الإخوان والنقابات فى عهد مبارك
مركز الدراسات التاريخية (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
محتويات
مقدمة
بالرغم من حالة التضييق وتجفيف المنابع التى مارستها الأنظمة الحاكمة المتعاقبة منذ ثورة يوليو 1952 إلا أن جماعة الإخوان استطاعت أن تحافظ على الفكرة والتنظيم بالإضافة إلى استغلال بعض الفضاءات المتاحة لتحقيق نقاط انتشار سواء على الصعيد الفكرى أو السياسى والمجتمعى،وقد شهدت فترة الثمانينات تطور كبير فى الفكر السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت النقابات المهنية أولى ثمار ونتاج هذا التطور الذى ذكرناه سابقاً.
المبحث الأول: الإخوان والنقابات المهنية (النقاط البديلة)
كانت النقابات المهنية وهى استمرار طبيعى للجامعات المصرية بمثابة نقطة بديلة سعت جماعة الإخوان من خلالها لفرض انتشارها ووجودها السياسى والمجتمعى، ومحاولة تعويض المعوقات السياسية التى فرضها النظام ضدها، فقد دشنت الجماعة فكراً جديداً خاصاً بها وهى ضرورة انشاء قواعد بديلة كمؤسسات مجتمعية تكتسب شرعية قانونية وشعبية فكان المنفذ لذلك هى النقابات المهنية وهى مايمكن اعتباره كاستثمار ناجح لفترة الجامعات.
فمن اللافت للنظر أن عددا كبيرا من الشباب الذين مثلوا قاعدة للجماعات الاسلامية في أواسط وأواخر السبعينيات يظهرون ثانية في سنوات لاحقة كمرشحين للتيار الاسلامي "الإخوان المسلمين" في النقابات المهنية وفي نوادي أساتذة الجامعة وفي مجلس الشعب.
ومن بين هؤلاء القادة: دكتور عصام العريان أمير كلية الطب جامعة القاهرة، وتم انتخابه في مجلس الشعب وكان أصغر أعضائه سناً في 1984، وحاليا هو عضو في مجلس نقابة الأطباء، هناك أيضا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة 1975ـ1976؛
وقد انتخب كأمين عام لنقابة الأطباء في 1988 وهناك الدكتور حلمي الجزار أمير الأمراء السابق للجماعة الاسلامية وانتخب كأمين عام مساعد لنقابة الأطباء بالجيزة في 1984، وأخيرا يوجد المهندس أبوالعلا ماضي النائب الأول لرئيس اتحاد طلاب مصر عام 1978 وانتخب كأمين عام مساعد لنقابة المهندسين عام 1988.
يقول د. عبد المنعم أبو الفتوح:
- "من الطبيعي أن اصحاب الرأي يرغبون أن يكون لهم دور، بعد التخرج بحث هؤلاء الطلبة عن مكان للاستمرار في نشاطهم فيه، وتوجه معظمهم إلي النقابات المهنية نظراً للقيود الموضوعة علي النشاط الحزبي".
وكان أعضاء الحركة الاسلامية علي وعي أفضل باحتياجات الخريجين وهمومهم نظراً لتقاربهم في السن والطبقة الاجتماعية وخبرة أولئك القادة بواقع خريجي الجامعة التي تفوق خبرة رؤساء الاتحادات الطلابية السابقين،
وكما قال الدكتور حلمي الجزار:
"كنا شباباً مثل الطلبة وواجهنا تحديات مثلهم فنجح البعض فيها ولم ينجح البعض الاخر. وأنا عندي أصدقاء أصغر مني سناً وأسألهم عما يواجهون من مشاكل: فأنا حقيقة أريد أن أعرفها".
ويضيف قائلاً:
- كان قادة النقابات من قبل يجلسون في مكاتبهم وينتظرون أن يأتي الأطباء إليهم، ولكن كانت غلطة واضحة.فنحن (التيار الاسلامي) نذهب الي الاطباء في العيادات والمستشفيات لنسألهم عن مشاكلهم وشكواهم، وقد أكد الاستفتاء الذي يهدف الي معرفة أهم مشاكل الاطباء وجود مشاكل جيل".
فالأطباء الأصغر سنا يواجهون مشاكل أكثر، فعلي سبيل المثال انخفضت نوعية التعليم الطبي إلي حد كبير في السنوات الحالية نظراً لزيادة عدد طلاب كليات الطب، فلقد كان هناك أستاذ واحد لكل عشرة أو خمسة عشر طالباً، والآن يحاول آلاف الطلبة أن يحصلوا علي نفس نوعية التعليم في نفس الكليات. وبهذا لا توجد فرصة حقيقية للتعليم العملي.
وبالمثل قال المهندس أبوالعلا ماضي:
- "حتي عام 1985 كان معظم المهندسين ممن يحكمون النقابة أناساً روتينيين ولا يهتمون بمشاكل أعضاء النقابة".
ولقد كان هناك انفصال تام بين القادة والأعضاء، ولم يعرف القادة السالفون معني المعاناة من البطالة والبحث عن سكن وركوب الحافلات،أما نحن مثل المهندسين العاديين، فنحن نعيش في نفس مستوي المعيشة وأقل منه.
فالمهندسون الشبان يرون أننا نستطيع تفهم مشاكلهم والتحدث عنها، لذا فهم يشعرون بتضاؤل الفجوة بينهم وبين قادتهم. (1)
وتعتبر النقابات المهنية من أهم محطات الانطلاق التى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين فى تاريخ انتشارها فى مرحلة مابعد التاسيس وكانت مدخلاً مهما للمشاركة بفعالية فى العملية السياسية من خلال الانتخابات التشريعية بعد ذلك.
فمن المعروف أن النقابات المهنية في مصر منذ الخمسينات كانت تحت سيطرة شبه كاملة من قبل النظام وقد تحولت هذه النقابات على يد النظام الناصري إلى مجرد جزء من جهاز الدولة وأصبح دورها فقط تنظيم شئون المهنة.
وبسبب التوسع الهائل في التعليم العالي منذ الستينات تحولت النقابات المهنية من تشكيلات نخبوية إلى مؤسسات ذات طابع جماهيري حيث وصل عدد الأعضاء ببعض النقابات إلى مئات الآلاف. وقد وصل عدد الأعضاء المقيدين بالنقابات المهنية إلى أكثر من مليوني عضو مع بداية التسعينات.
وبما أن عضوية النقابات شبه إجبارية للخريجين فقد شملت ليس فقط المهنيين العاملين بل أيضاً الأعداد المتزايدة من المهنيين العاطلين. وتحولت التركيبة الطبقية للعضوية النقابية لتشمل كبار أصحاب الأعمال من مالكي الشركات الهندسية والمستشفيات الخاصة والمكاتب الاستشارية والقانونية وسلاسل الصيدليات إلى جانب القطاع الأوسع من المهنيين العاملين بالحكومة والقطاع العام والدرجات الأدنى في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الخريجين العاطلين أو المضطرين لمزاولة عمل مأجور خارج إطار المهنة.
وقد زادت عضوية النقابات المهنية بشكل سريع منذ السبعينات بمعدل 10% سنوياً وهو انعكاس مباشر للتوسع التعليمي. وبالطبع ليس كل من هو مقيد في النقابات المهنية عضو نشط بمعنى قيامه بدفع الاشتراكات ليصبح له بالتالي الحق في التصويت.
وقد تراوحت نسبة العضوية النشطة في أوائل التسعينات بين نصف وثلثي العضوية المقيدة. ومن الملاحظ أن أكثر من نصف الأعضاء النشطين في هذه النقابات من الشباب حديثي التخرج.
وقد مثلت النقابات المهنية موقعاً مثالياً للإخوان المسلمين منذ الثمانينات. فمن جانب كان العمل بالنقابات التطور الطبيعي للنجاح الذي حققوه سابقاً في الجامعات.
فالخريجين الذين تم كسبهم في الجامعة سرعان ما وجدوا في النقابات المهنية مجالاً خصباً لاستثمار خبرتهم السياسية والتعبوية. والطبيعة الطبقية المتناقضة لعضوية تلك النقابات كانت تتماشى مع وسطية الإخوان ومفاهيمهم الطبقية التوافقية.
ومن جانب النظام فكان السماح للإخوان بالنشاط داخل النقابات المهنية يشكل مخرجاً من عدة مشكلات. أولاً كانت صعوبة المواجهات مع الحركات الإسلامية المسلحة تستدعي درجة من المرونة مع الإخوان الرافضين للعمل المسلح والمهادنين بشكل عام. وثانياً كان تصور النظام أن دخول الإخوان العمل النقابي المهني سيساعد على استيعابهم والسيطرة عليهم.
شارك الإخوان في انتخابات نقابة الأطباء عام 1984 وخلال عامين أصبح لهم قوائم في انتخابات نقابات المهندسين وأطباء الأسنان والزراعيين والصيادلة والصحفيين والتجاريين والمحاميين.
وقد حصل الإخوان في نقابة الأطباء على سبعة مقاعد من ضمن 25 مقعد يشكلون مجلس النقابة عام 1984. بعدها توسع نفوذهم في نقابة الأطباء خلال السنوات الست التالية بصورة مذهلة حيث وصل عدد الإخوان في مجلس النقابة عام 1990 إلى 20 مقعد.
العام | العضوية | المسجلة | إجمالي الأصوات التيار الإسلامي |
1984 | 60.000 | 12.600 | 5000 (40%) |
1986 | 70.000 | 11.800 | 6000 (51%) |
1988 | 80.000 | 19.100 | 12000 (63%) |
1991 | 90.000 | 21.000 | 15000 (71%) |
وقد شارك الإخوان في نقابة المهندسين منذ عام 1985. وفي 1987 فاز الإخوان بـ45 مقعد من ضمن 61 مقعد في مجلس النقابة. وقد سيطر الإخوان على واحدة تلو الأخرى من النقابات المهنية حتى توجت تلك الإنتصارات في انتخابات نقابة المحاميين، معقل النشاط السياسي الوطني عام 1992 حيث حققوا فوزاً ساحقاً. (2)
وبرزت قوى التيار الإسلامى على ساحة العمل النقابى بالذات منذ منتصف الثمانيات وتمثل ذلك فى ظاهرتين:
- الأولى: هى نجاح أنصار التيار الإسلامى فى تشكيل مجال بعض النقابات المهنية.
- والأخرى: ازدياد الأنشطة الفكرية والنقابية والخدمية التى يقوم بها هذا التيار من خلال اللجان الفرعية والنوعية داخل النقابات.
ويمكن التمييز بين قوة التيار الإسلامى فى النقابات المهنية على وجه التحديد مقابل ضعفه أو غيابه فى النقابات العمالية، كما يمكن التمييز أيضاً بين درجة حضوره وقوته فى بعض النقابات الأولى مقابل ضعفه أو تقلص نشاطه فى بعضها الآخر.
اذ رغم البروز الواضح للقوى الإسلامية فى بعض النقابات المهنية إلا أن الأمر كان على عكس ذلك فى النقابات العمالية والتجمعات الأخرى ذات الطبيعة الاقتصادية مثل الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال التى يكاد يغيب عنها أى نشاط لهذه القوى ولم يشكل التيار الإسلامى قوة فاعلة داخل النقابات العمالية فى 1987
حيث لم يسجل التيار الإسلامى سوى نجاح محدود اعتمد فى الأساس على مؤيديه فى قطاع الانتاج الحربى والصناعات الهندسية، ويفسر بعض أعضاء الحركة الاسلامية هذه الظاهرة باهتمام هذه النقابات بالقضايا اليومية والحيايتة على حساب القضايا الكبرى أو الإسلامية بالاضافة الى الثقل الذى يتمتع به مرشحو الحزب الوطني الحاكم فى هذا المجال من خلال وضعهم فى السلطة.
وبالمثل فإن غياب النشاط الإسلامى عن التجمعات الأخرى ذات الطابع الاقتصادى مثل الغرف التجارية والصناعية وجماعة رجال الأعمال يرجع إلى طبيعة اهتمامات هذه التجمعات والتى تحكمها اعتبارات المصلحة فى المقام الأول؛
ويورد أنصار الحركة الإسلامية سبب آخر لاحجام التيار الاسلامى عن دخول هذه التجمعات هو "ارتباطها الشديد بالعالم الغربى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية" وبالتالى فإن الهدف هو عزلها وليس الاندماج فيها حتى يسهل ضربها وفقاً للاستراتيجية الأشمل التى تحكم الحركة الاسلامية ورؤيتها لتغير المجتمع. (3)
فقد أدت المواجهة بين الدولة وأحزاب المعارضة إلى تركيز هذه الأحزاب والقوى السياسية وخصوصاً الإخوان المسلمين على استخدام النقابات كساحة للعمل السياسى، وللتعبير عن مواقف معارضة لسياسة الدولة، وفى مجال هذا الدور السياسى، استخدمت النقابات مختلف أساليب العمل السياسى للتعبير عن آرائها مثل؛
إصدار البيانات السياسية والتنسيق مع الصحافة الحزبية والخاصة، وتنظيم الاجتماعات والندوات السياسية والسعى للتعاون مع النقابات الأخرى، ومنذ أواخر الثمانينات حتى منتصف التسعينات بدت نقابات المهندسين والأطباء والمحامين بمنزلة منابر سياسية لجماعة الإخوان المسلمين؛
وظهرت هذه النقابات بوصفها منابر سياسية بديلة ، استطاعت اجتذاب القوى السياسية التى عجز الكيان الحزبى عن استيعابها، حتى كادت الفوارق بين النقابات المهنية والأحزاب السياسية ان تختفى، وبينما نظرت النقابات المهنية التى شهدت هذا التطور إلى ذلك باعتباره دليلاً على مزيد من الوعى السياسى الجماعى؛
فإن النقابات الأخرى وعدداً من الأحزاب اعتبرته من خلط الأوراق وتداخلاً بين الأدوار؛ مما يؤثر على الاستقرار السياسى على نحو يدعو إلى ضرورة وضع الحدود بين ماهو نقابى وماهو حزبى. (4)
وإجمالاً فقد عمل الإخوان على تفعيل الدور السياسي للنقابات للتعويض عن غيابهم عن مجلس الشعب وربما عدم فاعلية مجلس الشعب كمؤسسة سياسية واستخدموا جميع الوسائل والموارد المتوفرة في النقابات لخلق حالة من الوعي السياسي بدلا من اللامبالاة السياسية التي كانت مستشرية بين أوساط طبقات المهنيين في بداية الثمانينيات؛
واستخدم الإخوان النقابات في عقد لقاءات ومؤتمرات جماهيرية لمناقشة الإصلاح السياسي خاصة بعد قرارهم بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب وكان يدعي إلى هذه الملتقيات ممثلون عن الأحزاب السياسية وعن قيادة تنظيم الجماعة واستخدم الإخوان أيضا الفضاء الجامعي كما فعلوا في النقابات كمنابر سياسية لانتقاد مواقف النظام؛
ففي أثناء حرب الخليج مثلا انضمت الجامعات إلى النقابات وإلى هيئات التدريس في الجامعات وبتنسيق من الجماعة في تنظيم تظاهرات للاحتجاج على الحرب التي شنت على العراق وعلى مشاركة القوات المصرية في التحالف جري توزيع استبيانات على الطلبة في جامعة الإسكندرية مثلا وطلب منهم فيها الإدلاء بتعليقاتهم حول القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بإرسال قواتها إلى الخليج وحول الأسباب التي تقف خلف وجود الولايات المتحدة في الخليج وكيفية تصورهم للوجود الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.
المبحث الثانى: الإخوان والنقابات.. الفكرة والانتشار
يقول دكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد أبرز رموز جيل السبعينات:
- إن التلمساني ومجموعة السبعينيات (من قادة الحركة الطلابية) كانوا أهم أصحاب فكرة دخول النقابات وبعدها مجلس الشعب، ويضيف كان كل تفكير جيلنا من شباب الجماعة منصبا علي كيفية تعامل الدولة معنا بعد أحداث 1981 التي نتج عنها مقتل السادات، وإلي أي مدي ستسمح لنا بالتحرك السياسي؛
- فلم تكن الأمور واضحة تماما فيما يتعلق بعلاقتنا بالدولة، ولكننا فكرنا مباشرة (بعد الخروج من السجون عام 1982) في البحث عن متنفس للعمل والتحرك وبدأنا في عقد اجتماعات أطلقنا عليا "اجتماعات الخريجين" بدأنا اللقاءات الأولي في كلية طب قصر العيني حيث جمعنا فيها خريجي كليات الطب أولا، ثم حضر معنا رموز من أعضاء الجماعات الإسلامية التي تبنت خط الإخوان من خريجي كل الجامعات المصرية، وكانت المفاجأة أن الدولة لم تعترض طريقنا.
- ويوضح أبوالفتوح أن المقصود من هذه اللقاءات كان التباحث حول أطر للعمل بعيدا عن الحقل الطلابي الذي لم يعد يسعنا، خاصة وقد تركنا الجامعة، وبدأت هذه اللقاءات "ودية" وعاطفية ثم سرعان مابزغت من خلالها فكرة العمل النقابي ودخول انتخابات مجالس إدارات النقابات المهنية.
- ويؤكد أبوالفتوح أن القرار النهائي الخاص بترشيح الإخوان في انتخابات النقابات المهنية جري اتخاذه في أواسط عام 1983، وكانت أول نقابة خضنا فيها الانتخابات هي نقابة الأطباء، ويلفت أبوالفتوح إلي أن المثير في الأمر أن كلية الطب كانت هي الكلية الأولي أيضا التي رشحنا أنفسنا فيها في انتخابات الاتحادات الطلابية في السبعينيات؛
- ويضيف كان الانتخابات وقتها للتجديد النصفي ودخلنا بسبعة مرشحين ضمن اثني عشر مرشحا ونجحنا جميعا، والغريب أننا حصلنا داخل المجلس علي خمس لجان بينها الأمين العام المساعد والوكيل وأمين الصندوق علي الرغم من أننا كنا سبعة من أصل 24 عضوا كان هذا في أبريل عام 1984 ثم دخلنا في 1986 نقابة المهندسين ثم توالت انتصاراتنا داخل النقابات.
كما يروى د. السيد عبدالستار المليجي" أمين عام نقابة المهن العلمية سابقاً" تفاصيل التفكير فى العمل النقابى والمجموعة الأولى التى أسست لهذا العمل فيقول:
- تكفي هنا الإشارة إلى أن جميع قيادات قسم الطلاب تم نقلها إلى قسم المهن والنقابات بالإخوان ووجدنا أنفسنا نحن الفريق المتكامل مرة ثانية في قسم واحد جديد (عبد المنعم أبو الفتوح، السيد عبد الستار، أنور شحاته، أبو العلا ماضي، محمد عبد اللطيف، صلاح عبد الكريم، حسام حسين وممثل لكل مهنة على النحو التالي: "حسب ذاكرتي"
- الزراعيين: د. توفيق مسلم
- المعلمين: أ. علي لبيب
- الأطباء: عبد المنعم أبو الفتوح
- العلميين: السيد عبد الستار
- الصيادلة: تغيروا كثيرا
- أطباء أسنان: تغيروا كثيرا
- المحامين: مختار نوح
- الصحفيين: محمد عبد القدوس
- الإعلاميين: بدر محمد بدر
- المهندسين: محمد علي بشر)
وأصبحنا الفريق الذي أوكل إليه أخونة النقابات المهنية.
وفي غضون عامين أصبحت النقابات المهنية أعلى صوت إخواني في مصر، وسمعت الدنيا كلها بالنقابات المهنية في مصر واستطاع الفريق أن يحقق بفضل الله تقدما ملموسا في حركة النقابات المهنية على كافة الأصعدة، وارتج لما حدث نظام الحكم فأصدر القانون 100/ لسنة 93 ليوقف زحفنا وما استطاع فكانت قضية النقابات المهنية عام 1995 وساقونا للمحاكمات العسكرية مع آخرين، وبذلك تراجع النشاط في النقابات المهنية. (5)
وكان حضور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية "ظاهرة طبيعية" ويرجع ذلك إلى أن أغلب الإخوان كانوا طلابا في السبعينيات وتخرجوا في الثمانينيات واحتاجوا إلى البحث عن وظائف في الميادين المهنية المناسبة وكانت العضوية في النقابة المعنية شرطا مسبقا للحصول على وظيفة كما أن النقابة كانت توفر مزايا لا غني عنها مثل معاشات التقاعد والتأمين الصحي المدعوم وتساعد على الحصول على تأشيرات للعمل في الخارج؛
وسواء أكان الخريجون موظفين أم لا , فإنه يحق لحملة الشهادات في أغلب المهن الانتساب إلى عضوية نقابة مهنته أو تخصصه وسرعان ما لعب الإخوان دورا ناشطا عندما بدأوا في منتصف الثمانينات بتنظيم أنفسهم وخوض انتخابات مجالس إدارة النقابات وأينما ذهبوا سواء في الجامعات و في النقابات فإنهم كانوا يعملون كناشطين وكانوا يؤدون مهمتهم السياسية ولفكن مقارنة بما هو الحال في الجامعات كان لنشاط الإخوان في لنقابات مغزي أكثر أهمية .
فأعضاء النقابات ينتمون إلى المهنيين من أبناء الطبقة الوسطي الذين لديهم مطالب وهموم أكثر تعقيدا من الحصول على الكتب الرخيصة أو حضور صفوف للمراجعة الدراسية فالعديد من هؤلاء المهنيين موظفون أصلا في القطاع العام أو الخاص ويتمتعون بدرجة من الاستقلالية المادية؛
فضلا عن أن لديهم إمكانية أكبر للتحرك في المجتمع والتأثير فيه من الطلاب الجامعيين وعلى العكس من أغلب الطلاب الذين لم يبلغوا السن القانونية للتصويت كان يحق للمهنيين التصويت في الانتخابات البرلمانية وبالتالي كان لهم تأثير سياسي قوي لا يمكن إهماله.
ولو عدنا إلى الفترة التي سبقت منتصف الثمانينيات فسنجد أن أغلب النقابات كان ساحات تستخدم (أو يساء استخدامها) من قبل رئيس النقابة أو النقيب ومن دائرته المغلقة من المعارف للحصول على الامتيازات التي توفرها لهم النقابة إضافة إلى الامتيازات المالية بحكم وضعيتهم ومن ناحية أخري كانت ميزانيات النقابات محدودة بحيث كان من المتعذر عليها توفير خدمات مهمة لهذا العدد الكبير من أعضائها ولهذا؛
ومنذ البداية وعد الناشطون الجدد مثل العريان وأبو الفتوح والجزار وماضي الذين تطلعوا إلى خوض الانتخابات ناخبيهم بتوفير الخدمات لأعضاء النقابة بالإضافة إلى وعودهم بمحاربة الفساد الإداري والمالي .
ولطالما كانت الحملات الموجهة ضد الفساد عناصر جذابة وفعالة في الخطاب السياسي العربي ومبارك نفسه بدأ عهده بحملة منظمة ضد الفساد كوسيلة لكسب الدعم الشعبي وقام الإخوان المسلمون بالأمر نفسه في النقابات؛باستثناء أنهم طبقوا سياساتهم على نحو أكثر انسجاما وجاذبية
وفي هذا الصدد درست د.أماني قنديل أداء الإخوان في النقابات وتشير بناءً على اطلاعها على عدد كبير من الوثائق التي تتعلق بكيفية إدارة النقابات قبل منتصف الثمانينات أن الجماعة أبلت بلاء حسنا بالفعل في محاربة الفساد
تقول د. أمانى قنديل:
- " اطلعت على العديد من الدعاوي القضائية التي رفعها الإخوان المسلمون ضد ممارسات فاسدة متنوعة كانت تحدث في النقابات.
- وتؤكد قنديل بأن الإسلاميين نجحوا في النقابات في وقف سوء استخدام الموارد وتمكنوا لأول مرة من تحقيق فوائض كبيرة في ميزانيات النقابات التي سيطروا عليها واستنادا إلى أحمد النحاس أمين الصندوق في فرع نقابة المهندسين بالإسكندرية فقد بلغت ميزانية نقابة المهندسين مثلا في العام 1994 خمسة عشر مليون جنيه مصري مقارنة مع 230 جنيها مصريا فقط في العام 1986.
- وسبق لأعضاء الإخوان في النقابات أن كانوا نشطين في الاتحادات الطلابية (العريان وأبو الفتوح في جامعة القاهرة , وأبو العلا ماضي في جامعة أسيوط مثلا) وبناء على ذلك لم تتبدد خبراتهم الإدارية والتنظيمية التي اكتسبوها في الجامعات أو تضيع هباء وبفضل تنظيم الجماعة وشبكاته المنظمة التي تشمل أقسامه ومكاتبه
- كما شرحت جري تطوير هذه الخبرات نقلها إلى النقابات واستنادا إلى أبو العلا ماضي كان عبد المنعم أبو الفتوح هو أحد الرموز التي حافظت على الصلة بين الجامعات والنقابات
- فيقول أبو العلا ماضي:
- "كان أبو الفتوح شخصية مهمة بالنسبة إلى أدائنا في النقابات لأنه سبق أن كان شخصية مهمة في الحركة الطلابية في السبعينيات كما أنه آمن بضرورة مشاركة الإسلاميين في الاتحادات الطلابية وآمن بأنه ينبغي علينا أن نفعل كإخوان الشئ نفسه في النقابات .
- وقد شجع نجاح أبو الفتوح في نقابة الأطباء في العام 1984 الإخوان على خوض انتخابات مجالس الإدارة في النقابات الأخرى وسرعان ما نال أعضاء الجماعة عضويه مجالس نقابة المهندسين (في العام 1986) ونقابة الصيادلة (في العام 1988)
- وفي البداية وباعتبار أن الإخوان كانوا يحاربون الفساد المتأصل في النقابات لم يكن بمقدورهم سوي أن يعيدوا طرح خدمات شبيهة بالتي كانوا يقدمونها إلى الطلاب في السبعينيات مثلا كان أحمد النحاس طالبا رائدا من الإخوان في جامعة الإسكندرية في العام 1978؛
- وقد عمل على تنظيم معارض لبيع السلع المعمرة (مثل الغسالات والثلاجات , والأثاث المنزلي وما إلى ذلك) في الجامعات للطلاب وعائلاتهم وعندما أصبح أمين الصندوق في نقابة المهندسين في فرع الإسكندرية نظم عمليات بيع مماثلة بدءا من العام 1985 وأول صفقتي مبيعات كانتا مشابهتين للصفقات التي أبرمها في السبعينيات لكن سرعان ما تطورت أماله لتلبي الحاجات للأعضاء المنهيين وقد حققت هذه المبيعات رواجا شديدا بحيث وصلت الأرباح التي جنتها النقابة إلى 20 مليون جنيه مصري؛
وأدرك النحاس أهمية الخدمات بدلا من الخطاب السياسي في الفوز بتأييد شريحة المهنيين في انتخابات مجلس إدارة النقابة في:
- " السنين القليلة التي أعقبت ترسيخ تواجدنا في النقابات لم نفعل شيئا سوي تقديم الخدمات عرفنا أن الناس سينصتون إلينا إن نحن عالجنا همومهم أولا بطريقة عملية بدلا من مجرد التحدث إليهم عن السياسة منذ البداية وكانت تلك خير وسيلة لتعبئة الناس لدعم سياساتنا دور السياسة يأتي بعدئذ"
وهذا التوجه السياسي في توفير الخدمات لتلبية حاجات الجماهير الشابة هي التي منحت الإخوان الشعبية وبالتالي تحقيق الفوز في الانتخابات؛
واستنادا إلى النحاس :
- " معظم الذين صوتوا لنا في الانتخابات النقابية سواء كان عددهم ثلاثة آلاف أم أربعة آلاف كانوا في الأساس من المهنيين الشباب الذين تعرفنا عليهم منذ أن كنا طلابا وهذا جعل من السهل علينا التواصل معهم بلغة يمكنهم فهمها والتجاوب معها والناخبون الأكبر سنا الذين لم يتسن لهم التعرف علينا سابقا آثروا التصويت لأصدقاء عائلاتهم في مقابل الحصول على امتيازات شخصية .
- وطرح الإخوان في نقابة الأطباء في العام 1986 مشروعهم الشهير المتعلق بالتأمين الصحي إذ لم يكن في مقدور أغلب الأطباء الخريجين تحمل التكاليف الباهظة للعلاج في المستشفيات الخاصة وشعر العديد منهم بالمذلة في المستشفيات الحكومية لأنهم لم يكونوا يتلقون الرعاية المناسبة أو الخدمات اللائقة
- واستنادا إلى د.أنور شحاته " رحمه الله" أمين صندوق نقابة الأطباء:
- أحرز مشروع التأمين الصحي نجاحا كبيرا في أوساط الأطباء الشباب لأنه هدف إلى استعادة " كرامتهم ومكانتهم في المجتمع " كما وفر لهم المشروع ووفر لعائلاتهم الرعاية الصحية اللائقة وبأسعار معقولة ومقابل هذا العقد الاجتماعي المتنامي بين الإخوان والطلبة والمهنيين كان العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع يتعرض للتآكل ولا سيما في الميدان الاقتصادي .
- لقد كانت أكثر الخدمات تقديرا وأوسعها شعبية في النقابات هي الخدمات الخاصة بالرعاية الصحية فمن الناحية الشكلية يحصل أعضاء النقابة على علاج مجاني ولكنه المستوي في المستشفيات الحكومية وفي حال آثروا تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة فعليهم ان يدفعوا مبالغ كبيرة من كلفة العلاج؛
- وكان كلا الخيارين غير عملي بالنسبة إلى كثير من الخريجين الشباب ومن أبناء الطبقة الوسطي ولذلك طرح الإخوان سنة 1988 رؤيتهم الخاصة بالرعاية الصحية على نقابة الأطباء وقد تضمن مقترحهم دعم علاج أعضاء النقابة وعائلاتهم في المستشفيات والعيادات الخاصة؛
- وفي العام 1988 بلغ عدد المستفيدين من هذا المشروع أكثر من (17600) طبيب و (43960) من أفراد أسرة الأطباء وجري توسيع هذا المشروع في السنة التالية (أى سنة 1989) ليشمل نقابة المهندسين حيث وصل عدد المستفيدين منه إلى (72000) وقد أظهرت أرقام المستفيدين حجم الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات الصحية على الرغم من نظام التأمين الصحي القائم الذي ترعاه الدولة .
- وقد قام بوضع لبنات مشروع علاج المهن الطبية الأولي سنة 1987
- د. عبد الفتاح إسماعيل
- د. عبد القادر حجازي
- د. مدحـت عـاصم
- د. أحمد إمـــام
- د. أنور شحاته
- د. مراد عبد السلام
- د. محمود عبد المقصود
- د. محمد فوده
- د. عـبد العـزيز بغاغو
- د. إبراهيم مصطفي
- د. محمود الـبربري
- د. أحمد التاجي. (6)
كما نظم الإخوان معارض مبيعات ضخمة للأثاث والغسالات وغازات المطابخ والثلاجات وغيرها من الأدوات التي يحتاج المهنيون الشباب إلى تزويد منازلهم بها وبأسعار مخفضة أو بالتقسيط ودون فوائد ومرة ثانية جاءت هذه الأفكار تلبية لاحتياجات شريحة طالما أهملها النظام .
ولم تكن شعبية الإخوان تكمن في تقديم هذه الخدمات فحسب وإنما بالطريقة الفعالة التي كانت تقدم بها ولم يتسن للجماعة أن تقوم بذلك من دون الاستناد إلى شبكتها التنظيمية التي وفرت لها حالة من التنسيق والكفاءة ضاعفت من قاعدة شرعيتها بل جعلت هذه الشرعية تتسم بأنها " شرعية منظمة وليست مبعثرة أو عشوائية".
فقد دخل التيار الإسلامي في انتخابات النقابات المهنية لأول مرة عام 1984 عندما قيد قائمة من المرشحين لمقاعد المجلس التنفيذي لنقابة الأطباء، وفي عام 1985 دخل التيار الإسلامي تحت لافتة "الصوت الإسلامي" في انتخابات نقابة المهندسين، ثم استمر في الترشيح إلي انتخابات نقابات أطباء الأسنان والعلميين والزراعيين والصيادلة وكذلك في انتخابات الصحفيين والتجاريين والمحامين.
وقد أدت المكاسب الأولية للتيار الإسلامي إلي تكوين جبهات سياسية مضادة تضم المرشحين العلمانيين واليساريين والليبراليين وفي بعض الحالات انضم اليهم مرشحو الحكومة، وفي نفس الوقت كانت هناك قوائم انتخابية تقليدية قائمة علي قطاع او مكان العمل (مثل قائمة مهندسي الجيش في نقابة المهندسين او قائمة قصر العيني في نقابة الأطباء) ويرأس هذه القوائم وزير ذو نفوذ او مرشح حكومي، وكانت تعتبر من العوامل المؤثرة علي انتخابات النقابات آنذاك وكذلك الأمر بالنسبة للمرشحين المستقلين.
فقد دخل التيار الإسلامي انتخابات الأطباء لأول مرة ككتلة منظمة في عام 1984، ولكن طبقا لقول عبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، وأحد رموز التيار الإسلامي فإن الانتخابات كانت تضم مرشحين من المتعاطفين مع المبادئ الإسلامية منذ فترة طويلة، وأن أفكار الإخوان المسلمين كان لها أتباع كثيرون بين الأطباء.
ووفقا لأبو العلا ماضى إلا أن أهم ماميز انتخابات 1984 هو أنه لأول مرة تم تكوين قوائم علي أساس فكري وليس علي أساس مكان العمل أو خطوط قطاعية وفي انتخابات 1984 فاز التيار الإسلامي بسبعة من مقاعد المجلس التنفيذي لنقابة الأطباء البالغ عددها 25 مقعداً، وبحلول عام 1990 فاز بجميع المقاعد.
وفي عام 1986 فاز التيار الإسلامي بستة آلاف من إجمالي الأصوات البالغة (11800) وفاز أيضا بــ (12000) صوت من (19000) في عام 1988.
أما في سنة 1990 فقد زاد عدد الناخبين حتي وصل إلي (21500) حصل التيار الإسلامي من بينها علي (15000) وكما قلنا من قبل تختلف تقديرات أعداد الأعضاء العاملين في النقابات، ولكن إذا تقبلنا الافتراض الشائع بأن حوالي (45000) كان لهم الحق في التصويت عام 1988 يبدو أن معدل الإدلاء بالأصوات ارتفع من حوالي 7 % في 1980 إلي أكثر من 35% في 1988، وطبقا لما جاء في مجلة "الأهرام الاقتصادي" وصل معدل التصويت إلي 45% في 1990.
وكما لاحظت د.أماني قنديل فإن عدد الأطباء المسجلين قد تضاعف في 1980 من (40000) إلي (88000) بينما ازداد عدد الناخبين ست مرات من (3000) في 1970 إلي (19000) في 1980.
وباختصار فإن التيار الإسلامي نجح في السيطرة علي المجلس التنفيذي لنقابة الأطباء بفوزه في أربع انتخابات متتالية وبنسب متزايدة.
فبينما لم يستطع الفوز إلا بــ 50% فقط من الأصوات في 1986، ارتفع نصيب التيار الإسلامي إلي 63% في 1988 ووصل إلي 70% في 1990. وهذه النتائج لافتة للنظر نظراً لشدة المنافسة بين ثلاث جبهات انتخابية وهي القائمة الإسلامية والقائمة اليسارية الليبرالية وقائمة الحكومة التي تشرف عليها وزارة الصحة بنفسها، هذا إلي جانب أن ثلث أعضاء النقابة من الأقباط.
إن وجود جبهات متعددة منظمة متنافسة قد يساعد علي تفسير سبب تمتع نقابة الأطباء بأكبر نسبة حضور للانتخابات بين جميع النقابات.
ومع ارتفاع نسبة الاشتراك في الانتخابات ،فإن التيار الإسلامي قد حظي بنصيب الأسد في الأصوات الجديدة، مما يدل علي أنه استطاع اجتذاب تأييد الخريجين الجدد الذين التحقوا بالنقابات في الثمانينيات ،وقد أيد هذا الرأي كل المرشحين والمراقبين علي الساحة السياسية ككل.
وعلي صعيد آخر حقق التيار الإسلامي أو الصوت الإسلامي نصرا متزايداً في نقابة المهندسين التي تعتبر من حيث الحجم أكبر من نقابة الأطباء بمقدار الضعف ،وهي مقسمة إلي سبع شعب، وكانت انتخاباتها تتميز بالمنافسة بين عدة فئات أو مصالح يتم تنظيمها تبعاً للقطاعات أو المهن.
وقبل دخول التيار الإسلامي في نقابة المهندسين تنقلت السلطة فيها بين تحالفات تمثل تجمعات مثل مهندسي الري والمدنيين (خاصة في عهد عبد الناصر) ومهندسي شركة المقاولين العرب (الذين برزوا في فترة الانفتاح) ومهندسي الجيش (الذين ظلوا جبهة انتخابية قوية طوال الثمانينيات).
ومن عام 1979 حتي 1991 كان عثمان أحمد عثمان رئيس مجلس إدارة المقاولين العرب ورجل الصناعة الأول في مصر، يستغل منصبه علي رأس النقابة ليحولها إلي إمبراطورية صناعية ومالية تمتلك أغلب الأسهم في ست عشرة مؤسسة صناعية وبنكية في مجال التأمين والإسكان والغذاء.
وقد تكون الصلات الحميمة التي ربطت عثمان أحمد عثمان مع الإخوان المسلمين منذ عهد بعيد هي السبب في تفسير استعداده للسماح للتيار الإسلامي بدخول النقابة في عام 1985. (7)
وقد حقق التيار الإسلامي انتصارا متواضعا في انتخابات النقابة في 1985، ولكن علي حد قول مهندس أبو العلا ماضي الأمين العام المساعد وأحد قادة التيار الإسلامي ،فإن المعركة الحقيقية كانت في عام 1987 عندما اتحدت الجبهات المختلفة في قائمة واحدة ضد التيار الإسلامي، ومع هذا فقد انتصر التيار الإسلامي؛
ويضيف المهندس أبو العلا قائلا:
- لقد كانوا أقوي منا من حيث التنظيم والتمويل، فلهم السلطة أن يأمروا المهندسين كي يذهبوا الي الانتخابات لكن الحال انقلب فلم يكونوا متأكدين أن هؤلاء الناس سيعطون أصواتهم للجانب الذي يريدونه بــ 54 مقعداً من 61 مقعداً موضع التنافس.
ووفقاً لقول المهندس أبو العلا فإن عدد الناخبين ارتفع من (2000) في 1981 إلي (18000) في 1987 ثم انخفض الي (14000) في 1989 وارتفع ثانية إلي (25000) في 1991 وبالنظر إلي هذه التقديرات تبين ان خمس الناخبين هم الذين اشتركوا في انتخابات النقابة علي المستوي القومي في 1991؛
كما أنه يلاحظ أن نسبة الاشتراك في الانتخابات ترتفع في الأقاليم عن المدن الكبري ففي القاهرة الكبري كان هناك (45500) عضو عامل (حوالي 60ـ 70% من الأعضاء المسجلين وفقا لتقديراته) منهم (6000) أدلوا بأصواتهم بنسبة 13% فقط.
وفي انتخابات 1991 فاز التيار الإسلامي بجميع المقاعد في مجالس الشعب السبع (المدنية، والميكانيكية.الخ) بمعدلات تصل الي 5 إلي 1 لأقرب منافسيهم. (8)
كانت النقابات المهنية من أبرز المؤسسات التي شهدت اهتماما كبيرا من جيل السبعينيات الإخواني منذ أوائل الثمانينيات وحتي بدايات الصدام مع الدولة،بدأ ذلك من خلال الانتخابات الرئيسية والفرعية التي شهدتها العديد من هذه النقابات في تلك الفترة والتي أسفرت عن سيطرة التيار الإسلامي (ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين) علي أغلب مقاعد مجالس إدارتها بدأت هذه الظاهرة في نقابتي الأطباء والمهندسين، ثم تبعتها الصيادلة في أواخر الثمانينيات، وامتدت في بداية التسعينيات إلي واحدة من أهم وأقدم النقابات المهنية في مصر وهي نقابة المحامين.
وترصد هالة مصطفي في كتابها السابق الإشارة اليه "الدولة والحركات الإسلامية المعارضة" ملاحظتين مهمتين حول خطة عمل الجماعة في تلك الفترة:
- الأولي: أن غياب التيار الإسلامي عن بعض النقابات المهنية ارتبط بتلك التي اتسمت بقوة علاقتها بالدولة من جهة، وبمحدودية اهتمامها بالقضايا العامة مقابل تركيزها علي القضايا المهنية المحدودة من جهة أخري، أي النقابات التي انخفضت فيها درجة "التسييس" وطغي عليها الطابع المهني
- والثانية: أن نجاح التيار الإسلامي في النقابات ظل مقصورا علي عضوية مجالس الإدارة دون أن يمتد إلي منصب النقيب، حيث كان يشغله في الغالب إحدي الشخصيات المقبولة من الحكومة رغبة من التيار الإسلامي في تجنب أية أساليب للصدام أو المواجهة مع النظام، والاكتفاء مرحليا بتكثيف وجوده علي مستوي مجالس إدارات مختلف النقابات المهنية لتتاح له فرصة التغلغل فيها وتوسيع قاعدة تأييده داخلها كخطوة مهمة للسيطرة الكاملة عليها بشكل تدريجي. (9)
وأرجعت الباحثة الأمريكية "كاري ويكهام"، في رسالة، غير مطبوعة، نالت بها درجة الدكتوراة من جامعة برنستون بالولايات المتحدة حول "صعود الاتجاه الإسلامي في النقابات المهنية في مصر " تحول النقابات المهنية في مصر منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي إلي ميدان للتنافس بين القوي السياسية والاجتماعية المختلفة إلي صرامة القيود المفروضة علي الحراك السياسي في المجتمع، خاصة بعد التحول لنظام التعددية.
حيث كانت مصر هي أول الدول العربية التي تتحول من حكم الحزب الواحد إلي النظام التعددية الأحزاب وذلك بعد فترة الاستعمار، وقد بدأ ذلك التحول في عهد الرئيس أنور السادات في عام 1976 غير أن هذا الانفتاح كما في نظم حكم الفرد الواحد في أي بلد كان يتم بشكل تدريجي وغير متكامل، في حين تم توسيع مجال التنافس السياسي في بعض المجالات جري تقليصها في مجالات أخري. (10)
وتؤكد "ويكهام" أنه خارج نطاق الأحزاب السياسية ظهرت قنوات بديلة أمكن من خلالها لقوي المعارضة أن تعبر عن آرائها، وأن تقيم من خلالها روابط خاصة مع قطاعات إسترايجية في المجتمع المصري.
وكانت النقابات المهنية من بين أهم هذه القنوات البديلة التي تمثل الطبقة المتوسطة في مصر.وترصد ويكهام بداية ظهور نفوذ الإخوان في النقابات المهنية. منذ عام 1983.
فمنذ أواسط الثمانينيات اضطلعت النقابات المهنية بدور بارز في السياسة المصرية، عندما سمح نظام الرئيس مبارك للقوي الإسلامية بالمنافسة العلنية مع المرشحين الحكوميين أو المعارضين أو العلمانيين علي رئاسة المكاتب التنفيذية للنقابات المهنية، وقد يكون السبب وراء هذا القرار تراجعا غير مقصود من الحكومة عن مواقفها أو يمكن أن يكون محاولة متعمدة لتوسيع قنوات صمام الأمان للمعارضة.
وقد استعاض الإخوان المسلمون عن حرمانهم من الحق في تكوين حزب سياسي بالعمل في إطار النقابات المهنية كطريقة بديلة للتأثير في الحياة العامة، وعلي الرغم من كون النقابات المهنية خاضعة لقانون النقابات وتعتمد علي تمويل الدولة فإنها بحلول أواسط الثمانينيات أصبحت مسرحا جديدا للصراعات السياسية.
وقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين أكثر من أي جماعة أخري في استغلال النقابات المهنية لتوثيق صلاتها بالقطاعات المتعلمة من الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري. (11)
وتذهب د. أماني قنديل إلي أن طموح الإخوان في دخول انتخابات النقابات المهنية، يأتي كتطور طبيعي لطموحات الجماعة بعد نجاحهم في أوائل الثمانينيات في السيطرة علي الاتحادات الطلابية في الجامعات الكبري وكذا سيطرتهم علي معظم مقاعد نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات. (12)
وإجمالاً فقد فطن الإخوان المسلمين إلى ضرورة التواجد المكثف داخل النقابات المهنية المختلفة ، حيث تعد بالنسبة لهم المنبر الدائم الذي يخاطبن من خلاله فئة هي الأهم بالنسبة لهم (الطبقة المتوسطة) فلقد تمكن الإخوان من أدواتهم وقاموا بترتيب أوراقهم بكل عناية حتى لا يفاجئهم شي لم يكن في الحسبان قبل طرق أبواب المعترك النقابي ، ليتثني لهم النجاح في الهيمنة علي النقابات المهنية والوصول إلى ابعد من مجرد التواجد فحسب
فكان لهم ذلك بمساعدة العديد من العناصر الحركية المهمة التي كانت أقرب إلى الجماعات وخصوصا القيادات الطلابية في أواخر السبعينيات ، التي نجحوا في استقطابها مستغلين القمع الوحشي الذي مورس ضد هذه الجماعات ، حيث مثلت النقابات المهنية موقعاً مثالياً للإخوان المسلمين منذ الثمانينات فمن جانب كان العمل بالنقابات خطوة تالية لاستثمار النجاح الذي حققوه سابقاً في الجامعات، فالخريجين الذين تربوا علي أيدهم في الجامعة تم دفعهم بكل قوة صوب النقابات المهنية ، حيث وجدوا فيها مجالاً خصباً لاستثمار خبرتهم السياسية السابقة.
فبدء الإخوان المسلمين حملتهم المنظمة لدخول المعترك النقابي بعدد محدود من المرشحين في قوائم غلب عليها الطابع الحكومي ، سمت معظم النقابات المهنية أبان هذه الفترة ، حدث هذا فعلا في نقابة الأطباء مع الدكتور حمدي السيد ثم في نقابة المهندسين بعد ذلك ، حيث بدءوا بعدد محدود من المرشحين على قوائم المهندس عثمان أحمد عثمان وسرعان ما تمكنوا من السيطرة على النقابة حيث وجد النقيب التالي مهندس حسب الله الكفراوي نفسه وسط مجلس إخواني يملي شروطه ويحدد خطوات العمل .
هكذا كان حال النقابات المهنية قبل أن ينتهي عقد الثمانينيات ، فسيطر الإخوان على عدد من النقابات المهنية أهمها الأطباء والمهندسين فضلا عن التواجد المهم و الفعال في عدد من النقابات المهنية الأخرى ، كنقابة الصحفيين والمحامين التي سرعان ما سيطروا عليها فيما بعد أي أبان فترة التسعينيات ، ومع حرمانهم من تأسيس حزب سياسي حول الإخوان النقابات التي سيطروا عليها إلى ساحة لممارسة العمل السياسي بالمفهوم الحزبي؛
وإذا كان صحيحا أن النظام الحاكم يتحمل مسئولية كبيرة في ذلك، حين فرض القيود على ممارسة العمل السياسي عبر قنواته الطبيعية في الأحزاب السياسية ، إلا أن ذلك لا يبرر للإخوان تحويل النقابات المهنية إلي أقسام تابعة لجماعتهم تتلقى الأوامر والتعليمات من مكتب الإرشاد ، و تحويل إصدارات تلك النقابات إلى ما يشبه المجلات التي تحوي سيرتهم الذاتية وأفكارهم اختصارا للقول فالنقابات المهنية في تلك الفترة كان يحق أن يطلق عليها " النقابات المهنية الإخوانيه ". (13)
الأبعاد السياسية والاجتماعية لصعود التيار الإسلامى فى النقابات
يرتبط صعود التيار الإسلامى فى النقابات المهنية بالعدد من العوامل السياسية والإجتماعية التى تحددها طبيعة النظام السياسى من ناحية، والتفاعلات بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية من ناحية أخرى؛
ويمكن تلخيص أهم هذه العوامل فى ثلاث:
- محدودية تجربة التعددية السياسية والتى يبرزها مؤشران: الأول، هو حرمان بعض القوى السياسية وعلى رأسها القوى الإسلامية من حق التنظيم السياسى المستقل (كما بدأ فى تجربة السبعينات)، أو السماح لها فقط بالعمل من خلال الأحزاب السياسية الأخرى فى الثمانينات، وهو ما أدى إلى توجيه جزء كبير من نشاطها نحو ساحة العمل النقابى، حيث ضمن لها المجال الأخير تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية فى حركتها من ناحية، وشكل لها بديلاً عن الحزب السياسى من ناحية أخرى ، والآخر هو ضعف الأحزاب السياسية وتضاؤل قدرتها التنظيمية وهو ما أدى إلى ضعف دورها فى العمل بين الجماهير وعجزها عن التعبير عن مصالح المواطنين، مما ساهم فى إضفاء قدر أكبر من "التسييس" على العمل النقابى.
- الضعف العام للمؤسسات السياسية واتسامها بالطابع التقليدى فضلاً عن خضوعها بدرجة أو بأخرى لسيطرة الدولة منذ 1952، وهو ماجعلها تعانى من السلبية وعدم الفعالية وضعف المشاركة، وفى هذا السياق برزت القدرة التنظيمية والتعبوية التى تمتع بها التيار الإسلامى، ولذلك فالمتابع للعملية الانتخابية فى المؤسسات النقابية يلحظ الاستقطاب الشديد الذى سادها بين قوتين رئيسيتين هما الحزب الوطنى الحاكم والذى قدم دعماً هائلاً لمرشحيه فى المناصب القيادية، مقابل قوى التيار الإسلامى التى ركزت جهودها على الفوز بأكبر عدد من المقاعد داخل مجالس إدارات النقابات.
- الضغوط التى مارستها القوى الاجتماعية الصاعدة داخل النقابات والتى عبرت عن طموحات شرائح واسعة من الطبقة الوسطى، فالتركيبة الاجتماعية للنقابات المهنية ترتكز فى قاعدتها العريضة على هذه الشرائح، وهى نفس الطبقة التى عبرت عنها الحركة الإسلامية،وبالتالى فإن توجه قوى التيار الاسلامى داخل النقابات إلى هذه الشرائح الاجتماعية يعد أمراً مفهوماً مفهوماً ومتسقاً مع طبيعة البعد الاجتماعى والحضرى الذى ميز هذه الحركة تاريخياً. (14)
المبحث الثالث: النقابات... مرحلة التجميد
في نهاية شهر (أبريل) 1994 اقتحمت قوات من مباحث أمن الدولة مكتب المحامي "عبد الحارث مدني"، واقتادته ومن معه في المكتب من المحامين إلى مكان غير معلوم، وخلال فترة اعتقاله التي استمرت حوالي أسبوع أُعلن عن وفاته في الخامس من (مايو) 1994، لكنّ المحامين شكّكوا في وفاته وأكدوا أنها بسبب التعذيب، وطالبوا بتشريح الجثة كما طالبوا بالإفراج عن عشرة محامين معتقلين، وإزاء رفض مطالبهم تقرّر تنظيم إضراب عام للمحامين في 15 (مايو) 1994، ثم تنظيم مسيرة من النقابة لقصر عابدين بعد ذلك بيومين.
وأثناء خروج مسيرة النقابة هاجمت قوات الأمن المتظاهرين، وجرت مواجهة طويلة انتهت بالقبض على ثلاثين محاميًا، ثم اعتقال ثلاثة من أبرز أعضاء مجلس النقابة في اليوم التالي؛ وهم: مختار نوح، ومنتصر الزيات، وجمال تاج، وجرى تجديد حبسهم مدة 15 يومًا والتجديد مرة أخرى، وأدى هذا إلى تصاعد الأزمة بين النقابة والحكومة، وأضرب بعض المحامين عن الطعام حتى الموت في 18 (يونيو) 1994، منهم "عبد العزيز محمد" نقيب المحامين في القاهرة.
إلا أنّ الأزمة، بدأت تنفرج نسبيًا باطلاع نقيب المحامين على بيان الطب الشرعي حول جثة عبد الحارث مدني، وقال الخواجة: إنه تأكد من أن الجثة بها إصابات في أماكن عدة، واعتبر اطلاعه على التقرير بادرة طيبة من الحكومة لحل الأزمة، وتوالى الإفراج عن المحامين وهدأت وتيرة الأزمة وإن لم تنته.
وتبع ذلك نشوب خلافات حادة بين مجلس النقابة؛ إذ انقسم إلى فريقين: الأول يضم النقيب أحمد الخواجة وعشرة من أعضاء المجلس غير المنتمين للإخوان، والثاني يضم أنصار الإخوان في المجلس ومؤيديهم بقيادة سيف الإسلام حسن البنا ومختار نوح أمين الصندوق.
وكان قد تفجر الخلاف بين الفريقين إثر اجتماع رسمي دعا له سيف الإسلام، وبعد انتهاء الاجتماع قدّم أحمد الخواجة بلاغا للنائب العام ضد الأعضاء الذين حضروا الاجتماع، وهدد بإقامة دعوى قضائية لإثبات بطلان الانتخابات.
ووسط هذه التطورات تقدم 14 محاميًا على رأسهم المحامي "صبري مبري" عضو مجلس النقابة برفع دعوى قضائية بفرض الحراسة على النقابة وتعيين حارس قضائي لإدارتها بدلاً من مجلس النقابة.
واستند صبري مبري في دعواه إلى هيمنة أقلية، كما قال، من الأعضاء (الإخوان) على مجلس النقابة وإداراتها وفقًا لأهداف مغايرة للعمل النقابي، واتهم صبري أعضاء الإخوان بسوء الإدارة. (15)
وكانت تلك الحادثة بالاضافة الى الدور السياسى الزاعق للنقابات عامل مهم لسعى النظام لتجميد عمل النقابات،فبحلول العام 2000 وحتى ماقبل ثورة 25 يناير لم تعد النقابات المهنية تحظي بالصيت الذي حظيت به منذ منتصف الثمانينيات وحتى التسعينيات وإن ظل الإخوان يهيمنون على نقابات الأطباء والمحامين والعلميين .
فقد أسفر إلغاء الانتخابات منذ العام 1990 عن تجميد فاعلية الإخوان في العمل النقابي وأصيب أكثرهم بحالة الفتور التي نتجت من طول فترة بقائهم كأعضاء في مجلس إدارة النقابة
وحسب د. محمد فودة وهو قيادي إخواني وعضو مجلس إدارة نقابة طب الأسنان:
- " أنا آخر مرة انتخبت فيها كانت سنة 90 وأنا ما زلت عضوا في مجلس النقابة حتى الآن أى 17 سنة متصلة غير الفترات السابقة فطبعا الفتور دبّ في الكثير من الموجودين في النقابات لأن الأشخاص لم تتغير ولا يوجد دماء جديدة والناس الفعالون في النقابة قليلون جدا الآن لأن اهتمامات الأشخاص تغيرت وأنا اهتماماتي على مستوي مجلس النقابة ليس بالضرورة ستظل كما هي طول مدة وجودي في النقابة بالتأكيد عدم وجود انتخابات أصاب العمل النقابي بالجمود "
وانعكست حالة الفتور على تراجع دور النقابات في الحراك السياسي الذي مرت به مصر منذ العام 2004 فلم يكن لها دور في انتخابات العام 2005 أو في التعديل الدستوري للعام 2007 ولم تعد نقابة الأطباء التي تحوي قيادات نشطة في التنظيم تلعب أدوارا حيوية كالدور الذي مارسته في حادثة زلزال 1992 " بسبب موت بعضهم وسفر بعضهم إلى الخارج وبعضهم أصبح كبيرا في السن وغير قادر على العطاء "
وحسب أبو الفتوح: فإن النظام لم يخرج الإخوان من النقابات وإنا جمد فاعليتهم بإلغائه الانتخابات على الرغم من أن أنشطة الجماعة الخدمية لم تتوقف إلا أنها لم تعد تتمتع بالحيوية والمبادرة نفسها اللتين كانت تتميز بهما في الثمانينيات وقد سعي الإخوان في بعض النقابات مثل نقابة الأطباء إلى رفع قضايا على الدولة لإلزامها بإجراء الانتخابات النقابية وحسب أبو الفتوح مرة أخري حكمت المحكمة لصالح إجراء انتخابات إلا أن الدولة رفضت تطبيق الحكم .
فيما يعتقد د. محمد حبيب أنه لا يمكن التعميم في حالة النقابات وأنه لكل نقابة ظروفها وان هناك عوائق أخري غير مجرد تضييق النظام وحالة الفتور التي أصابت الإخوان في بعض النقابات ففي نقابة العلميين التي تحظي بوجود إخواني قوي , لا تستطيع النقابة أن تقدم خدمات ذات مغزي لأعضائها من علاج وتكافل ومعاشات بسبب ميزانية النقابة وضعف الموارد المالية من الاشتراكات .
فقد تحولت النقابات المهنية عقب سيطرة التيار الإسلامي علي توجهاتها إلي العمل السياسي، وقد ساعدها في ذلك محدودية الفعالية السياسية للأحزاب من جهة، وعدم وجود متنفس سياسي لذلك التيار بعيدا عن النقابات من جهة اخري ووضح هذا الدور "السياسي" من خلال العديد من المواقف المعارضة التي تبناها ممثلو التيار الإسلامي، إزاء توجهات الدولة في بعض القضايا وشكلت المؤتمرات والندوات وإصدار البيانات وتشكيل اللجان، الآليات الأساسية التي اعتمد عليها التيار الإسلامي للتعبير عن معارضته.
وفي المقابل لجأ النظام إلي ممارسة نوع من الضغط لاحتواء المعارضة داخل النقابات المهنية خاصة من خلال منصب النقيب، وهو ما أدي إلي وقوع بعض الصدامات بين الطرفين ومثلت هذه السياسة شكلا من أشكال الاحتواء طوال سني الثمانينيات.
ولا شك ان هذة النقابات كانت لها قدر كبير من القوة والنفوذ والانتشار فى الماضى حتى انها كانت تختف الاضواء من الأحزاب السياسيبة الى ان صدر القانون رقم 100 لسنة 1993 والمعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1995 والمسمى قانون (ضمانات ديمقراطية النقابات المهنية) وهو على العكس تماما فليس فية من الديمقراطية الا اسمة ومن القانون الا رسمة وشكلة
ومن المعلوم للمهتمين بالعمل النقابى ان هذا القانون قد وضع اساسا لشل الحركة النقابية والعمل النقابى وتجميد نشاط النقابات وهذا ما حدث بالفعل فمنذ صدور هذا القانون تم تجميد اكثر من عشرة نقابات وهم (الاطبياء ؛ المهندسون ؛طب اسنان ؛ الصيادلة ؛ الزراعيون ؛ التطبيقيون ؛ المعلمون ؛ الرياضيون ؛ التجاريون ؛ المحامون)
فى الحقيقة هناك اسباب كثيرة لصدور هذا القانون منها كما يرى البعض هو التصدى لصعود التيار الدينى (الإخوان المسلمين) داخل النقابات وخاصة نقابة المحامين والمهندسين والاطباء .
ولم تفلح السلطة فى السيطرة على ذلك الصعود الا من خلال اصدار هذا القانون ويرى البعض الأخرى أن السبب محو القضاء على النشاط السياسي للنقابات في المجتمع وخاصة بعض أن عقد المؤتمر الأول للنقابات المهنية بنقابة الأطباء عام 1990 وطالبت منه النقابات المهنية ببعض الإصلاحات منها:
- تخلي رئيس الجمهورية عن رئاسة الحزب الوطني
- إلغاء قانون الطوارئ
- إلغاء القيود الاستثنائية على حرية الصحافة وتكوين الأحزاب
- المطالبة بإجراء انتخابات نزيهة
وفي عام 91 عقد المؤتمر الثاني وأثار النقابيين فيه مشكلة البطالة والمهنيين العائدين من الكويت بعد الغزو وهكذا أصبح للنقابات دوراً مؤثر في المجتمع.
وبالتالي كان لابد من القضاء على هذه القوة المؤثرة وأدي تجميد النشاط في بعض النقابات إلى ضعف قدرتها على رعايا مصالح أعضائها مما أدى إلى إرسال بعض النقابات إلى الحكومة تطلب منها زيادة الدعم السنوي لصندوق المعاشات لمواجهة العجز المالي ونقابات أخرى حرم أعضائها من الخدمات الاجتماعية (التجاريين والزراعيين)
ومن سلبيات القانون 100 لسنة 1993 أنه منح وأعطى للجنة القضائية المشرفة على الانتخابات النقابية سلطة تحديد مواعيد الانتخابات وطرق إجراءها.
أيضا في المادة الخامسة من القانون يتعارض مع المادتين 56 ، 62 من الدستور وقد جاء نص المادة الخامسة على النحو التالي (يكون اجتماع أعضاء الجمعية العمومية لأغراض الانتخابات في غير أيام الجمع والعطلات الرسمية) و إعمال هذا النص يؤدي إلى ألحد من الإقبال على المشاركة في العملية الانتخابية بالإضافة إلى النصاب المرتفع.
أيضاً جاءت المادة الثامنة من القانون تنص على أن:
- (يحظر على مجالس النقابات العامة والفرعية وسائر التنظيمات النقابية جمع أموال أو قبول هبات أو تبرعات لغير الأغراض التي تقوم عليها النقابة أو أن تمارس أي نشاط تخالف أهدافها التي أنشئت من أجلها ولا يجوز لها أن توجه مواردها لغير الأغراض التي قامت عليها النقابة ولكل عضو من أعضاء النقابة أن يطلب من محكمة القضاء الإداري وقف أي عمل أو إجراء يصدر بالمخالفة لحكم هذه المادة وتتبع في ذلك القواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة.
- وهذا النص يتضمن:
- الأول: قصر دور النقابات على الدور المهني دون الدورين الوطني والقومي
- الثاني: تشجيع أعضاء النقابات على اللجوء إلى القضاء عند خروج النقابات عن الدور المهني.
وتنص المادة 56 من الدستور على أن (إنشاء النقابات والأتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون ويكون له الشخصية الاعتبارية وينظم القانون مساهمه النقابات والاتحادات في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية وفي رفع مستوى الكفاية ودعم السلوك الاشتراكي وحماية أموالها وهي ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانوناً لأعضائها)
ويتضح أن هناك تعارض بين نصين وأن نص المادة الثامنة من القانون 100 لسنة 1993 قد خالف المادة 56 من الدستور والتي تقضى بأن القانون ينظم مساهمة النقابات في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية وفي رفع مستوى الكفاية ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها وأنها ملزمة بالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانوناً لأعضائها وبذلك يمكن القول بين الدستور و يلزم النقابات بالمشاركة في العملين الوطني والقومي من خلال ممارسة العمل النقابي .
ويعدد المهندس عمر عبدالله عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين سلبيات أخرى لحالة التجميد، منها:
- إهمال الخدمات التي تقدم للأعضاء وتصفية بعض المشاريع، فقد كانت النقابات تقوم بدور مكمل للدولة، والآن أصبحت النقابات مدينة بعد أن كانت دائنة.
- ضعف الموقف القانوني للمجالس القائمة التي انتهت مدتها منذ سنوات طويلة.
- حدوث نزاعات قضائية عديدة بين أبناء المهنة الواحدة.
- انتشار الفساد المالي والإداري وإهدار المال العام في النقابات التي فرضت عليها الحراسة، فالنقابة التي فرضت عليها الحراسة لا تجتمع جمعيتها العمومية، ولا تناقش ولا تحاسب، والحارس القضائي يقدم تقريره للقاضي.. ففي نقابة المهندسين جرى صرف 241 مليون جنيه من صندوق المعاشات دفعت نقداً لشراء شقق في إحدى المدن الجديدة، بيع منها 5% فقط، وقد كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن مخالفات تربح من المال العام، وتسهيل استيلاء الآخرين عليه، وإهداره، وأحال القضايا إلى النائب العام الذي أحالها لإدارة الكسب غير المشروع، كما ظهر أن الحارس القضائي كان يتقاضى 3% من دخل النقابة الذي تجاوز 100 مليون جنيه سنوياً.
- قرابة نصف أعضاء المهنة الذين انضموا للنقابات بعد صدور القانون لم يشاركوا في الانتخابات.
- ضعف التمثيل المصري في الاتحادات العربية والإسلامية والدولية التي تشترط مجالس منتخبة، كما فقدت مصر مناصبها في هيئات عربية كثيرة.
- ويضيف د. محمد علي بشر أبعاداً أخرى مشيراً إلى توافق فرض الحراسة على نقابة المهندسين مع بدء تطبيق الخصخصة، وبيع مصانع وشركات القطاع العام التي بها آلاف المهندسين، ولم تراعِ الدولة حقوق العاملين في عقود البيع، كما أن غياب النقابة منعها من التحرك لحفظ حقوق منتسبيها. (16)
وبالرغم من مرحلة التجميد التى عاشتها النقابات خلال تلك الفترة إلا أنه لا أحد ينكر أنها كانت فترة خصبة ومقدمة مهمة لمرحلة تأسيس العمل النيابى فيما بعد فقد اكتسب بعض الأفراد الخبرة الميدانية والعملية فى النقابات مما أهلهم لما بعد ذلك خوض الانتخابات النيابية، وقد نجحت الجماعة فى فك الحصار الأمنى المفروض عليها من خلال مشاركتها البرلمانية ب17 نائب فى مجلس 2000 و88 نائب بمجلس 2005.
وإجمالاً كان أداء الإخوان المسلمون فى النقابات أداء متميز وفعال وإن واجهتهم بعض العقبات والمعوقات التى اختلقتها الدولة بعد بروز النقابات ودورها السياسى وعارضتها القوية للنظام فى بعض المواقف.
المراجع
- عبدالرحيم على، الأهرام المسائى، 3 يناير 2011
- الإخوان المسلمون .. رؤية اشتراكية، مركز الدراسات الاشتراكية، مارس 2006،بقلم: سامح نجيب، منشور على موقع إخوان ويكي
- التقرير الاستراتيجى العربى عام 1988، مركز الأهرام للدراسات السياسية، ص432
- على الدين هلال، النظام السياسى المصرى بين ارث الماضى وآفاق المستقبل،ص426
- السيد عبدالستار المليجى، تجربتى مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السرى، الزهراء للإعلام العربى، ص 222
- موقع نقابة الأطباء
- عبدالرحيم علي: الإخوان المسلمون، أزمة تيار التجديد، ص 88 ـ89.
- عبدالرحيم علي: الإخوان المسلمون، أزمة تيار التجديد، ص 88.
- د. هالة مصطفي، الدولة والحركات الإسلامية المعارضة،كتاب المحروسة، ص 329
- عبدالرحيم علي: الإخوان المسلمون، أزمة تيار التجديد، ص 84.
- عبدالرحيم علي ـ المرجع السابق، ص 85
- عبدالرحيم على،الاهرام المسائى،1 يناير 2011،
- ورقة بحثية تتناول تقييماً لدور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية المصرية،أحمد نصر عبد العظيم
- هالة مصطفى ،الدولة والحركات الإسلامية المعارضة بين المهادنة والمواجهة فى عهدى السادات ومبارك ، دار المحروسة،ص332
- موقع اسلام اون لاين
- أحمد عز الدين ، مجلة المجتمع
للمزيد عن الإخوان ومبارك
- الإخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة ( الجزء الأول)
- الإخوان المسلمون و مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة ( الجزء الثانى)
- الاخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الثالث)
- الإخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الرابع)
- الاخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الخامس)
- الإخوان المسلمون ومبارك الجزء السادس
- الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الثامن)
- الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة ( الجزء التاسع)
- الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء العاشر)
- الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الحادى عشر)
- أهم المحطات التاريخية فى العمل الطلابى في فترة مبارك
- الإخوان ونوادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية
- الإخوان المسلمون والعمل السياسى فى عهد مبارك
- الإخوان المسلمون ومسيرة الإصلاح السياسي فى عهد مبارك