الاقتتال الفلسطيني والاحكام الجائرة
بقلم : ياسر سعد
الاحداث المؤلمة في غزة اضافت جرحا إليما إلى الجسم العربي والذي ما فتأ عن النزيف وبغزارة، المقاومة الفلسطينية والتي كانت مشعلا وضاءا في دياجير ظلمات الحاضر العربي ودبلوماسيتة الانهزامية وتسوياته المهينه وإنموذجا رفيعا للمقاومة ضد الظلم والاحتلال، تلك المقاومة تكاد تفقد مكانتها السامقة في الرؤية العربية الشعبية وتخرج من الوجدان العربي والذي يكاد يأكله اليأس ويهوي به القنوط. غير ان المشاعر الصادقة في الرفض القاطع للإقتتال بين الاخوة وابناء الشعب الفلسطيني يجب ان لا تحجب عنا الحقائق ولا تنسينا الوقائع والتي بإستحضارها والنظر المنصف من خلال معطياتها نتمكن من تجنب التعسف في الاحكام وبالتالي المساواة بين طرفي النزاع البائس، والقسوة على المقاومين الصادقين حتى وإن كان الدافع مخلصا في الحرص على الدم الفلسطيني وعلى تجنيب الشعب الفلسطيني المصابر مزيدا من المعاناة والآلام. اقلام كثيرة وتصريحات متعددة انتقدت حماس واعتبرت وبكل بساطة انها وقعت في الفخ "المرسوم" بمشاركتها فى الانتخابات الفلسطينية وانها ما كان ينبغي لها ان تفعل، ومع التقدير للاراء واصحابها إلا انني أرى ان فيها شيئا من التسرع والتعسف. على الرغم من ان لا حماس ولا قادتها او رجالاتها اكبر من الاخطاء والعثرات بطبيعة الحال، فمن الاخطاء والامور غير اللائقةعلى سبيل المثال الاندفاع في تصريحات قادة حماس السياسيين خصوصا السيد خالد مشعل سواء بعد توقيع اتفاقية مكة او في مناسبات اخرى وعديدة ابرزها في تأبين دكتاتور سورية حافظ ألاسد، غير انه من الواجب التفريق في مسالة النزاع الفلسطيني بين الاخطاء والخطايا والاجتهادات المتعثرة والادوار المرسومة.
كان من ابرز مهمات القوات الفلسطينية والتي دخلت الاراضي الفلسطينية المحتلة كنتيجة لإتفاقيات اسلوا كبح جماح المقاومة واعتقال كوادرها والذين مات العديد منهم تحت تعذيب قوات أمن "السلطة الفلسطينية"، ويحسب للمقاومة الفلسطينية إلتزامها الصبر والمصابرة رغم الاذى والعنت الكبير وعدم إنجرارها للثأر من جلاديها واعتبارها الدم الفلسطيني خطا احمر لتجنيب الشعب الفلسطيني ويلات حرب اهلية مدمرة.
وبعد اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في مطلع العام الماضي، اعلنت حركة فتح عن عزوفها التام عن المشاركة بالحكومة الفلسطينية مع حركة حماس. وانطلقت التصريحات من مسؤولي وقياديي حركة فتح، والتي تتوقع للحكومة الجديدة الفشل الذريع والانهيار القريب. وكانت تلك التصريحات بداية لسلسلة متواصلة من المواقف والتي تسعى من ورائها حركة فتح، إلى العودة للسلطة ولو كانت على حساب دماء ومعاناة الشعب الفلسطيني المحاصر.
في ختام زيارته لبريطانيا الصيف الماضي كشف رئيس الوزراء الدولة العبرية ايهود اولمرت عن موافقته على شحنة أسلحة وذخيرة لتعزيز قوات الأمن الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقال امام أعضاء في البرلمان البريطاني: "رغم التوتر وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وافقت مساء أمس على نقل أسلحة وذخيرة إلى ابو مازن". وقال اولمرت إنه وافق على الشحنة "لتعزيز حرس الرئاسة ليتمكن (عباس) من تدعيم القوات في مواجهة حماس"، وأضاف فعلت ذلك لأن الوقت ينفد منا ونحن نحتاج لمساعدة أبو مازن.
قيادة حركة فتح شاركت وفي ايقاع متناسق مع "إسرائيل" والإدارة الأمريكية وغيرهما، في محاصرة الشعب الفلسطيني والسعي الحثيث لتقويض خياره الديمقراطي وقذفه في أتون حرب أهلية مدمرة. وعلى الرغم من أن الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس ارسلت الكثير من الإشارات والتطمينات والدعوات لكل الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها فتح، من أنها لن تستهدف كوادرها والتي تعج بها قوات الأمن الفلسطينية بالتسريح أو إنهاء الخدمة، وأنها لا تريد الاستفراد بالحكم، إلا أن الرئاسة الفلسطينية وبعض قيادات فتح عمدت إلى استخدام عناصرها الحزبية في قوات الأمن لزعزعة النظام وإثارة القلاقل في وجه الحكومة الجديدة. وحين أعلنت الحكومة الفلسطينية المنتخبة عن نيتها تشكيل قوات أمن جديدة تحت قيادة ابو سمهدانة، بعد رفض وتلكؤ القيادات الامنية في التعاون والانصياع لحكومتها الجديدة، نددت حركة فتح بالأمر، وحذر صائب عريقات حماس من تشكيل سلطة موازية، دون أن يشرح لنا من هي السلطة الأصيلة ومن هي الموازية. وكم كانت فرحة الرئاسة الفلسطينية وكبيرة وكم كان إنجازها عظيما عندما ضبط أمن حرس الرئيس، سامي ابوزهري من قيادات حماس وهو يحاول كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني بإدخاله مبلغا من المال بطريقة "غير قانونية". وكم ضغطت فتح وقيادتها على حكومة حماس لحملها على الاعتراف المجاني بدولة الاحتلال.
منذ اسابيع معدودة اعلن الكونغرس الأمريكي عن موافقته على تقديم 60 مليون دولار للرئاسة الفلسطينية للإنفاق على إعداد وتدريب القوات الأمنية التابعة لها رغم الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة، وبعد اندلاع الاشتباكات الاخيرة نقلت "رويترز" خبرا جاء فيه أن مصادر غربية قالت ان مئات المقاتلين الموالين لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس دخلوا غزة من مصر يوم الثلاثاء كتعزيزات محتملة في القتال مع أنصار حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وأضافت المصادر التي تحدثت في اسرائيل وطلبت عدم الكشف عن هويتها أن معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر فتح لفترة وجيزة لادخال قوة قوامها 450 فردا. وتابعت المصادر أن المعبر فتح بموافقة اسرائيل في اتجاه واحد فقط للسماح بعبور القوة. وفور دخولها غزة أغلق المعبر مرة أخرى. والقوة البالغ قوامها 450 فردا موالية لمحمد دحلان المستشار الامني لعباس. ويقول مسؤولون غربيون ان دحلان الذي يتعافى من جراحة في ساقه في مصر أرسل في الفترة الاخيرة نحو 500 من الرجال الموالين لفتح الى مصر لتلقي تدريبات أكثر تقدما على أساليب الشرطة.
قراءة ولو سريعة لتاريخ الصراع الدائر الان وتطوراته والمواقف الاسرائيلية الامريكية منه، تظهر لنا ان الامر ليس ببساطة صراعا بين فصيلين فلسطينيين متنافسين على سلطة زائفة، أنه صراع بين حكومة منتخبة ومتمردين عليها، صراع بين قيادات محاصرة لرفضها التنازل عن ثوابت قضيتها وحقوق شعبها وقيادات تلقى وتتلقى الدعم والتأييد من الادارة الامريكية الوالغة في دماء المسلمين في العراق وغيرها ومن احتلال اسرائيلي غاشم يفتك بالشعب الفلسطيني ويشدد عليه الحصار وحملات القتل والترويع، صراع بين قيادة منتخبة تعيش هموم الشعب وتشاطره المعاناة وبين قيادة تاريخية محنطة تعشش فيها الفساد وادمنت عليه، تعيش حياة الارستقراطيين الباذخة. الذين يحتجون على حركة حماس دخولها الانتخابات ويعتبرون ما حدث بمثابة الفخ الذي وقعت فيه الحركة، ينسون ويتناسون ان حماس لو رضخت وتنازلت عن حقوق شعبها الفلسطيني لإصبحت اكثر من مقبولة ولتم التعامل معها. المطلوب الان المقاومة برأسها وبفكرها، وحتى لو كانت المقاومة في المعارضة ولو احجمت عن اللعبة السياسية وعن السلطة ولربما كان القضاء عليها وإنهاؤها اسهل وأيسر والبطش بها بالادوات الاسرائيلية-الامريكية والتي تلبس اللبوس الفلسطيني اشد وأنكى.
الاحداث الفلسطينية مؤلمة وضارة بالقضية الفلسطينية وتزيد بؤس المواطن الفلسطيني المطحون والمحاصر، ووفقها واجب علينا جميعا ولكن لا ينبغي ان نساوي بين الاطراف وان نحملهم المسؤولية سواء بسواء، بل إننا جميعا وخصوصا حكوماتنا العربية نتحمل مسؤولية الكوارث التي تحدث في فلسطين وقد شاركنا في الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني وتركنا اسرائيل بوحشيتها وجبروتها تستفرد به بل وكافأناها على اغتيالاتها وحصارها وبطشها بمبادرة سلام جديدة وبإتصالات عالية المستوى وبوفود عربية رسمية تحي القاتل وتشكر له همجية جرائمه.
المصدر
- مقال:الاقتتال الفلسطيني والاحكام الجائرةموقع:الشبكة الدعوية