التزامه الكامل صلى الله عليه وسلم بتطبيق ما يدعو إليه
الشيخ سعيد حوى
محتويات
مقدمة
شهدت البشرية في تاريخها الطويل انفصالاً بين المثل والواقع ، بين المقال والفعال ، بين الدعوى والحقيقة ، وكان دائماً المثال والمقال والدعوى ، أكبر من الواقع والفعال والحقيقة ، وهذا شيء يعرفه من له أدنى معرفة بالتاريخ والحياة ، غير أن هذه الظاهرة تكاد تكون مفقودة في واقع أتباع الرسل المخلصين ، فمن باب أولى أن تكون مفقودة في حياة الرسل الذين تجد واقعهم أعظم من كل تصور نظري ، فهم وحدهم الذين دعوا الإنسانية إلى أعظم قمم السمو ، ومثلوا هم بسلوكهم العملي هذه الذروة بشكل رائع مدهش عجيب
وهذا بحد ذاته من أدلة صدقهم . إذ الالتزام بالسمو لا تطيقه النفس البشرية عادة ما لم تتهذب هذه النفس بدافع الخضوع لأمر الله بعد الإيمان به ، ومعرفة أمره ، ويستطيع الإنسان أن يعرف هذا بالتجربة ، إذا شاهد أحوال الكافرين ، فمثلاً قد يحاول كافر أن يقلد مسلماً في صلاته متظاهراً بالإيمان ، فإذا ما راقبت مثل هذا وجدته عملياً لا يبقى على حالة واحدة من التطبيق ، كما أن تطبيقه يكون بسيطاً جداً ، ثمّ هو إن كان بحيث لا يراه الناس فإنه لا يفعل شيئاً أصلاً ، فعندما ترى الرسل في عبادتهم العجيبة الكثيرة لله ، مع قيامهم بأمر الله كما كلفهم على ما في ذلك من مشقة أو جهد ، دون تكلف بل بكامل الرضا والسعادة ، فذلك لا شك دليل صدق لا يدحض .
ولما كان الكلام هنا خاصاً عن محمد رسول الله r ، وظهور هذا في حياته العملية على أعلى ما يخطر بقلب بشر ، رأينا أن نختار بعضاً من الأوامر والنواهي القرآنية التي وجهها الله لرسوله في قضايا متعددة ، لنرى كيف كان قيام رسول الله بها دليلاً كاملاً على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحرصنا على أن تكون الأوامر التي ندرسها مختلفة الجوانب لنرى كيف كان يقيم رسول الله rكل أمْر أُمِرَ به بشكل كامل .
بحيث لا يكون تنفيذه لأمر مضيعاً لأمر آخر ، كما نرى عند بعض الناس ، إذ نراهم مقبلين على تنفيذ أمر الله في العبادة مثلاً ، مفرطين في بقية أوامر الله وتكاليفه ، لكن رسول الله rكان يقوم بكل أمر بما لا يسبق إليه ، مع إحاطته وعدم تفريطه بأي جانب من جوانب الإسلام الذي كلف به ، وأمر أن يدعو إليه ، حتى إنّ الدارس المنصف لحياته في هذا الجانب لا يتمالك إلا أن يشهد أنه رسول الله حقاً .
يقول الجلندي ملك عُمان لما بلغه أن رسول الله يدعوه إلى الإسلام : ( والله لقد دلني على هذا النبي الأمي : أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له ، وإنه يغلب فلا يبطر ويُغْلَبٌ فلا يضجر ، ويفي بالعهد وينجز الموعود ، وأشهد أنه نبي ) .
والتكاليف التي اخترناها لرؤية تطبيقه العملي لها هي ما يلي :
أ- قوله تعالى : {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} .
ب- قوله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} . {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
ج- قوله تعالى : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
د- قوله تعالى : {ياأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} .
هـ- قوله تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} . {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} .
فلنر نماذج من تطبيقه لكل أمرٍ من الأوامر الآنفة الذكر ، مع ملاحظة أن كل أمر من أوامر الله له كان يقوم به على مثل هذا ، بحيث لا تجد أمراً من أوامر الله إلا وله من تنفيذه أعلى حظ يتصوره بشر ، لأنه أعظم إنسان مثّل العبودية لله على الأرض .
أ – نماذج من تنفيذه للأمر الأول {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} :
أخرج الشيخان عن عائشة قالت : " كان النبي يقوم من الليل ( أي مصلياً لله ) حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكورا ؟! " .
وذكر المغيرة عن رسول rمثل هذا .
وأخرج الإمام البخاري عن عائشة " أن رسول الله r كان يصلي إحدى عشرة ركعة ( أي في الليل ) يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة " .
وأخرج الشيخان عن ابن مسعود قال : " صليت مع النبي r ليلة فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء ، قيل : ما هممت ؟ قال : هممت أن أجلس وأدعه " .
وأخرج الإمام مسلم عن حذيفة قال : " صليت مع النبي r ذات ليلة فافتتح البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها ركعة ( أي بالبقرة ) فمضى فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ( وهذه السور تعدل سدس القرآن ) يقرأ مسترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مر بتعوذ تعوّذ ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم ، فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى ، فكان سجوده قريباً من قيامه".
وروى مسلم عن عائشة قالت : " كان رسول الله r إذا فاتته الصلاة ( أي قيام الليل ) من وجع أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة " .
وأخرج مالك والترمذي وأبو داود عن عائشة قالت : " فقدته rمن الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو ساجد يقول : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .
وأخرج البخاري عن أنس قال : " كان رسول الله rيفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئاً ، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته ولا نائماً إلا رأيته " .
وروى الترمذي عن عائشة قالت : " كان رسول الله r يتحرى صوم الاثنين والخميس " .
وروى النسائي عن ابن عباس قال : " كان رسول الله rلا يفطر البيض في حضر ولا سفر " .
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال : " كان رسول الله rيعتكف العشر الأواخر من رمضان " .
وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : " كان رسول الله r إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله ، وأيقظ أهله ، وجدَّ وشدَّ المئزر " .
وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : " لم يكن النبي r يصوم من شهر أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله وفي رواي : كان يصوم شعبان إلا قليلاً " .
وعن ابن مسعود قال : " قال لي رسول الله r : اقرأ عَلَيَّ القرآن . فقلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال : إني أحب أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت هذه الآية : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاءِ شَهِيداً} فقال : حسبك فالتفتُّ فإذا عيناه تذرفان " ( أي يبكي ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود ومالك .
وروى مسلم عن عائشة قالت : " كان رسول الله r يذكر الله على كل أحيانه " .
وروى أبو داود والترمذي بإسناد حسن صحيح عن ابن عمر قال : كنا نعدل لرسول الله rفي المجلس الواحد مائة مرة : رب اغفر لي وتب عَلَيَّ إنك أنت التواب الرحيم " .
وروى مسلم عن الأغر المزني أن رسول الله rقال : " إنه ليران على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " .
وقال الحسن بن علي : " سألت أبي عن دخول رسول الله r ( أي إلى بيته ) فقال : كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك ، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله وجزءاً لأهله وجزءاً لنفسه ، ثم جزَّأ جزأه بينه وبين الناس فرد ذلك على العامة بالخاصة " أخرجه الطبراني في الكبير .
وهذه نماذج متممة من مناجاته لله وذكره له في بعض أحواله :
عن جويرية – زوج النبي r أن رسول الله خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح . وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة ، فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت : نعم ، قال : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : " سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا كبر للصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ ، فقلت : يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ، سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول " اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس . اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " أخرجه الخمسة إلا الترمذي وهذا لفظ الشيخين .
زاد أبو داو والنسائي في أوله : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلانيته " .
وعن عائشة رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله r يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن " (أي يطبق ما جاء في القرآن من أمر الله ) .
وفي أخرى لمسلم وأبي داود والنسائي : كان يقول في ركوعه وسجوده " سبوح قدوس رب الملائكة والروح " .
وعن جابر – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا ركع قال : اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعظامي لله رب العالمين " . أخرجه النسائي .
وعن ابن أبي أوفى – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا رفع ظهره من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله r يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني " أخرجه أبو داو والترمذي واللفظ له .
وعن علي – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا سجد قال : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين ثم يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت " .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد التشهد : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " سمعت رسول الله r ليلة حين فرغ من صلاته يقول : اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري ، وتلم بها شعثي وترد بها غائبي ، وترفع بها شاهدي ، وتزكي بها عملي ، وتلهمني بها رشدي ، وترد بها ألفتي ، وتعصمني بها من كل سوء . اللهم أعطني إيماناً ويقيناً ليس بعده كفر ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك لي في الدنيا والآخرة . اللهم إني أنزل بك حاجتي ، وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك ، فأسألك يا قاضي الأمور ، ويا شافي الصدور كما تجبر بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ، ومن دعوة الثبور ، ومن فتنة القبور . اللهم ما قصر عنه رأيي ، ولم تبلغه مسألتي ولم تبلغه نيتي من خير وعدته أحداً من خلقك أو خيرٍ أنت معطيه أحداً من عبادك ، فإني راغب إليك فيه وأسألك برحمتك يا رب العالمين .
اللهم يا ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود ، الركع السجود ، الموفين بالعهود ، إنك رحيم ودود ، وإنك تفعل ما تريد . اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك ، نحب من أحبك ، ونعادي بعداوتك من خالفك . اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان .
اللهم اعل نوراً في قلبي ، ونوراً في قبري ، ونوراً من بين يدي ، ونوراً من خلفي ، ونوراً عن يميني ، ونوراً عن شمالي ، ونوراً من فوقي ، ونوراً من تحتي ، ونوراً في سمعي ، ونوراً في بصري ، ونوراً في شعري ، ونوراً في بشري ، ونوراً في لحمي ، ونوراً في دمي ، ونوراً في مخي ، ونوراً في عظامي ، اللهم أعظم لي نوراً ، وأعطني نوراً ، واجعل لي نوراً ، سبحان الذي تعطف العز وقال به ، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به ، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له ، سبحان ذي الفضل والنعم ، سبحان ذي المجد والكرم ، سبحان ذي الجلال والإكرام " .
وعن ثوبان – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا سلم يستغفر ثلاثاً ويقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام " .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله rإذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت مالك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك الحق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد r حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت " .
عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r يقول إذا أمسى : أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله . لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها ، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها . رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر . رب أعوذ بك من عذاب في النار ، وعذاب في القبر . وإذا أصبح قال ذلك : أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله .. " .
عن أنس – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا أوى إلى فراشه قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا وآوانا فكم من لا كافي له ولا مؤوي " .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله rإذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ المعوذتين ، وقل هو الله أحد ، ويمسح بهما وجهه وجسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به " .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله rإذا استيقظ من الليل قال : لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك ، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علماً . ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " .
وعن علي – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله rيقول عند مضجعه : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وبكلماتك التامات من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها . اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم ، اللهم لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد . سبحانك اللهم وبحمدك " .
عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله rإذا خرج من بيته قال : بسم الله توكلت على الله . اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل ، أو نظلم أو نظلم ، أو نجهل أو يجهل علينا " .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " قلَّما كان رسول الله r يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصي ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكثر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا " .
وعن مالك : " أنه بلغه أن رسول الله r إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر يقول : بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ومن سوء المنظر في المال والأهل " .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله r إذا قفل من السفر يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث مرات ، ثم يقول : لا إله غلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون ، عابدون ساجدون ، لربنا حامدون . صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " .
وعن عبد الله الخطمي – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا ودّع أحداً قال : أستودع الله دينكم وأمانتكم ، وخواتيم أعمالكم " .
وله في أخرى عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك " .
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله r إذا أقبل الليل عليه في السفر قال : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك ، أعوذ بالله من أسد وأسود ، ومن الحية والعقرب ، ومن ساكن البلد ، ووالد وما ولد " .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله r يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم " . وعن أنس – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر يقول : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث . وقال : ألظوا بياذا الجلال والإكرام " .
عن الخدري – رضي الله عنه – قال : " كان النبي r إذا استجد ثوباً قال : اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا ويسميه ، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " .
وعن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : " كان النبي rإذا أكل أو شرب قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا دخل الخلاء لقضاء الحاجة يقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك " .
عن فاطمة بنت الحسين بن علي ، عن جدتها فاطمة الكبرى – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله rإذا دخل المسجد صلى على محمد صلى الله عليه وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج صلى على محمد صلى الله عليه وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك " .
عن طلحة بن عبيد الله – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا رأى الهلال قال : اللهم أهله علينا باليمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله " .
وعن قتادة – رضي الله عنه – قال : " أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : هلال خير ورشد ثلاث مرات ، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ، ثم يقول : الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا " .
عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله r إذا سمع الرعد والصواعق قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " . وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله rوسلم يقول في دعائه : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحةً لي من كل شر " .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : " كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " .
عن أنس – رضي الله عنه – قال : " كان النبي rيقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " .
وعن أنس أيضاً – رضي الله عنه ، قال : " كان النبي rيقول : اللهم إني أعوذ بك من الجذام والبرص والجنون ومن سيء الأسقام " .
وعن ابن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن دعاء لا يسمع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن علم لا ينفع ، أعوذ بك من هؤلاء الأربع " .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – رفعه : " كان رسول الله r يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق " .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته : سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه ، فقلت له في ذلك ، فقال : أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول : سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه . فقد رأيتها : {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} " .
هذه نماذج من عبادته صلى الله عليه وسلم لله شكراً ، وهذا كله ولم نذكر إقامته للصلوات الخمس ولا لرواتبها ، ولم نتعرض لكل ما اثر عنه من عبادة لله جل جلاله ، فهل بلغ أحد في عبادة الله وشكره ما بلغه رسول الله ؟ وهل يستطيع أحد أن يتصور أن هذا ممكن الوقوع والحصول بهذا الكمال والجلال ، وبهذه الكثرة والسعة وبهذا الانسجام التوافق ، مع هذه المعرفة العظيمة لله وكمالاته . لولا أن محمداً رسول الله يقوم بأمره كأعظم ما يقوم به أحد ؟
ب – نماذج من تنفيذه لأمر الله في المثال الثاني : {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ، ولنهي الله {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
روى البخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " .
وروى البخاري عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : " كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة فاستقبلنا أحد فقال : يا أبا ذر ! قلت : لبيك يا رسول الله . قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً تمضي علي ثالثةٌ وعندي منه دينارٌ – إلا شيئاً أرصُدُه لدَيْنٍ – إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا ؛ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه " .
وروى مسلم عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال : " ذكر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه " الدقل : رديء التمر .
وروى البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي " .
وروى البخاري عن عمر بن الحارث أخي جويرية بنت الحارس أم المؤمنين – رضي الله عنهما – قال : " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة " .
وروى ابن جابر عن جابر – رضي الله عنه - : " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه ، ثم أتاه آخر فسأله فوعده ، فقام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال : يا رسول الله ! سئلت فأعطيت ، ثم سئلت فأعطيت ، ثم سئلت فوعدت ، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهها ، فقام عبد الله بن حذافة السهمي – رضي الله عنه – فقال : أنفق يا رسول الله ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ، فقال : بذلك أمرت " كذا في الكنز ج 3 ص 311
وأخرج البزار بإسناد حسن والطبراني عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : " دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال – رضي الله عنه – وعنده صبر من تمر فقال : ما هذا يا بلال ؟ قال : أعد ذلك لأضيافك قال : ما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم ، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " . وأخرجه أبو نعيم في الحلية ج1 ص 149 عن عبد الله نحوه ، ورواه أبو يعلى والطبراني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بنحوه بإسناد حسن وكما في الترغيب ج 2 ص 174 .
وأخرج أبو يعلى عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : " أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائراً . فلما كان من الغد أتته بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنهك أن ترفعي شيئاً لغد ، فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد " قال الهيثمي ج10 ص241 ورجاله ثقات .
وأخرج الطبراني في الكبير – ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح – عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال : " كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة – رضي الله عنها – فلما كان في مرضه قال : يا عائشة ابعثي بالذهب على علي ، ثم أغمي عليه وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مراراً ، كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عائشة – رضي الله عنها – ما به ، فبعث إلى علي فتصدق بها . وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد الموت ليلة الاثنين فأرسلت عائشة – رضي الله عنها – بمصباح لها إلى امرأة من نسائها فقالت : أهدي لنا في مصباحنا السمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت " . ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة بمعناه . كذا في الترغيب ج2 ص 178 .
وعن أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بذهب كان عنده في مرضه . قالت : فأفاق ، قال : ما فعلت ؟ قلت : شغلني ما رأيت منك . قال : فهلم بها . قال : فجاءت بها إليه سبعة أو تسعة – أبو حازم يشك – دنانير . فقال حين جاءت بها : ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده وما تنفي هذه من محمد صلى الله عليه وسلم لو لقي الله هذه عنده " . قال الهيثمي ( ج10 ص240 ) : رواه أحمد بأسانيده ، ورجال أحدها رجال الصحيح.
أخرج أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " حدثني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير . قال : فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، وقرظ في ناحية الغرفة ، وإذا إهاب معلق ، فابتدرت عيناي فقال : ما يبكي يا ابن الخطاب فقال : يا نبي الله ، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك . قال : يا ابن الخطاب . أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا " . قرظ : ما يدبغ به . إهاب : جلد . ابتدرت : بكت .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض " وفي رواية : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعاً حتى قبض " متفق عليه .
وعن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت تقول : " والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال – ثلاثة أهلة في شهرين – وما أوقد في أبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار . قلت : يا خالة فما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء ، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار ، وكنت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه " متفق عليه . منائح : جمع منيحة وهي ناقة يعيرها صاحبها إنساناً ليشرب لبنها ويعيدها .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : " لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات ، وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات " . أخرجه البخاري . الخوان : ما يؤكل عليه .
وعن خالد بن عمر العدوي قال : " خطبنا عتبة بن غزوان وكان أميراً على البصرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا ، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها ، واتزر سعد بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً " رواه مسلم .
وعن جابر – رضي الله عنه – قال : " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا " متفق عليه .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها " رواه مسلم .
وعن عمر – رضي الله عنه – قال : " قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقلت : يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم ؟ فقال : إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش فأعطيهم أو يبخلوني ولست بباخل " . أخرجه مسلم .
وعن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – أنه قال : بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مَقْفَلَهُ من حنين فعلقه الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أعطوني ردائي فلو كان لي عدد هذه العضاة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً " . رواه البخاري . مقفله : حالة رجوعه . السمرة : شجرة ، والعضاه : شجر له شوك .
وأخرج أحمد عن جابر – رضي الله عنه – قال : " أقبل أبو بكر – رضي الله عنه – يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر – رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك .
فقال عمر : يا رسول الله ! لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : هن حولي يسألنني النفقة .
فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة ، كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده .
فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده . قال : وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة فقال : إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ، قالت : وما هو ؟ قال : فتلا عليها : {ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ} – الآية . قالت عائشة : أفيك أستأمر أبوي ؟
بل أختار الله ورسوله ، وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت . فقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلماً ميسراً ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها " . أخرجه مسلم والنسائي ، وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " قالت عائشة : أنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال صلى الله عليه وسلم إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، قالت : وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت ثم قال : إن الله تبارك وتعالى قال : {ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ} – الآيتين . قالت عائشة : فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الاخرة . ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة " وأخرجه البخاري ومسلم عن عائشة مثله .
هذه الأمثلة على الزهد والإنفاق وتحمل خشونة الحياة والإقبال على الله طلباً لمرضاته ، وحرصاً على نيل ثوابه في اليوم الآخر ، وهي قليل من كثير ، تبين كيف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله حق القيام بحيث لا يسبق ولا يلحق ، غذ لو رجعت إلى الأمرين اللذين ذكرنا الأمثلة على تطبيقهما .
فإنك لا تستطيع أن تجد أبلغ من هذا في تنفيذ أمر الله وإنه لمجافاة لكل واقع بشري وتنكب عن كل حقائق النفس البشرية ، أن تتصور أن مثل هذا التطبيق والتنفيذ ، بهذا الشكل ، لمثل هذه الأوامر ، يمكن أن يكون ، لولا أن صاحبه رسول الله حقاً . صغرت لديه الدنيا بما فيها وهان لديه المال بكل أنواعه لمعرفته بأن الله أعظم من كل شيء ويهون في سبيله كل شيء .
ج- نماذج من تنفيذه صلى الله عليه وسلم للأمر الثالث : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} :
بقية إلتزام الرسول الكامل
المصدر
- مقال:التزامه الكامل صلى الله عليه وسلم بتطبيق ما يدعو إليه موقع : برهانكم