الحزبية في فكر الإخوان المسلمين .. تقنين آراء وتأصيل اتجاهات (الجزء الثاني)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الحزبية في فكر الإخوان المسلمين .. تقنين آراء وتأصيل اتجاهات (الجزء الثاني)

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

محمد السيد الصياد

الأحزاب والحزبية في فكر الإمام البنا

لقد نشأ حسن البنا في بيئة كان يسيطر عليها ثقافة إرضاء المستعمر من أجل الحياة، سواء كانت هذه الحياة كريمة أو ذليلة، غير أن والده رباه على معاني العزة من خلال كتاب الله وسنة نبيه وسيرة السلف الصالح، فنشأ كغيره الكثير ممن تربوا على هذه المعاني،

وحينما شب كشاب وجد سياسة الأحزاب وانسياقها وراء المستعمر وتنفيذ مطالبه وتغليب مصالح المستعمر على حساب مصالح الوطن والشعب، وليس هذا فحسب بل وقعت البلاد في بلاء المهاترات الحزبية والتنافس الحزبي بين هذه الأحزاب للوصول إلى السلطة بأي ثمن سواء بالتزلف للمستعمر أو بالتشهير بالآخر، أو بالعمل لحساب الملك على حساب الوطن والشعب.

ومن ثم بغض الإمام البنا الحزبية والأحزاب لهذه الأسباب والتي شعر فيها بأن هذه الأحزاب هي سبب شقاء البلاد وخرابها، ومن ثم طالب بحلها.

ومع ذلك لم ينظر الإمام البنا إلى الشخصيات الحزبية كلها أنها سيئة بل أعرب عن سعادته بزعماء عملوا من أجل الوطن أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد فيقول في ذكرى وفته عام 1948م:

" لم يكن مصطفى كامل زعيم حزب ولا رئيسًا لجماعة، وإنما كان مبعث حركة، وصاحب مبدأ، وقائد أمة، لقد كان مصطفى كامل موفقًا فى تحديد الهدف، موفقًا فى رسم الوسيلة، فها نحن بعد أربعين سنة من موته نعود من حيث تركنا فننادى اليوم: "بألا مفاوضة إلا بعد الجلاء"،

وها نحن قد ترخصنا فى الوسائل فإذا بهذا الترخص لا يؤدي إلى غير وسيلة رخيصة رأينا فشلها، وها نحن نعود إلى وسيلة مصطفى كامل وهى الكفاح والجهاد".

لقد حاول حسن البنا أن يجد السياسي المحنك الذي يعرف معنى الوطنية الحقه لا الوطنية الزائفة التي سار عليها كثير من الأحزاب فيقول في رسالة دعوتنا:

"وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر، وتتضاغن، وتتراشق بالسباب، وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء، وشكلتها الغايات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية،

والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته، ويزيد وقود هذه النار اشتعالاً، يفرقهم فى الحق ويجمعهم على الباطل، ويحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض، ويحل لهم هذه الصلة به والالتفاف حوله، فلا يقصدون إلا داره، ولا يجتمعون إلا زواره، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس.

فها أنت قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم فى كل معانيها الصالحة التى تعود بالخير على العباد والبلاد، وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام".

كما فرق بين السياسة الحقه والحزبية البغيضة فيقول في رسالة مؤتمر الطلبة:

" الفارق بعيد بين الحزبية والسياسة، وقد يجتمعان وقد يفترقان، فقد يكون الرجل سياسيًّا بكل ما فى الكلمة من معان، وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه، وقد يكون حزبيا ولا يدرى من أمر السياسة شيئًا، وقد يجمع بينهما فيكون سياسيًّا حزبيًّا أو حزبيًّا سياسيًّا على حد سواء، وأنا حين أتكلم عن السياسة فى هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة، وهى النظر فى شئون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال..

بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل، ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية، أستطيع أن أجهر فى صراحة: بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا، بعيد النظر فى شئون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها.

وأستطيع كذلك أن أقول: إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وإن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية، وإلا كانت تحتاج هى نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام".

ويوضح أن السياسة شئ حيث إنها من الإسلام والحزبية البغيضة شئ آخر لأنها لا تمت للإسلام في شئ فيقول في رسالة مؤتمر الطلبة أيضا:

" أن هذه السياسة الإسلامية نفسها لا تنافى أبدًا الحكم الدستوري الشورى، وهى واضعة أصله ومرشدة الناس إليه فى قوله تعالى من أوصاف المؤمنين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾..

وإن لى فى الحزبية السياسية آراء هي لى خاصة، ولا أحب أن أفرضها على الناس .. أعتقد -أيها السادة- أن الحزبية السياسية إن جازت فى بعض الظروف فى بعض البلدان، فهى لا تجوز فى كلها، وهى لا تجوز فى مصر أبدًا، وبخاصة فى هذا الوقت الذي تستفتح فيه عهدًا جديدًا، ونريد أن نبنى أمتنا بناء قويًا يستلزم تعاون الجهود، وتوافر القوى، والانتفاع بكل المواهب، والاستقرار الكامل،

والتفرغ التام لنواحي الإصلاح.. وأعتقد -أيها السادة- أن التدخل الأجنبي فى شئون الأمة، ليس له من باب إلا التدابر والخلاف، وهذا النظام الحزبي البغيض، وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد يلوّحون له بخصمه الآخر، ويقفون منهما موقف القرد من القطتين، ولا يجنى الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته واستقلاله وأخلاقه ومصالحه..

إننا أمة لم نستكمل استقلالنا بعدُ استكمالاً تامًّا، ولا زلنا فى الميزان، ولا زالت المطامع تحيط بنا من كل مكان، ولا سياج لحماية هذا الاستقلال والقضاء على تلك المطامع إلا الوحدة والتكاتف..

وفرق بين الحزبية التى شعارها الخلاف والانقسام فى الرأي والوجهة العامة وفى كل ما يتفرع منها، وبين حرية الآراء التى يبيحها الإسلام ويحض عليها، وبين تمحيص الأمور وبحث الشئون والاختلاف فيما يعرض تحريًا للحق، حتى إذا وضح نزل على حكمه الجميع سواء أكان ذلك إتباعا للأغلبية أو للإجماع، فلا تظهر الأمة إلا مجتمعة، ولا يرى القادة إلا متفقين".

وقد جاء في مقررات المؤتمر مطالبة الهيئات الإسلامية جميعًا بالاشتراك الفعلي فى السياسة العامة للأمة، مع العمل على تكوين اتحاد عام لها، وحل جميع الأحزاب الحالية السياسية، وأن تستبدل بها هيئة موحدة لها منهاج إصلاحي إسلامي يتناول كل شئون النهضة، وتتوافر على وضعه وإنفاذه جميع المواهب والقوى؛ لما ثبت من أضرار النظام الحزبي، وفشله بالنهوض بالأمة.

ووضح في رسالة المؤتمر الخامس موقف الإخوان من هذه الأحزاب التي نشأت على الحزبية البغيضة والمصالح الشخصية فيقول:

" الإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعًا قد وجدت فى ظروف خاصة، ولدواع أكثرها شخصي لا مصلحي ..

ويعتقدون كذلك أن هذه الأحزاب لم تحدد برامجها ومناهجها إلى الآن، فكل منها يدعى أنه سيعمل لمصلحة الأمة فى كل نواحى الإصلاح، ولكن ما تفاصيل هذه الأعمال، وما وسائل تحقيقها؟ وما الذى أعد من هذه الوسائل، وما العقبات التى ينتظر أن تقف فى سبيل التنفيذ، وماذا أعد لتذليلها؟

كل ذلك لا جواب له عند رؤساء الأحزاب وإدارات الأحزاب، فهم قد اتفقوا فى هذا الفراغ، كما اتفقوا فى أمر آخر هو التهالك على الحكم، وتسخير كل دعاية حزبية، وكل وسيلة شريفة وغير شريفة فى سبيل الوصول إليه، وتجريح كل من يحول من الخصوم الحزبيين دون الحصول عليه.

ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها فى حياتهم العامة والخاصة أسوأ الآثار...

ويعتقدون كذلك أن النظام النيابي، بل حتى البرلماني، فى غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة فى مصر، وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية فى البلاد الديمقراطية، فالحجة القائلة بأن النظام البرلماني لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية، وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد وذلك فى الإمكان.

كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقًا بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة، وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأى والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام فى الأمة وزعزعة سلطان الحكام، وهو ما تستلزمه الحزبية ...

هذه مجمل نظرات الإخوان إلى قضية الحزبية والأحزاب فى مصر، وهم لهذا قد طلبوا إلى رؤساء الأحزاب، منذ عام تقريبًا أن يطرحوا هذه الخصومة جانبًا وينضم بعضهم إلى بعض".

ثم يوضح مفهوم الإخوان للسياسة التي يعملون في إطارها فيقول في رسالة المؤتمر السادس: "أما إننا سياسيون حزبيون نناصر حزبًا ونناهض آخر، فلسنا كذلك ولن نكون، ولا يستطيع أحد أن يأتي على هذا بدليل أو شبه دليل.

وأما إننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل فى نطاقه، وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه، وفريضة من فرائضه،

وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشىء جديد، فهذا هو المعروف عند كل مسلم درس الإسلام دراسة صحيحة".

ويضيف قوله: لا خلاف بين الأحزاب المصرية إلا فى مظاهر شكلية وشئون شخصية لا يهتم لها الإخوان المسلمون، ولهذا فهم ينظرون إلى هذه الأحزاب جميعًا نظرة واحدة، ويرفعون دعوتهم وهى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا المستوى الحزبى كله، ويوجهونها واضحة مستنيرة إلى كل رجال هذه الأحزاب على السواء،

ويودون أن لو أدرك حضراتهم هذه الحقيقة، وقدروا هذه الظروف الدقيقة، ونزلوا على حكم الوطنية الصحيحة، فتوحدت كلمتهم، واجتمعوا على منهاج واحد تصلح به الأحوال وتتحقق الآمال، وليس أمامهم إلا منهاج الإخوان المسلمين، بل هدى رب العالمين ﴿صِرَاطِ اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُور﴾[الشورى: 53].

ونحن لا نهاجمهم؛ لأننا فى حاجة إلى الجهود الذى يبذل فى الخصومة والكفاح السلبى لننفقه فى عمل نافع وكفاح إيجابى، وندع حسابهم للزمن، معتقدين أن البقاء دائمًا للأصلح ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ﴾[الرعد: 17].

لكن الإمام البنا يوضح قاعدة هامة وتفرقه بين السياسة الحزبية والسياسة العامة وموقف الإخوان منها فيقول في رسالة رسالة بين الأمس واليوم:

أيها الإخوان:

أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد.

ولكنكم روح جديد يسرى فى قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددًا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الحق الذى لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس.

إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام.

وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة! فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا ووقفتم فى طريق دعوتنا، فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين.

وإن قيل لكم: إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات! فقولوا: ﴿آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾[غافر: 84]، فإن لجّوا فى عدوانهم فقولوا: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ﴾[القصص: 55].

ويستطرد الإمام البنا في توصيف الإخوان في رسالة مؤتمر رؤساء المناطق فيقول:

وسيقول الناس: ما معنى هذا وما أنتم أيها الإخوان؟ إننا لم نفهمكم بعد، فأفهمونا أنفسكم، وضعوا لأنفسكم عنوانًا نعرفكم به كما تعرف الهيئات بالعناوين.

هل أنتم طريقة صوفية؟ أم جمعية خيرية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسى؟ كونوا واحدًا من هذه الأسماء والمسميات لنعرفكم بأسمائكم وصفتكم.

فقولوا لهؤلاء المتسائلين: نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة:

-طريقة صوفية نقية: لإصلاح النفوس، وتطهير الأرواح، وجمع القلوب على الله العلى الكبير.

-وجمعية خيرية نافعة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتواسى المكروب، وتبر بالسائل والمحروم، وتصلح بين المتخاصمين.

-ومؤسسة اجتماعية قائمة: تحارب الجهل والفقر والمرض والرذيلة فى أية صورة من الصور.

-وحزب سياسى نظيف يجمع الكلمة ويبرأ من الغرض ويحدد الغاية ويحسن القيادة والتوجيه.

ويذكر في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي قضية هامة وهي النظام النيابى والدستور المصرى فيقول:

يقول علماء الفقه الدستورى: إن النظام النيابى يقوم على مسئولية الحاكم وسلطة الأمة واحترام إرادتها، وإنه لا مانع فيه يمنع وحدة الأمة واجتماع كلمتها، وليست التفرقة والخلاف شرطًا فيه، وإن كان بعضهم يقول:

إن من دعائم النظام النيابى البرلمانى "الحزبية". ولكن هذا إذا كان عرفا فليس أصلا فى قيام هذا النظام أنه يمكن تطبيقه بدون هذه الحزبية وبدون إخلال بقواعده الأصلية.

وعلى هذا فليس فى قواعد هذا النظام النيابى الأساسية ما يتنافى مع القواعد التى وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدًا عن النظام الإسلامى ولا غريبا عنه, وبهذا الاعتبار يمكن أيضًا أن نقول فى اطمئنان:

إن القواعد الأساسية التى قام عليها الدستور المصرى لا تتنافى مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة من النظام الإسلامى ولا غريبة عنه، بل إن واضعى الدستور المصرى -رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها- فقد توخوا فيه ألا يصطدم أى نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهى إما متمشية معها صراحة كالنص الذى يقول:

"دين الدولة الرسمى الإسلام" أو قابلة للتفسير الذى يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذى يقول: "حرية الاعتقاد مكفولة".

وأحب أن أنبه هنا إلى الفرق بين الدستور وبين القوانين التى تسير عليها المحاكم، إذ إن كثيرًا من مواد هذه القوانين فيه ما يتنافى صراحة مع ما جاء به الإسلام أو يعطل صراحة ما جاء به الإسلام وذلك بحث آخر سنعرض له فى موضعه إن شاء الله.

ولا أدل على هذه الحزبية البغيضة من مواقف كثير من شباب القمصان الزرقاء التابعة للوفد وشباب القمصان الخضراء التابعة لحزب مصر الفتاة الذين كانت تقوم بينهم الحروب والمعارك حتى أصدر محمد محمود باشا رئيس الوزراء قرارا بحل التشكيلات العسكرية عام 1939م وأيضا عدم قبول النحاس باشا لحومة وطنية ائتلافية في وقت عصيب حيث حاصرت الدبابات القصر الملكي لتخير الملك بين البقاء كملك وتكليف النحاس باشا بحكومة وفدية أو عزله ونفه،

وأيضا حينما توجه النقراشي باشا رئيس الوزراء عام 1947م لمجلس الأمن لعرض القضية المصرية فما كان من النحاس باشا إلا أن أرسل برسالة إلى الأمين العام يطلعه أن النقراشي لا يمثل الشعب المصري وأنه لا يمثل إلا نفسه، وأن الوفد هو الممثل الشرعي للشعب المصري،

فكانت ضربة قاضية في جسد القضية، مما دفع الإمام البنا بأن يرسل رسالة للأمين العام يطلعه أن الشعب المصري يقف خلف النقراشي في قضية مصر وعرضها، وجاء في هذه البرقية قوله:

" يستنكر شعب وادي النيل البرقية التي بعث بها إلى المجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصري ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها".

كانت هذه الأسباب التي جعلت الإمام البنا والإخوان يرفضون الحزبية والأحزاب في ذلك الوقت، وفي ظل محتل جاثم على صدر البلاد ويسخر هذه الأحزاب، ومن ثم رفض الإخوان إنشاء حزب سياسي يكون مطية فى يدي الملك أو الانجليز.

لكن لم يكن هذا الرأي على طول الخط فقد وقته الإمام البنا بظروف البلاد الواقعة، لكن إذا تغيرت هذه الظروف، وإن كانت الأحزاب هي النظام الأفضل لممارسة المهام السياسة وفق دستور وقانون البلاد فلم يرفضها الإمام البنا، وهو ما سار عليه الإخوان فيما بعد.

1- الأحزاب والحزبية في فكر الإخوان الآن

لقد انطلق الإخوان بعد خروجهم من معتقلات عبدالناصر من قاعدة ثابتة لديهم وهي أن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فلم يفرقوا بين مجال من مجالات الحياة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية وغيرها، وعملوا من خلال الشرعية والدستور سواء العمل من خلال البرلمان أو النقابات أو الاتحادات الطلابية وغيرها من المؤسسات الشرعية، حتى إنهم تعاونوا مع بعض الأحزاب في ائتلاف سري للعمل من أجل الوطن.

وبعدما زاد التضييق عليهم من قبل النظام البائد نظام حسني مبارك، وليس ذلك فحسب بل زادت الأبواق التي تعيب على الإخوان عدم تشكيل حزب سياسي للعمل تحت مظلته،

عمل الإخوان على تحقيق ذلك، وحاولوا أن يتلمسوا الشرعية السياسية بأن وضعوا برنامجا لحزب سياسي خاص بهم، لكن ما كاد هذا البرنامج يخرج في صورة غير نهائية إلا وقد تباري الكثير يهاجم الإخوان في برنامجهم الخاص وكأن الإخوان يصيغون هذا البرنامج كدستور دولة وليس برنامجا لحزب خاص بهم، مثل باقي الأحزاب الليبرالية أو اليسارية أو غيرها من الأحزاب.

كما أن البعض نادي بأنه إما يكون للإخوان جماعة وهيكل فلا يجوز أن يكون الهيكلان موجودين، ولا أدري ما القواعد التي بنى عليها هؤلاء هذا الرأي، فالحزب السياسي له برنامجه وأهدافه التي تسير وفق مبادئ ومنهج الإخوان المستمد من شريعة الإسلام،

ولن يكون الحزب عوضا عن الجماعة كما أنه لن يسير وفق ما تسير به الأحزاب من سياسات ميكافيلية حيث الغاية تبرر الوسيلة، ولن يكون الحزب آداة طيعة في يدي حاكم أو ديكتاتور، أو يخالف الإخوان ما نادى به مؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنا، لكن سيكون الحزب مكملا لأهداف ومبادئ الإخوان وفقا لما يقتضيه الدستور المتفق عليه في البلاد.

فالإخوان لم يخالفوا مبادئ مرشدهم الأول الأستاذ حسن البنا أو فكره في شئ، لكن الظروف والوضع تغير ومن ثم تغيرت معه الأوضاع وطريقة تناول العمل العام للجماعة،

كما أن البلاد ليست محتلة حتى يسخر المحتل هذه الأحزاب وفقا لسياسته، كما أن الشرعية السياسية الآن تعمل وفق الحزب السياسي وليس الفردية حتى ولو كان الإخوان هم أكبر فصيل سياسي في مصر لكن ما تقتضيه الظروف الآن هو أن يكون للإخوان حزب سياسي يمارسوا من خلاله نشاطهم السياسي.

وإن كان الإخوان منذ خروجهم من السجون لم يعلنوا عن تشكيل حزب سياسي وتأخروا في ذلك فذلك بسبب قانون الأحزاب وتعنت النظام المصري مع الإخوان، ومن ثم فلا غرو حينما علمت السلطات أن الإخوان يشكلون حزبا تحت اسم الوسط تحركت جحافل الشرطة وزوار الليل وألقوا القبض على كل من جاء اسمه في مؤسسي حزب الوسط وقدموا لمحاكمات عسكرية،

ولهذا كان هذا التأخر فى إعلان وتشكيل حزب سياسي، بالإضافة إلى وجود لجنة شئون الأحزاب والتي كان يسيطر عليها الحزب الوطني ورجال النظام البائد، ففي ذلك يقول الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابقللإخوان: أن الإخوان لن يتقدموا بالحزب للجنة شؤون الأحزاب،

وإن موقف الجماعة من هذه اللجنة ثابت، ويعتبرونها «غير دستورية»، وأن الإخوان المسلمين لن يتقدموا بحزبهم للدولة مادامت هذه اللجنة قائمة.

ولقد سيقت الأقاويل ضد الإخوان بأنهم جماعة دينية وليست سياسية، بالرغم أن الإخوان لهم منهجهم الثابت وهو العمل في أطر النظام الشامل في كل مقومات الحياة، وأن الإخوان لن تحل الجماعة في مقابل الحزب، حيث صرح للعربية الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح عام 2007 بقوله:

إن إعلان الجماعة اتجاهها لإقامة حزب سياسي مدني، ذي مرجعية إسلامية، ينسجم مع المادة الثانية من الدستور المصري، الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وكشف أن الجماعة لن تتقدم بهذا الحزب للجنة شؤون الأحزاب ولن تعلنه من جانب واحد، وإنما تسعى لإقرار مشروع قانون يسمح بإنشاء الأحزاب بمجرد الإخطار.

ومن ثم الإخوان لديهم فكر ومنهج شامل، وهذه هي القاعدة التي انطلق وينطلق منها الإخوان في العمل الدعوي والسياسي، ولم يفرقوا بين دعوة وسياسة، أو بين دين ووطن.

كما أن الإخوان منذ نشأتها ومبادئهم واحدة ومنهجهم واحد لكن أساليب الدعوة والعمل تختلف باختلاف الزمان والمكان والوضع السائد، لكن الأيدولوجيات واحدة، والفكر واحد.

حزب الحرية والعدالة

بعد ثورة 25 يناير التي قام بها شعب مصر ضد نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ، والتي شارك الإخوان فيها بكثافة وكانوا وقودها الذي حافظ عليها من التبعثر ، قررت جماعة الإخوان إنشاء حزب سياسي "حزب الحرية والعدالة" ذى مرجعية إسلامية ، بمعني حضاري وثقافي وليس بالمفهوم الثيوقراطى .

وهذه الخطوة تعد تطبيقا عمليا لما نظّره الإخوان في الفترة الماضية من موقف الجماعة من الممارسة الحزبية وعن تفهمها لموقف الإمام الشهيد في سياقه الزمني والتاريخي .

ولم تمانع الجماعة في مشاركة الأقباط في هذا الحزب ، ولا من مشاركة المرأة ، وهو ما طمأن الحركات الليبرالية .

وهذا الموقف العملي الذي صار واقعا هو الموقف الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين من الأحزاب والممارسة الحزبية لأن كثيرا من العلمانيين يزعمون أن الإخوان لا يؤمنون بالحزبية ، وكثيرا من اليمين الإسلامي يحرم الأحزاب والممارسة الحزبية وكلاهما يحتج علي الإخوان بموقف الإمام الشهيد ،

وكما قلنا بأن أفكار الجماعة واختياراتها الفقهية لا يقوم عليها فرد أو أفراد بل مجموعة كبيرة من رواد الدعوة ومفكريها وأقطابها ، أشبه بالخلايا الفكرية والمجموعات العقلية think tanks وليس الرأي أو الخيار نابعا عن فرد بعينه حتى ولو كان الإمام الشهيد رحمه الله فرأيه في أروقة الجماعة الكبرى يفهم بسياقه وإطاره وبمقاصد عصره وخلفيات قوله ودواعيه وأسبابه .

فإذا كان الحكم ثابتا والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان فكذلك الآراء السياسية والاجتهادات البشرية التي لا تقوم علي قطعيات تتبدل حسب المقاصد وفقه الأولويات .

ولك أن تتأمل هذا الكلام وتمعن النظر فيه ليزول عنك الإشكال من موقف الإخوان من الأحزاب وموقف الإمام الشهيد رحمه الله .

خاتمة

لقد طوفنا سريعا إلي الملامح العامة والخطوط العريضة لموقف الإمام الشهيد حسن البنا من الأحزاب وبينا أن ذلك الموقف كان أسيرَ زَمَنِه ، وظروفِ وقته ، وهيكلية الأحزاب القائمة ساعتها .

وقلنا بأن المواقف الفكرية والأيدلوجية للجماعات الكبرى تتغير بتغير المكان والزمان وأولويات العمل كي لا تظل جامدة وكي تتسم بالدينامية والحركية التي تجعلها محط اعتناق أو دراسة وتبصر من القوي السياسية المترقبة أو من الجمهور الحَكَم .

كذلك أثبتنا أن ثمة فرق بين رأي الإمام المؤسس وبين رأي تلامذته من العلماء والمفكرين الذين ولجوا للدعوة وأضافوا إليها بأفكارهم ومناهجهم في إطار الأسس التي رسختها الجماعة الأم والآباء الأوائل للدعوة ، وأن الرأي المعتمد في أروقة الجماعة ليس من الحتمي أو الضروري أن يكون رأي الإمام المؤسس بل ربما يكون رأيا لغيره من علماء الدعوة وروادها ، حسب مقتضيات المقام وأولويات الزمان وفقه المقاصد .

ودللنا أن موقف الإمام الشهيد من الأحزاب ليس بالموقف الرافض علي الإطلاق كما يزعم البعض بل كلامه في هذا السياق يحتمل عدة محاور ذكرناها وجمعنا بينها في صدر البحث .

وطريقة الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض طريقة قديمة للفقهاء والأصوليين ، كذلك الجمع بين الأقوال والأفعال .

وفهم كلام الإمام عندما يحتمل أكثر من معني ويمكن الأخذ بها كلها فهذا هو الأصوب كما قرر الأصوليون ولا يجب أن ننسي أن الإمام المؤسس فقيها وداعية وعالما قبل أن يكون حركيا نهضويا بمعني أنه يتكلم بمنهجية الفقهاء العلمية ، ولا يلقي الكلام جزافا من فيه .

واستطعنا أخيرا أن نجمع بين ابتعاد الجماعة عن العمل الحزبي في مقتبل النشأة وبين تأسيسها أخيرا لحزب الحرية والعدالة ، وأن هذه خطوات اتخذت لمسايرة العملية الديمقراطية التي تؤمن بها الجماعة والتي ظلت تدعوا إليها عقودا طويلة وضحت من أجلها .

مراجع البحث

1- النظام السياسي المصري بين إرث الماضي وآفاق المستقبل 1981-2010 ، د.علي الدين هلال 12 وما بعدها ، ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010م .

2- الشريعة الإسلامية لمحمد الخضر حسين 1/78 ، ملحق مجلة الأزهر.

3- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1423ه - 2003م.

4- زكريا سليمان بيومي:الحزب الوطني الجديد 1944 – 1953 (دراسة في أوراق وصحف الحزب) الطبعة الأولى، القاهرة، دار الكتاب الجامعي، 1988م.

5- عبد العزيز عمر: دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، دار المعرفة الجامعية، الطبعة الأولى، 2000م.

6- زُهلول - الموسوعة العالمية المجانية: ٢٨/ 10/ ٢٠٠٦م.

7- صحيفة الأهرام: العدد 41765، ‏السنة 125- الخميس 12 إبريل 2001م، ‏18 من محرم 1422 هـ.

8- يونان لبيب رزق: الأحزاب المصرية قبل ثورة 1952 ، 1977م.

9- علي شلبي: مصر الفتاة ودورها في المجتمع المصري (1933-1941م)- القاهرة 1982.

10- موسوعة المعرفة: 24/ 8/ 2004م.

11- جريدة المصري: كندا، العدد 133، 28/1/2006م.

12- منصور عبد السميع: حزب الكتلة الوفدية 1940 – 1953م، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى، 2005م.

13- القانون أو الشريعة. [المعجم الوجيز، ص(635)].

14- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (488)، السنة الثانية، 21محرم 1367ه- 4ديسمبر 1947م، ص(3).


إقرأ أيضا

الإخوان بين الدين والسياسة

الإخوان ووحدة الأمة

قضايا سياسية

مطالب الإخوان بتطبيق الشريعة

محاربة الاحتلال

بعض مما كتبه الإمام البنا في السياسة

التربية السياسية

الإمام حسن البنا ومحاربة الفساد

أضرار المقامرة ومشروع ساحل الفيروز

البغاء الرسمي

البغاء

خطر يتهدد الأمة وينذر بفنائها

الروح والقدوة هما أساس الإصلاح الاجتماعي

رسالتان إلى وزير الداخلية ووكيل الأزهر

الإخوان المسلمون يكافحون الوباء

قضايا المرأة والأسرة

محاربة الفساد

نظرات في التربية والتعليم

الإمام حسن البنا في عيون السياسيين

لقد تحدث عن الإمام البنا وجهوده كل من عايشه ورأى مواقفه العملية، بالرغم مما كان يكن له رجال السياسة إلا انهم اجمعوا على كونه رجل عمل الكثير واستحق التقدير ومما قالوا: