًّا، ومن خلال رسائله يمكن رصد هذين الجانبين، ورصد روافده في ذلك، ولكن لطول الموضوعين؛ الحكومة عنده نظريا والحكومة عنده عمليا، أفردت كلا ببحث.
فقد نظَّر البنا رحمه الله للحكومة الإسلامية التي يريدها، من حيث تعريفها، ومهمتها، وشكلها،وصفاتها، وواجباتها، وحقوقها، وما يجوز لها، والموقف منها إذا أخطأت،على النحو التالي:
أولا: مراده بالحكومة
لم يبين صراحة مراده بالحكومة، ولكن من خلال الأنظمة السياسية التي عاصرها يمكن بسهولة القول بأن مقصده من الحكومة هو الوزارة؛ رئيس الوزراء والوزراء ومن يعينهم.
وليس السلطان أو الخديوي أو الملك ضمن مقصده من إطلاق لفظ الحكومة؛ لأن النظام في وقته كان نظام تفويض كامل من قبل الملك أو الخديوي أو السلطان، مما يلقي بالتبعة كلها على الوزارة.
ثانيا: مشروعيتها
تأتي مشروعية الحكومة عنده من عدة نواح(1):
1. هي ركن من أركان الإسلام تبعا لفهمه له.
2. الإسلام يعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:" إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
3. جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عروة من عرى الإسلام.
4. الحكم معدود في الكتب الفقهية من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع.
5. لا يتم الواجب إلا بها؛ فإن "المصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهًا مرشدًا يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره، فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد". وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثا: أهميتها في فكره
الحكومة في فكر البنا مرحلة مهمة من مراحل مشروعه التي حددها رحمه الله في سبع مراحل: الفرد المسلم، البيت المسلم، الشعب المسلم، التحرر من كل سلطان أجنبي، الحكومة المسلمة، استعادة الكيان الدولي للإسلام، أستاذية العالم.
فنلاحظ من خلال هذه المراحل أن الحكومة المسلمة هي واسطة العقد في مراحله، وأنها هي التي ستحدث نقلة من الجهد الفردي في خدمة الإسلام إلى الجهد الرسمي.
ويثار سؤال مهم: لماذا كانت مرحلة التحرر من كل سلطان أجنبي، قبل مرحلة الحكومة المسلمة؟
لماذا هذا الترتيب، وما الحكمة منه؟ رغم أن المنطقي أن تكون الحكومة هي التي تحرر من السلطان الأجنبي؟ أو على الأقل تكون عاملا مهما فيه مع الشعب؟
والإجابة عن هذا السؤال وردت عرضا في كلام البنا، حيث قال: "ولا تستطيع حكومة مصرية أن تقوم بهذا الإصلاح الاجتماعي حتى تتحرر تماما من الضعف والعجز والخوف والتدخل السياسي الذي يقيد خطواتها, وتتخلص من هذا النير الفكري الذي وضعته أوربا في أعناقنا فأضعف نفوسنا وأوهن مقاومتنا"(2).
فلن تستطيع أي حكومة التخلص من هذا النير الفكري إذا لم يكن هناك ضغط شعبي هائل، ورغبة جماهيرية، تدعم موقف هذه الحكومة، وتقويه، وتؤازر مواقفها الاستقلالية، ووقوفها أمام أي سيطرة أجنبية، وبدون هذا الشعب الواعي الراغب في الاستقلال، لن تجد الحكومات من يدفعها لتحقيق ذلك، وإذا أرادت لن تجد من يدعم مواقفها.
ولهذا السبب أيضا قال في معرض حديثه عن الحكومة(3):"... وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام".
كفهو يؤكد فكرة إحياء نظام الإسلام في قلوب الشعوب أولا، ثم يتم تكوين الحكومة على أساس هذا النظام بعد ذلك، أي أن الحكومة الإسلامية لابد أن تكون مولودة من رحم مجتمع تحيا فيه نظم الإسلام ومقتنع بها، ولا ينقصه إلا أن يخرج من بينه من يطبق له هذا النظام على أرض الواقع، فتكون الحكومة صنيعة شعب ومحققة لرغباته، فلا تستطيع أن تنحرف عن رغباته، ولا تستطيع أن تخضع لإرادة أخرى غير ضغوط شعبها، وفي الوقت نفسه يعطيه الشعب قوة في مواجهة أي ضغوط خارجية.
ولأهمية الحكومة عند البنا ومحوريتها في مشروعه أفرد لها رسالة؛ "مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي، نظام الحكم"، وكانت مقسمة على مقالات وصلت إلى خمسة مقالات، أدارها على المباحث التالية:الحكومة في الإسلام، ودعائم الحكم في الإسلام:مسؤولية الحاكم، وحدة الأمة، احترام إرادة الأمة، ومدى تحقق هذه الدعائم في سيرة الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامي، ثم تحدث عن موقف الإسلام من النظام النيابي والدستور المصري؛ مناقشا مدى وجود ضمانات تحقق هذه المبادئ في الدستور، ومدى حرص النظام النيابي عليها، وضعف الحكومات، وهيبة القانون، وما آل إليه الحال من منافسات حزبية ومكائد(4).
ولزيادة تبيين أهمية الحكومة في فكر البنا وفي مشروعه لابد من الاستماع إلى الشوق الجارف والأمل الصاخب في هذا النص الذي جاء تحت عنوان جانبي يشي بالحسرة؛"لو كانت لنا حكومة" يقول تحته(5):
"لو كانت لنا حكومة إسلامية صحيحة الإسلام, صادقة الإيمان, مستقلة التفكير والتنفيذ, تعلم حق العلم عظمة الكنز الذي بين يديها, وجلال النظام الإسلامي الذي ورثته, وتؤمن بأن فيه شفاء شعبها وهداية الناس جميعا ... لكان لنا أن نطلب إليها أن تدعم الدنيا باسم الإسلام, وأن تطالب غيرها من الدول بالبحث والنظر فيه, وأن تسوقها سوقا إليه بالدعوات المتكررة والإقناع والدليل والبعثات المتتالية, وبغير ذلك من وسائل الدعوة والإبلاغ, ولاكتسبت مركزا روحيا وسياسيا وعمليا بين غيرها من الحكومات, ولاستطاعت أن تجدد حيوية الشعب, وتدفع به نحو المجد والنور, وتثير في نفسه الحماسة والجد والعمل".
وقد تبع ذلك بهذا النص الملتاع:
"عجيب أن تجد الشيوعية دولة تهتف بها, وتدعو إليها, وتنفق في سبيلها، وتحمل الناس عليها, وأن تجد الفاشية والنازية أمما تقدسها, وتجاهد لها, وتعتز باتباعها, وتخضع كل النظم الحيوية لتعاليمها, وأن تجد المذاهب الاجتماعية والسياسية المختلفة أنصارا أقوياء, يقفون عليها أرواحهم وعقولهم وأفكارهم وأقلامهم وأموالهم وصحفهم وجهودهم , ويحيون ويموتون لها.
ولا نجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام, الذي جمع محاسن هذه النظم جميعا وطرح مساوئها, وتقدمه لغيرها من الشعوب كنظام عالمي فيه الحل الصحيح الواضح المريح لكل مشكلات البشرية, مع أن الإسلام جعل الدعوة فريضة لازمة, وأوجبها على المسلمين شعوبا وجماعات قبل أن تخلق هذه النظم, وقبل أن يعرف فيها نظام الدعايات:
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104). ولكن أنّى لحكامنا هذا!".
رابعا: متى تكون الحكومة إسلامية
يرى البنا أن الحكومة تكون إسلامية إذا توافر فيها خمسة شروط(6): ما كان أعضاؤها: مسلمين ـ مؤدين لفرائض الإسلام ـ غير متجاهرين بعصيان ـ وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.
خامسا: وظيفتها
يرى البنا أن الحكومة "خادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها"(7).
سادسا: شكلها
يرى البنا أنه لا يتحتم شكل معين للحكومة لأنه؛"لا عبرة بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع, مادام موافقا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي"(8).
سابعا: صفاتها
يرى البنا أن أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها الحكومة الإسلامية هي(9): الشعور بالتبعية للشعب ـ والشفقة على الرعية ـ والعدالة بين الناس ـ والعفة عن المال العام ـ والاقتصاد فيه.
ثامنا: واجباتها
وضح المظاهر العملية التي تدل على أن الحكومة إسلامية، أو بمعنى آخر:واجبات الحكومة المسلمة، فقال(10):"وعلى هذا فنحن نطلب من أية حكومة مصرية أولاً وعربية أو إسلامية بعد ذلك أن تعود في نظام حياتها الإسلامية والمدنية إلى الإسلام، ويكون من المظاهر العملية لذلك:
1 ـ أن تعلن أنها حكومة إسلامية تمثل فكرة الإسلام دوليًّا تمثيلاً رسميًّا .
2 ـ أن تحترم فرائضه وشعائره وأن تلزم بأدائها كل موظفيها وعمالها وأن يكون الكبار في ذلك قدوة لغيرهم .
3 ـ أن تحرِّم الموبقات التي حرمها الإسلام من الخمر وما يلحق بها، ومن الزنا وما يمهد له، والربا وما يتصل به من أنواع القمار والكسب الحرام، وأن تكون الحكومات قدوة في ذلك فلا تبيح شيئاً من هذا ولا تعمل على حمايته بسلطة القانون، ولا تتعامل مع شعبها على أساسه.
4 ـ أن تجدد مناهج التعليم بحيث تقوم على التربية الإسلامية والوطنية ، ويعنى بها باللغة العربية والتاريخ القومي عناية فائقة، وتؤدي إلى طبع نفوس المتعلمين بتعاليم الإسلام وتثقيف عقولهم في أحكامه وحكمه.
5 ـ أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون .
6 ـ أن تصـدر الحكـومات عن هـذا التوجيه الإسلامي في كـل التصرفات".
وقد أجمل هذا التفصيل في رسالة أخرى فقال(11):"ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بكر وعمر من قبل ... وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام".
وذكر في موضع آخر أن من واجباتها(12): صيانة الأمن, وإنفاذ القانون, ونشر التعليم, وإعداد القوة, وحفظ الصحة, ورعاية المنافع العامة, وتنمية الثروة, وحراسة المال, وتقوية الأخلاق, ونشر الدعوة .
تاسعا:حقوقها
يرى البنا أن من حق الحكومة الإسلامية متى أدت واجبها: "الولاء والطاعة, والمساعدة بالنفس والأموال"(13).
عاشرا: ما يجوز لها
يجوز لها "الاستعانة بالأجانب في مصالح خاصة متى كان هذا مهما"(14).
حادي عشر: عقابها
"فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد"(15).
ثاني عشر: هل يطلب الإخوان الحكومة؟
رد البنا على هذا السؤال في "رسالة المؤتمر الخامس"، تحت عنوان جانبي"الإخوان المسلمون والحكم".
ونظم ردُّه عدة حقائق(16):
1. "قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذا لأحكامه وإيصالا لآياته ولأحاديث نبيه, وأما الحال كما نرى :
التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر, فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف.
هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا, و لكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف".
2. الإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه.
3. وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.
4. الإخوان المسلمون أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال, فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود, ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة".
فإذا كانت هناك حكومة تقوم بحق الإسلام كما يجب قنع المصلحون بالوعظ والإرشاد، وإذا لم توجد هذه الحكومة ووجِد من يستطيع أن يقوم بها من خارج الإخوان كان هو الأولى، وكانوا هم أنصاره، وإن لم يوجد هذا ولا ذاك عملوا على استخلاص الحكم، ولكن هناك مقياس دقيق إذا توافر تقدموا للحكم، وإذا لم يتوافر عملوا جاهدين على توفيره أولا قبل أن يتقدموا للحكم، وهذا المقياس هو إيثار الشعب للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ثالث عشر: روافد فكرة الحكومة في بناء البنا
لم يصرح البنا بمصادر فكرته عن الحكومة وتصوره لها إلا قليلا، ويصعب على فرد واحد أن يتتبع هذه الروافد كلها بسبب:
ـ سعة ثقافة البنا رحمه الله، التي تضم المصادر التراثية، والمصادر العصرية، والمصادر العربية والمصادر الأجنبية.
ـ صبغ البنا لبعض الأفكار بصبغته الخاصة، وصبها في قالب يناسب العصر إن كانت تراثية، وصبها في قالب يناسب الإسلام إن كانت غربية.
ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، ويمكنني استشفاف بعضها ـ على قدر معرفتي واجتهادي ـ ومما يمكنني استشفافه:
1. مقاصد الشريعة الإسلامية
فكل ما رآه يحقق هذه المقاصد من عدل ومساواة، وحرية واستقلال، وحفظ النفس والمال والعقل والدين والنسل، حتى وإن كان نتاجا للحضارات الغربية أخذ به ودعا إليه؛ ولذلك لم ير تحديد شكل معين للحكومة، فالشكل الذي يتيح لها تحقيق المقصد هو الأفضل.
2. سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين
صرح البنا بهذا الرافد، حين قال(17):"ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر من قبل".
وأرى أن هذا أهم روافد البنا؛ فقد عمل على استخلاص الدروس المستفادة من سيرهم والثوابت المشتركة بينهم ليجعلها شرائط ومواصفات وواجبات للحكومة الإسلامية، والمثال الواضح على ذلك هو البند ثامنا؛ ما يجوز لها، حيث جوَّز للحكومة الإسلامية أن تستعين بالأجانب في مصالح خاصة مهمة، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم دليلا مشركا؛ عبد الله بن أريقط؛ ليدله على الطريق عند الهجرة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذ الهُرْمُزان الفارسي مستشارا له في أمر فتح فارس وأصبهان وأذربيجان(18).
ويظهر أيضا هذا الرافد في استشهاده بمقولة عثمان بن عفان رضي الله عنه، في البند ثانيا.
3. كتب العقائد والأصول والفقه: وقد صرح بذلك في البند ثانيا
4. كتب السياسة الشرعية
وهو باب واسع من أبواب الفقه الإسلامي التي نظَّرت لتنظيم العلاقة بين الحاكم والرعية، وبيان واجباته، ودوره وحدوده، وواجبات الرعية عليه، وهو تراث ثر، ولحظه البنا رحمه الله في تنظيره الفكري، وهو أوسع المصادر التي اعتمد عليها البنا حسبما أرى.
ويظهر لي جليًّا تأثره بها في: تحديد متى تكون الحكومة إسلامية، المذكورة في البند رابعا، ومهمتها المذكورة في البند خامسا، وصفاتها المذكورة في البند سابعا، وواجباتها المذكورة في البند ثامنا، وخاصة رقمي 2ـ أن تحترم فرائض الإسلام، و3ـ أن تحرِّم الموبقات. وحقوقها، المذكورة في البند تاسعا، وعقابها المذكور في البند حادي عشر.
وعلى سبيل التأكيد آخذ فكرة صفات الحكومة الإسلامية التي ذكرتها في البند سابعا؛ فإن كل هذه الصفات تقريبا مذكورة في كتب السياسة الشرعية(19)، إما بنصها، مثل: الشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس.
أو بأصلها الذي خضع لإعمال أسلوب البنا وطلاء عصره، مثل: الشعور بالتبعية للشعب.
التي يقابلها عند علماء السياسة الشرعية: أجير عند الأمة، وعبارة: الاقتصاد في المال، والعفة عن المال العام. التي يقابلها في كتب السياسة الشرعية: البعد عن الإسراف، والعفة في المال.
5. الدساتير
أرى أن من روافد البنا في فكرة الحكومة الدساتير المختلفة؛ الدساتير المصرية، والدساتير الغربية، ففيها المواد التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق المحكوم على الحاكم، ومنها اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، والتعليم والعمل على نشره، والصحة والحفاظ عليها... إلخ.
6. التجربة الواقعية
فقد تبين له من خلال التجربة والتعامل مع الحكومات المختلفة التي مرت به ـ وهي كثيرة كما يتضح من الجدول ـ عيوبها، والقيود التي تقيد سيرها، وما تحتاجه من الاستقلال والتأييد الشعبي، حتى تستطيع السير في الاتجاه الصحيح، وقد صرح بهذا الرافد، حيث قال(20):"التجارب الكثيرة كلها تقنعنا بأننا في واد وهي في واد".
7. الدعوات السياسية والاجتماعية الغربية
كان البنا رحمه الله متصالحا مع منجزات الحضارة الإنسانية، لا ينظر إليها بعين الرفض الكلي دون تمحيص طالما كانت منتجا لحضارة غير إسلامية، ولكنه كان يؤخر القرار إلى ما بعد الفحص والتمحيص والتشريح، ووزنها بميزان الإسلام وجوهره ومقاصده، فيطرح منها الفاسد ويأخذ ما يتوافق مع جوهر الإسلام، وكانت فكرة الحكومة الإسلامية من الأمور التي طبق عليها هذا المنهج، ويظهر هذا من قوله(21):
"عجيب أن تجد الشيوعية دولة تهتف بها, وتدعو إليها, وتنفق في سبيلها, وتحمل الناس عليها, وأن تجد الفاشية والنازية أمما تقدسها, وتجاهد لها, وتعتز باتباعها, وتخضع كل النظم الحيوية لتعاليمها, وأن تجد المذاهب الاجتماعية والسياسية المختلفة أنصارا أقوياء, يقفون عليها أرواحهم وعقولهم وأفكارهم وأقلامهم وأموالهم وصحفهم وجهودهم, ويحيون ويموتون لها. ولا نجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام, الذي جمع محاسن هذه النظم جميعا وطرح مساوئها".
وغيرها من الروافد.
المصدر
(1) مجموعة الرسائل، رسالةالمؤتمر الخامس"، (ص123). دار الكلمة الطيبة للنشر والتوزيع، مصر، المنصورة، ط1، 1426هـ/2005م.طط
(2) مجموعة الرسائل، رسالةالمؤتمر السادس"، (ص149).
(3) مجموعة الرسائل، رسالةإلى الشباب"، (ص321ـ 322).
(4) مجموعة الرسائل،"رسالة مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي، نظام الحكم"، (ص 233ـ 246).
(5) مجموعة الرسائل، رسالةالإخوان تحت راية القرآن"، (ص170ـ 171).
(6) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(7) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(8) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(9) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(10) مجموعة الرسائل، رسالة في اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد"، (ص313).
(11) مجموعة الرسائل، رسالةإلى الشباب"، (ص321ـ 322).
(12) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(13) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(14) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(15) مجموعة الرسائل، رسالةالتعاليم"، (ص384ـ 385).
(16) مجموعة الرسائل، رسالةالمؤتمر الخامس"، (ص123).
(17) مجموعة الرسائل، رسالةإلى الشباب"، (ص321ـ 322).
(18) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (6/559)(33793)، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض،ط1، 1409هـ.
(19) انظر على سبيل المثال: "الأحكام السلطانية"، للماوردي(ت450هـ)، (ص40)، دار الحديث، القاهرة. د ت، "المنهج المسلوك في سياسة الملوك"، لعبد الرحمن بن نصر الشيزري الشافعي(ت نحو590هـ)، (ص300، 382)، تحقيق علي عبد الله الموسى، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، د ت. "الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء"، لمحمود بن إسماعيل بن ميكائيل الخَيْربَيْتي(ت 843هـ)،(ص201)، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، د ت.
(20) مجموعة الرسائل، رسالةالمؤتمر السادس"، (ص151).
(21) مجموعة الرسائل، رسالةالإخوان تحت راية القرآن"، (ص170ـ 171).