الإقرار بيهودية دولة إسرائيل مقاصده وأهدافه ضارة وخبيثة
بقلم : محمد خضر قرش
القدس
الإقرار المسبق من الجانب الفلسطيني للعبارة المكونة من ثلاث كلمات (( يهودية دولة إسرائيل)) التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي اولمرت، كشرط للبدء في مفاوضات السلام التي ستعقد بعد اقل من أسبوعين – إذا لم تؤجل لسبب أو لآخر- يحمل في طياته مقاصد وأهداف ومعاني ضارة وخبيثة في نفس الوقت، ليس للفلسطينيين ونضالهم فحسب وإنما لتاريخ هذه الأرض وهويتها الديمغرافية والدينية على حد سواء.
فأول المقاصد الخبيثة ، هو تكريس فلسطين كدولة يهودية النشأة والتكوين وشطب كامل للوجود الوطني للشعب الفلسطيني فوق تراب أرضه الممتد من آلاف السنين وهذا يعني أن الوجود الفلسطيني فوق هذه الأرض كان طارئا أو مؤقتا أو غير شرعي طيلة الفترة الماضية.
وثاني المقاصد الخبيثة شطب الديانتين المسيحية والإسلامية من فوق هذه الأرض المقدسة، والاعتراف بالديانة اليهودية باعتبارها صاحبة الحق الوحيد في التواجد والعمل وبالتالي إلغاء شرعية دور العبادة الإسلامية والمسيحية وفي المقدمة منها المسجد الأقصى وكنيستي القيامة والمهد، وثالث المقاصد الضارة إضفاء اللاشرعية في مطالبة الفلسطينيين بحق العودة إلى ارض فلسطين التاريخية ، وبالتالي نسف أي مبرر أو حيثية للمطالبة أو لبحث حق عودة اللاجئين الذين غادروا ارض الأجداد والآباء تحت تهديد السلاح والظلم.
ورابع هذه المقاصد السيئة، نزع الشرعية الدولية لحق شعب فلسطين في مقاومة الاحتلال، فحينما يقر الجانب الفلسطيني بيهودية إسرائيل الكاملة، فهذا يعني شطب مطالبة عودته إلى الأرض وإفراغ نضاله لاسترجاع حقوقه من مضمونه القانوني والشرعي. وخامس هذه المقاصد الضارة هو تزوير التاريخ الفلسطيني كله واعتبار كل ما هو موجود في الكتب والوثائق غير صحيح يقتضي تصويبه لصالح دولة إسرائيل اليهودية.
وسادس هذه المقاصد والأغراض المشبوهة هو نزع ملكية شعب فلسطين عن هذه الأرض واعتباره محتلا ومغتصبا لها.
وسابع هذه الأغراض السيئة إعطاء الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية لكل الحروب العدوانية التي خاضتها دولة إسرائيل اليهودية ضد الفلسطينيين والعرب منذ عام 1917 وحتى اليوم، لأن هذه الحروب – وفقا لعبارة اولمرت – ليس عدوانا وإنما تحرير الأرض اليهودية من مغتصبيها الفلسطينيين والعرب.
وثامن المقاصد الضارة : هي إضفاء الشرعية على كل المستوطنات التي أقيمت فوق الأرض الفلسطينية التاريخية واعتبارها دفاعا عن النفس وحماية للوجود اليهودي من الأطماع الفلسطينية والعربية.
وتاسع هذه المقاصد الخبيثة، سحب الشرعية عن الوجود الفلسطيني في أراضي عام 1948 أو ما يطلق عليه داخل الخط الأخضر، وبالتالي فإن الإقرار الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل تشكل الخطوة الأولى نحو التفاوض على وجودهم مما يسهل عملية ترحيلهم مستقبلا بدون اعتراض أو احتجاج.
وعاشر المقاصد السيئة ، تسهيل عملية التفاوض مع الجانب الفلسطيني لكون المفاوضات ستعمل على تكريس هذا الحق وترجمته عمليا على ارض الواقع .
فحينما يقر الجانب الفلسطيني باليهودية الكاملة لدولة إسرائيل ، فإنه لا يحق له والحالة هذه بحث ازالة المستوطنات وتقسيم القدس والمطالبة بعودة اللاجئين ولا حتى بالتعويض لمن لا يرغب في العودة.
وحادي عشر هذه المقاصد السلبية ، يتأتى من كون أن إسرائيل حتى تاريخه لم تحدد حدودها الجغرافية ومجالها الأمني والحيوي، لذا فإن من شان الإقرار بيهودية دولة إسرائيل ، إعطاء الاحتلال شرعية قانونية وميدانية وأمنية ، لأن هدفه ليس احتلال الأرض وإنما حماية الوجود اليهودي فوق فلسطين التاريخية، لذا فمن" حق دولة إسرائيل اليهودية" المطالبة بتسكين اللاجئين وتوطينهم حيث هم، لأن بقائهم هكذا في المخيمات من شانه أن يشكل تهديدا مستقبليا ليهودية دولة إسرائيل. وثاني عشر هذه المقاصد الخبيثة، هي في إقرار الجانب الفلسطيني ضمنيا بيهودية القدس ،لكونها عاصمة لدولة إسرائيل اليهودية، وبالتالي شطبها من أجندة وطاولة المفاوضات .
فلا يعقل أن تكون دولة إسرائيل يهودية بينما عاصمتها يتواجد فيها فلسطينيون يشكلون حاليا نحو 30% من سكانها ، مما يعني عمليا وقانونيا وسياسيا عدم أحقيتهم في التواجد أو العيش في المدينة المقدسة. وهناك أغراض ومقاصد أخرى ثانوية من طرح ضرورة الإقرار بيهودية دولة إسرائيل، متمثلة بعدم جدية ورغبة إسرائيل في المفاوضات الخريفية القادمة والمقترح عقدها في "انابوليس" والحصول على مكاسب وامتيازات مقدما وقبل البدء في التفاوض.
فحينما ستوافق إسرائيل على إسقاط الإقرار بيهوديتها ، فإنها بالمقابل ستطالب بإسقاط حق العودة مثلا أو الحصول على شرعية الحفريات تحت الأقصى أو شرعية المستوطنات وقد تطلبها جميعا مقابل موافقتها على عدم مطالبة الجانب الفلسطيني بالإقرار بيهودية دولة إسرائيل.
لا أعلم رأي المفاوض الفلسطيني الذي لم يتغير منذ عام 1994 بالنتائج الضارة والسلبية الناجمة عن مطالبة رئيس وزراء إسرائيل شخصيا – وليس أي مفاوض غيره- بالحصول على الموافقة والإقرار المسبق من الجانب الفلسطيني على يهودية دولة إسرائيل ، وماذا سيرد عليه عمليا وما هو الموقف التفاوضي الواجب عليه انتهاجه .. فالمفاوضات وفقا لما يقولون لنا بأنها سرية وغير معلنة ويجب عدم الإفصاح عنها.
لكنني أقول للمفاوض الفلسطيني – أو للمفاوضين الفلسطينيين – بأنه لو كنت مكانهم وخيرت بين بقاء الوضع الحالي لمائة عام قادمة أخرى وبين الإقرار بيهودية دولة إسرائيل الكاملة ، لاخترت بقاء الوضع لمائتين عام أخرى وليس مائة عام فقط عن الإقرار بيهوديتها الكاملة .
فاعتراف و/أو إقرار منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مناطق تواجده في فلسطين وبلدان اللجوء والشتات بما فيهم الفلسطينيين داخل الخط الأخضر – بيهودية دولة إسرائيل يعني الإقرار الضمني بكل المقاصد والأغراض سالفة الذكر مما يسهل لإسرائيل تحقيقها.
من هنا يجب أن يكون الرد الفلسطيني جازما وحازما وقاطعا برفض حتى مجرد نقاش هذه العبارات حتى لو تعطلت المفاوضات وفشل انابوليس .
فهو ليس بأفضل من مدريد 1 ومدريد 2 واوسلو وكامب ديفيد و واي بلانتيشن وشرم الشيخ..الخ.
فالفلسطينيون لن يأسفوا على انابوليس، فهم يدركون بأنه ليس أكثر من مجرد تحريك للمفاوضات لأهداف في نفس " يعقوب الإسرائيلي والأمريكي " ، لن يتمخض عن المؤتمر الخريفي القادم أية نتائج ايجابية على الأرض.. فقد سبقه مؤتمرات أكثر أهمية منه في البيت الأبيض بدون فائدة – فلا الحواجز قلصت و/أو أزيلت ولا الجدار توقف بناءه ولا المستوطنات جمد تشييدها.
فمن اجل ماذا نوافق على يهودية دولة إسرائيل ؟!
فالموافقة تعني عمليا وقانونيا وسياسيا وتاريخيا وجغرافيا تصفية القضية الفلسطينية بالوثائق والمستندات والإقرار والاعتراف ولا يتبقى سوى مراحل التنفيذ.
المصدر
- مقال:الإقرار بيهودية دولة إسرائيل مقاصده وأهدافه ضارة وخبيثةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات