التطور الفكري لدى الإخوان المسلمين
من رسالة الماجستير للأستاذ أحمد دلول
الباحث بوزارة الخارجية الفلسطينية
أفرزت الفترة (1954-1970) وما واكبها من قمع شديد وملاحقة بحق الإخوان المسلمين مدرسةً فكريةً جديدةً، هي مدرسة سيد قطب (1) وما تفرّع عنها من مدراس خرجت بأفكارها عن المدرسة الفكرية للمؤسس "البنا".
ولقد مرَّ فكر "قطب" بمرحلتين، الأولى هي المرحلة الاجتماعية، حيث قام بطرح المشكلة الاجتماعية الاقتصادية التي تواجه المجتمع، وتحديد الارتباط بين المشكلة والتصور الإسلامي وبدائل الحل في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام. أمَّا المرحلة الثانية فتبلورت في الستينات، وهي تلك المرحلة التي ظهرت فيها كتبه: هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، ومعالم في الطريق. (2)
وثمَّة مفارقات بين الفكر الحركي لـ"سيد قطب"، والفكر الحركي لـ"حسن البنا" خاصة رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي"، فالبنا في رسالته يؤكِّد على أنَّ النظام الإسلامي يقوم على ثلاث دعائم: مسئولية الحاكم، وحدة الأمة، واحترام إرادتها. وهو لا يرى أي تعارضٍ بين نظام الإسلام والنظام النيابي، وكذلك لا تعارض بين الدساتير الوضعية والإسلام شريطة أن تعترف تلك الدساتير بسيادة الشريعة الإسلامية وقصور العقل البشري. (3)
وفي المقابل أدخل "قطب" مقولةً جديدةً في فكر الحركة، هي أنَّ "هناك تعارضاً شديداً بين فكرتين وتصورين مجتَمِعَين، ونظامين وحقيقتين، الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، والحق والباطل، الخير والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، ..."، وأنّه "لا بقاء لطرف إلَّا بالقضاء على الآخر، ولا سبيل إلى المصالحة والوساطة بينهما".
ولا يحدث التغيير إلَّا عن طريق الانقلاب والثورة، ولا توجد مراحل أو تدرّج في عملية التغيير، وكما يحدث الانقلاب لدى الفرد عن طريق الهداية، يحدث الانقلاب في المجتمع عن طريق تغيير السلطة وإلغائها. (4)
وتقوم رؤية "قطب" على أنَّ النظام الاجتماعي يتشكّل ضمن الحالة الجاهلية، وأنَّ هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الأُلوهية وهي الحاكمية. ويطرح قطب مفهوم العُزلة في فترة الحضانة إذ إنَّ على الحركة الإسلامية أنْ تعتزل المجتمع في فترة التكوين لكي تتحاشى كل مؤثرات الجاهلية التي تحيط بها. وهذا يتعارض مع مقولات وأفكار مؤسس الحركة حسن البنا، كما تتعارض مع أفكار خلفه "حسن الهضيبي" الذي ردَّ على أفكار قطب والمودودي في كتابه "دعاة لا قضاة". (5)
ولقد خاضت الدول العربية حرب 1967م، مع إسرائيل، فخرجت منهزمة، وقامت إسرائيل باحتلال أجزاء منها مثل سيناء والجولان وقطاع غزة والضفة الغربية. ولقد أدَّت تلك الهزيمة إلى "هزة نفسية" عميقة في المجتمع المصري، فانطلقت موجة النقد الذاتي التي قادت إلى الإحساس بفشل التوجهات الفكرية التي سار عليها عبد الناصر من قبل، مثل الاشتراكية والقومية، هذا فضلاً عن تولّد حالة من الإحساس بالفساد السياسي والأخلاقي.
ولمواجهة ذلك اتجهت شرائحُ مصريةٌ عديدةٌ نحو البحث عن بديل داخل الإطار الإسلامي باعتباره الإطار الأخلاقي والسلوكي الوطني الوحيد المتاح لهم، وساد لديهم اعتقادٌ بأنَّ العلمانية التي كانت تمثّل إطاراً عاماً للتوجهات الفكرية السابقة هي السبب الرئيس في فشل هذه التوجهات، ومن ثمَّ يتعيَّن العودة إلى البديل الذي يتمثَّل في الإطار الإسلامي. (6)
كما أنَّ النظام السياسي الذي شعر باهتزاز شرعيته سعى إلى إذكاء النزعة الدينية المتصاعدة واستغلال الشعور الديني المتزايد في تجديد شرعيته وامتصاص الغضب الشعبي، ولقد حرصت الأجهزة الرسمية عقب الحرب مباشرة على إبراز اهتمام عبد الناصر بالسلوك الديني وبررت بدورها سبب الهزيمة بالبعد عن الدين. (7)
وتماشياً مع الاتجاه نحو الاهتمام بالدين، وفي تعزيز شرعيته بدأ عبدالناصر يتودد إلى الإخوان المسلمين عندما أطلق سراع العديد من كوادر الجماعة حتى إنه لم يبق في السجن سوى 140 عنصراً. (8)
فآثر الذين خرجوا الصمت، إلى أنْ مات عبد الناصر يوم 28 أيلول سبتمبر 1970م، لتنتهي بذلك فترة طويلة من الشِقاق بين الإخوان والنظام المصري. وبعد أن تولَّى "السادات" زمام الحكم وافق على إطلاق سراح بقية الإخوان من السجون عام 1974م.
المراجع
- للمزيد من التفاصيل حول سيد قطب وأفكاره انظر: أحمد الموصللي، الفكر الإسلامي المعاصر: دراسات وشخصيات: سيد قطب، ط 1، دار خضر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان 1990م. محمد أبو صعيليك، فكر سيد قطب ومنهج التغيير عنده، ط 1، مكتبة دار القدس، صنعاء، 1999م. محمد حافظ دياب، سيد قطب: الخطاب والأيديولوجيا، دار الطليعة، بيروت، 1988م. محمد عبدالقادر أبو فارس، منهج التغيير عن الشهيدين حسن البنا وسيد قطب، ط 1، دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا، 1999م.
- عبدالله النفيسي، مصدر سابق، ص 231-232.
- المصدر السابق، ص 233.
- عبدالله النفيسي، مصدر سابق، ص 32-37.
- المصدر السابق، ص230-233. حسن الهضيبي، دعاة لا قضاة، ط 1، دار النشر والتوزيع الإسلامية، القاهرة، 1977م، ص63.
- عبد العاطي محمد أحمد، الحركات الإسلامية في مصر وقضايا التحول الديمقراطي، مصدر سابق، ص94-95.
- رفعت سيد أحمد، الدين والدولة والثورة، ط 1، كتاب الهلال، القاهرة، فبراير 1985م، ص94-95.
- هشام العوضي، صراع على الشرعية:الإخوان المسلمون ومبارك 1980-2007، ط 1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009م، ص 30-35.، ص74.