الاقتلاع

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الاقتلاع


بقلم : محمد يوسف جبارين

هل انقطع السير التلقائي للوجود العربي الفلسطيني الفحماوي ، في البويشات والبطيمات وخبيزة والكفرين ، وبيت راس واللجون ؟ ،

وما عاد يمكنه انسان هذا الوجود أن يكتب حكايته من جديد على تراب أراضيه .

هل أصبحت حكايته ، حكاية رسم حياة خلت .. كانت في الزمان الماضي ، فهي مناط الذكرى ، والسرد والتوريث ، بكل ما بها من حلاوة ومرارة ، تنسكب على أكف شغاف النفس ، حين الفكر يستغرفها من ذاكرة لا تعرف النسيان ، فهي تراب الوطن ، والتاريخ والثقافة والدين ، والزمان ، فكلها ناطقة في الوعي سائلة عن حالها ، في كينونة هذا الوجود الانساني الذي كان يستولد الحضارة ، من جدلية فكرة مع الطبيعة ، ومع الزمان والسير التي تنطق بما لديها من اضافات ، فتؤثث له في كل مرة انبعاثا، يقيم به للبشرية مائدة فكر وفنون بناء تستسقي منها لبنات نهضتها .

فهل أصبح قبر أمه وقبر أبيه ، أسماء قد رسمها الموت ، وما عادت هناك علامة دالة ، يعرف بها هذا الانسان ، أين أدلى والديه التراب .

هل رسم المكان ، قد غدا ، على حال ، فلم يعد يمكنه هذا الانسان أن يتبين دقائق وتفاصيل المكان ، فيعرف مواطىء أقدامه .. يقول كنت هنا وأعرسنا هنا ، وفراش موت أبي كان هنا ، وأنجبت أمي أخي في هذا الركن من هذا المكان .

هل الاقتلاع للوجود من الأرض ، قد بلغ أهدافه ، فغدا نفي الوجود لا يعقبه نفي مأمول ، فيتصل الزمان بعد انفصال ، ويتصل الوجود بعد انقطاع . . قد كان زمان فيه جاءوا من وراء البحر ومروا ..أخذوا نصيبهم من دماء أجداد لنا كانوا هنا ..وعبروا .. من عند أقدام ارادة أصحاب الأرض ، فروا وهربوا . بارادة الحياة والحرية استروح المكان وانتعش باستعادته سيرته الأولى .

الاقتلاع بكل ما يعنيه عمل فظيع . لا تقدر عليه سوى نفوس تملكتها غطرسة القوة ، وسحبتها الى أعلى مراتب الغرور ، والرغبة الجامحة في استخراج ما تريد ، من داخل الجرائم التي ترتكبها ، فلا بد وأن العقيدة التي أترعتها ، قد انتزعت منها كل حس بالانسان الآخر .. فهي العقيدة التي انكفأت على نفسها ، وبلغ بها الانكفاء الى التبرير للذات المنزرعة فيها والتي تعتقدها ، بأن كل اعدام لكل مبرر وجود للآخر ، انما هو الزام عقيدة وضرورة اعتقاد بها ، فليس لغير هذه العقيدة والذات التي تتحنط بها أي قيمة ، فمن موجبات العقيدة وضرورات الذات اقتلاع الآخر ، ونفيه من الوجود ، فليس في الغاء وجوده سوى الاضافة في انتعاش هذه العقيدة والذين تحنطوا بها في الدنيا ، فهذا الآخر الذي هو العربي ، انما هو السيء والبشع ، الذي ان مات أو قتل ، فقد ارتاحت الدنيا من شروره ، فوجوده شر ، وزواله ازالة للشر ، فالقوة فيما لو تدخلت لتريحه من الدنيا ، فذلك المباح الذي يتعلق على انجازه الفرح والتفاخر .

لقد كان الاقتلاع نتاج قوة ، انبثقت من رحم اسطورة امتزجت بالتاريخ ، امتزاج تناسق وتناغم ، فاستقرت بقوة الفكر والقلم كعقيدة ، تحولت في مجرى الزمان الى مخ الفكر والقرار والاسلوب الذي انجز الاقتلاع .

ان الاقتلاع قد جمع أسبابه ووظفها ، وانتفع أربابه بالتوظيف ذاته ، فهل اقتلاع الاقتلاع .. نفي النفي .. الغاء الانفصال في الزمان .. الغاء الانقطاع عن المكان ، الغاء اللجوء بعيدا عن المكان ، يمكنه أن يحصل ، من دون اجتماع أسبابه ، وهل الأسباب كلمات يهتف بعضها في بعض ، فتلتقي في شغل من دون ارادة الانسان ؟!

فكيف ذاك ؟ ، وعلى أي وجه يتأتى ، فما عرفنا ، ولا كان هناك تاريخ في جغرافيا ، من دون لغة وتفاهم ونظام واحكام ، ومنطلقات واسلوب وغايات ، وجهد مبذول في فعل منسجم في سياق غايات النظام .

لقد ربت نفوس أرباب الاقتلاع ، وسكنت لما أنجزته ، أو لما تدعوه ابداع سياسة وقوة ، ونتاج أيديولوجيا وعبقرية ابداع به يستأنسون ، ومن حوله يتحلقون ويفرحون وبه يتفاخرون ، واذا كتبوا الكتب ، فذلك الاقتلاع عظمة من عظائمهم ، ومفخرة من مفاخرهم ، فبتفريغ الأرض من سكانها الأصليين ، بالذبح والتخريب والتدمير ، انما هو التمهيد لمهاد لمن يأتون من أصقاع الأرض ، ليندمجوا معا في بنية اجتماعية غاياتها تتجسد في دولة يهود ، فهذه فكرة صهيون التي لها يجهدون ، ولتجسيدها يبذلون وبانجازها يرقصون ، اذ لولاه الاقتلاع ما كان للفكرة الصهيونية في واقع أن تتجسد فتكون ، ولولاه التخريب والذبح في رقاب العرب ما كان يمكنه أن يكون اقتلاع وتفريغ لقرى ومدن ، ليحل فيها بنو صهيون الآتون الى ما لم يروا من قبل ، ولا في الذكرى أب منهم ، كان له قدم على تراب هذه القرى وهذه المدن وهذه الأرض التي اليها جاءوا ، ليشكلوا باملاء فكرة زرعت كراهية هؤلاء اليهود في قلوب كل العرب والمسلمين في أرجاء العالم ، فهي الفكرة التي أفلحت في صناعة أكبر كراهية لليهود عبر التاريخ ، فهي أخطر فكرة على اليهود عبر تاريخهم عبر الزمان ، ولربما يأتي يوم على الأرض وهو آت لا مفر ، يعود فيه التاريخ سيرته الأول ويطل اليهود على ماضيهم ليكتشفوا حقيقة هذه الفكرة الصهيونية ، فينصبوا باللعنة عليها وعلى من كان سببا فيها وفي السعي الى تجسيدها .

لقد كان الاقتلاع ولم يزل مفعولا بأدواته ، فهو بوابة الحلم الصهيوني ، هناك اجتمع القرار والقوة ، وتعانقا في ملحمة اجتثاث دامية لوجود عربي من مكانه ، ليتاح لوجود صهيوني أن يكون في المكان، ما أتاح للحلم المنبثق من الأسطورة أن يظهرعلى الأرض ماشيا على قدميه ، فرحا باقتداره على استخراج ذاته من عدم الى وجود منتظم في نظام دولة معبأة بكل اصرار على الديمومة ، بما أهل به ذاته من تهيكل في بؤرة العداء للعرب والمسلمين ، بكل ما ينطوى عليه هذا العداء من ضرورات أطماع استعمارية في المنطقة ، فزهو هذا الكيان الاستعماري واختياله وعربدته الدائمة ، ليس مرده خيلاء قدرة ذاتية مستخرجة من مقومات تهيكلت به ذاته وفقط ، وانما من كونه الأداة ذات الجاهزية الدائمة للتحرك بما تمليه وتقتضيه مصالح أجنبية ، في تحطيم الأمن القومي العربي ، ليظل تحقيق هذه المصالح نافذا الى ما هو اليه يرنو ، فجذر الفكرة الاستعمارية التي يجسده الكيان الصهيوني مستحلبة ، في ظروف استعمارية ، من ضرع الرغبة الاستعمارية في تأثيث لاستدامة نفوذ وسيطرة ، يسهلان الطريق أمام الأطماع في المنطقة العربية ، ويشكلان عائقا أمام قيامة نهضوية جديدة للعرب .

ما يبسط الفكر الى تناول جذور النكبة وأسبابها ، على أنها في حقيقة أمرها انما هي نكبة قد حلت بالمصير العربي ، وبالأمن القومي العربي ، وبالحاضر والمستقبل العربي ، وامتدت لتطال التاريخ والثقافة واللغة والدين بكل اساءة وتشويه ، فليست النكبة بحال مأساة فلسطينية وفقط ، وانما الفلسطينيون هم من نزلت بهم الكارثة ، فحملوا على عاتقهم أعباء مصير أمة بحالها ، فهم الذين يتقدمون أمتهم ببذلهم وصبرهم على ما يحل بهم من ذبح وعصف وعنت وشتات وقهر ، ويتقدمون بوعيهم حقيقة ما يتربص بهذه الأمة من أخطار .

فلقد استقلت أداة قهرهم بأرضهم ، وهم يتقهرون وهم يرونها تغني طربا بقهرهم ، فالنكبة من نصيبهم والاستقلال بدولة من نصيب أداة القهر صانعة نكبتهم ، فالطرب رقص بالاستطاعة بانزال النكبة وغناء .. فرح باقامة دولة ، فمنكوبون في مقابل من صنعوا نكبتهم ، ومتقهرون في مقابل راقصين بالقهر الذي انجزوه .

وشتات يتلهب اصرارا على العودة ، وتشقه حسرات وتتندى من عيونه الدموع ، فأرضه مسورة بالنار ، وعليها سيادة صنعت نكبة ، وهي فرحة بهكذا انتصار ، ريانة نشوى باستقلال بنهب وسلب لحقوق شعب أبقت له تلك الفرحة أسى ودموعا ، وأبقى له ذلك الاستقلال نكبة يعانيها ، فهي حقيقة تاريخية نطقت بها حركة الحوادث وعبر عنها كل فلسطيني بقوله ، بأن يوم استقلالهم انما هو يوم نكبتنا ، وابتساماتهم دمعة حزن حرى في عيوننا .

فالى متى يظل هذا القهر يعتصر النفس العربية ، وحتى متى تظل أدوات القهر ترقص للمقهور بين عيونه ، ومتى يركب الحنين الى الربوع ، باللاجئين ، جسر العودة الى مناط حنينهم . والى متى يستطيل الزمان بذاك الفرح الذي يطل علينا من أعشاشه ؟ هل اندمج هذا الفرح في قوانين الطبيعة ، فأصبح قانونا من قوانينها ، له صفة الحتمية التي لا محيد عنها ، أم أنه ضرب من السرمدية التي لم يفطن لها الفلاسفة ، ولم تخطر لهم على بال ، وهل هذا الفرح به مقومات النفي لكل ما يخفيه الزمان من قوى النفي ، التي لربما تنفي نفيا ، أحال القرى خرابا ، ثم أزالها ، وأزال معالمها ، بعد أن شرد أهلها ، فأصبحوا في أرض اللجوء في المنافي ..لاجئون في كل مكان ..لاجئون في أم الفحم ، قرب المكان ، ولا يجوز لهم أن يفترشوا المكان في كل زمان . يمر الانسان بمحاذاة أرضه فتدمع عيناه .. يريدها .. يريدها حياة له ولذريته ..

انها أرضه ، التي لا يملك سيادة عليها ، فلقد سلبوها اياه ، وأبقوا له أن يتقهر ، وسوروها بقانون يقمع ، ونار لا تتردد في أن تسلبه حياته ، وبرغم كل ذلك فهو يريدها ، وهو مدرك بأن عودتها معلقة على ارادته ، وعلى ارادة الأجيال المتعاقبة من بعده ، فلا يمكنه الا أن يريدها ، وأن يتقدم بارادته اليها ، وليكن الصراع ، فليس هو الذي اختار أن يصارع ، وانما الصراع حتم واقع ، والزام واجب يمليه حق سليب . انه يدري بأن القمع لم يتوقف يوما في ملاحقة حرية فكره وارادته ، فهذه هي الحرية المطاردة أنى تكون ، فعقل الاقتلاع متنبه يقظ ، وبه قلق دائم ، يتربص ويحرك أدوات القمع ، فهي فاعلة في كل الأوقات وبها رغبة عميقة لكبح جماح كل حرية تناهز مشروع الاقتلاع ، فلقد أقيم سياج من الرعب حول الحرية وحول أرضها ، فلا الحرية حرة طليقة تفعل ما تريد ، ولا الأرض بقيت على ما كانت عليه . بل أصبحت مسورة بسياج من الرعب ..بالقهر والقمع ، والدرب اليها مزروعة بالألغام ويحتاج من أراد الاقتراب منها الى أقدام ترى الحرارة المنبعثة منها ، حتى لا يستحيل أشلاء متناثرة .

ان أرباب الاقتلاع ، دائبوا الحرص على الأمر الواقع الذي أبدعوه وشكلوه ، وهذا بعينه العمل على استمرارية هذا الواقع ممتدا في المستقبل ، وهو حرص استدعى توفير امكانيات هذا الاستمرار ، وامكانيات التصدي بالقوة لكل محاولة تعديل في الأمر الواقع ، وفي جانب الاعلام التصدي لكل محاولة ترمي الى التشكيك في مصداقية استمرار الأمر الواقع ، ولكن هذا الاصرار زاد في عمق التناقض بين صاحب الأرض وبين ظروفه ، فهي الظروف التي احتشدت فيها ادوات القمع ، فلا تقيم لغير قطع أمل صاحب الأرض بأن يعود اليها ، فمشروع الاقتلاع لم يتوقف عند تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين ، وانما هو لا يزال بكل قهر يحاول اقتلاع الأمل بالعودة ، من القناعات ومن العقائد ، ومن الكتابة ومن الفعل المتدفق حيوية بطاقات العودة الى المكان . فهكذا اشكاليات الصراع تزداد تعقيدا والحاحا على الحل ، ليعود المكان الى من هو كان له ، فالطارىء هو الطارىء ، وليس بحال يمكنه أن يكون غير ذاته .

ما يعني بأن الاقتلاع ، بكل طاقاته التي ألقى بها في أتون الصراع ، لم يؤد الى اقتلاع حلم العودة من أصحاب الأرض الذين تم اقتلاعهم ، أو تمت السيطرة على أراضيهم ، والأرض لم تعد في ذاكرتهم وحدهم من دون الناس . بل هي في ذاكرة الناس أجمعين ، من له أرض ومن ليس له أرض ، فالاقتلاع قد أفصح عن معانيه ، وقد وعاها الناس جميعا ، وأشبعوها ادراكا وفهما ، ففي مقابل الاقتلاع .. في مواجهته عقول تفكر ، وارادات تعمل ، وقلوب تخفق ، وأفئدة تنبض ، فالقضية هي الوطن ، والوطنية .. لبيك يا وطني .. فداك روحي ودمي ، فهكذا الاستجابة للحقوق الوطنية ، والمخيلة الفحماوية العربية ، لا تفارقها أصداء تكالب استعماري قديم ، مرت مرارته ، واستحالت ذكرى ، فلا مفر منسوخة بارادة الحرية على واقع أليم قائم ، لا تكف مرارته تتدفق في ثنايا الحياة ، فهذه المخيلة سورة وهاجة متوقدة التأمل ، طاقة مجددة ، فالحكاية والذكرى لم تخبو ملاحتها وآلامها ، لم تعد باهتة في الذاكرة ، بل هي تهيج وتموج في الذاكرة حلاوة حياة كانت ، فما أجملها ، ويا ما فيها ذكريات تفيض دوما بألقها ،

فما أشد الشوق اليها والى سردها ، والاستماع اليها .. أشواق وآمال عريضة تملأ الكلام وتؤثث لقناعات صاحب الأرض في العودة اليها ، فتراه مشدودا الى أرضه ، أو تستمع اليه يقول في كل آن ، وأنى كان ..أرضي ... عرفت أرضك فاليها ، كأنما وهو يستحضر حياته في أرضه وعطاء أرضه له ، انما يتجدد باصراره وبارادته ، ويستجمع قواه ويستنفر طاقاته المعنوية ، يقول : اقتلاعنا ، ذكرى أليمة ، تلاحقنا باستمرار ، نستحضرها باستمرار ، لا نريد أن نتخلى عن أرضنا ..هي لنا ونحن لها ، لا يكون الوطن لغير أصحابه ، هي أرضنا نحكي حكايتنا .. حكايتها ، نريدها حاضرة في الوجدان .. نتماثلها كل آن ، لا تنزل لنا من بين رموشنا .. نعايشها جيلا في أعقاب جيل . فهنا أناس يرثون الواجب .. الروحة لنا .. ماضينا الذي سوف نعود فنصله ، باستمرار حكايتنا في الأرض ، فكذلك نجعل استمرارنا فيها ممتدا في الزمان القادم .

لقد كانت الأراضي التي في حوزة أهالي أم الفحم في زمن الانتداب البريطاني تصل الى 146000دونما ، لتستحيل الى 26000 دونما بعد قيام دولة اسرائيل ، وفي 14/2/1991 وبموجب اعلان درعي ( وزير الداخلية آنذاك ) تم انتزاع عدة آلاف من الدونمات من منطقة نفوذ أم الفحم ، من بينها 1200دونما من أراضي الروحة ( منطقة معاوية ) ، ومن منطقة فوق البيار 400 دونما ، ومن منطقة البيار ( الشارع الرئيسي) 130 دونما ، وعلى امتداد شارع عين ابراهيم – معاوية 100 دونما ،

وعلى امتداد شارع ميعامي – عين جرار 490 دونما ، ومن منطقة سويسه – وادي ملحم 1100 ومن منطقة المرتفعة – زلفة 350 دونما ومن منطقة مصمص – عين ابراهيم 140 دونما ، وبذلك أصبحت البيوت القائمة بمحاذاة الشارع معرضة للهدم ، وقد وضعت بشأنها في الخريطة علامات باللون الرمادي ، بمعنى ارجاء تنفيذ الهدم الى وقت لاحق ، ثم ان الأراضي الزراعية وخاصة منها التي في منطقة الروحة ، قد اتيح لأصحابها أن يستمروا في الوصول اليها بموجب تصريح ، يحدد لهم الوقت الذي يذهبون فيه الى أرضهم ، وبالنظر في بنود هذا التصريح ، فان المواطن في ذهابه الى أرضه يتحمل مسؤولية ما يحصل له ، فلقد أصبحت الأرض منطقة مناورات عسكرية ، ويتحمل مسؤولية اختفاء معدات يمكنها أن تكون متروكة على أرضه ، فهو اذ يسعى الى رزقه في أرضه ، فهو كمن يمشي وسط احتمال موته برصاصة ترديه أو لغم يمزقه ، أو تلفيق اتهام له يودعه السجن .

وفي 12/5/ 1998 اصدر رئيس الأركان الاسرائيلي أمنون ليبكن شاحاك أمرا عسكريا بموجبة تصبح منطقة 107 منطقة عسكرية مغلقة ( منطقة نار خاصة بالمناورات العسكرية ) ، وهي التي مساحتها تبلغ 42000 دونما ، وتشمل منطقة 109 التي مساحتها 12000دونما ، وأيضا منطقة 105 التي مساحتها 20000 دونما ، وكان من قبل في عام 1976 صدر أمر عسكري بموجبه تصبح منطقة 109 منطقة عسكرية ، وأيضا عام 1985 صدر أمر عسكري يجعل من منطقة 105 منطقة عسكرية .

وتبلغ مساحة الأراضي من منطقة 107 التي يمتلكها المواطنون العرب 18000 دونما بينما بقية المساحة من نفس المنطقة قد كانت سيطرت عليها اسرائيل من قبل بالاحتلال بالقوة ، بالقانون المصاغ في خدمة الاحتلال والسيطرة ، وهي مسجلة كملكية لدائرة أراضي اسرائيل .

وفي محاذاة هذه المنطقة بحكم التاريخ والجغرافيا ، كل من البياضة ، ومشيرفة ، ومصمص ، وأم الفحم ( عين ابراهيم ) ، ومعاوية ، وعارة –عرعرة ، وكفرقرع ، ما يبعث على التساؤل عن المناورات العسكرية ، ومدى خطورتها على أهالي تلك القرى والمدن . وهو تساؤل لا يقام له قيامة في وعي نهج الاقتلاع ، فهذا اقتلاع يسعى الى ايقاف نمو وتطور ام الفحم بل ومنطقة وادي عارة في اتجاه البحر ، بل يريد أن يستبقي التمدد السكاني في المنطقة الممتدة على الأراضي المحاذية لحدود عام 19967 ،

مضافا الى ذلك السعي الى تهويد المنطقة باقامة مستوطنات عليها ، وعلى الأخص منها مدينة عيرون التي تظهر جلية في التخطيط المستقبلي لدولة اسرائيل ، وهي التي يخطط لها أن تقوم على أراضي الروحة ما بين حيفا وأم الفحم ، ولعل شارع عابر اسرائيل ، انما ينبىء بموقع هذه المدينة ، وكان كشف عن هذا التخطيط لهذه المدينة الدكتور يوسف رفيق جبارين ، مخطط المدن الشهير ، فلقد أصدر دراسة عن منطقة الروحة ، وأجرى في ذلك الوقت مقابلات صحفية ، أوضح فيها حقيقة ما جرى من مصادرة للأرض ، وبين تفاصيل هامة عن مدينة عيرون كمشروع مدينة يتم التمهيد بالمصادرة لاقامتها ، والتي على حد قوله سوف تشتمل على 50000 وحدة سكنية ، وبأنها حقيقة واقعة في مشاريع التخطيط الاستراتيجي المستقبلية لاسرائيل .

ولقد استجاب الناس من أم الفحم والقرى المجاورة ، بل كل الجماهير العربية في الداخل ، بيقظة وتنبه وطني ، والحاح على مواجهة بكل فعل سياسي ، يمكن أن يترتب عليه الغاء ذلك الأمر العسكري الذي أصدره ليبكن شاحاك ، والذي نزل على الناس من أم الفحم وضواحيها ، بكل ايقاظ للحس بالخطر ، فالأرض تضيع ، فلم تزل الصهيونية فاعلة بكل رغبة باقتلاع الوجود العربي ، كمقدمة لسيطرة تفسح المجال لوجود يهودي أن يحل محله ، لينمو ويتطور ، فيضاعف في قدرة المجتمع اليهودي ، في مستقبل أيامه على مزيد من زحزحة الأرض ، من تحت أقدام مجتمع عربي ، لم يزل يتمسك بسيادته على أرضه . فهو القهر لأقلية قومية بعنف دولة ، تتم ممارسته بكل أدة قمع متاحة بيدها ، بالقانون الموظف في خدمة أغراض سلب الأرض من العرب ، وبقمع شرطة أو أفراد جيش مزودين بكل أداة للعصف والبطش ، فهي حرب دولة في مستوى انتهاب الأرض من أصحابها العرب ، فهو الصراع الذي لم ينقطع ولا زالت تشعله دولة يهودية (ملحق بها لفظ ديمقراطية هي في حقيقتها خصيصة مجتمع يهودي) ، بينها وبين أقلية قومية عربية ، ليتكشف زيف الربط في جملة تعريف الدولة ، بين كلمة يهودية وبين ديمقراطية ، في كل ما له صلة بعلاقة هذه الدولة بالأقلية القومية العربية ،

بل استبدال كلمة ديمقراطية بعنصرية متوحشة ، هو أقرب توصيفا للعنف الذي تمارسه هذه الدولة ، في سلب الأرض ، وتقييد حرية الارادة ، فالاقتلاع نتاج عنف منبثق عن عنصرية هي حقيقة ديمقراطية يلمسها العرب في هذا الجانب ، فلفظ ديمقراطية هنا ، هو ليس شكلا ، ولا بنيوية في هذا السياق ، ذلك بأن ثمة صلة متينة بين الماهية والشكل ، أو بين الجوهر والبنيوية ، ولا يمكن الفصل بينهما ، فهذا يوجب ذاك ، لذلك الفهم الصواب لكلمة ديمقراطية اللاحقة بيهودية في تعريف الدولة ، انما هي ذات صلة وثيقة بدولة يهودية ومجتمع يهودي ، وليست بحال ذات معنى أو شكلا بكل ما يتصل بهوية العربي ووجوده وأرضه ، ولم يقصد بها حين صياغتها سوى المجتمع اليهودي ، ومع ذلك يلوذ بها الصهيوني ليبرر العنف .. فهذا ليس عنفا ، وانما تحقيق نص لقانون في دولة ديمقراطية ، فهي الكلمة ديمقراطية التي لم تجد من أساء لها ، في الحاقها بكل ما يتنافى معها ، مثل الصهاينة في دولة اسرائيل .

وليس مثل أبناء الأقلية القومية العربية ادراكا ، لزيف هذه الكلمة ديمقراطية ، وليس مثلهم وعيا بحدود النتافر بينهم ، وبين هذه العنصرية المتخفية تحت ستائر كلمة ديمقراطية ، فلقد أحسوا عذابها الذي نزل لهم منها في مجرى حياتهم ، فعقلوها ومحصوها ، وهم دوما في تناولها في حوار بينهم ، وبينها لا ينقطع ، ففي أعماقهم حس دائم بخطورتها عليهم ، فسرعان ما يخيم تناولها كل حديث لهم ، ولقد اعتادوا وحدتهم في مواجهتها ، بل هذه الوحدة ، انما اتفاقهم الأول الذي جمع بينهم ، حتى باتت استجابتهم لمواجهتا ، من الرتبة التي لا تحسب قيمة لصعوبة ، بل تستسهل كل مشقة ، وتستقوي على كل صعوبة ، فتراهم جمعا منتظما في أداء يضيف عند كل مواجهة معها ، في ثقتهم بأنفسهم ويعزز وحدتهم ، فكأن هذه المواجهة الصهريج الذي ينصهرون فيه كل مرة ، ليتخرجوا منه وهم أكثر تفاهما وأقوى صلابة ، وأشد مراسا ، واصرارا على ديمومية البذل ، استحصالا لحقوقهم ، ما تسارع بهم الى الالتفاف جميعا ، حول اللجنة الشعبية التي تناهى الى تشكيلها أصحاب الأراضي في الروحة ، كنواة تنظيمية لمواجهة الأمر العسكري الذي أمر بقطع الطريق عليهم الى أراضيهم ، والتي راحت تقيم خيمة على أرض الروحة في تحد صريح للأمر العسكري ، وتعبيرا عن ارادة شعبية تعلن عن نفسها ، بأنها على استعداد لأن تحمل أعباء مصيرها ، في خلال تصديها لهذا الغزو الاستعماري ، الذي أطل هذه المرة في هيئة أمر عسكري ، يحرسه قانون ديمقراطية تحترف القهر ضد مواطنين عرب في هذه الدولة .

وفي 27/9/ 2009 تنفس ضيق المؤسسة السياسية والعسكرية في الدولة اليهودية الديمقراطية ، وتمثل في زحف عسكري على الخيمة ، وذلك مع شروق شمس ذلك النهار ، وسدت الطريق الى الخيمة بجنود وشرطة ، مدججين بكل ما يؤهلهم الى انزل القمع بالجماهير من أبناء منطقة أم الفحم التي ، لا بد وأن تهرع الى تجلية مرادها بالتعبير عن رفضها ، ما يجعلها في مواجهة ارادة أدوات القمع ، التي جاءت تحرس اقتلاع هذه الجماهير ، من أرضها ، ومن حقها في الحفاظ على حقوقها ، وعلى مدخل أم الفحم كان الحشد الكبير ، من أدوات القمع ما كان ينذر بأن قرارا قد صدر من أعلى رأس في الدولة ، يأمر أدوات القمع بأن تقمع ، وبلا أدنى اعتبار لمواطنة وانسانية ، والى حد كسر الارادة الشعبية ، حتى لا يخطر على بالها مرة أخرى ، بأن تعاند قرارا عسكريا آمرا بسلخ أرضها منها ، لكن الجماهير من أم الفحم ومعاوية وغيرها قد استجابت بخفة الطير ، لحقها وبكل اصرار الارادة الحرة على قمع القمع الذي احتشد لها ليقمعها ، وقد شهدت الساعات الأولى مواجهات على أراضي الروحة ، بدا منها اصرار عنيد من الجماهير على وصول الخيمة ،

وكأن الخيمة استحالت في الوعي ، الى بيت هناك على الأرض ، الى حياة على الأرض .. الى رمز لارادة جماهيرية ، ترفض اقتلاعها وتصر على وجودها على أرضها ، وسرعان ما اشتعلت المواجهة على بوابة أم الفحم ، فكل أم الفحم خرجت الى حرصها على تفهيم اداة القمع مستوى استعدادها للتضحية من أجل تحصيلها لحقوقها ، وكانت المواجهة تنطق بأن أداة القمع تصر على كسر الارادة الشعبية الفحماوية ، تثيبتا لفكرة الاقتلاع التي لا تتم بغير انحسار الارادة الفلسطينية وتراجعها بفعل عجزها ، فتلك هي ديمقراطية الصهيونية في حقيقة أمرها ، فمن يرغب في فهم ديمقراطية كهذه فعليه بقراءة فعل الاقتلاع ، لا بأن يذهب الى مذاهب الفكر الديمقراطي ، وما بها من نصوص لا صلة لها بواقع خط التماس بين الصهيونية وبين الحقوق الفلسطينية . فلقد امتدت المواجهات ، وفي خلالها غصت المستشفيات بمن تم التنكيل بهم بالضرب ، وغيرهم ممن اصيبوا بعيارات مطاطية أو رصاصية ، وقد زاد عددهم على 630 مصابا ، ناهيك الى محاصرة الثانوية الشاملة وهي الواقعة على مشارف مدخل أم الفحم ، حيث كانت المواجهات ،

فلقد اقتحمت قوات القمع المدرسة ، وأصابت من أصابت وأغرقت من أغرقت من طالبات وطلاب ومعلمين بالغاز المسيل للدموع ، وكانت كل الاشارات والدلائل تشير لمن يبحث عنها بأن أدوات القمع اقتحمت المدرسة وحطمت الزجاج وطاردت الطلاب في داخل المدرسة ، ما ألقى بظلاله على ماهية الفعل الذي تمارسه أدوات القمع ، وانضاف هذا الوجة اللئيم لأجهزة القمع ، الى ذلك التضامن الجارف الذي يتواثب الى ضروراته ، من جانب كل أبناء الأقلية القومية العربية وقياداتها ، ما بدا وكأن الجماهير قد عرفت بأن سياسة الحافة هي سياستها حين المواجهة ، فعندها تفصح ببليغ اصرارها عن حقيقتها ، ما يجعلها تضغط في كل وقت على حرف ميزان الردع في صالحها ، وقد كان مع نهاية اليوم الأول من المواجهات ، نزول سياسات القهر من عربدتها الى موافقتها على أن يعود أصحاب الأراضي في الروحة الى أرضهم ، على أن يبقى الأمر العسكري كما هو ، حتى تتم دراسات ومشاورات بشأنه ، وقد كان واضحا بأن ذلك كله انما هو امتصاص غضب جماهيري ، ومحاولة ادخاله الى ثلاجة ، مع ارجاء لفعل السيطرة النهائية على الأرض لوقت قادم .

وتناهى الاستواء على وضعية كهذه الى ما تسمى باتفاقية الروحة ، وذلك في 31/12/2000 والتي بموجبها تم تبنيد هيكلية العلاقة بين اصحاب الروحة وأرضهم ، فلهم أن يفلحوا أرضهم في وقت محدد في خلال السنة ، وثمة وعد تضمنته الاتفاقية يوصى باقامة لجنة تدرس الأوضاع ، من أجل دراسة امكانية ، الحاق تلك الأراضي من الروحة بمسطح مدينة أم الفحم ، وكان هذا الوعد الاغراء الذي وصفته بنفسي يومها ، بأنه ملهاة الركض وراء السراب ، ذلك بأن فهم التخطيط الاستراتيجي الذي تتحرك في اطاره الصهيونية ، انما هو بذاته ما كان دعا الى الأمر العسكري ، وتسبب في أحداث الروحة ، وأسبابه لا زالت كما هي ، على اختلاف الحاحها على التنفيذ ما بين ساعة انتاجها للأمر العسكري ، وبين المستجدات التي تبعت ذلك ، فلقد حسمت اسرئيل أمرها بالحيلولة دون تمدد أم الفحم وضواحيها في اتجاه البحر ، وانما يكون تمددها على محاذاة حدود عام 1967 .

وجاء عام 2009 ليشهد على مضايقات ، تضعها قوات الأمن ،على وضعية العلاقة بين صاحب الأرض وأرضه ، ليقال بأن اتفاقية الروحة لم تكن سوى اتفاقية سياسية ، ليفهم من انتفخوا بالوهم بأن قراءة النصوص وفهمها على ما هي عليه انما هي ضرورة واجب ، وواجب عقلية تفهم أولا ثم تبني رأيا وموقفا .

فالصراع جوهري في كل ما يصله بالمصير ، ولا يحتمل انتفاخا بوهم ، فهذه الدولة بذاتها نتاج اقتلاع ، فمادة فعلها اقتلاع ، ومخها يجوبه فكر اقتلاع ، وفي نصوصها كيفما استحالت يظهر أو يتخفى الاقتلاع .

لقد استبقت دولة الاقتلاع ، أمرا واقعا أنتجته ، وفي داخل سيطرة تريحها ، أتاحت لنفسها أن ترتاح من صراع مع صاحب الأرض ، بتركه يصل أرضه ، ريثما يلح فعل الاقتلاع على تمام نفاذه . فالصراع لم يزل معلقا على الحرص على استدامة أمر واقع من سيطرة تتأهب لاستكمال معانيها .

وهذه شهادة على ما يعنيه الحفاظ على الأمر الواقع ، وما يعنيه الاقتلاع لدى الأطفال .

ففي اليوم الذي اقتلعوا فيه خيمة الحركة الشعبية الواعدة ، من أراضي الروحة ، أقامت أدوات الاقتلاع ودروعه سورا من القوة والرعب امتد على خط مستقيم قاطعا الطريق الى الخيمة ، وبينما الناس وجها لوجه في مواجهة هذا السور المكون من بشر وعصي وقنابل غاز ، جاء الأطفال وعرفوا كيف يصلون الى مكان الخيمة ، ووصلوا ووقفوا ، وجلسوا في المكان ، وكانت فرحتهم لا تعادلها فرحة .

وقد مال علي أحد الذين كانوا في مواجهة العصا وقنابل الغاز وقال : لقد سبقنا الأطفال الى الخيمة ، الأطفال أطيار لا تحدهم الحواجز ، فأجبته من فوري ، اننا بعض مستقبل ، وهم بعض ماض وكل المستقبل ، فهذا هو المستقبل الذي في انتظارهم .

حقا عادوا اليها ..المستقبل يسبق الحاضر ، عادوا بالزمان الى المكان ، اسقطوا الانفصال الذي كان . الاقتلاع لا فنجان قهوة تشربه في المكان .. قهوة بلا مكان بلا زمان . زمان العودة .. زمان المكان ، فاذ لا قهوة ، لا زعتر تزرعه في التراب ولا تغني موال النهار .

عاد الأطفال ، عاد القمر ، وبيده أقراص الزعتر ، انه يناديك الى الافطار .

لقد اقتلع الأطفال الاقتلاع ، وصفا لهم وعيهم ، كتبوا بداية حكايتهم برغم الظلام ، أصبحت البداية نورا يضيء لك الأمل ، ويبسط الضوء أمامك لتر الطريق الى الأمل الذي يتوقد في أعماقك .


المصدر

  • مقال:الاقتلاعالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات