الإمام حسن البنا وقضية مساواة الرجل بالمرأة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإمام حسن البنا وقضية مساواة الرجل بالمرأة


قامت الدنيا ولم تقعد لما أقدمت عليه السلطة في تونس المسلمة من محاولة تعطيل شرع الله بإلغاء شرائع الميراث التي فصلها رب العزة تفصيلا محكما لا ظلم فيه ولا جور، حيث عمدت السلطة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السبسي من مساوة المرأة بالرجل في الميراث، حيث أيدهوا العلمانين والشيوعيين والكارهين لدين الله، والراغبين في تنحية شرائع الرحمن عن الحياة.

لكن الإخوان دائما موقفهم ثابت من شرائع الله "فالقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام" بهذه الكلمات وضع حسن البنا منهجية الإخوان في فهم الإسلام، ومن خلال هذين المرجعين ربى حسن البنا إخوانه ودعى الأمة إلى التمسك بهما، وذلك لما جاء تأكيدا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: (تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه) (البيهقي في دلائل النبوة (5/449).

ولذا كان الإمام حسن البنا شديد الحرص على التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في التطبيق العملي للمنهج الذي غرسه في نفوس إخوانه. لقد سار الإخوان على المنهج الرباني الذي دعى للحفاظ على المرأة ووضع أطر لعلاقتها في بيتها ووسط مجتمعها، وسن لها حقوقها وأرد لها واجباتها.

لكن ما كان لقوى الشر التي تربصت بالإسلام من كل جانب لتترك هذه الأمة تنهض وتتقدم، فوجهوا سهامهم إليها فكانت أضعف ثغرة هي ثغرة المرأة التي عملوا على إغرائها بكل جديد – في ظل فترات قهر مرت بها المرأة في المجتمعات الإسلامية – ولذا انجذب المرأة لهذه الدعوات التحررية، والتي في كثير من الأحياء كانت تصطدم مع ثوابت الدين، مثلما يثار الآن من قضية مساواة المرأة للرجل في الميراث

رغم أن القانون الألهي شرع وموجود ولا يحتاج اجتهادات بشرية أو قوانين يسنها رئيس دولة أول ملك، لكن الغرب استطاع أن يشغل هذه الأمة بالترهات والبعد عن عظائم شئون الأمة. ولذا التزم الإخوان بالمنهج الرباني الذي سنه وشرعه فكان شعارهم "والقرآن دستورنا وشرعتنا".

ولقد تحدث الإمام البنا عن هذه القضية فكتب يقول:

أيها الكاتبون والكاتبات والناقدون والناقدات والناصرون للرجل أو المطالبون بحقوق المرأة على حد سواء لى معكم جميعًا كلمة فى هذا الموضوع مختصرة كل الاختصار، عادلة كل العدل .. أما تعليم البنت وتثقيفها وتهذيبها وتربيتها فأمر لا نجعله محل نزاع فيما بيننا..وأما سفورها أو حجابها واختلاطها أو اعتكافها فلنا فيه كلام. (1)

أدرك حسن البنا ثوابت الشرع فالتزم بها ونادى بالالتزام بها امتثالا لشريعة الله سبحانه، خاصة في مسألة الميراث حيث كان كلامه واضح في هذا الأمر حيث قال: وجاء الإسلام يقرر أن للذكر مثل حظ الأنثيين، وأن نصيب الفتاة نصف نصيب الفتى من تركة الأبوين.

نظام ما أبدعه، وعدل ما أروعه!! نظر إليه القاصرون من زاوية واحدة، فنادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونسوا أن الإسلام وحدة كاملة يجب أن ينظر إليها من كل ناحية، فالإسلام الذى قرر هذا الوضع قرر إلى جانبه أن الفتى مطالب بالإنفاق على الفتاة زوجا كانت أو أختا أو أما

فكان من العدل أن يعان على تبعته، وكان مقتضى هذا ألا تأخذ الفتاة شيئا من الميراث، ولكن الشارع الحكيم احترم قرابتها -وهو الذى يقدس القرابة بقدر صلتها- فقدر لها وتوسط بذلك فى الأمر، فلم يعطها الإعطاء الكامل، ولم يحرمها الحرمان الكامل، وذلك بالنسبة لها –ولاشك- أعدل الأوضاع. (2)

ويؤكد على المعني بقوله: وجاء الإسلام يقرر أن شهادة المرأة لابد أن تعزز بمثلها وأن تقرن بأختها: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ "البقرة: 282". وارتفعت أصوات القاصرين بأن هذه هو الظلم المبين. ولم يصبروا حتى يتموا قراءة الآية الكريمة ويتعرفوا تعليل هذا الوضع الحكيم: ﴿أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ "البقرة: 282"، فليس فى ذلك إنقاص لقيمة المرأة ولا حط من درجتها ومنزلتها، ولكنه تقدير لعاطفتها ونزول على تكوينها. (3)

لقد حرص الإمام البنا على أبراز المعاني الجليلة من احترام المرأة وتقديرها والتي حفظها الإسلام لها لدورها الهام الذي تقوم به في هذا المجتمع، فيقول البنا: الأم أستاذ الأمة وهي التي إذا صلحت وتعلمت وحسنت أخلاقها وطباعها أنجبت أنجالاً صالحين نافعين، وإذا جهلت وساءت أخلاقها وطبائعها كان أبناؤها مثلها. (4)

وفي حوار دار بين الإمام البنا ورجل من دعاة تحرير المرأة ومساواتها في الميراث، حيث جاء فيه: قال الرجل: والميراث تعطى المرأة فيه نصف الرجل، أليس جورًا وإجحافًا؟ قلت: كلا وحاشا يا صاحبي ولو أحسنت الحساب لرأيت الرجل هو الحقيق بالعطف عليه، قال: كيف ذلك؟ قلت: إن المرأة تأخذ نصف الرجل ولكنها تتزوج رجلاً ينفق عليها وفي الغالب تحتفظ بنصيبها رابيًا موفورًا ما دامت حسنة التدابير، أما الرجل فإن ضعفه الذي يأخذه يكلفه أعباء إنشاء أسرة والنفقة عليها. (5)

فالقضية التي أثيرت مؤخرا في تونس لم تكن بالجديدة لكنها قضية يثيرها دعاة تحرر المرأة في كل زمان، وهذا ما دفع الإمام البنا للحديث فيها ويوضح منهج القرآن الذي التزم به الإخوان في هذا الشأن. لقد عمد دعاة التحرر إلى ترويج أن الإناث يساوون الذكور في كل مجال ويستطعن أن يقمن بما يقوم به الرجال، فلا قوامة للرجال على النساء.

فوقف الإخوان أمام هذه الدعوة الخبيثة يحذرون الأمة من خطرها، ويوضحون للمرأة أن القوامة التي أرادها الإسلام لا تعني القهر والحجر والاستبداد، ولا تعني إهدار شخصية المرأة وأهليتها ومقومات إنسانيتها، وقد أرسى الإسلام سياسة البيت بين الرجل والمرأة على أساس دقيق من العدل والمساواة والشورى، وذلك ينفي معنى القهر والاستبداد ويوفر حرية وكمال الشخصية.

ولقد أفصح الأستاذ محمد حلمي نور الدين (أول سكرتير لأول مكتب إرشاد للإخوان) عن هذا الموضوع بقوله:

"جاء القرآن الكريم معلنًا في صراحة وجلاء، لا غموض ولا خفاء، رياسة الرجل على المرأة فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) "البقرة: 228"، ولئن سأل سائل عن هذه الدرجة ماهيتها ومداها، قلنا: إن القرآن عرفها وحددها وعبر عنها في قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) "النساء: 34" (6)

لقد أخذت هذه القضية مناحي كثيرة – على الرغم أن القرآن وضع تشريعها - لكن يأبى دعاة تحرير المرأة إلا إطلاق هذه القضايا بين الحين والأخر ليشغلوا الأمة بها في وقت تحتاج فيه الأمة لتضافر الجهود للنهوض بها.

وهذا ما أكده الإمام البنا بقوله:

التفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعًا للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة وتبعًا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما. (7)

وهذا المنهج هو ما يتفق عليه الإخوان، وهو ما جاء به شريعة الرحمن، وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

المراجع

  1. جريدة الإخوان المسلمين، العدد (8)، السنة الأولى، 11 ربيع الثانى 1352ه - 3 أغسطس 1933م، صـ19.
  2. المرجع السابق، العدد (37)، السنة الثانية، 26 جماد ثان 1363 - 17 يونيو 1944، صـ3.
  3. المرجع السابق.
  4. المرجع السابق، السنة الأولى، العدد 11 – 3 جمادى الأولى 1352هـ - 24 أغسطس 1933م.
  5. المرجع السابق، السنة الثالثة، العدد 38 – 5 شوال 1354هـ - 31 ديسمبر 1935م.
  6. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، طـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، الكتاب الثالث، صـ 448
  7. جمعة أمين عبد العزيز : أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، طـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، الكتاب الثالث، صـ 448