الانتخابات البلدية.. بين نوازع الإنسان وحاجة الأوطان
بقلم: الشيخ أحمد علي عبيد
محتويات
مقدمة
استظل سيدنا موسى عليه السلام تحت شجرة وهو يرقب الرعاة يتزاحمون على سقي أغنامهم ويحولون دون تمكين امرأتين من السقي، فهبّ مسرعاً للقيام بعمل خدماتي يساعد فيه المرأتين على سقي الغنم، ثم باشر بعمل إنمائي فسقى الأغنام لكي تنمو ويزداد إنتاجها، وليضرب لنا مثلاً من خلال خصلتين تميّز بهما أداؤه حينها، مما جعل ابنة شعيب عليه السلام تعجب بهما فقالت لأبيها: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}.
لم تسأل عن النسب والأهل والعائلة، ولا المال والسلطة الجاه، بل لفتت نظرنا إلى صفتين مهمتين لا بدّ منهما لمن يريد أن يتولى أمراً عاماً، ولا سيما إن كان طابعه خدماتياً إنمائياً.
ولما فسّر سيدنا يوسف عليه السلام رؤيا ملك مصر التي تنذر بقحط قادم على مصر تحتاج مواجهته إلى رؤية وخطة إنسانية متسارعة لكبح جماح ذلك القادم المجهول، حينها لم يجد نبي الله يوسف عليه السلام بداً من آن يتصدر الموقف قائلاً: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، فكان له ذلك، فأحسن إدارة المال العام، وتمكن من تخليص مصر من أزمات اقتصادية واجتماعية خطيرة خلال أعوام القحط، فاجتمع لدينا في هاتين القصتين: القوة والأمانة والحفظ والعلم..
وهذه الصفات هي أبرز ما يحتاجه العمل البلدي والاختياري في زمننا هذا، حيث الكثير من أبناء شعبنا اللبناني لا تزال تقودهم إلى الانتخابات عدة دوافع خاصة أبرزها:
1- المصلحة الشخصية
إن العديد من الناخبين والمرشحين يقودهم إلى هذا الاستحقاق مصالحهم الشخصية، مع أن الإسلام حذرنا من هكذا خيار حين قال الله تعالى {ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيًه}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما» وليس بالضرورة أن تكون الرشوة مبلغاً مالياً يدفع، بل انه قد يأخذ أشكالاً متنوعة أخرى كوعد بوظيفة أو تأمين خدمة صحية (تسديد فاتورة استشفاء أو دواء) أو تحت شعار الحاجة إلى هذا المرشح لأنه نافذ عند هذا الزعيم أو ذاك، دون النظر في أهليته لتولي هذا المنصب، وفي هذا مخالفة للشرع في ايصال من لا يجوز ايصاله الى سدة المسؤولية.
2- حب الوجاهة والزعامة
حب الذات والسعي لبروزها فخ شيطاني يقع فيه الكثيرون، ظناً منهم أن هذا ما يحقق الذات ويعطيها قيمتها الحقيقية، ولأن من كانت نيّته على هذه الشاكلة فنظرته الى العمل العام نظرة أنانية خاصة، وحتماً لن يتمكن من انجاز أي شيء فعّال على الصعيد الخدماتي والإنمائي في المدن والقرى، لأن هكذا نوع من البشر ينظر الى المسؤولية على أنها تشريف لا تكليف، وهذه طامة كبرى.
3- دافع العصبية العائلية
رغم مرور السنين لا يزال البعض تدفعه العصبية العائلية الى خيارات قد لا تكون صائبة، مع أن الإسلام حذرنا من العصبية عندما قال: «دعوها فإنها منتنة»، ووجهنا إلى عصبية نافعة منتجة هي عصبية الحق والعدل، وجميل أن يتعصب الإنسان لقومه ما داموا على الحق، ونحن لا نريد من الأفراد الخروج على عائلاتهم، بل توجيه عائلاتهم نحو الخيار الأصوب وأن تنتدب كل عائلة خيرة أبنائها علماً وأمانة وصدقاً وحفظاً للقيام بأعباء العمل البلدي والاختياري بما يرضي الله وينفع الناس.
4- دافع الشائعات
في ظل أجواء التنافس الانتخابي الحاد فإن البعض تسول لهم أنفسهم اللجوء الى ظاهرة الافتراءات والشائعات التي تروج لمواجهة خصومهم، وهنا نجد شريحة من الناس تسوقها هذه الافتراءات الى خيارات خاطئة، والواجب يقضي ضرورة التحقق من كل نبأ تسمعه، وان تتمثل قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، وأن لا ننساق وراء نزواتنا بحيث يدفعنا عامل التشفي والانتقام من الآخر الى الافتراء عليه، وأن نعي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا، كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال». هذه دوافع أهل الدنيا في خياراتهم وانتخاباتهم، أما دافعك أنت أخي المسلم فهي:
- أولاً: استشعار مراقبة الله تعالى حين الترشيح والتصويت على حدّ سواء، لأن صوتك أمانة تسأل عنه يوم القيامة.
- ثانياً: اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، دون محاباة لعائلة ولا مصلحة شخصية، وذلك عملاً بوصيّة المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من وليَ من أمر المسلمين شيئاً فأمّر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله..»، وما فائدة أن تكسب موقعاً بلدياً ثم تخسر آخرتك عند الله ومصداقيتك بين الناس.
- ثالثاً: أن يدرك المرشح عظم المسؤولية التي ندَب نفسه إليها، فهذا الصحابي أبو ذر رضي الله عنه لما طلب الامارة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وانها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها».
- رابعاً: ان ينوي المرشح خدمة الناس وأداء الأمانة التي اؤتمن عليها. وأن ينوي الناخب ايصال أصحاب الكفاءة، وذلك لأن «العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته».
فالمرشح وقع أجره على الله وكذا الناخب، لأن نيّة المرء خير من عمله.. فأصلح نيّتك يصلح الله عملك، ويلهمك السداد والرشاد.
واحرص على تلبية حاجة الأوطان وتخلّ عن نوازع الانسان لتفوز برضى الرحمن.
المصدر
- مقال:الانتخابات البلدية.. بين نوازع الإنسان وحاجة الأوطانموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان