البنا وفن الإنشاد والغناء

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
البنا وفن الإنشاد والغناء

بقلم/ الشيخ عصام تليمة

مقدمة

الشيخ عصام تليمة

وقد استخدم البنا من أول دعوته فن الإنشاد وبخاصة الديني منه ، الذي يغرس القيم ويذكّر بالماضي التليد . ولا غروَ أن رأينا أكبر جماعة إسلامية لها رصيد هائل من الأناشيد وهي جماعة الإخوان المسلمين ، ولا يشاركها أو ينازعها في هذا الكم جماعة أخرى . فقد اختار البنا نشيداً ليكون نشيد الإخوان ، والذي ألفه شاعر الإخوان الأستاذ أحمد حسن الباقوري بعنوان ( يا رسول الله هل يرضيك أنا ) .


ثم بعد ذلك توالت الأناشيد كنشيد الكتائب الذي ألفه الأستاذ عبد الحكيم عابدين ، وغيره من أناشيد الجوالة ، وأناشيد الجهاد .


إذاعة الإخوان المسلمين

كما أنشأ الأستاذ البنا إذاعة خاصة ، وكان هذا الأمر في عهد الملكية المصرية قبل ثورة يوليو أمراً ممكناً ، وقد سلمها إلى الحكومة المصرية بعد قرار حلّ الإخوان الأول في عهد النقراشي .

وأحياناً كانت جريدة الإخوان المسلمين اليومية تُعيد كتابة ما تبثه من أحاديث الأستاذ البنا ، كمقالي (صور من الماضي) و (ثمن الحياة) .

لماذا اختفت هذه الصفحة من تاريخ البنا المنشور؟

الراصد لكل هذه الأدبيات عند البنا ، والمواقف العملية له ، من خلال علاقته بالفن ، يقف مذهولاً أمام سؤال ملحّ : لماذا اختفت هذه الصفحة من تاريخ البنا فلم تنشر ولم تُذكر ، ولم يحكها أحد عنه إلا في أضيق المواقف ؟! وهو أمر مستغرب بشدة من معاصري الرجل ، ولم يحرص حتى جيل السبعينات على إبراز هذه الصفحة والمواقف معاً .

والسبب في تقديري : أن الإخوان بعد خروجهم من السجون في السبعينات ، خرجوا وقد وجدوا صحوة بين شباب الجامعات ، وقد غلب عليها طابع التشدد ، والتشنج ، والرفض .

أضف إلى أن الإعلام في هذه المرحلة خاصة كان إعلاماً يتسم بالتشدد من هذه المواقف .

كما غلب على أدبيات حتى هذه المرحلة ما سمي بأدبيات المحنة ، أو أدب السجون .

إنه خط عام لمرحلة عاشتها الصحوة الإسلامية بأسرها ، وهي مرحلة : أدبيات المحنة ، وفقه محنة ، والتي عاشتها الصحوة في بدايات السبعينات فترة ليست بالقصيرة ، فقد سادت بهذه الفترة في أدبيات الإسلاميين أدبيات المحنة ، وفقه التشدد ، وذلك في كل مجالات الصحوة الإسلامية عموماً ، والحركة الإسلامية خصوصاً ، فعند الحديث عن الدعوة الإسلامية المعاصرة وتاريخها ، نرى التركيز الشديد على ما حدث فـي معتقلات عبد الناصر على التعذيب ، والقتل ، والشنق ، والتنكيل بالدعاة ، في مقابل يمر المتحدث مرور الكرام على إنجازات الحركة ، والتحديات التي تواجهها في المرحلة المقبلة .

كما سادت لهجة التهييج الإعلامي وخط التشدد في مجلات الصحوة ،( كمجلةالدعوة ) و ( مجلـةالاعتصام )، إذ نراها تصب جام غضبها عند تناولها للرموز الدينيـة عندمـا تبرز أي نقطة ضعف فــي حياة أحدهم ، فنرى ( مجلةالاعتصام ) تمطر الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله شيخ المقارئ المصرية بوابل من الهجوم ، والسـبب في ذلك : هو اتجاه ابنته ( إفراج الحصري ) ياسمين الخيام للغناء ، رغم أن الرجل لا ذنب له في ذلك ، كما أنها لم تكن تغني غناءً فاحشاً ، بل جل غنائها ـ إن لم يكن كله ـ غناء وطني وإسلامي ، مما أباحه عدد كبير من العلماء .

وكذلك رأينا مسارعة الشيخ محمد الطوخي ـ المنشد الديني المعروف ـ في نفي علاقته بالممثلة إيمان الطوخي وأنه ليست ابنته ، مخافة أن يلحقه أذى من بعض الأقلام التي تتصيد ذلك ، وقد شاع بين الناس ـ بسبب تشابه الاسم ـ أنها ابنته ، فاضطر إلى نشر تكذيب أنها ابنته في (مجلة الاعتصام ) .

وخرجت (مجلة الدعوة ) رغم اعتدال ولين جانب الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله وهو المشرف عليها ، إلا أنها نحت هذا المنحى في بعض أعدادها ، فقد ذهب الأستاذ محمد عبد القدوس للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله ، لإجراء مقابلة معه ، فرفض الشيخ لقاءه بوصفه مندوباً من قبل (مجلة الدعوة ) ، فخرج عدد المجلة وعلى الغلاف عنوان عريض : لقاء عاصف مع الشيخ الشعراوي ، وفي داخل العدد لم يحل للمجلة أن تنشر صورة للشيخ الشعراوي إلا صورته وفي يده سيجارة يدخنها !!

حتى في أفراح وأعراس الإسلاميين آنذاك ، كانت الأناشيد والأهازيج التي تنشد كلها أناشيد خرجت من مشكاة أدبيات المحنة ، ولا تراعي المقام الذي تقال فيه ، فنجد من الأناشيد التي تنشد في الأعراس :

تدلّت الحبال لتشنق الرجال !

أو نشيد :

جاهـدْ فـي الله أُخَيّ ...... جاهـدْ إن كنت تقياً

تمـلك آفاق الدنيـا ...... وتلاقــي الله رضيا

جُد بالمـال وبالنفـسِ ...... إن تطمع في الفردوس

فهنالك أجمـل عرس ....... بالمؤمـن والحوريـة

فأي كلام هذا الذي يقال لعروس يزفّ لعروسه ؟ وما دخل عبارات الجهاد والمشانق بالزواج ؟ وأين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد سألته ماذا تقول في الأعراس ، فقال لها : قولي :

أتينـاكم أتينـاكـم ..... فحيونـا نحييكـم

ولولا الحنطة السمرا ..... ما سمنت عذاريكم

هذا عند المتدينين الذين يقبلون بالإنشاد في الأعراس ، فما بالنا بمن يرفضون الإنشاد من أساسـه ؟ ولا يرون العرس يقام إلا بمحاضرات دينية وطعام ، ثم ينفض العرس ، وهذا هو حفل العروسين !!

إنها إذاً أدبيات مرحلة هيمنت عليها البيئة التي عاشها الدعاة آنذاك ، وظلّت لفترة ليست بالقصيرة تهيمن على أدبيات وفقه وسلوك أبناء الصحوة .

كل هذه العوامل كانت عائقاً أمام مَن يتكلمون عن البنا وتاريخه من ذكر هذه الصفحة ، وغيرها من صفحات أخرى يتوجس المحبون للبنا خيفة من ذكرها ، بل أحياناً يغالون في نفيها !!


خصائص الفن عند البنا

لقد امتازت تجربة البنا والفن ، والفن بوجه عام عند البنا بعدة خصائص تبيّن ملامح هذا المشروع الفني ، وتبيّن الميزات التي امتاز بها ، وهي بإجمال :

1 ـ فن ملتزم :

فقد امتاز الفن عند البنا بأنه فن ينطلق في دائرة الالتزام ، ولا يُحيد عنها ، فله أخلاقيات ومبادئ يسير في إطارها ، فلا يُستدرج لمحرم حتى ولو كان مما يُعجب الجمهور ويجذبه ، كما في كثير من وسائل الفن غير المنضبط بضوابط الشرع ، ولذلك لما هاجم أحد المتدينين مسرحية عن ( الذبيح إسماعيل ) عليه السلام ، وأشاع أنهم أتوا محرّماً في ذلك ، ومثّلوا شخصية جبريل عليه السلام ، ولم يكن البنا قد شاهد المسرحية ، فأوقفها البنا إلى أن يتبيّن مـن ذلك جيداً ، وقال : نتوقف سداً للذريعة .

2 ـ فن منفتح :

كما امتازت تجربة البنا في الفن بالانفتاح ، سواء في الانفتاح من حيث تكوين الفرقة ، أو من حيث عرض الموضوعات ، فلم يُصر على أن يكون أعضاء الفرقة من تنظيم جماعة الإخوان فقط ، أو من المسلمين فقط ، بل رأينا عدداً من فرقته ليست له علاقة تنظيمية بالإخوان ، واستعان بالعنصر النسائي أيضاً ، واستعان بغير المسلمين في العمل المسرحي والدعاية .

وكان منفتحاً في موضوعاته التي تناولها وأدّها ، فلم يقف موقف التضييق من قضايا يجد فيها الإسلاميون اليوم حرجاً شديداً في طرحها ، بل إنكاراً ، فرأينا أول مسرحية للإخوان يقدمونها على مسرحهم ( جميل بثينة ) وهي مسرحية رومانسية تتكلم عن الحب العذري العفيف .

3 ـ فن واقعي :

فهو فن لم يحلّق بالناس في أجواء خيالية لا تمت إلى واقعهم بصلة ، فلم يأتش لهم بقصص أو مسرحيات بعيدة عن واقعهم ، وإن استلهم معظمه من التاريخ الإسلامي والعربي ، فعالج قضايا الحب والعروبة والوطنية ، من خلال المسرحيات التي قدمها مسرح الإخوان المسلمين .

4 ـ فن يجمع بين الأصالة والمعاصرة :

فهو يجمع بين أصالة الفكر والمنطلق ، وبين معاصرة الوسائل والأدوات ، لم يقف عند حدود القديم ، مهملاً الحديث ومستجداته ، فيكون بذلك خطاباً محنطاً جُلب لزمان لا يصلح له .

نتابع في الجزء الخامس إن شاء الله ..


  • المصدر: موقع أمل الامة