الإخوان المسلمون والشيعة..الجزء الثالث
محتويات
الإخوان المسلمون والخلافات الدينية والمذهبية
كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على يد الإمام البنا عام 1928 تسعى للوحدة والتكاتف بعيداً عن الخلافات والفرقة المذهبية، وخاصة في ظل نشأة الجماعة عقب سقوط الخلافة الإسلامية والحالة التي عانت منها امتنا الإسلامية خاصة في قرون ما قبل سقوط الخلافة سواء في المشرق أو المغرب العربي من الانخراط في نزاعات طائفية ومذهبية غيرت مسارات المشروع الإسلامي الحضاري إلى مسارات أخرى غير التي تستهدفها الحضارة الإسلامية.
وانخرطت الأمة لعدة عقود منذ نشأة مذهب التشيع في أواخر الخلافة الإسلامية في عهد الإمام على رضي الله عنه في نزاعات وخلافات طائفية ومذهبية أدت بها إلى ما نشاهده الآن من تراجع وتخلف فكانت منطلقات الجماعة الفكرية تهدف إلى التركيز في تجميع الصفوف وبناء وحدة الأمة، لذا كان كلمة الإمام البنا الشهيرة " نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا البعض ما اختلفنا فيه".
لذا نجد كل أدبيات ومواقف الجماعة تنطلق من هذه القاعدة فنجد افتتاحية جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 7 – 25صفر 1354هـ / 28مايو 1935م تتناول موضوع الخلافات المذهبية وموقف الإخوان منها فتقول الافتتاحية:
إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وترفض أن تنتسب إلى طائفة خاصة أو تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان مع الحق أينما كان.
تحب الإجماع، وتكره الشذوذ، وتفهم أن أعظم ما مُني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة، وتعتقد – مع ذلك – أن الخلاف في فروع الدين ضرورة وأمر لابد منه، ولا يمكن أن تتحد الأمة في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة:
منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلابد من خلاف.
ومنها سعة العلم وضيقه، وأن هذا بلغه ما لم يبلغ ذلك، والآخر شأنه كذلك، وقد قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور: "إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة".
ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له وما اتضح عنده لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينا نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسك، وتطيب بالأخذ عنه، تراه مجروحًا عند غيره لما علم من حاله.
ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدمًا على خبر الآحاد مثلاً وذاك لا يقول معه به وهكذا.
ولذلك فالإخوان يلتمسون العذر كل العذر لمن يخالفونهم في بعض الفرعيات، ويرون أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشمل الجميع معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته.
ولأن كل فريق مطالب أن يحب لغيره ما يحب لنفسه، لذا يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات فهم لهذا أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا وفي كل دعوة حقًا وباطلاً، فهم يتحرون الحق ويأخذون به ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية.
ويعلم الإخوان المسلمون أن هناك ناحية اجتماعية هي أخطر النواحي على كيان هذا الدين فحبذا لو وُجِّهَتْ جهودُ الدعاة من المسلمين إلى جمع الناس حول محاربة هذه النواحي الخطرة التي تهدد الدين من أساسه والتي نحن جميعًا مجتمعون على استنكارها ووجوب العمل لإزالتها.
ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان "يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأي ويحاولون الوصول إلى الحق ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب".
كما كان الإمام البنا دائمًا في أحاديثه وخطبه حريصًا على اجتناب الخلافيات والمسائل الخلافية فلا يثيرها في محاضراته أبدًا ولا يتكلم إلا في القضايا الإيجابية التي هي موضع الموافقة من الجميع، وكان يوصي تلامذته وأبناءه بذلك، فلا تجد منهم من يدعو الناس إلى زيارة الأضرحة والتوسل بها ولا من ينهونهم عن ذلك ولا يسمح بمثل هذه القضايا أن تثار.
وإذا أثيرت يكون جواب الأستاذ الإمام الشهيد أو الداعية الذي تربى على يديه:
- إننا الآن في غنى عن شغل الوقت بهذه المسائل الخلافية، وإن غايتنا أن نجمع الناس على لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وعلى الأمور والقضايا المسلم بها والمعترف بها والمجمع على صحتها من جميع المسلمين، فمتى أخذنا بها وعملنا للإسلام في ضوئها وهدايتها كان لنا بعد ذلك أن نشغل أنفسنا إن كان لابد في مسائل الخلافيات وتحديد القول فيها.
كما كان الإمام البنا شديد الحسم مع أتباعه في هذا الأمر، ونذكر على سبيل المثال هذه الحادثة التي نشرتها جريدة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "الإخوان والخلافات الدينية .. من مكتب الإرشاد العام".
وهذا نصها:
- نشر بعض الإخوان على صفحات جريدة سيارة سؤالاً موجهًا إلى فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ يوسف الدجوي يسأله فيه عن حكم الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان في عبارة يفهم منها أنما هو شخصيًا يرى أن ذلك من البدع التي تجب محاربتها ووقع على سؤاله هذا بصفته في إدارة شعبة الإخوان التي ينتسب إليها.
ولما كان مكتب الإرشاد العام يحرص كل الحرص على اتباع الخطة التي رسمها لنفسه وللدعوة في الخلافات الدينية من حيث التوسعة على المسلمين فيها، وعدم الاشتغال بها والالتفات لما هو أهم حتى يهيئ الله لهم من أمرهم رشدًا، لهذا يرجو المكتب حضرات الإخوان ألا يثيروا مثل هذه المسائل في دور الإخوان أو في كتاباتهم، وإذا أراد أحدهم أن يسأل عن شيء منها فليسأل بصفته الخاصة حتى لا يفهم أن رأيه الشخصي رأي للجماعة، والله نسأل أن يلهم المسلمين الخير وسعة الصدر وغزارة العلم وكمال الفقه لدينه والفهم عنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كما كان الإمام البنا يأمر إخوانه والدعاة الذين تربوا على يديه أن يجتنبوا إعطاء الفتوى الشرعية في أي أمر يعرض عليهم سواء فتوى خاصة أو في حفل عام أو في خطبة أو درس في مسجد، وكان إذا سئل عن شيء من أمور الدين العادية مثلاً ما حكم الصلاة؟
ما هي أركان الصوم؟ ماذا تقول في فتوى خاصة في أمر الميراث أو ما شاكل ذلك مهما كان دقيق العلم بها فإنه كان يقول هذه من أمور الدين والعلم فاسألوا عنها السادة العلماء ويحيلها إلى العلماء وكانت له في ذلك غايات عديدة منها:
الغاية الأولى:
- أنه يبرز توقيره للأزهر وعلمائه حتى لا تتحرك في نفوسهم معاني الحقد أو الحسد.
الغاية الثانية:
- كان في ذات الوقت أبعد وأعمق نظرًا لأنه يعلم أن أكثر الطوائف المنتسبة إلى دعوته والذين يبتغون فعلاً تبليغ الدعوة وتربى على أيديهم أجيال من المؤمنين بالله، أكثر هؤلاء لم يكن بهم من علم بالمسائل الشرعية ما يؤهلهم لأن يكونوا أهلاً للفتيا، فقد كان أكثرهم كما قلت من شباب الجامعات وربما كانوا من العمال والنجارين والحدادين الذين فقهوا الدعوة فقهًا صحيحًا وآمنوا بها إيمانًا حقًا، وانطلقوا يعملون لها في أنفسهم ويبشرون بها غيرهم، ويأخذون بها بيوتهم ولكنهم لم تتح لهم فرصة التزود من علوم الفقه ومن العلوم الشرعية التي يؤهلهم للفتيا فيها.
وبذلك جنب فضيلته أتباعه أن يدخلوا في هذه الخلافات، وبذلك سد باب الجدل والخلاف الذي لا يُفتح على أمة إلا كان سببًا في دمارها وتشعب أمرها وفساد عقائدها.
الإخوان ودار التقريب بين المذاهب
كان من حرص الإخوان المستمر على الوحدة وتجميع القوى الإسلامية لخدمة المشروع الإسلامى المشاركة في أى فعالية أوالترحيب بدعوة من شأنها تحقيق هذا الهدف الواسع، فقد نظر الإخوان إلى الحالة التي يعيش فيها المسلمون من فرقة وتشتت وصراع بين المذاهب هذا سني وذاك شيعي, مما كان لها آثرا عظيما على ضعف المسلمين في مواجهة الاحتلال, ونادى الإخوان بالتوحد, وعمل على جمع شمل المسلمين, ونادوا عبر صحفهم الهيئات والجمعيات العاملة لخدمة الإسلام بالإتحاد حول الأهداف الإسلامية التي ينشدونها.
فقد أيد الإمام البنا الدعوة التي أطلقها الإمام الشيعي السيد محمد تقى قمى في إنشاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية, كما أيدها كثير من علماء السنة وعلماء الشيعة وأرسلوا رسالة للسيد محمد تقى قمى يؤيدونه في فكرة التوحد جاء فيها:-
تحية إسلامية وعواطف دينية تهدى من عرين بطل الإسلام على بن أبى طالب ومن رجال العلم والدين في النجف الأشرف إلى مصر العزيزة و(جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية) الموقرة.
سلام عليكم من إخوانكم في الدين وأنصاركم في غايتكم الشريفة ورحمة الله وبركاته.
وبعد. ولقد أيد هذه الفكرة كثير من علماء الأمة الإسلامية, وأرسلوا برسائل يرحبون بالفكرة ويبدون استعدادهم للعمل في سبيلها, ومن هذه الوسائل ما أرسلها العلامة السيد محمد الحسيني آل كاشف الغطاء كبير علماء الشيعة بالتحف بالعراق قال فيها:
مقدمة, وهذه الحركة المباركة هي أمنية كل ذى حس إسلامي وغيرة دينية وكان يسعى لها أكابر المصلحين من كبار رجالات المسلمين كالكواكبى والسيد جمال الدين والشيخ محمد عبده والكثير من أمثالهم, ويقول في فقرة أخرى وإنى من أكثر من اشتغل وألف وخطب وكتب في هذا الأمر الخطير فبالضرورة أكون أكبر مساعد فيه, مشجع للناهضين بأعبائه شاكرا لهم هذه النهضة المباركة سائلا الله تعإلى ومتوسلا اليه بروحانية الإسلام وقد سيته أن ينمى هذه البذرة المباركة حتى تثمر مثمرا جنيا شهيا ويمد أعضاءها بروح منه ويجعلنا العاملين فيها بخير.
ورسالة أخرى من الشيخ محمد العربى العزوزى أحد كبار علماء أهل السنة وأمين قتوى الجمهورية اللبنانية ورئيس المجلس العلمى والذى أيد الفكرة مستشهدا بالحديث الشريف " لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله" ثم قال:
وأقبلونى يا سادتى أن أكون من أنصار جماعتكم وخدامها وكلفونى ما ترونه من القيام بواجب مهمتكم وتبليغ أمانة اله التى قمتم بواجب تبليغها.
وأرسل الشيخ أمجد الزهاوى من كبار علماء السنة بالعراق رسالة جاء فيها:
- ذلك الهدف ( التقريب بين المذاهب) السامى الذى تتمخض به الظروف الحاضرة نظرا لشيوع الخلافات والفرقة بين الأمم... وأنه يجب أن تتعاون فرق المسلمين الخ... وأرى السعادة لى أن أكون من خدمة هذا الموضوع وأشكر شكر جزيلا من أهلنى لهذه الخدمة.
وكتب العلامة الشيخ هبة الدين الشهيرستانى (من أعاظم علماء الشيعة في الكاظمية بالعراق):
- وتلك هى ضالتنا المنشودة منذ أجيال والتى وفق إليها زعماء العلماء من قبل لما تدهورنا هذا التدهور المشين. ونحن هنا جميعا سادات الفقهاء. وأدباء العلماء ومن هذا اليوم على أتم اتصال بجماعتكم وبكم في الحسيات الحسنى والمأرب الأسنى.. والسلام على جماعتكم المصلحين وعلى من يؤازركم من إخواننا المسلمين.
كما أرسل يؤيد الفكرة علماء كثيرون من السنة والشيعة أمثالا الشيخ حبيب آل ابراهيم مفتى الديار البعلبكية والشيخ سليمان ظاهر والعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوى.
وقام السيد طاهر القيسى متصرف نحافظ لواء مربلاء بزيارة دار التقريب والتقى بالسيد محمد تقى قمى,وأبدى السيد ظاهر إعجابه بالإخوان المسلمين واعتبر اشتراكهم في حركة التقريب أكبر دليل على أنهم يعملون لله ولخدمة الإسلام والمسلمين خدمة صادقة فعالة, وذكر أن العراقيين جميعا ينظرون إلى الإخوان نظرة إكبار تقدير.
كما قام في نفس الليلة بزيارة دار الإخوان واجتمع بفضيلة المرشد العام أكثر من ساعة شكره فيها على مساهمة الإخوان في مشروع التقريب وكيف كان لهذا أثر بعيدا في نفوس العراقيين وأنهم يرون أن الإخوان هى الهيئة الإسلامية التي تنشد الإصلاح وتخدم المجتمع أجل خدمة ووعد أن يكون أكبر عون في العراق للإخوان المسلمين.
ولقد واصلت مجلة الإخوان نشر رسائل التأييد لدار التقريب والتى وقف خلفها كبار علماء أهل السنة وعلماء الشيعة مثل حجة الإسلام الرضوى من أكابر علماء إيران والعلامة السيد جعفر الشهيدى.
ورسالة من العلامة الجليل السيد محمد حسين الهاشمى الخراسانى, والعلامة الكبير الحاج ميرزا محمود الشهير بمجتهد إيران, وصاحب المعإلى السيد جعفر حمدى.
وقد كتب الشيخ سليمان ظاهر (عضو المجتمع العلمي العربي بدمشق وعضو دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) مقالا في مجلة العرفان الدمشقية نقلته عنها مجلة الإخوان المسلمين جاء فيها:
أيها المسلمون:
- اجتمعت كلمة رهط صالح من علمائكم العاملين ونفر غيور من عظمائكم النابغين المخلصين من فرق السنة والشيعة من مصريين وإيرانيين ويمنيين فأسسوا في دار الإسلام ووارثه علوم الإسلام وعاصمة جلالة مليكها (فاروق) الصالح دار التقريب بين المذاهب الإسلامية فلزام عليكم جميعا أن تناصروها المناصرة كلها في إشراب النفوس مبادئها وما تهدف إليه من توحيد كلمة التوحيد كل ما يبلغ إليه وسعة وما يدخل في دائرة إمكانه ويدعوه إليه خالص إيمانه.... الخ".
ولم يقتصر دور دار التقريب على تقريب بين المذاهب فحسب, بل شاركت في بعض القضايا التي تهم الأمة وكان على رأس هذه القضايا قضية فلسطين وأطماع اليهود فيها, حيث عقدت الدار جلسة برئاسة محمد على علوبة باشا, شرح فيها السيد محمد تقى قمى الخطوات التي اتخذت بشأن فلسطين, وقد اجمعوا على رأى الشيخ عبد المجيد سليم من أن مسألة فلسطين دينية إسلامية.
كما أيدوا قول الشيخ محمود شلتوت:
- إن من حسن الحظ أن يكون في العالم الإسلامى هذه الجماعة التى تمثل فيها الطوائف الإسلامية وإن من صميم عملها أن تقوم بواجبها في قضية فلسطين" كما اقترح الشيخ عبد اللطيف دراز انتاب بعض أعضاء التقريب للسفر إلى البلاد الإسلامية لطالبة الحكومات الشعوب بمد فلسطين بالمال والرجال, كما وافق على البيان الذى سيذاع الإمام حسن البنا ميرزا مهدى رفيع مشكى بك.
اجتماعات دار التقريب
نشطت دار التقريب منذ أول يوم في نشأتها حيث اجتمعت اللجنة المكونة من كبار رجال الفكر والفقهاء مساء الخميس غرة ربيع الأول 1366, 23/1/1947م, حيث ألقى كلمة الإفتتاح السيد محمد تقى قمى ,وبين الفرص من تكوين هذه اللجنة وأنها تهدف إلى رفع الخلافات بين المسلمين وتمحيص الآراء على ضوء البحث الحر.
وتناقش الأعضاء في قانون الدار وناقشوا اقتراحات الشيخ حمد عبد اللطيف دراز والشيخ محمود شلتوت والأستاذ حسن البنا المرشد العام وبعد ذلك رأوا أن يتولى صياغته محمد على علوبة باشا وأحمد علوبه بك.
وقد قامت جريدة الإخوان بتقديم اقتراح للسيد محمد قمى بأن يعمل لإقامة فرع لدار التقريب في مدينتى طهران والنجف, ويكون أساس الدعوة فيهما تعريف الجماهير بمناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصحيح الأخطاء الشائعة التى نشأ عنها سوء التفاهم.
وتوالت اجتماعات الجنة ففي مساء يوم 14/2/1947م اجتمع ممثلون عن علماء المذاهب من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية والأمامية والزيدية, وتناولوا النواحى التى تبدأ بها دار التقريب عملها, كما حددوا الوسائل التى تتبعها الدار لتحقيق أهدافها للقضاء على الخلافات الوهمية بين المسلمين.
وجاء في كلمة علوبة باشا أن الحزبية المذهبية هى كالحزبية السياسية أشد ما يكون خطرا على الأمة الإسلامية, وقرر الشيخ عبد المجيد سليم أن الخلافات المذهبية أساسها سياسية وقد أخذ الناس بها جهل.
وفي مساء الجمعة 21 مارس 1947م عقدت جماعة التقريب جلستها حيث وافق الحضور على اقتراح علوبة باشا الذى يرى ترجمة القانون الأساسى والبيان إلى اللغات الفارسية والأندونسية والإنجليزية وغيرها من اللغات الحية.
كما رحب الجميع بإنضمام مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى إلى الجماعة كعضوا مؤسس, كما اتفقوا على جعل الآية الكريمة " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأناديكم فاعبدون" شعارا للدار وانفض المجلس بعد مناقشة بعض المسائل الإسلامية الهامة.
وقد أرسلت دار التقريب نسخة من قانونها الأساسي لجريدة الإخوان المسلمين والذى يتلخص في:
- إن الهدف الأول.... والأخير لهذه الدار هو نبذ الخلافات التى وسعت هوتها بين المسلمين أهواء السياسيين وشهوات الحاكمين والحقيقة التى لاجدال فيها أن المسلمين في جميع بقاع الأرض يتجهون إلى قبلة واحدة ويجتمعون على كلمة سواء ويؤمنون بكتاب الله المنزل على رسوله الكريم وحيث أن هذه الخلافات التى أساسها الحمقى والجهالات لايستفيد من ورائها إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين.
فمن الواجب أن يعمل كل مسلم من جانبه على إزالة هذا الخلاف ومحاولة توحيد المسلمين في صف واحد يعملوا على بعث النور المحمدى من جديد حتى ينقذ المسلمون مما هم فيه من بلاء وحتى يعم الخير الإنسانية جمعاء وهذا هو الهدف الذى ترمى إليه دار التقريب التى أسست على أكتاف رجال يمثلون المذاهب الإسلامية كلها تقريبا و هم في نفس الوقت نخبة من الكبراء والعظماء من يشتغلون بأمور الدين وخلاصة كريمة من العلماء الأجلاء.
ولقد زار الأمير سيف الإسلام يحيى زار التقريب بين المذاهب وتبرع بمبلغ 150 جنيها إعانة للدار وكان في إستقباله محمى تقى قمى السكرتير للدار ووكيل الجماعة الشيخ عبد المجيد سليم.
كما عقدت جماعة التقريب جلسة برئاسة محمد على علوبة واتفقوا على:
- الإتصال بالسيد محمد على جناح بغية مراعاة عدم التمييز بين الطوائف الإسلامية وإقامة باكستان على أسس اسلامية عامة تتحقق بها وحدة المسلمين.
- رفع آيات الشكر لصاحب الجلالة شاهنشاه إيران والملك عبد الله بن الحسين لعطفها وتقبلها فكرة التقريب وتأييده.
المصادر
- جريدة الإخوان المسلمون اليومية 162 سنة5/8 رمضان 1366, 26/7/1947 ص18.
- جريدة الإخوان المسلمون اليومية 168 سنة5/28شوال 1366, 13/9/1947ص7.