الجماعة الإسلامية والأزمة اللبنانية عام 1975م والعمل العسكري وانشقاق فتحي يكن
محتويات
مقدمة
كان لبنان متعدد الطوائف ، حيث كان للمسلمين السنة والمسيحيون الأغلبية في المدن الساحلية ، وكان المسلمون الشيعة في الجنوب ووادي البقاع إلى الشرق ، وكان أغلب سكان الجبال من الدروز والمسيحيين. وكانت الحكومة اللبنانية تدار تحت تأثير كبير من النخب المسيحية المارونية خاصة فترة وجود الاستعمار الفرنسي.
أدى احتلال الصهاينة لفلسطين عام 1948، 1967م إلى نزوح كثير من الفلسطينيين إلى لبنان الذين أحدثوا تغيير في التوازن الديموغرافي لصالح السكان المسلمين. اعتبرت أزمة 1958 بمثابة التهيئة للحرب الأهلية التي اندلعت بين الفصائل الفلسطينية المتواجدة في لبنان وبين المارونيين والتي اتسعت لتشمل كل الفصائل اللبنانية، حيث لعبت التركيبة الطائفية دورا كبيرا في تفجير الحرب. (1)
ويذكر فواز طرابلسي:
- أن الوضع في لبنان كان على شفا جرف هار، حيث كان كمال جنبلاط وكثير من القوى تنحاز للفلسطينيين، وحزب الكتائب (الماروني) كان لا يريد الفلسطينيين في لبنان، وكانت كل قوى تريد بسط سيطرتها على المعسكر الأخر. (2) كانت الساحة مهيأة للانفجار حيث أخذت الأسلحة تتدفق إلى الأراضي اللبنانية، وفي يناير 1975م شنت إسرائيل هجمات على الجنوب اللبناني.
وفي 26 شباط - فبراير 1975م اندلعت مظاهرات لصيادي صيدا ضد قرارات كميل شمعون والذي أعطى حق الصيد لشركة "بروتيين" – وكان كبير مساهمي الشركة – مما كان سيؤدي لتسريح أعداد كثيرة من الصيادين، فاصطدم الجيش بهم وقتل عدد كبير على رأسهم المناضل معروف سعد
ومما زاد من اشتعال الموقف سكوت الرئيس فرنجيه – لأنه كان يرى أن الجيش فوق المحاسبة - مما أدى لتطور المظاهرات واصطدام الفدائيين الفلسطينيين – المدعومين من الأحزاب اليسارية - بالجيش، مما دفع الكتائب لتسير مظاهرة تأييدا للجيش. (3)
لكن في 13 نيسان - أبريل 1975م أطلقت سيارة كجهولة النار على تجمع لحزب الكتائب عند كنيسة عين الرمانة فقتل فيها جوزيف أبو عاصي وجرح العديد. فقامت الكتائب باستهداف ناقلة تقل مواطنين متجهة إلى تل الزعتر، حيث ارتكبوا مجزرة راح ضحيتها 30 لبنانيا وفلسطينيا، فأدى ذلك للحرب الأهلية.
لكن قبلها حاولت جامعة الدول العربية رأب الصدع حتى أن أمينها العام محمود رياض قام بزيارة إلى لبنان في 14 أبريل حيث اطلع الرئيس السادات أن هناك طرفا ثالثا يعمل على إشعال الموقف. وفي نفس اليوم اندلعت في الضواحي الجنوبية لبيروت معارك عنيفة بين الفدائيين والكتائب، حيث وقفت الأحزاب الوطنية مع الفلسطينيين، ثم اتسعت الحرب لتشمل لبنان كلها. (4)
توقفت الحرب فترة وجيزة خاصة مع استقالات الوزراء من حكومة الصلح والذي حمل الكتائب ما حدث ورفض تدخل الجيش في حل المسائل الأمنية، لكنه استقال بعد أن اتهم النظام الطائفي، لكن الحرب اندلعت وظلت مؤججة حتى عام 1990م.
لم تكن الجماعة الإسلامية بمعزل عن الأحداث التي اندلعت في لبنان، بل كان لديهم رؤية لهذا التحزب الطائفي منذ نشأة الجماعة، وكانت من أسباب انفصالهم عن جماعة عباد الرحمن هو تربيتهم العسكرية ونشاطهم السياسي.
حتى أن الأستاذ توفيق حوري، نائب رئيس جماعة عباد الرحمن، كان له دور في تشجيع الشباب على التدريب العسكري، انطلاقًا من قناعته بضرورة أن يحافظ المسلمون في لبنان على قوتهم العسكرية والسياسية. فخلال سنتي 1957 - 1958 انطلقت محاولات هذه المجموعة للانخراط في العمل العسكري؛ حيث قام الشباب بعدة زيارات تدريبية إلى مدرسة القتال التابعة للجيش اللبناني.
وبعد تأسيس الجماعة الإسلامية، استمر التركيز على العمل الكشفي والرياضي الذي كان يطلق عليه آنذاك اسم "الفتوة" وقد كان من ضمن أنشطة العمل الكشفي والرياضي في ذلك الوقت التدرب على الرماية، لكن لم تكن استعداداتهم العسكرية خارجة عن النظام العام، وقد استمر ذلك حتى مطلع سنة 1975م. (5)
ويذكر أن مجموعة من الإخوان اللبنانيين شاركوا في التدريب العسكري قواعد الشيوخ في قاعدة الأزرق في الأردن سنة 1970، ومنهم محمد شندب وأحمد خالد، وكانوا بقيادة عبد الفتاح زيادة، وقد تعرضت قاعدتهم لقصف جوى مكثف من الطيران الحربي الإسرائيلي، في وقت كانوا فيه خارج القاعدة يتلقون فيه تدريبات على الرماية.
ومع توتر الأوضاع والإحساس بحالة الفرز الطائفي، شهدت منطقة الشمال بداية التدريب العسكري الجدي لعناصر الجماعة الإسلامية، على خلفية التعامل مع ما كانوا يستشعرون أنه "هيمنة مارونية".
ويتحدث أسعد هرموش عن نوعية التدريب في ذلك الوقت فيقول:
- إنه في الفترة 1972 - 1973 كان يجري التدريب، ضمن ما يسمى "دورة مقاتل عادي" أو "دورة عرفاء"، على الأسلحة الخفيفة مثل رشاشات الكلاشنكوف والدكتريوف والسيمينوف والقنابل اليدوية والآر بي جي والدوشكا، وذلك بإشراف مدرب قادم من الخارج وبعد ذهابه، كان على اللبنانيين القيام بأعمال التدريب.
لكن مع إرهاصات الحرب اللبنانية سنة 1974 أصبح للجماعة نقطة تدريب خاصة سرية، كان أعضاء الجماعة يقصدونها من صيدا وإقليم الخروب وطرابلس وبيروت، أيام الجمعة والسبت والأحد، وكان الأمر شبه إلزامي لكل عناصر الجماعة وفي بداية سنة 1975 تطور التدريب أكثر، وجرى الاستعانة بضباط من ذوي الخبرات العسكرية الجيدة، بعد أن انفرط عقد الجيش اللبناني، وجرت دورات تدريبية لأمراء فصائل. (6)
كانت الجماعة الإسلامية ترى أن أسباب الأزمة اللبنانية متشابكة ومتعددة، سواء أخلاقي أو طائفي أو سياسي – خاصة في ظل وجود القضية الفلسطينية - والتي لا ترغب إسرائيل وشركائها في لبنان من تواجد فدائيين أو فلسطينيين على أرض لبنان، والعمل على إنهاكها، حيث سعت إسرائيل لإشعال الموقف بين اللبنانيين والفلسطينيين بل بين الكيان اللبناني الواحد – خاصة مع وجود التعدد الطائفي.
ولقد أصدرت أمانة الإعلام بالجماعة الإسلامية كتيب وضحت فيه موقفها من الأزمة اللبنانية وذلك بعد مرور تسعة أشهر على اندلاع الحرب، حيث أوضحت فيه درجة التمييز الذي يعيشه اللبنانيون المسلمون – بل المسيحيون غير الموارنة، والذين يحتكرون كل المناصب العليا في البلاد، وليس ذلك فحسب بل الاختلال الدستوري والذي يخول لرئيس البلاد سلطة مطلقة دون محاسبة (وهو من الموارنة)، وذلك بخلاف رئيس الوزراء الذي يتحمل التبعة (يمثل المسلمين في الحكم). (7)
فعندما اندلعت الحرب اللبنانية عام 1975 قامت الجماعة بواجبها الإسلامي في كشف خيوط المؤامرة وتوعية المسلمين عليها، وفي تعبئة القوى الإسلامية والتصدي معها للهجمة الطائفية الرهيبة.
وقد واكبت الجماعة الحرب بتشكيل بنية عسكرية تولت الدفاع عن المناطق الوطنية والإسلامية عبر تنظيم "المجاهدون" ، وكان لهذا التنظيم وجود عسكري في كل من طرابلس والشمال، ثم في بيروت، وفي صيدا أواخر عام 1976م. (8)
لم يتوقف دور الجماعة في الأزمة على الجوانب العسكرية لكن كان لها دورها السياسي والذي عمد للحفاظ على الهوية الإسلامية في مواجهة الأحزاب اليمينية واليسارية، وظلوا يطالبون بإلغاء الطائفية السياسية التي يعاني منها المجتمع. كما ذكر التقرير الصادر دور إذاعة المجاهدين وجريدة المجاهد في الأزمة والعمل على حلها، بل تناول دور الجماعة الاجتماعي بتقديم المساعدات وفتح المستوصفات وغيرها. (9)
ثم وضحت الجماعة رؤيتها في إصلاح الوضع ووقف الحرب، ووضع إستراتيجية للدولة اللبنانية، حيث طالبت بتعديل الدستور، وإلغاء الطائفية السياسية في كل مستويات الحكم، ووضع قانون للجنسية اللبنانية، ووضع قانون للجيش بعيد عن الطائفية، وإجراء حوار واسع وشامل، وعودة جميع المهجرين، كما حذروا من أي محاولة لتقسيم البلاد. (10)
ومع ذلك فقد رحبت الجماعة الإسلامية بأي مبادرة أطلقت لوقف الحرب ما دامت تعمل على استقلال البلاد، ونزع فتيل الطائفية، خاصة بعدما استعانت قوات الكتائب والموارنة بالجيش السوري الذي دخل لبنان في 19 أيار - مايو 1976م، واشتعال الموقف.
وأصدرت مذكرة للرأي العام شرحت فيها وجهة نظرها في الدستور والشئون السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية، وتحدثت عن قانون الانتخابات والتجنس وقانون الجيش والمليشيات الحزبية والمقاومة الفلسطينية. (11)
لكن استمرار تقدم القوات السورية في الأراضي اللبنانية وزادت سيطرتها بعدما ساهمت معها بعض القوات العربية والتي دخلت لبنان في 7 تشرين الثاني - نوفمبر من نفس العام لوقف الحرب، لكن جميع القوات العربية انسحبت ما عدا القوات السورية والتي أصبحت طرفا في الصراع منذ ذلك الوقت. (12)
شاركت الجماعة على نطاق محدود في العمل العسكري في السنتين الأوليين (1975 - 1976) من الحرب، حيث أنشأت منظمة مجاهدون وإذاعتها في طرابلس، حيث أقامت حزاما دفاعيا في مناطق التماس في طرابلس والضنية، وتمكنت مع باقي الفصائل من تطهير المدينة وضواحيها من الصليبيين
كما ساندت (جيش لبنان العربي) بقيادة الملازم أول أحمد الخطيب الذي تمرد على المؤسسة العسكرية اللبنانية وانشق عنها لتحريرها من الاحتكار الطائفي الماروني، كما دربت حوالي 5 آلف شاب ومئات الفتيات، وسقط منها 13 شهيدا في المواجهات في طرابلس وبيروت. (13)
الجماعة والاجتياح الإسرائيلي
كان المستفيد الأول من اشتعال الموقف في لبنان هي إسرائيل والتي عمدت لتغذية وتأجيج الموقف، وإمداد الموارنة بالسلاح بهدف ضرب البنية التحتية للمجتمع اللبناني وتفرقته، وأيضا لضرب وتحجيم المقاومة الفلسطينية المتواجدة على أرض لبنان.
ورغم الجهود المبذولة لوقف الحرب إلا أن إسرائيل وأمريكا خاصة حرصوا على تغذية روح الكراهية بين جميع الأطراف بهدف توفير سبل الأمن لإسرائيل. لكن ذلك لم يشبع هدف إسرائيل فاندفعت بقواتها لاجتياح لبنان، ونصبت المجازر للشعب في الشوارع في الطرقات، وظلت تتقدم حتى بلغت مشارف لبنان.
بدأت المعارك في 6 حزيران - يونيو 1982 عندما قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها إلى المملكة المتحدة، شلومو أرجوف على يد منظمة أبو نضال.
قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة، واستمرت الحرب وكان من نتائجها خروج مقاتلي الفلسطينيين وعائلاتهم إلى تونس، كما حدثت مذبحة صبرا وشاتيلا أثناء هذا الاجتياح. (14)
ذكرنا كيف كونت الجماعة قوات عسكرية لمجابهة المحتل، وشاركت في الأزمة اللبنانية قبل أن تجتاح إسرائيل لبنان في 14 أذار - مارس 1978م حيث شكلت الجماعة الإسلامية قوة عسكرية رابطت شرقي المخيم. وبعد اجتياح عام 1982م تعاون الجماعة الإسلامية في مخيم الرشيدية مع الجماعة الإسلامية بمدينة صيدا في الفترة من 1985 - 1990م
قوات الفجر
شكلت الجماعة مجموعة عسكرية رئيسية (قوات الفجر) تحت قيادة الشهيد جمال حبال، والتي شاركت في الدفاع عن بيروت وصيدا، بل شاركت في مخيم عين الحلوة. كان أفراد الجماعة الإسلامية (قوات الفجر) يقومون بعملياتهم عند الفجر ولهذا سمو بذلك.
وشكّلت لجنة مركزية برئاسة الأمين العام وقتها:
- فتحي يكن، ضمت في صفوفها قائد تلك القوات جمال حبال، الذي استشهد بعد مواجهة كبيرة مع وحدة من لواء غولاني في 27 كانون الأول من العام 1983 في صيدا. خلال فترة احتلال صيدا تعرّض عناصر "الجماعة الإسلامية" وقياداتها إلى الاعتقال من الجيش الإسرائيلي، فانتقلت مجموعات إلى بيروت وأخرى إلى طرابلس، واستأجرت "الجماعة الإسلامية" بيوتاً لهم، وكان بعضهم يتحرك على خط صيدا بيروت لشن المزيد من العمليات، وكان التنسيق قائماً مع "حزب الله" الذي كان في بداياته المتواضعة. (15)
يقول إبراهيم المصري:
- عن وجود مسلح لعناصر الجماعة الإسلامية في بعض قرى جنوب لبنان يحمل اسم "المقاومة الإسلامية - قوات الفجر" بعضها متواجد في مواقع مستقلة، والآخر بالتنسيق مع قوات "حزب الله".
ولم يكشف مسئول الجماعة الإسلامية عن حجم عدد عناصر الجماعة المسلحة، إلا أنه قال: إنها تتركز أساسا في القرى الجنوبية السنية التي تحاذي الشريط الحدودي الذي يفصل لبنان عن فلسطين المحتلة، هذا فضلا عن وجود للجماعة في المناطق المحيطة لمدينة صيدا.
وأوضح قائلا:
- "الشريط الحدودي يمتد بين لبنان وفلسطين المحتلة على مسافة 72 كلم وعلى طول هذا الشريط هناك منطقتان سنيتان وهما: منطقة العرقوب وشبعا والهبارية وكفر شوبا، كما توجد منطقة في القطاع الغربي مكونة من عدة قرى، مثل الظهيرة ومرواحين والبستان".
وشدد على أن الجماعة الإسلامية أجرت تفاهما مع حزب الله على أن يشارك إخواننا في الدفاع عن هذه المنطقة بالتفاهم معه، ومع التسليم بأن يبقى قرار إطلاق النار للحزب، وهذا كان ضرورة باعتبار أن الحزب هو المسئول الأول عن هذه المناطق.
استمر عمل الجماعة حتى سنة 1985، وهي السنة التي شهدت انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة صيدا لما سمي بعد بالشريط الحدودي، فتعقبت عناصر الجماعة الاحتلال الإسرائيلي لتحرير بعض القرى في شرق صيدا، واستولت الجماعة على مجموعة من القرى واستمرت الجماعة تسيطر على هذه المناطق حتى سنة 1990 عندما بسط الجيش اللبناني سيطرته على كل مناطق شرق صيدا.
وأضاف:
- "بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، وبسط الجيش اللبناني سيطرته على بعض المناطق التي تحتلها الجماعة أقمنا تفاهما مع حزب الله من أجل متابعة الأداء في المناطق الحدودية التي تحتلها إسرائيل، ونفذت الجماعة مجموعة من العمليات تحت عنوان المقاومة الإسلامية - قوات الفجر بالمشاركة مع حزب الله حتى تحرير الجنوب في شهر مايو سنة 2000". (16)
حادثة اختطاف الشيخ فتحي يكن واستقالته
كما ذكرنا أن الترابط بين الإخوان السوريين واللبنانيين قديم، حيث نشأوا في مضمار واحد، ولذا اعتبر نظام الأسد أنهما امتداد لبعضهم البعض.
وحينما اجتاحت القوات السورية لبنان، اعتبر الأسد أن الجماعة الإسلامية امتداد للإخوان وتشكل خطر، فعمد في يوم السبت 27 تشرين الأول - أكتوبر 1979م الساعة التاسعة صباحا إلى اختطاف الدكتور فتحي يكن – الأمين العام للجماعة - وذلك من أمام مكتبة بشارع الحرية بطرابلس ، وكان قد سبقه اختطاف الشيخ عبد الرحمن المجذوب إمام مسجد قب الياس في البقاع.
ولقد تحركت الجماعة الإسلامية على المستوى السياسي والأمني سواء في طرابلس، كما توجه وفد إلى بيروت حيث قابل الشيخ حسن خالد (مفتي لبنان) ورئيس الحكومة سليم الحص، والوزير طلال المرعبي والعقيد سامي الخطيب قائد قوات الردع العربية، والأستاذ شفيق الوزان رئيس المجلس الإسلامي، ورئيس الجمهورية إلياس سركيس..حيث طالبت قيادة الجماعة الإسلامية بالإفراج عن يكن والمجذوب. (17)
ولقد طالب يوسف جبران – وزير العدل – بالتحقيق في خطف يكن والمجذوب، كما أصدرت الهيئات والشخصيات الإسلامية في الشمال بإطلاق سراحهما. (18) وبعد أسبوعين أفرج عن فتحي يكن بعد جهود كبيرة ساهم فيها مفتي لبنان، وبعدها تقابل يكن وعبد الله بابتي وإبراهيم المصري مع حافظ الأسد حيث طرحوا عليه إسلامية الدولة، ومن جانبه حثهم على محاولة التوفيق بينه وبين الإخوان في سوريا.
كما عقد لقاء أخر بين الأسد والشيخ محرم العارفي ويكن وبابتي وعلي الشيخ عمار في الفترة من 1985 - 1978م حيث اشتكوا له من تجاوزات حلفاء ضد المخيمات لكن دافع عن هذه التجاوزات. وفي التسعينات التقى الأسد مع إبراهيم المصري وأسعد هرموش حيث أعلنوا أمامه أنهم إخوان مسلمين، فبادلهم الأسد أن سوريا ليس لها مشاكل مع الجماعة. (19)
في انتخابات عام 1992م تم انتخاب الأستاذ فتحي يكن ضمن مرشحي الجماعة الإسلامية، وبعدما حصل على عضوية البرلمان تقدم باستقالته من الأمانة العامة للجماعة في 23 ذي الحجة 1413هـ الموافق 13 حزيران - يونيو 1993م.
كانت قناعة فتحي يكن الشخصية ببعض الأمور كثيرا ما تصطدم بتوجهات وفكر الجماعة الإسلامية، لكن بعد حادثة اختطافه حدث أن زار حافظ الأسد في قصره أكثر من مرة، وعلى الرغم من كون أن بعض قادة الجماعة حضروا معه لكن حدث تحول لدى الشيخ بحيث أصبح متبني لمنهج حافظ الأسد وحزب الله اللبناني، وهذا ما سبب كثير من الصدام مع الجماعة الإسلامية، حتى أنه تقدم أكثر من مرة باستقالته من الأمانة العامة للجماعة.
الغريب أنه ما أن انفضت الدورة البرلمانية عام 1996م حتى خرج فتحي يكن عن الجماعة الإسلامية مكونا جبهة العمل الإسلامي عام 2006م مع الشيخ بلال سعيد شعبان أمين عام حركة التوحيد الإسلامي، والشيخ هاشم منقارة رئيس مجلس القيادة بحركة التوحيد الإسلامي، والشيخ عبد الناصر جبري رئيس حركة الأمة، والشيخ الدكتور زهير عثمان الجعيد رئيس جبهة العمل المقاوم، والحاج عبد الله الترياقي أمين عام تيار الفجر، وغيرهم من القيادات. (20)
لقد كان يكن يهدف لتوسيع الوحدة، لكنه انضم إلى حلف حزب الله اللبناني، وتوافق مع سياسة نظام الأسد في سوريا. ففي 21 سبتمبر (أيلول) 2006م، استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، فتحي يكن في دمشق، ونشرت الخبر وكالة الأنباء السورية، وبحسب نص الخبر فإن الرئيس الأسد استعرض مع الدكتور فتحي يكن "رئيس جبهة العمل الإسلامي" الأحداث في لبنان.
وأوردت "سانا" أن اللقاء تناول "تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان والانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية"، وذكر البعض بأن هذه الحفاوة السورية جاءت بعد حديث يكن عن البعد الجهادي في "جبهة العمل الإسلامي".
كما أن فتحي يكن قام بإمامة المتجمهرين من أنصار حزب الله وأمل أمام السراي الحكومي يوم الجمعة 8 ديسمبر، بعد فتوى من أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، تجيز ذلك لجمهوره من الشيعة.
ويبدو أن يكن قد ابتعد بمسافات ليست قصيرة عن حزبه الأصلي (الجماعة الإسلامية)، ومن خلف هذه الجماعة الطائفة السنية برمتها، التي يبدو أنها لا تشاطر الشيخ يكن رؤيته ولا تحالفاته مع حزب الله والنظام السوري. (21)
وحينما أدعى فتحي يكن أن قوات الفجر – التي أسستها الجماعة الإسلامية في صيدا - هى ملك جبهة العمل الإسلامي – خاصة بعدما انضم عبد الله الترياقي قائد القوات للجبهة - مما دفع الجماعة الإسلامية أن تفند ادعائه
حيث جاء فيه:
- أكدت "الجماعة الإسلامية" أنها لم تتخل عن العمل المقاوم وعن "قوات الفجر"، وأشارت إلى أن شبابها كان لهم دور بارز في التصدي للعدوان الصهيوني الأخير في تموز 2006، نافية الإدعاء بأن عبد الله الترياقي واصل تحمّل مسئولية القيادة الميدانية وان "جبهة العمل الإسلامي" ترعى الآن "قوات الفجر".
وأضاف البيان:
- نشأت "قوات الفجر" في الجماعة الإسلامية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وتشكلت لجنة مركزية لمتابعة نشاطها، لكنها لم تكن برئاسة الدكتور فتحي يكن، بل تولى الإشراف عليها احد أعضاء قيادة الجماعة، الذي ظل يتابع أعمالها بهذه الصفة حتى تحرير الجنوب عام 2000م.
- وكان يولى القيادة الميدانية الأخ الشهيد جمال حبال، الذي كان المسؤول العسكري في الجنوب، وبعد استشهاده عام 1983م، تولى قيادتها الميدانية الحاج عبدالله الترياقي، والى أن تم تحرير الجنوب حيث قررت الجماعة إعفاءه من هذه المهمة، ووضعت صيغة جديدة للعمل المقاوم تراعي الظروف المستجدة، وعينت قيادة جديدة، باشرت عملها منذ 2001م. (22)
المصادر
- علي عبد فتوني: تاريخ لبنان الطائفي، دار الفارابي للنشر والتوزيع، بيروت، 2013م، صـ 143.
- فواز طرابلسي: تاريخ لبنان الحديث: من الإمارة إلى اتفاق الطائف، طـ1، رياض الريس للكتب والنشر، 2008م، صـ329.
- المرجع السابق: صـ 323
- جهاد بنوت، وجيه كوثراني: حركات النضال في جبل عامل، دار الميزان، 1993م، صـ 314.
- الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975، مرجع سابق، صـ 53
- المرجع السابق: صـ54
- الجماعة الإسلامية في الأزمة اللبنانية: أمانة الإعلام في الجماعة، 1976م، صـ 2- 8
- المرجع السابق: تحت عنوان في الميدان العسكري، صـ13- 17
- المرجع السابق: تحت عنوان في الميدان السياسي والاجتماعي، صـ 17- 30.
- المرجع السابق: لبنان الذي نريد، صـ 31- 35.
- مذكرة الجماعة الإسلامية في لبنان إلى الرأى العام: 14 شعبان 1395هـ- 12 آب - أغسطس 1975م، صـ 1- 4 (وثيقة محفوظة لدي)
- حجازي فهد: لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف، الجزء الثالث، طـ1، دار الفارابي للنشر والتوزيع، بيروت، 2013م، صـ200- 217بتصرف.
- طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة، مرجع سابق.
- عمر العيساوي: حرب لبنان .. الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ج8، الجزيرة نت
- فادي شامية: قوات الفجر كيف نشأت وكيف سرقت، جريدة المستقبل، 2/ 11/ 2007م.
- هادي يحمد: إسلام أون لاين.نت، بيروت، “الفجر” السنية تقاتل بالجنوب وترفض فتاوى الفرقة
- بيان من الجماعة الإسلامية بعنوان أيها المسلمون، أيها المواطنون، 31/ 10/ 1979م (وثيقة لدي)
- صحيفة النهار: الهيئات الإسلامية تجرى اتصالات لتأمين إطلاق يكن والمجذوب، 30/ 10/ 1979م، وأيضا صحيفة السفير
- الجماعة الإسلامية بلبنان من 1975 - 2000م مرجع سابق، صـ73- 74
- مجلة شؤون عربية العدد 145، وحدة المجلات في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، 2011م، صـ220.
- مجلة الشرق الأوسط: فتحي يكن .. من يمين سيد قطب إلى يسار حسن نصر الله، العدد 10239، الأحد 18 ذو القعـدة 1427 هـ 10 ديسمبر 2006م.
- "الجماعة": لم نتخل عن العمل المقاوم و"قوات الفجر" جريدة المستقبل، الأربعاء 7 نوفمبر 2007م
للمزيد عن الإخوان في لبنان
أهم أعلام الإخوان في لبنان