الإسلام لا يجيز استهداف المدنيين
بقلم : الدكتور يوسف القرضاوي
الدوحة- مريم آل ثاني- إسلام أون لاين.نت/28-10-2002
أكد الدكتور يوسف القرضاوي أن الإسلام لا يجيز قتل المدنيين أو استهدافهم قصداً، وأوضح أن الإسلام حريص في حروبه على التقليل من القتل والدماء.
وقال القرضاوي في حديثه لبرنامج "الشريعة والحياة" الذي بثته قناة الجزيرة القطرية مساء الأحد 27-10-2002: إن ما حدث في مسرح موسكو عمل غير مبرر، مع أنه لم يظهر إذا ما كان الخاطفون جادين في تهديدهم بقتل الرهائن أم لا، مشيرا إلى أن القوات الروسية هي التي سارعت بقتلهم، وأن الشعب الشيشاني يتعرض لاحتلال وقهر روسي مستمر.
وشدد على أن الإسلام لا يجيز أخذ أناس أبرياء بذنب المذنب، فهؤلاء الأبرياء لا علاقة لهم بما يطالب به المختطفون، وضرب مثالا بما حدث للسياح في جزيرة "بالي" بإندونيسيا، أو ما يحدث عند خطف الطائرات من أجل مطالب معينة.
وأضاف القرضاوي أن من أهداف الإسلام الكبيرة إشاعة الأمن النفسي، والمادي، والفردي، والجماعي، فالإسلام حرّم وجرّم كل عمل يهدد أمن الناس، ومن أشد ما يصاب به المجتمع أن يفقد الأمن، موضحًا أن أول إرهاب حاربه الإسلام هو الإرهاب المدني الاجتماعي، ووضع له حدًّا هو "الحرابة" لمحاربة العصابات، واعتبرهم ممن يحاربون الله ورسوله.
وفي فتوى لشبكة "إسلام أون لاين.نت" قال الشيخ حامد العلي أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية بجامعة الكويت الأحد 27-10-2002: "لا يختلف العلماء في أن الأصل بالشريعة الإسلامية هو تحريم قتل النساء والأطفال في الجهاد، والدليل الوارد في ذلك ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما {وجدت امرأة مقتولة في بعض غزوات رسول صلى الله عليه وسلم، فنهى الرسول عن قتل النساء والصبيان}".
وأضاف الشيخ العلي أن العلماء استدلوا على تحريم قتل من لا يشارك في الأنشطة القتالية -وهم الذين يطلق عليهم هذه الأيام "المدنيين"- بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان على مقدمة الجيش فقال له: "قل لخالد لا يقتلنّ امرأة ولا عسيفا"، والعسيف هو الأجير الذي لا يقاتل، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ودلت نصوص أخرى على تحريم قتل كل من لا يشارك في القتال، كالرهبان والفلاحين وغيرهم".
وأوضح المفكر الإسلامي فهمي هويدي في حواره مع شبكة "إسلام أون لاين.نت" الأحد أن ما حدث في مسرح موسكو مأساة كبيرة، سواء في ذاتها أو في توقيتها، وقال: "ما تمنيت أن يقدم الشيشانيون على هذه العملية، ولكنني أقدّر الظروف التي دفعتهم إلى ذلك؛ لأن الروس لجئوا إلى سحق الشيشانيين وقمعهم بقسوة شديدة، وانتهزوا الحرب على الإرهاب ليغلقوا الملف الشيشاني".
وأضاف هويدي قائلا: "يحزنني كثيرا أن تُزهق أرواح الأبرياء في مسرح موسكو بقدر ما يحزنني أن تزهق أرواح الأبرياء الشيشانيين، ونخشى أن تتكرر حوادث العنف ردا على جرائم الروس في الشيشان ما لم يعيدوا النظر في سياساتهم".
روسيا ليست إسرائيل
وأوضح الشيخ يوسف القرضاوي أن ما يحدث من مقاومة في فلسطين مختلف عما حدث في مسرح موسكو، ففي فلسطين المقاومة مشروعة من حيث الهدف والوسيلة، فالهدف المقاومة، والوسيلة تفجير نفسه، كما أن هناك فرقا شاسعا بين هذه المقاومة وما حدث في 11 سبتمبر؛ لأنه ذهب إلى بلد آخر واستخدم أبرياء وركاب طائرة، فالهدف غير الهدف، والوسيلة غير الوسيلة.
وردا على سؤال حول مدى إمكانية قياس العملية الأخيرة في روسيا بالعمليات التي تحدث في فلسطين قال فهمي هويدي: "الفرق كبير؛ لأن العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مختلفة عن العلاقة بين الشيشانيين والروس؛ فالإسرائيليون احتلوا الأرض وطردوا أهلها، ولا يزالون يرفضون القبول بأي حل عادل لقضايا الفلسطينيين، سواء على مستوى تقرير المصير أو عودة اللاجئين، أو سيادة الدولة".
وأضاف هويدي: "أما في حالة الشيشان فالروس يمارسون هيمنة سياسية، لكنهم لم يطردوا الشيشانيين من أرضهم، بل يعترفون لهم بالحكم الذاتي، فطبيعة النضال في الشيشان مختلفة تماما عنه النضال في فلسطين؛ ومن ثم فإن الأبرياء الذين قُتلوا في مسرح موسكو يختلفون عن الإسرائيليين الذين هم جميعا مغتصبون ومستجلَبون من الخارج"، موضحا أن "الوضع في روسيا يختلف تماما؛ فالذين كانوا في المسرح مدنيون حقيقيون وليسوا عسكريين في ملابس مدنية كما في إسرائيل".
فقه المآلات
وبين الشيخ القرضاوي أن من يقوم بحمل هموم الأمة هم مجموعة حكماء الأمة، أهل الحل والعقد، أهل الكياسة والخبرة، وليس الأفراد، موضحا أنه من المهم معرفة "فقه الموازنات" أي الموازنة بين المصالح والمصالح، والمفاسد والمفاسد، والمفاسد والمصالح، و"فقه الأولويات" أي ما يأتي أولا بحسب الأهمية، وأيضا "فقه المآلات" أي البحث في نتائج العمل، فقد يكون العمل مفيدا في الحال لكن يترتب عليه نتائج خطيرة.
واختتم هويدي حواره قائلا: "إذا قارنا بين الشيشان وتترستان، فسنجد أنه رغم أن الشيشانيين دفعوا ثمنا باهظا من دماء أبنائهم وعمران بلادهم فلم يحققوا الاستقلال المنشود، بينما يعيش المسلمون في تترستان في وضع أفضل، استطاعوا من خلاله أن يخدموا دينهم ومجتمعهم، عندما توصلوا إلى صيغة تسمح لهم بالتعايش مع الإدارة الروسية"، مشيرا إلى أن الضرر الذي لحق بهم لوجودهم داخل روسيا أقل كثيراً مما لحق بالشيشانيين كبشر وكبنيان اجتماعي واقتصادي.
المصدر
- مقال:الإسلام لا يجيز استهداف المدنيينموقع:الشبكة الدعوية