الجندية بين التربية والاتهام

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الجندية بين التربية والاتهام


بقلم : عبده مصطفى دسوقي


توطئة

رغم مرور تسعون عاما هي عمر جماعة الإخوان المسلمين إلا أنها ما زالت حديث الساحة في كل وطن، فلا تكاد يمر حدث أو زمن إلا وتكون جماعة الإخوان المسلمين حاضرة على الموائد العالمية والمؤسسات البحثية والمنظمات الدولية لما تركته في أثار عجزت الأنظمة عن رسم مثل هذه الآثار على واقع المجتمعات.

لا يستطيع أحد أن يتجاهل الإخوان المسلمون والتربية التي غرسوها في نفوس كل من عرفهم أو قرأ عنهم أو احتك بهم سواء في تنظيماتهم أو مؤسساتهم، ولذا كان لابد لكل متربص بها أن يتصيد لها ولأفرادها كل نقيصة وقد ظن أنه أمام مجتمع ملائكي لا يخطأ أو تشوبه مبدأ الصواب والخطأ.

إن الإخوان المسلمون جماعة من المسلمين تعمل على غرس معاني الدين الإسلامي في نفوس كل فرد تصل اليه دعوتهم ليتكون الفرد المسلم والذي ينتج عنه المجتمع المسلم فتنشأ حكومة إسلامية تقيم العدل وتتصدى لكل باغي وتنشر العدالة الاجتماعية وتسعى للازدهار الاقتصادي والعزة السياسية فتمتلك مقومات هذه العزة من طعام وشراب وسلاح فيهابها كل متربص، بعدها تلتحم الأمم في بوتقة إسلامية قوية تعلى كتاب ربها وتعاليمه فتنهار على صخورها ضربات كل معتدي فلا تنال منهم الأمم الكافرة.

من أجل ذلك عمد الإخوان إلى حسن تربية الأفراد وتسخير كل مقوماتها لترسيخ هذه التربية لتصبح واقع عملي بين أفرادها سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا.

سهام مسمومة

منذ نشأت الجماعة عام 1928م وما كادت تمر السنين إلا ووجهت السهام المسمومة تجاهها في محاولة لإضعافها أو صد مسيرة حركاتها، فكانت هذا السهام تارة من العدو الانجليزي الذي عمل جاهدا على وقف تغلغل الإخوان في المجتمع ونشر أفكارهم والتي شعر أنها تهدد مصالحه ووجوده على كل أرض يتواجد فيها الإخوان المسلمين، ولم يقف الأمر عليهم فحسب بل سعت الحكومات المتعافبة على وقف مسيرتهم وتشويه صورتهم أمام المجتمع خوفا على حزبيتهم ومصالحهم، بالاضافة للحركات التي ترى في الدين الإسلامي الصحيح خطرا على مستقبلها في نفوس الناس كالشيوعية والماسونية وغيرها.

ظلت هذه السهام تنطلق من أقواس الحقد العلماني والشيوعي سواء بالكلمة أو بالفعل نحو الإخوان المسلمين، متهميهم بالإرهاب أو الهروب من التجنيد أو بالعمل على تقويض أركان الأمة كل ذلك بدافع وقف مسيرة التربية الإخوانية التي تغلغلت في نفوس الناس فأصبحوا شامة يشار بحسن خلقهم وبنظافة أيديهم الجميع.

الجندية في تربية الإخوان

رفع الإخوان شعارهم (الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمي أمانينا) وحولوه لشعار عملي لا تنطلق به حناجرهم فحسب بل انطلقت قلوبهم وأجسادهم تحولها لمعاني تربوية ونماذج عملية يراه كل فرد ويقرأ عنها كل باحث.

يقول الإمام الشهيد البنا:

والإسلام الكريم فرض على كل مسلم أن يكون جنديا للحق يذود عنه بنفسه وماله ودمه وروحه ولا يتردد فى ذلك أبدا: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 111] (1).

وحث شباب الدعوة ورجالاتها على التطبيق العملي لمعاني الجندية حتى يرى الجميع هذا الآثر فيقول الأستاذ البنا:

أن يعتبر الأخ نفسه جنديًا للدعوة، ويشعر بأن لها حقًا فى نفسه ووقته وماله، وأن يقوم بأداء اشتراكه لصندوق التعاون مهما تكن ظروفه، متى تعهد بذلك ولم تعفه أسرته منه.
أن يشعر أهله بهذا التطهر الجديد فى حياته، وأن يجتهد فى أن يطبع بيته بالطابع الإسلامي، وأن ينتهز الفرصة المناسبة، ويعاهد زوجته على العمل للدعوة معه، وأن يلزم أولاده وخدمه آداب الإسلام (2).

ويؤكد على هذه المعاني بقوله:

أيها الأخ الصادق: هذا مجمل لدعوتك، وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ فى خمس كلمات: (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا).
وأن تجمع مظاهرها فى خمس كلمات أخرى: البساطة، والتلاوة، والصلاة، والجندية، والخلق.
فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففى صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين (3).

ثم فصل الأستاذ البنا هذه المعاني وفرضيتها على الأفراد والأمم التي تريد أن تنهض وتعلو فيقول:

تحتاج الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية، ولاسيما فى هذه العصور التى لا يضمن فيها السلم إلا الاستعداد للحرب، والتى صار شعار أبنائها جميعًا: القوة أضمن طريق لإحقاق الحق.
والإسلام لم يغفل هذه الناحية، بل جعلها فريضة محكمة من فرائضه، ولم يفرق بينها وبين الصلاة والصوم فى شىء، وليس فى الدنيا كلها نظام عنى بهذه الناحية لا فى القديم ولا فى الحديث كما عنى بذلك الإسلام فى القرآن وفى حديث الرسول  وسيرته، وإنك لترى ذلك ماثلاً واضحًا فى قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[الأنفال: 60]، وفى قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾[البقرة: 216].
وإنك إذا قرأت ما جاء به الإسلام فى إعداد العدة، واستكمال القوة، وتعليم الرمى، ورباط الخيل، وفضل الشهادة، وأجر الجهاد، وثواب النفقة فيه، ورعاية أهله، واستيعاب صنوفه لرأيت من ذلك مالا يحصيه الحصر، سواء فى الآيات الكريمة، أو الأحاديث الشريفة، أو السيرة المطهرة، أو الفقه الحنيف.
والإسلام الذى قدس القوة هذا التقديس هو الذى آثر عليها السلم فقال تبارك وتعالى بعد آية القوة مباشرة: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾[الأنفال: 61].
ولما كانت الأمم الناهضة فى حاجة إلى هذه الجندية الفاضلة, وكان قوام هذه الجندية صحة الأبدان وقوة الأجسام, فقد أشار القرآن إلى هذا المعنى فى بيان قصة أمة مجاهدة تحفزت للنهوض بعبء النضال فى سبيل حريتها واستقلالها وتكوين نفسها, فاختار الله لها زعيما قوى الفكر وقوى الخلق, وجعل من أركان نهوضه بعبئه قوة بدنه, فذلك ما حكاه القرآن الكريم عن بنى إسرائيل فى تزكيته طالوت: ﴿قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[البقرة: 247] (4).

وحينما شعر بتخوف البعض على أبناءه أو الشباب ذكرهم بقوله:

ويجب أن يتطهر من خمول طال أمده، ومن رخاوة قضت على كل معانى الرجولة الصحيحة فى النفوس المائعة التى لم تحسن غير الترفه والاستمتاع فلنترك هذا الشباب ليكافح ويدفع عن نفسه أو ليمت كريما فى الميادين لا فى المخابئ، والجحور، فتلك موتة الأنذال، وإن من حرص على الموت وهبت له الحياة يجب أن يكون كل قادر جنديا تحت السلاح، وعلى الحكومة أن تجهز الأمة على هذا الأساس فتمد كل قادر فيها بما يمكنه من ذلك فى ساعة الخطر (5)

ثم أوضح أن هذا هو منهج الإخوان الذين تربوا عليه من خلال دينهم الحنيف والذين سيسيرون عليه حتى يبلغوا أهدافهم فيقول:

الإخوان المسلمين حين يعلنون هذا الاستعداد، ويعملون عليه، وينادون به ويفرضون على أنفسهم، وعلى الناس، يعملون فى وضوح النهار لا يقولون ما لا يفعلون فى خطبهم الجماعة, ومؤتمراتهم، ويطلبون من الحكومة أن ترخص لهم بحمل السلاح والتدرب عليه للموظفين والطلبة الكبار والمثقفين من الناس، وتعمل ما استطاعت لتقوية الجيش، وبث روح التطوع للجندية فى نفوس الشعب بأسره، وذلك هو تسلح الإخوان المسلمين (6).

ثم رسم الإمام الشهيد الخريطة العامة لشباب الحركة وكل من يعمل لهذا الدين بقوله:

إن الأمة التى تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا، والنعيم الخالد فى الآخرة، وما الوهن الذى أذلنا ألا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة.
واعلموا أن الموت لابد منه، وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها فى سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، ولن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم (7).

مواقف عملية للإخوان في الجندية

نحن قوما عمليون، نطق بها الأستاذ حسن البنا وغرسها في قلوب أتباعه ليكونوا بأخلاقهم وسلوكهم قرآنا يمشي على الأرض، ولذا انصهرت معاني الإسلام في نفوسهم فأصبحوا بالفعل قرآن يمشوا على الأرض.

يذكر الأستاذ عبد الحليم الكناني، بعض الأمثلة فيقول:

في نوفمبر 1947 صدر قرار تقسيم فلسطين ، ورفضه العرب واليهود ،وأعلن حسن البنا في مؤتمر حاشد تطوع الإخوان بعشرة آلاف مجاهد في سبيل نصرة فلسطين .!!!

وتقدم عشرات الآلاف من شباب ورجال الإخوان للتطوع للجهاد ، وحدد المركز العام شروطا محددة للقبول، ومنها:

  1. أن يكون السن 20 عاما فأكثر .
  2. أن يكون غير متزوج .
  3. أن لا يعول أحدا وليست عليه تبعات عائلية .
  4. وبالطبع أن يكون لائقا طبيا ، وتحددت مواعيد للكشف الطبي ، وانتظر الجميع بعدها إعلان النتائج.

وظهرت قوائم المقبولين للتطوع للجهاد .. وهنا كانت المفارقات وبداية الأحداث :

كانت ردود الأفعال الفردية والجماعية غاضبة ساخطة ، فنشرت جريدة الإخوان اليومية البرقية التالية :

"إلى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين : " نحتج لتخطينا بالفوج الأول لإنقاذ فلسطين ، نرجو أن نكون بالمقدمة ، ونرجو تجهيزنا فورا ، نحن اولى بالدفاع عن جيراننا والهدف ببضع كيلومترات منا " إخوان العريش ورفح .

وفي نفس اليوم تنشر احتجاجا لأخ من الإسماعيلية موجها لحسن البنا شخصيا :

" فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين : بعد التحية ، يسرني هذا التطوع ، ولكن لايسرني أن لا تقبلوا من كان له عائلة .

سيدي : رازق العائلة هو الله وحده لست أنا ، مالكم خرجتم عما تدعون إليه أنفسكم .

أهذا يا فضيلة المرشد إيمان بالله تتكلمون عنه ، أيطوع الفرد نفسه ثم تقولون له إن لك عائلة .

أي عائلة هذه يا سيدي التي تمنعني من الجهاد في سبيل الله ؟

يظهر لي أنكم لم تقرءوا هذه الآية " قل إن كان آباؤكم " أو أنكم لم تؤمنوا بها، أهذا هو الإيمان الذي تأمرون به الناس ؟ أأنتم أول من يخذلهم ؟ إنني أحملكم هذه المسئولية أمام الله، أما أنا فلن يغرني بعد اليوم علماء ومرشدون، إن لم تقبلوني وترسلوا إلى وإلى الإسماعيلية بقبولي فإني مقدم نفسي إلى الجيش المصري، فإن أبى فأمامي الطريق إلى فلسطين سيرا على الأقدام، هناك حيث أبواب الجنة التي أبيتموها على.

أتخذلوني فمن ينصركم من الله يوم القيامة، وإني أترك لفضيلتكم الرد علينا في أربعة أيام ، وهذه ورقة بوستة ، برجاء واحد ان ترسلوا الى الإسماعيلية بقبولي متطوعا وإلى بالبشارة حتى أدعو الله لكم من قلب صميم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المخلص حسن محمود على البيك " (8).

وقد ذكر الأستاذ البنا بعض هذه النماذج في مذكرات الدعوة والداعية فقال:

بعث إلى أحد الإخوان يحتج احتجاجا شديدا على رئيس شعبته لأنه منعه من التطوع بحجة أنه مدين وأن الجهاد لايجب عليه حتى يقضى دينه وإن هذا حكم الإسلام ولا خروج على حكمه ثم يقول أشتروا دمى بديني فسددوه عنى ودعوني أمت شهيدا فى سبيل الله

وجاءنى صديقنا فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد عبد الكريم الإمام والخطيب بالأوقاف يقدم بيده ولده ويقول إنكم رفضتم قبوله بالأمس فجاءنى يتوسل بصداقتنا لتقبلوه فاقبلوه متطوعا وأنا عن ذلك راض وبه سعيد

وقدم صديقنا فضيلة الأستاذ الشيخ بسيونى خطاب -من بسيون غربية- الإمام والخطيب بالأوقاف كذلك إلى إدارة التطوع ولده وحمله إليها رسالة يقول فيها أرجو أن تتقبلوا هذا كدفعة أولى والنجل الثانى فى الطريق إليكم (9).

وللنظر للشيخ حسن عناني بعد استشهاد ولديه محمد وعبد الوكيل لم يبك ولم يجزع بل صحب ابنه الثالث إلى الإمام الشهيد وقدمه له على أنه المتطوع الجديد من الأسرة فدمعت عينا الأستاذ البنا وهو يقول له "كفاكم جنة ياآل عنانى

ويصف الأستاذ كامل الشريف موقف أحد المجاهدين وأثر التربية فيه فيقول:

ولقد خرج الإخوان المسئولون في استكشاف حول المستعمرات وعاينوا المواقع التي رأوا احتلالها ثم عاد كل واحد منهم يعد (فصيلته) ليحتل بها مواقعه وكانت مشكلة المشاكل إقناع أفراد من الإخوان بالتخلف عن فصائلهم والبقاء في المعسكر ولست ما كان من أمر المجاهد الشاب (عبد الحميد بسيونى خطاب) نجل العالم الجليل الشيخ( بسيونى خطاب) لقد كان هذا الشاب يبكى بكاء مرا حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر ومازال يبكى ويبعث بالوساطات حتى أشفقت عليه فسمحت له بالخروج وخرج من المعسكر وهو أشد ما يكون فرحا وابتهاجا ولقد أخلص النية للجهاد فاجتباه ربه وأكرمه واتخذه شهيدا في إحدى المعارك المشهورة التي جاءت بعد ذلك (10).

ولترسيخ هذه المعاني وأثناء اشتداد المحنة على الإخوان في مصر بعدما أصدر النقراشي قرار بحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م بعث الإمام الشهيد ببرقية للمجاهدين مؤكدا على الهدف العملي من التربية التي عاشوا من اجلها:((أيها الإخوان لا يهمكم ما يجرى في مصر فإن مهمتكم هي مقاتلة اليهود ومادام في فلسطين يهودي واحد فإن مهمتكم لم تنته).

فكانت بعدها معركة التبة 86 والتي اقتنصها الإخوان من بين أنياب الصهاينة بالرغم من تحصيناتها الشديدة والإمدادات التي كانت تنهال عليها.

أما الشهيد (حسن العزازى) من إخوان العريش فقد أصيب بجرح في كتفه وكان في وسعه أن يعود ولكنه ظل يكافح بصعوبة حتى احتمى بنتوء بارز في مواجهة العدو وأخذ يلهب خنادقه برصاص مدفعه الرشاش حتى أسقط منهم عددا كبيرا مما اضطرهم إلى تركيز نيرانهم عليه فأصابته عدة طلقات في مواضع مختلفة من جسمه فسكت مدفعه وصعدت روحه الطاهرة بعد أن ثأر نفسه ومتع نظره برؤية الدم الصهيوني المراق (11).

مظاهر جندية الإخوان في المجتمع

تحققت هذه المظاهر في كثير من المواضع فرأينا كيف تسابق الشباب ليقدم نفسه وروحه فداء لوطنه والذود عن مقدساته رغم صغر سنه ورغم العقبات التي واجهتهم للوصول لهذا الشرف العظيم، كما أنهم كانوا رجالا في حرب القنال حينما دكوا معاقل الانجليز وما كاد يستشهد منهم بعض الشباب حتى خرج الجميع في مظاهرة جنائزية لوضع هؤلاء الشباب في مثواهم الآخير.

وليس ذلك فحسب انطلق جماعة من الشباب في أنحاء الإسكندرية يعلقون نشرات الدعاية لفلسطين على جدران المساجد، وفى كل مكان لائق" (12).

وفي الإسماعيلية: تكونت رابطة للطلبة بجمعية الإخوان المسلمين, واجتمعت برياسة الشيخ محمد فرغلي.. ولقد كان من أهم القرارات "تكوين لجان من الطلبة لجمع التبرعات لمنكوبي فلسطين، والدعاية لذلك بالنشر والإعلان" (13).

وفي أبي صوير: "تكونت لجنة لمساعدة أسر مجاهدي فلسطين العربية، وانتخب الأخ محمد كامل محمد شحاتة سكرتيرًا لها" (14).

وفي المنزلة دقهلية: "تألفت لجنة من المتطوعين لجمع قرش فلسطين تمهيدًا لأسبوع فلسطين" (15).

نحو الطريق الصحيح

لابد أن يتحلى المرء بالصفات التربوية العملية لكي يصبح جندي فكرة وعقيدة لا جندي أشخاص ومن هذه الصفات:

  1. الإيمان الصحيح بالله عز وجل؛ وهو الإيمان القائم على أركان التوحيد الصحيحة.
  2. أن تكون كلُّ تصرفاته بدافع خدمة الدين العظيم وما ينبثق من ذلك من قضايا متنوعة ومتعددة، وليس بدافع الشهرة والمصلحة والمنفعة، فارتهان القرارات والتصرفات برهان المصلحة والشهرة، رهان خاسر يعود على صاحبه والمجتمع بالنتائج الوبيلة.
  3. سمو ووضوح الهدف، فأهدافه في سلوكياته وتصرفاته وقراراته، هي أهداف سامية رفيعة مُبصرة بنور الحكمة، وواضحة في ذات الوقت، لا تسيطر عليها الضبابيّة والغموض.
  4. حسن الثقة بالله والتوكل عليه، فالإنسان الناجح يستمد همّته وعزمه وثقته من الله سبحانه.
  5. اجتماع العلم مع القوة والأمانة، قال تعالى على لسان إحدى ابنتي موسى عليه السلام: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26].
  6. الهمّة العالية، والعزيمة القويّة، والإرادة الفتيّة. الرقابة الذاتيّة. القدرة العالية على التأثير والإقناع.
  7. الحكمة في تقدير المصلحة بتقديم المصالح العامّة على مصالحه الشخصيّة.
  8. العدل في الحكم على الأشياء وحسن إنزال المواقف منازلها بعيداً عن الارتجاليّة، وهوى النفس.
  9. الموضوعية والمهنيّة، فهو موضوعي في كيفيّة تعاطيه مع كلّ نشاط، وهو مهني كذلك بإتباع آليات العمل الصحيحة.

الهامش

(1) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (490)، السنة الثانية، 24 محرم 1366ه- 7ديسمبر 1947م، ص(3، 5).

(2) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة نظام الأسر، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

(3) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة التعاليم، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

(4) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (38)، السنة الرابعة، 15شوال 1355ه/ 29ديسمبر 1936م، ص(1-3).

(5) جريدة النذير، العدد (11)، السنة الثانية، 11 ربيع الأول سنة1358 /2 مايو سنة 1939، ص(3-5).

(6) المصرى، العدد (660)، السنة الثانية، 9 جمادى الثانية 1357، 5أغسطس 1938، ص(7، 10).

(7) رسائل الإمام البنا، رسالة الجهاد، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

(8) عبد الحليم الكناني، الإخوان المسلمون الشجرة الطيبة.

(9) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

(10) كامل الشريف، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، الزهراء للإعلام العربي

(11) المرجع السابق

(12) جريدة النذير، العدد (4)، السنة الأولى، 21 ربيع الثاني 1357ه- 20 يونيو 1938م، ص(13) باختصار.

(13) جريدة النذير، العدد (9)، السنة الأولى، 27 جمادى الأولى 1357ه- 25 يوليو 1938م، ص(26).

(14) جريدة النذير، العدد (15)، السنة الأولى، 10 رجب 1357ه- 5سبتمبر 1938م، ص(24).

(15) جريدة النذير، العدد (16)، السنة الأولى، 17 رجب 1357ه- 12سبتمبر 1938م، ص(25).