الإخوان في الدورة الأولى.. الإصلاح السياسي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإخوان في الدورة الأولى.. الإصلاح السياسي

كتب- عبد المعز محمد

05-07-2009

مقدمة

نواب الإخوان يحتجون على مد قانون الطوارئ

كانت القضايا المتعلقة بالإصلاح السياسي من أهم الملفات التي شهدتها مصر، وكان لمجلس الشعب دور بارز في هذه الملفات، كما كان نواب الإخوان في القلب من هذه الأحداث، فبدءًا مما شهدته الانتخابات التشريعية الماضية من تدخلات في المرحلتين الثانية والثالثة، وانتهاءً بأزمة القضاة، وقانون حبس الصحفيين؛ كان نواب الإخوان رقمًا مهمًّا وصعبًا أمام الحكومة.

ولم يكن أداء النواب داخل البرلمان فقط، وإنما امتد إلى خارجه، فشاركوا بفاعلية في حلقات النقاش التي نظمها القضاة والصحفيون لعرض مشروعات السلطة القضائية والحبس في قضايا النشر- كل على حدة- كما شاركوا بفاعلية أيضًا في الندوات والمؤتمرات التي عقدت لدعم القضاة والصحفيين، ولم يكتفوا بالغرف المكيفة؛ بل كانوا في طليعة من خرج لمساندة القضاة أثناء محاكمة المستشارَين هشام البسطاويسي ومحمود مكي، ووصل الأمر إلى اعتداء قوات الأمن على المهندس أشرف بدر الدين، ومحاولة منع مظاهرة قادها النواب أمام محكمة القضاء العالي، وشاركوا أيضًا بوفود مختلفة لزيارة ناديي القضاة بالقاهرة والإسكندرية، وشاركوا الصحفيين في وقفتهم الاحتجاجية أمام مجلس الشعب أثناء مناقشات قانون الحبس في قضايا النشر.

ليس هذا فحسب هو ما قام به نواب الإخوان في هذا الاتجاه، بل كان لهم مواقف قوية في مد العمل بقانون الطوارئ، وتعديلات قانون الحبس الاحتياطي، وتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في تعاقدات الأسلحة، وكان لهم موقف شديد القوة في موضوع المعتقلين، وتجاوزات الشرطة، والاعتقالات التي راح ضحيتها دعاة الإصلاح ومن خرج لمساندة القضاة.

وسوف نقدم في الصفحات التالية عرضًا سريعًا لهذه الملفات وموقف النواب منها، ولمزيد من المعلومات يمكن للقارئ الكريم الحصول عليها من خلال موقع الجماعة "إخوان اون لاين"

أولا: أزمة القضاة

بدأت قضية القضاة في التصاعد بعد قرار وزير العدل بتحويل المستشارَين أحمد مكي وهشام البسطاويسي نائبي محكمة النقض لمجلس الصلاحية، وقالت الكتلة في بيان لها صدر يوم الإثنين 200617/4/م-: إنه كان من الأولى والأوفق التحقيق فيما أُثير من وقائع التزوير لتبرئةِ مَن أُثيرت حولهم الشبهات، أو لتبرئة السلطة القضائية من كل ما يُسيء إليها ولهيبتها ولثقة المواطنين فيها، مؤكدةً أنَّ التحقيقَ مع المدافع عن العدلِ والحق واستغلال القضاء وحصانته فإنه يُعيد للأذهانِ ذكرى مذبحة القضاء وما خلَّفته من آثار سيئة على الوطن والمواطنين.

ودعت الكتلة إلى احتواء هذه الأزمة في إطارٍ لائقٍ بما يُحقق هيبة القضاء واستقلاله وحصانته ويدفع عنه أية شبهة أو انتقاص من حقوقه وكيانه باعتباره حصنًا للعدالة، وتمكينًا لسيادة القانون الذي هو أساس الحكم في البلد، كما بعثت الكتلة ببرقية إلى المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر؛ أكدت فيها أنها إذ تستهجن هذا الأمر لا يسعها إلا استخدام الصلاحيات البرلمانية في إلقاء بيانات عاجلة بالمجلس، وأكدت الكتلة في برقيتها أن وقوف الشعب المصري مع قضاة مصر الشرفاء في هذه المحنة إنما هو دفاع عن مصر كلها المتمثلة في قضاة مصر الشرفاء الذين يمثلون سدنة العدل ويعتبرون حائط الصد الأخير للحفاظ على كرامة هذا الشعب وحريته.

مناقشة بالإجبار

وقد أجبرت الكتلة مجلس الشعب على فتح موضوع التصعيد الحكومي ضد القضاة؛ ولم يجد الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس مفرًّا من مناقشة البيانات العاجلة في جلسة البرلمان الصباحية ليوم الثلاثاء 18/4/2006م التي قدمها النواب، مستخدمين حقَّهم في التحدث باسم اللائحة.

وسجَّل الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة، والدكتور حمدي حسن؛ انتقاداتهما لتصرفات وزير العدل المستشار محمود أبو الليل بإحالة بعض القضاة للتحقيق؛ لأنهم قاوموا التزوير في الانتخابات، وأعدوا قانونًا لاستقلال القضاء، وطالب النواب بضرورة استدعاء وزير العدل ومحاسبته على هذا الإجراء.

لأول مرة طلب بسحب الثقة من وزير العدل

استطاع نواب الإخوان- ولأول مرة في تاريخ الحياة البرلمانية الحديثة بمصر- أن يقدموا طلبًا موقعًا عليه من ثلث نواب المجلس بسحب الثقة من أحد الوزراء، وهو وزير العدل وقتها المستشار محمود أبو الليل، ورغم قيام رئيس المجلس بحفظ الطلب، إلا أن نواب الإخوان سجلوا في تاريخ الحياة النيابية المصرية أن هذا الأمر ليس محرمًا ولا ممنوعًا الاقتراب منه، وقد قدم الطلب الدكتور حمدي حسن ووقَّع عليه عدد من نواب الحزب الوطني وقد استند النواب في طلبهم إلى مواد اللائحة الداخلية 245، 246، 247 لتوجيه اتهام سياسي إلى وزير العدل لإحالته مستشارين إلى المحاكمة، وقد مارس الحزب الوطني ضغوطًا قوية على نوابه الذين وقَّعوا على الطلب، بل إن الأمر وصل إلى حد تلفيق تهم أخلاقية ومالية تهدد بخروجهم من البرلمان إذا لم يسحبوا توقيعاتهم، وفي الجلسة المسائية ليوم الأحد 30/4/2006م أعلن الدكتور أحمد فتحي سرور بحفظ الطلب، مؤكدًا أن هيئة مكتب المجلس بحثت الطلب وانتهت إلى أنه لا يتفق مع قانون محاكمة الوزراء ويفتقد الشروط القانونية واللائحية، مشيرًا إلى أن سحب الثقة لا يتم إلا بعد تقديم استجواب.

وأضاف أنه بالإطلاع على قانون محاكمة الوزراء 79 لسنة 1958م؛ تبيَّن أنه يستلزم اشتراط أن يكون من بين أعضاء محكمة الوزراء أعضاء من الإقليم الجنوبي "مصر" والإقليم الشمالي "سوريا" إبان فترة الوحدة، وبالتالي فإن محاكمة الوزراء لا تتم إلا بالطريقة الجنائية من خلال المحاكمة العامة؛ خاصةً أن المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء والتي أشار إليها القانون أصبحت غير موجودة على أرض الواقع، وقال: لهذين السببين لا يتوافر في الطلب الشروط المطلوبة؛ لذا قرر مكتب البرلمان حفظ الطلب وعدم إدراجه في جدول الأعمال.

وكان الدكتور فتحي سرور استغل وجود الدكتور حمدي حسن في لقاءٍ تليفزيوني بإحدى القنوات الفضائية تعليقًا على قانون الطوارئ، وقام بعرض طلبِ سحب الثقة، رغم أنه كان من المفترض عرضه يوم الثلاثاء 1 مايو 2006م، وقد مارس سرور ضغوطًا شديدةً على نوابِ الإخوان بسحب الطلب وتحويله إلى استجوابٍ؛ إلا أن نواب الإخوان رفضوا وأصروا على مناقشة الطلب باعتباره آليةً برلمانيةً لم يكن يستغلها النواب.

وأمام موقف نواب الإخوان الصارم قال رئيس مجلس الشعب إنه سيُرسل خطابًا يُلزم وزير الداخلية أن يحضر اجتماع اللجنة، وطلب من الدكتور مفيد شهاب- وزير الشئون القانونية والبرلمانية- إبلاغ وزير الداخلية بضرورة الحضور في اجتماع اللجنة في مساء هذا اليوم للردِّ على ما أثاره النواب، وقال إن هذا قرارٌ يجب على وزير الداخلية الالتزام به.

صراع تحت القبة

كل المناوشات التي سبق عرضها ما هي إلا جزء بسيط بالمقارنة بما حدث في مجلس الشعب، عند مناقشة تعديلات قانون السلطة القضائية، ومع بداية جلسة المجلس يوم الأحد 200625/6/م، كان واضحًا أن هناك إصرارًا من الحكومة لتمرير القانون بأي شكل ودون إجراء أي تعديل يذكر عليه، ومع اللحظاتِ الأولى لبدء مناقشات القانون حدثت مواجهات ساخنة بين نواب الأغلبية من جانب، ونواب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، والمعارضة من جانبٍ آخر؛ حيث حشد الحزب الوطني نوابَه بصورةٍ غير مسبوقة داخل القاعة وبتعليماتٍ مسبقةٍ من الحزب ليلة مناقشة المشروع.. كما شهدت مقاعد المعارضة حضور نوابها من مختلف التياراتِ السياسية بنسبة 100% وقبل موعد الجلسة بساعةٍ كاملةٍ، في المقابل قام نواب الإخوان بتوزيع مذكرةٍ مطولةٍ صادرة عن نادي القضاة بالتعديلاتِ المطلوبة على المشروعِ، معلنين مسئوليتهم عن تبنيها نيابةً عن قضاةِ مصر وبالتنسيق معهم.

وقد سعت الأغلبية في مناقشتها إلى مخاطبةِ القضاة، وهو ما جسَّده الدكتور عبد الأحد جمال الدين زعيم الأغلبية بتوجيهِ رسالةٍ إلى القضاةِ ومناشدتهم بعدم السماحِ بتسييس قضيتهم أو المتاجرة بأسمائهم أو المزايدة عليها، في حين وجَّه حسين محمد إبراهيم نائب رئيس الكتلة تحيةً لنادي القضاةِ وجمعيته العمومية، وقال: إنه يرفض مشروع القانون، ويرفض ما وصفه بسياسةِ الإصلاح السياسي بالقطارة، معلنًا أن الشعب المصري يستحق إصلاحاتٍ حقيقية، منتقدًا أن يكون النائب العام جامعًا بين سلطةِ الاتهام والتحقيق في وقتٍ واحد، وقال: كان من الطبيعي- مادام رئيس السلطة التنفيذية هو الذي يعين النائب العام- أن نجدَ المعارضين السياسيين مقبوضًا عليهم ومحبوسين.

ثم تحدث الدكتور أحمد أبو بركة- عضو الكتلة- مؤكدًا أنَّ هذا المشروعَ مرفوضٌ، واصفًا إياه بأنه ينطبق عليه المثل القائل (تمخَّض الجمل فولد فأرًا).

وقد استبقت الكتلة الجلسة الساخنة ببيان أعلنت فيه رفضَها الرسمي للمشروع الذي تقدمت به الحكومة بعد خروجه من اللجنة التشريعية ومناقشته من حيث المبدأ في المجلس، مؤكدة أن المشروع يُعَدُّ التفافًا حول مطلب الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، والذي ينادي به شعب مصر، وذلك بإبقائه على الأمور محل الخلاف والرفض من قِبل الجمعية العمومية للقضاة، كما أكدت أن مشروع قانون السلطة القضائية الذي تقدمت به الحكومة يكرِّس تغوُّل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

وحذَّرت الكتلة من أن ما حدث مع مشروع قانون السلطة القضائية يمكن أن يتكرَّرَ مع مشروع قانون الحبس في قضايا النشر، مادامت الحكومة مستمرة في استغلال أغلبيتها، وحصلت على دعم إدارة المجلس، وهو ما يتطلَّب- كما ترى الكتلة- تضافرَ الجهود الشعبية والسياسية، لكشف وفضح ما يحدث في مجلس الشعب، خاصةً في ظل تعتيم الإعلام الحكومي على حقيقية ما يجري، إضافةً لتشويه التليفزيون المتعمَّد لأداء نواب الإخوان والمستقلين والمعارضة.

ثانيًا: قانون حبس الصحفيين

بنفس القدر الذي تعاملت به الكتلة مع قانون السلطة القضائية تعاملت أيضًا مع قانون إلغاء الحبس في قضايا النشر، ولكنها هذه المرة استطاعت- بالتعاون مع نواب المعارضة والمستقلين، وبالضغط الشعبي- تعديل أخطر ما تضمنه مشروع الحكومة وهو التجريم بالنية، وقد استبقت الكتلة الحكومة في تقديم مشروع قانون لإلغاء الحبس في قضايا النشر، وهو القانون الذي أعدته نقابة الصحفيين وتبنته الكتلة، كما التقى وفد من الكتلة بنقيب الصحفيين وبأعضاء مجلس نقابة الصحفيين؛ لمعرفة أوجه اعتراضهم على القانون، وتبني وجهة نظر النقابة في المشروع، ولعل ما قامت به الكتلة في هذا الإطار وما سبقه من المشاركة في الحلقات التي عقدها نادي قضاة مصر قبل مناقشة مشروع السلطة القضائية، يؤكد أن الكتلة قدمت بادرة للتفاعل المجتمعي، ونقلت جلسات الاستماع التي كفلتها لائحة مجلس الشعب، بينما تعرقلها رئاسة المجلس، وخرجت بها من جدران البرلمان إلى المجتمع المدني، وهي خطوة لم تكن موجودة من قبل، كما أنه يرسخ مبدأ البحث عن الخبرة والمعلومة أينما وجدت، فضلاً عما رسخه ذلك من أن نواب الإخوان هم نواب لكافة أطياف الشعب المصري، وليسوا لجهة دون أخرى أو فئة دون أخرى.

بداية مبكرة

كما سبقت الإشارة فإن وفدًا من الكتلة قام بزيارة مجلس نقابة الصحفيين مساء الإثنين 20063/7/م، وقد اطلع النواب على أوجه الاعتراض التي أبداها مجلس النقابة على مشروع القانون المقدَّم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937م والمفترض أن يستهدف إلغاء عقوبة الحبس في جرائم الرأي والنشر.

وتسلَّم النواب نسخًا من مشروع القانون الذي أعدته النقابة في هذا الشأن، والذي يخالف مشروع الحكومة في عدة جوانب، أهمها موضوع استحداث فقرة بالمادة 308 يتوسع في سلطة الاتهام عند المساس بالذمة في النشر، وجعل العقوبة لمدة لا تقل عن ستة أشهر بدون سقف أو حد أعلى للعقوبة، وهو ما يهدم الأساس الذي قامت عليه التعديلات بإلغاء عقوبة الحبس المنصوص عليها في المواد 182 و185 و303 و306 من قانون العقوبات، بالإضافة إلى مضاعفة الغرامة في قضايا النشر لتصبح 100 مثلٍ عما كانت عليه لتصل في بعض جرائم النشر إلى 40 ألف جنيه.

وعند مناقشة القانون من حيث المبدأ حذَّر نواب الإخوان والمعارضة والمستقلين من خطورة تمرير القانون، مؤكدين أن الموافقةَ عليه تُُعدُّ انتكاسةً للديمقراطية والحريات وعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتفافًا حول وعد الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة الحبس ضد الصحفيين.

وأشار النواب إلى أن القانون جاء تفصيلاً لحماية الفساد والمفسدين ولمجموعةٍ من الأشخاص الذين يسرقون الشعبَ المصريَّ ومَن يتم التحقيق معهم أمام المدعي العام الاشتراكي نتيجة ثرائه الفاحش، في الوقت الذي وافقت فيه الأغلبية على تمرير القانون والموافقة عليه من حيث المبدأ.

لوحة الشرف

ولموقفهم الرائع اتفق المحرِّرون البرلمانيون في مجلس الشعب على نشرِ قائمةِ شرفٍ للنواب الذين تصدَّوا لعقوبات الحبس، وطالبوا بحرية الصحافة، وقدموا تعديلات على قانون الحكومة، كان من شأنها منح حرية أكبر للصحافة والصحفيين.

وقد تصدَّر القائمةَ نوابُ الإخوان المسلمين، ونوابُ المعارضة، وعددٌ من نواب الحزب الوطني؛ حيث جاء الدكتور محمد سعد الكتاتني على رأس القائمة، ومعه النواب حمدي حسن، وحسين إبراهيم، وأحمد أبو بركة، ومحمد البلتاجي، وعلي لبن، ومحمد عبد الرحمن، وباقي نواب الكتلة.

وفي نفس الإطار بعث نقيب الصحفيين بخطابات شكر وتقدير لكل نواب الكتلة على الجهد الذي بذلوه في تعديلات قانون الحبس في قضايا النشر، أكد فيها أن ما قام به النواب يؤكد أنهم على عهد شعبهم بهم في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.

ثالثًا: الحبس الاحتياطي

وقد سبق مناقشات قانوني السلطة القضائية والحبس في قضايا النشر مواقف أخرى لنواب الإخوان في قضايا تتعلق بالحريات واحترام حقوق الإنسان، ومن أبرزها موقفهم من تعديلات قانون الحبس في قضايا النشر، ورغم رفض الكتلة للتعديلات التي تقدمت بها الحكومة ووصفها لها بأنها نقلت الحبس الاحتياطي من سيئ لأسوء، فإنها استطاعت انتزاع تعديل مهم على القانون، وهو حق التعويض المادي لحالات الحبس الاحتياطي، وقد تعهَّد المجلس بإصدار قانون بالتعويض المادي عن الحبس الاحتياطي بعد ثبوت براءة المتهم، وذلك بعد إقرار مبدأ التعويض الأدبي، ونشر حكم البراءة على نفقة الحكومة في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار.

وقرَّر المجلس- في ختام مناقشاته للقانون وذلك يوم الأربعاء 200614/6/م - إضافة فقرة جديدة للمادة الخاصة بالتعويض الأدبي، ويكون فيها (وتعمل الدولة على إقرار مبدأ التعويض المادي في الأحوال السابقة وفقًا للإجراءات والقواعد التي يحددها القانون).

وجاء هذا القرار بعد معركةٍ قويةٍ خاضها نواب الإخوان المسلمين في المجلس: عبد العزيز خلف الله، وأحمد دياب، والسيد عسكر، ويحيى المسيري، ومحمود مجاهد، ومحمد العادلي ومحمد البلتاجي، وماهر عقل؛ لإقرار مبدأ التعويض المالي في المشروع.

وأكد نواب الإخوان أنه لا بد أن نحتذيَ بجميع دول العالم التي تقر مبدأ تعويض المال، مشيرين إلى أن هناك آلافًا من المواطنين قد ظُلموا عدوانًا وتمَّ حبسهم احتياطيًّا لمدد طويلة، ثم بعد ذلك حصلوا على البراءة.

وفي العموم فقد وصف نواب الإخوان تعديلات الحكومة على القانون بأنها بمثابة الانتقال من السيئ إلى الأسوأ، ويظل في النهاية الحبس الاحتياطي موجودًا ويندرج تحته الكثير من المظلومين.

رابعًا: لا وألف لا للطوارئ

شهدت هذه الدورة أيضا مناقشات ساخنة ومشادات عنيفة بين نواب الإخوان؛ ومعهم المعارضة والمستقلون؛ وبين نواب الحزب الوطني أثناء مناقشة مشروع قانون بمد العمل بقانون الطوارئ، وفي مشهد لم يعتده البرلمان المصري ارتدى نواب الإخوان وشاحات سوداء مكتوب عليها "لا للطوارئ" داخل الجلسة، كما رفعوا لافتات مكتوب عليها "لا للطوارئ"، وبعد تمرير القانون عقدوا مؤتمرًا صحفيًّا بينوا فيه أسباب رفضهم لمد حالة الطوارئ وكشف ممارسات الحكومة والحزب الوطني لاستمرار الطوارئ لمدة عامين آخرين.

حيث شهدت الجلسة الثانية ليوم الأحد 200630/4/م أثناء مناقشة تقرير اللجنة العامة حول قرار رئيس الجمهورية بمد العمل بقانون الطوارئ؛ مناقشات ساخنة أشعلها نواب الإخوان والمعارضة والمستقلون الذين رددوا هتافات "لا للإرهاب.. لا للطوارئ".

ووصف الدكتور محمد سعد الكتاتني الجلسة بأنها "مهمة وتاريخية"، قائلاً: يجب أن "نخاطب فيها ضمائرنا، وننظر إلى مصالح الشعب الذي انتخبنا".

وأضاف في كلمته خلال الجلسة: "علينا أن ننظر للدستور الذي أقسمنا على احترامه، فما يعرض علينا من مد العمل بقانون الطوارئ لمواجهة الإرهاب إنما هي كلمة يراد بها باطل، ولم يوقف العمليات الإرهابية في الأقصر ودهب وطابا وشرم الشيخ"، واصفًا قانون الطوارئ بأنه المصدر الرئيسي لانتهاك حقوق الإنسان وعصف الحقوق والحريات العامة لمدة 25 عامًا.

من جانبه أكد النائب الدكتور أحمد أبو بركة أنه من العار على النواب الموافقة على مد العمل بقانون الطوارئ الذي كان سببًا في ضياع 850 مليار دولار على مصر نتيجة تطبيق هذا القانون على مدار 27 عامًا.

كما أكد النائب صبحي صالح أن التقارير الأمنية تؤكد أن العصر الذهبي لتجار المخدرات حدث في ظل هذا القانون، مضيفًا بأن الواقع يؤكد تنامي ظاهرة الإرهاب في ظل هذا القانون، ولسنا في حاجة إلى قانون مكافحة الإرهاب.

وكما سبقت الإشارة فقد عقدت الكتلة مؤتمرًا صحفيًّا بأحد فنادق القاهرة شارك فيه عدد من نواب المعارضة والمستقلين أوضحوا فيه التجاوزات التي شهدتها الجلسة، ودور نواب الحزب الوطني، ووقوفهم ضد الإخوان والمعارضة لمنع مد حالة الطوارئ.

خامسًا: نظيف وتصريحاته

كان لنواب الإخوان مناوشات عديدة مع الدكتور أحمد نظيف، تارةً عن قراراته العشوائية، وتارةً أخرى عن تصريحاته المستفزة سواء ضد الشعب المصري أو جماعة الإخوان المسلمين، وكانت أشد هذه المواجهات ضد تصريحات نظيف في مؤتمر "دافوس" الدولي والتي قال فيها إن مصر دولة علمانية، وإنه لا يوجد شيء في مصر اسمه الإخوان المسلمون، حيث قدم نواب الإخوان- يتقدمهم الدكتور محمد سعد الكتاتني- طلبًا عاجلاً لمناقشته في جلسة المجلس ليوم 27/5/2006م حول تصريحات نظيف، كما قدموا بياناتٍ عاجلةً حول هذه التصريحات إلى الدكتور نظيف، مطالبين بحضوره للردِّ عليها فورًا.

وأثناء الجلسة عرض الإخوان بياناتهم العاجلة، وهو ما قابله الدكتور أحمد فتحي سرور برفضه اعتبارَ جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا سريًّا، وقال لو اعتُبر الإخوان تنظيمًا سريًّا ستُرفع عنهم الحصانة ويطبَّق عليهم القانون، مؤكدًا أنه لا يَعرف عن الإخوان أنهم تنظيمٌ سريٌّ، ووجَّه الدكتور سرور حديثَه لنواب الإخوان قائلاً: نحن نعتزُّ بكم وبأدائكم، وأضاف أنه رغم أنه لا يوجد حزب باسم الإخوان، كما لا توجد جمعية مشهرة باسم الجماعة؛ إلا أن الشعبَ اختارَهم ونجح منهم 88 نائبًا ويجب احترام ذلك جيدًا.

وأكد سرور أن شعار "الإسلام هو الحل" هو شعارٌ سليمٌ، قضت بسلامته محكمة القضاء الإداري، ولا يحتاج الأمر بحثًا أكثر من ذلك.

وأضاف الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية أن الحكومة تتعامل مع النواب بكافة انتماءاتهم بقاعدة المساواة، وأن جميع النواب لهم نفس الحقوق والواجبات، وقال- محاولاً الدفاع عن نظيف-: إنه ربما تم الخطأ في ترجمة تصريحاته إلى اللغة العربية، وقال إنه من الناحية القانونية لا نعرف تكتلاً اسمه "الإخوان المسلمون"، علاوةً على أنهم ليسوا جمعيةً أهليةً، وقال إن هؤلاء النواب قد خاضوا الانتخابات مستقلين ونجحوا كمستقلين عن الأحزاب.

مصر إسلامية

وحول تصريحات نظيف بأن مصر دولة "علمانية" قال النائب سعد خليفة: إن رئيس مجلس الوزراء قد أعلن عن تصريحات غريبة في قناة (العربية) أكد فيها أن مصر دولة علمانية، رغم أن الدستور يؤكد أن مصر دولة إسلامية والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقال خليفة إنه لا يمكن في ظل الدستور المصري الذي أقسمنا على احترامه أن نفصِل الدينَ عن الدولة، وطالب خليفة بنفي هذه التصريحات والاعتذار عنها، وقال لن نسمح في يوم من الأيام أن تكون مصر دولةً علمانيةً كما صرَّح الدكتور نظيف، وهو ما قابله الدكتور شهاب بقوله إنه يجب عدم الالتفاف حول القضايا الفرعية وترك القضايا الأساسية، وأمام غضب نواب الإخوان والمعارضة قال شهاب إنه يقصد بعدم عرض القضايا الفرعية الالتزام بما هو وارد في جدول أعمال المجلس، وأكد أن مصر دولة إسلامية وتلك هي الحقائق، وقال إن الحكومة مستعدة للتوضيح، لكن لا يجب أن يفاجئنا النواب بموضوعاتٍ غير مدرجة بجدول الأعمال، وأكد شهاب أن قضية الدين لها كل الاحترام والإجلال، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وقال إننا أمام نصوص دستورية يجب أن نلتزم بها، وإن الحكومة مؤمنة بما تقوله، وعندما تخطئ تقوم بالاعتذار.

وهو ما قابله الدكتور سرور بتأكيد أن الدستور فوق الجميع وفوق كل تصريح صحيح أو منسوب، وأن الإسلام هو دين الدولة، وقال إن السلطة التشريعية مكلَّفة وملزَمة أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وإن الدولة ملزَمة بجميع سلطاتها بذلك، ولا يعطِّل من ذلك كلامٌ يُقال هنا أو هناك، وإذا كان هناك قولٌ فلا يُعتدُّ به.

الأمر لم يقف عند هذا الحد ضد تصريحات نظيف؛ حيث صعد الإخوان من موقفهم وقدموا استجوابًا ضد نظيف؛ ردًّا على تجاوزات الداخلية في حق المتظاهرين؛ لمساندة القضاة وتصريحات نظيف التي صاحبت ذلك، وقدم الاستجواب الدكتور حمدي حسن والذي انتقد الانتهاكات والاعتداءات التي تعرض لها المصريون المؤيدون لمطالب القضاة، وكذلك تصريحات نظيف الأخيرة والمتتالية، بالإضافة إلى تصريحات بعض الوزراء، والتي قال النائب إنها تنتهك وتخالف الدستور الذي أقسَموا على احترامه؛ مما أدى إلى تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة، وأورد النائب العديد من التصريحات، ومنها:

- مصر دولة علمانية.

- الشعب المصري غير ناضجٍ سياسيًّا، وإنَّ عليه أن ينضج قبل إقامةِ نظامٍ ديمقراطيٍّ كاملٍ مثل ذلك الموجود في الولاياتِ المتحدة.

- طريق مصر نحو الديمقراطية مرتبط بإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.

- المعارضة في مصر كان من الممكن أن ترتفع نسبتها إلى 40% إذا لم يكن هناك تدخلٌ حكوميٌّ في الانتخابات.

- المكالمات كلها تراقَب وتُسجَّل، و"اللي يخاف ما يتكلمش" (تصريح للسيد وزير الداخلية).

وطالب النائب بسحب الثقة من الحكومة؛ حتى يتسنَّى تقديم مَن خالف الدستور والقانون، وارتكب جرائم ضد الشعب المصري لمحاكمة عادلة أمام القضاء.

سادسًا: مع وزير الداخلية

تعد الدورة البرلمانية الأولى من الدورات الساخنة خاصة فيما يتعلق بملف المعتقلين وتجاوزات الداخلية، وفي السطور القادمة نكتفي بعرض اجتماع لجنة الدفاع والأمن القومي والذي جمع بين نواب الإخوان ووزير الداخلية لأول مرة بعد مطالبات عديدة وجهها النواب لرئيس المجلس، بضرورة حضور الوزير، ومواجهته بتجاوزات الداخلية ضد دعاة الإصلاح، وقد شهد الاجتماع- والذي رأسه الدكتور أحمد فتحي سرور لأهميته وسخونته- فَتْحَ العديدِ من الملفَّات الأمنية والتجاوزات الخطيرة التي بدأت وزارةُ الداخلية انتهاجَها مع المعارضين والسياسيين، بدايةً بالانتخابات البرلمانية الماضية ومرورًا بالأحداث السياسية التي مرَّت بها البلاد، وقد نجح نواب الإخوان في الكشفِ عن العديد من القضايا الساخنة أمام وزير الداخلية، وما يتم من اعتقالات دون أي سندٍ من القانون، واستمرار القبض على أساتذة الجامعات، منهم الدكتور محمد مرسي والدكتور حسن الحيوان "أفرج عنه مؤخرًا"، وكذلك الدكتور عصام العريان، فضلاً عن اعتقال أُسرٍ بأكملها، وتعذيب المواطنين، واستخدام الصعق الكهربي، والتحرش الجنسي، مستندين إلى تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وقد فشل نواب الحزب الوطني في (الشوشرة) على نوابِ الإخوان، ومحاولة مقاطعتهم أكثر من مرة، إلى أن تدخل الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بقوة لمنع مهاترات نواب الحزب الوطني، وأكد أنه لن يسمح بذلك، وعلى جميع النواب الاستماع دون استخدام هذه الأساليب.

المصدر