البدريون الجدد والفرسان الغزاوية
24-07-2014
بقلم: خميس النقيب
الإسلام في حاجةٍ إلى بدريين جدد، رهبان الليل فرسان النهار، يذبحون العجز ويقهرون الأعذار، يقاومون الشر ويواجهون الأشرار، ويحجزون لأنفسهم (جَنَّاتٍ وَنَهَرٍفي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (القمر).
هاهم فرسان غزة وأبطال فلسطين وشجعان الشجاعية.
يُسطِّرون في الميدان ملحمة بعد ملحمة ويستقبلون من الله خالقهم ورازقهم وناصرهم مرحمة بعد مرحمة! وكأنَّ المسلمون.. كل يوم هم في بدر..!! نعم كل يوم هم في بدر لكن غاب عنها البدريون..!! وغاب عنها قائد البدريون..!! إلا فرسان غزة الأبية.
فإذا كان فرسان الصحابة قد تعرَّضوا للأحزاب وعاشوا خيانة أعدائهم وحوصروا حتى أكلوا أوراق الشجر ففرسان اليوم في فلسطين، وخاصةً في غزة تعرضوا لدول العالم أصدقاء قبل الأعداء القريب قبل البعيد.
وجابهوا المكر تلو المكر والخيانة بعد الأخرى، وتغلبوا على حصار غاشم دام سنوات طوال وانتصروا- بفضل الله- على كل ذلك وها هم في الميدان يفجرون للعدو الصهيوني المتغطرس الدبابات ويقنصون المركبات ويسقطون الطائرات ويقتلون اللواءات وياسرون الجنود..!!
حدث كل ذلك في غزة، وخاصةً حي الشجاعية، فهل يفيق المغفلون وهل ينتبه الغافلون؟ قال العلماء: الصيام لا يُقبل من صائم حتى يصدق، والقرآن لا يقبل من قارئ حتى يعمل، لا يؤجر قارئه حتى يُطبِّق حروفه ويعيش آياته ويحفظ حدوده، ما أكثر المواجهات مع الإسلام علميًَّا واقتصاديًّا، ثقافيًّا وساسيًّا، فكريًّا وعقديًّا، لكن أين الذين يفهمون؟ واين الذين يتصدون؟!!
بحول الله لم يخسر المسلمون معركة واحدة كانت في شهر رمضان بدايةً من معركة الفرقان ومرورًا حطين وعين جالوت والعاشر من رمضان وانتهاء بمعارك غزة السابقة واللاحقة، فرمضان شهر النصر للفرسان، إنهم بالليل رهبان وبالنهار فرسان كما وصفهم المصطفى العدنان، إنهم علموا أن الله جعل النصر بيده (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران126)، واختصهم به (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: 47)، لكنه علَّق هذا النصر وشرطه بعمل المؤمنين أنفسهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).
والله أرسل رسوله بالسيف، وجعل رزقه في ظلال رمحه (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) (صحيح الجامع).
فرسان غزة- نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على خالقهم- يسمون فوق الماديات ويعلون على الشهوات، إنهم يزهدون فيما عند الناس ويرغبون فيما عند الله، يتخففون من أثقال الدنيا وجواذب الأرض، وينطلقون صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حالهم يهتف: "وافرحتاه غدًا سألقي الأحبة محمدًا وصحبه...! فيعمل الواحد منهم لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه.
فرسان المقاومة على خطى الصحابة يقتدون بنبيهم، يستنون بسننه ويسلكون طريقته وينهجون شريعته عليه الصلاة والسلام.. يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فإنه قليل.. (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء: 77).
فرسان غزة يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقى الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعةً لآخرتهم، ومرضاة لربهم لا من أجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما عملوا، من أجل إعمار الحياة، حبًّا لذات الله، وإتباعًا لرسول الله (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 31 ).
فرسان غزة يتم الاعتداء عليهم لا لذنبٍ اقترفوه، ولا لجرم ارتكبوه إلا أن يقولوا ربنا الله فلم يغيروا مبادئهم ولم يتزحزحوا عن أماكنهم التي رسمها الإسلام لهم وهم يعلمون أن في ذلك حياتهم يدافعون عن امتهم ودينهم ومقدساتهم وحياتهم.
أمرهم الله بالقتال.. لماذا؟! نشرًا لأوامر الإسلام، وتأمينًا لدعوة القرآن، وتثبيتًا لمسيرة الإيمان، وردًّا لمكر العدوان، وردعًا لأعوان الشيطان الذين يصدون الناس عن الاسلام والإيمان ويفتنون المسلمين في دينهم مم قديم الزمان "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216)، فغدا الواحد منهم يمسك بسيفه يستأصل الوثنية والشرك والكفر والظلم والجور من المجتمع كما يمسك الطبيب الماهر بمشرطه ليستأصل المرض العضال من الجسم العليل..!! فالإسلام لا يقبل أنصاف الحلول (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس).
الفرسان (شجعان الشجاعية) دربهم الإسلام على أن يغلبوا أهواءهم، ويمتلكوا أنفسهم، ويتجردوا من ذواتهم، يجددوا إيمانهم، وهذه عوامل القوة الحقيقية كما قال الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم: الصرعة من يملك نفسه عند الغضب.
دربهم الإسلام على أنواع الصبر وألوانه.. الصبر على أداء الواجب حتى يبلغوا درجة الكمال، والصبر على دوافع النفس ونزعات الهوى حتى يبلغوا درجة التقي، والصبر على بلايا الأيام ونكبات الدهر حتى يبلغوا مراتب الرضا،
فرسان غزة قست عليهم الدول العميلة أشد قسوة، وعذبهم الحصار أشد العذاب، فما ضعفوا وما استكانوا، ما غيروا وما بدلوا، ما تركوا بيوتهم وما استسلموا لأعدائهم وما عصوا خالقهم وما خانوا امتهم، ولكنهم غالبوا الشدائد، وقاوموا المكائد وصابروا الأعداء، وأطاعوا رب الأرض والسماء.
أما أعدائهم فقد اغتروا بدباباتهم وطائراتهم وعملائهم فحطم جيش العدو الغرور الأحمق، والجهل المطبق، والاستهانة بقوة الفرسان الشجعان، فخدعهم الشيطان كما خدع شياطين العدو في بدر.
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 48).
وانتصر فرسان الشجاعية وفر فئران الصهيونية قبل أن يضربوا أنفسهم بالرصاص رعبًا من المقاومة وخوفًا من أبطالها البواسل الذين دحروا الأعداء بصد جنودهم على الأرض وإسقاط طائراتهم في السماء، وفضحوا العملاء الذين لا يحبون أن يتركوا طين الأرض ويمسكوا بأحبال السماء ولا حول ولا قوة إلا بالله رب الأرض والسماء.
كيف لا وهم فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فئة مؤمنة معها الحق الأبلج وأخرى كافرة معها الباطل اللجلج، فكان لا بد لجند الحق أن ينتصر وكان لابد لجند الباطل أن يندثر تحقيقًا لوعد الله الكريم "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (الأنبياء: 18).
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اجعلنا من جند الحق، وأتباع الرسل وأنصار الله، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
المصدر
- مقال:البدريون الجدد والفرسان الغزاوية موقع: إخوان أون لاين