الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية (7)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية (7)


الإخوان المسلمون وحكومة صدقي

توقفنا في الحلقة السابقة عند علاقة الإخوان بالوفد وحكومته، ورأينا أن الإخوان لم يكونوا في يومٍ من الأيام مطيةً لحزبٍ أو هيئة قويت أو ضعفت لكنهم انطلقوا من مبادئ وأهداف عاشوا عليها طوال حياتهم مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله فلم يناصروا حكومة أو حزب على حساب آخر، ولم يقولوا للظالم في يومٍ من الأيام أنت محسن من أجل مصالحهم، لكنهم يقولوا للمحسن أنت محسن، وللظالم أنت ظالم؛ انطلاقًا من مبادئهم ومنهجهم.


واليوم نتناول حكومةً أثارت جدلاً كبيرًا بسبب سطوها على الدستور وتغييره من أجل الملك، وهي وزارة إسماعيل صدقي باشا، والذي تولَّى الوزارة أكثر من مرة.

اسماعيل صدقي باشا.jpg

فإسماعيل صدقي وُلد بالإسكندرية في ١٥ يونيه ١٨٧٥م، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة الفرير الفرنسية (١٨٨١- ١٨٨٩م)، وأتقن اللغة الفرنسية، والتحق بكلية الحقوق وتخرج فيها عام ١٨٩٤م.


تولَّى إسماعيل صدقي رئاسة الوزارة في وزارته الأولى (١٩ يونيه ١٩٣٠م- ٤ يناير ١٩٣٣م)، وفي هذه الوزارة قرر إسماعيل صدقي تأجيل جلسات مجلسي البرلمان، كما صدر الأمر الملكي بوقف العمل بدستور ١٩٢٣م، وحل البرلمان بمجلسيه وإعلان دستور ١٩٣٠م، وإعلان صدقي قيام حزب الشعب في ١٧ نوفمبر ١٩٣٠م، وقد أجريت انتخابات ١٩٣١م في عهده في جوٍّ من القمع والتزييف والإرهاب؛ مما أدَّى إلى مصادمات دموية مع عمال العنابر وضحايا في الأرياف.


تبوأ منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية في الوزارة التي قام بتشكيلها (٤ يناير ١٩٣٣- ٢٧ سبتمبر ١٩٣٣م)، وشكَّل وزارته الثالثة في (١٦ فبراير ١٩٤٦م- ٩ ديسمبر ١٩٤٦م).


تولَّى إسماعيل صدقي رئاسة الوزارة الأخيرة وهو يعلم بماضيه السيئ غير أنه تعهَّد بالمطالبة الجادة القوية بحقوق البلاد، أو التخلي عن الحكم إذا تعسَّرت الأمور".


وانتهاجًا لمبدأ الإخوان أن يعطوا المسيء الفرصة ليثبت حسن نوياه فيما يقول والعودة إلى رشده القويم، ولذا غضَّ الإخوان نظرهم عن ماضي صدقي الضليع في الدكتاتورية طمعًا في أن يفتح في حياته صفحةً جديدةً، وتأييدًا لهذه الوزارة، وتثبيتًا لمركزها أمام الإنجليز.


كان إسماعيل صدقي رجل مستقل لا ينتسب لحزبٍ سوى الحزب الذي أسسه عام 1930م، والذي فشل في تحقيق النجاح؛ ولذا اعتمد على قدراته السياسية، وشاع أن الإخوان يقفون خلف وزارة صدقي ويؤيدونها، كما شاع أن الإخوان تحالفوا مع صدقي ضد الوفد وضد القوى الوطنية، وأن صدقي منح جريدة الإخوان مزايا كثيرة بأن سمح لهم بإنشاء جريدة يومية وإمدادها بالورق اللازم وغيرها من التهم التي أشاعها الوفد والشيوعيون لإلصاقِ التهم الشائنة بالإخوان بسبب رفض الإخوان مطلب الوفد في بداية تولي صدقي الوزارة بإسقاط الوزارة لحساب الوفد؛ حيث طلب الإخوان منهم أن يعطوا الوزارة الفرصةَ ليروا ما تأتي به.


ولنفد ما جاء من أباطيل على لسان الوفديين وأنصارهم من الشيوعيين بما ورد في العدد 17 من الجريدة اليومية للإخوان حول قضية الورق فقد جاء فيها: "يلاحظ القراء أن جريدة (الإخوان المسلمون) تصدر في ورق أحمر في معظم الأيام؛ وذلك لسببٍ واحدٍ نذكره للأمة من ناحية ولتسمعه الحكومة من ناحيةٍ أخرى، وهو أن جريدة (الإخوان المسلمون) هي الجريدة الوحيدة التي لم تقرر لها وزارة التموين فرخًا واحدًا من الورق منذ صدورها إلى الآن؛ الأمر الذي اضطرنا إلى شراء كميات كبيرة من الورق من الخارج وصل بعضها والبعض الآخر لم يصل".


ومضت الوزارة في تحقيق وعدها، واندلعت مظاهرة في 21 فبراير 1946م، ولم يتعرض لها البوليس غير أن الجيش الانجليزي فرقها بالقوة؛ مما أدَّى إلى موت الكثير من المصريين؛ مما أثار سخطًا شعبيًّا شديدًا، بعد ذلك في 24 فبراير سلَّم مندوب الإخوان لصدقي رسالةً من المرشد، يحدد فيها مطالب الأمة والإخوان طالب فيها الوزارة بالتقدم للحكومة البريطانية على وجه السرعة بمذكرةٍ صريحةٍ تطلب فيها الجلاء التام عن أرض وادي النيل ووحدة الوادي، وسحب ممثل مصر في هيئة الأمم المتحدة لإساءة هذه الهيئة للقضية المصرية، وعرض القضية على مجلس الأمن إذا لم يستجب الإنجليز، وأن تطلب الحكومة المصرية اعتذارًا رسميًّا من بريطانيا عن تصرفات جنودها"، كما أرسل الإمام البنا لصدقي باشا يقول له: "مطالبنا الجلاء التام عن وادي النيل والمحافظة على وحدته، هما المطلبان الرئيسيان للأمة جميعًا من الشمال إلى الجنوب، وقد أعلنت ذلك هيئاتها وأحزابها في حكوماتها.


والجلاء كما يفهمه شعب وادي النيل، ويريده هو ترحيل القوات الأجنبية جميعها عن أرض الوادي ومائه وهوائه في الحال.


والوحدة كما يفهمها المصريون فمعناها: أن المواطن المصري يعتبر أرض وادي النيل وطنًا واحدًا، وأهله شعبًا واحدًا، لكل فردٍ منهم ما للآخر من الحقوق، وعليه ما عليه من الواجبات، وكما يفهمها السودانيون أو جزء منهم معناها: الاتحاد مع مصر تحت التاج المصري مع وحدة الجيش والتمثيل السياسي".


واندلعت مظاهرة في 4 مارس 1946م بالإسكندرية تطالب الإنجليز بالجلاء، وكان يشرف عليها شباب الإخوان، وعندما اقتربت من ميدان سعد زغلول أطلق بعض الأجانب الرصاص من شرفات منازلهم على المتظاهرين؛ مما أدَّى إلى إفلات الزمام وانقلبت المسيرة إلى ثورة؛ حيث هاجموا فندق اتلانتيك والذي يقطنه جنود بريطانيا.

فلما حنث صدقي بما وعد بأن عاد للمفاوضات دون شروط، وشكَّل هيئة مفاوضات في 19/3 طلب الإخوان منه أن يدخل هذه المفاوضات وهو حرٌّ لا تقيده معاهدات كتب الإمام البنا: "حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس الحكومة المصرية ورئيس وفد المفاوضة المصري:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإمام الشهيد حسن البنا

وبعد: فالآن وقد وصل الوفد البريطاني المفاوض، وانتهت المحادثات التمهيدية، واستعد الطرفان للقيام بمهمتهما.. أحب أن أذكر دولتكم بما أعلنتموه في مجلس الشيوخ والنواب، وبعثتم به إلى سفير مصر في إنجلترا، ليبلغه رسميًّا إلى الحكومة البريطانية من أنكم تدخلون هذه المفاوضة أحرارًا من كل قيدٍ غير متأثرين بمذكرة الحكومة المصرية السابقة ولا بالرد البريطاني عليها.


وأزيد على هذا "ولا بقيود معاهدة 1936 التي عُقدت في ظروف خاصة تغيَّرت الآن تغييرًا كاملاً جعلها غير ذات موضوع، كما أعلن ذلك معالي وزير الخارجية المصرية في مجلس النواب.


وإذن فالهدف المقصود من وراء هذه المفاوضة هو تحقيق مطلب الأمة الأساسي، وهو الجلاء التام عن وادي النيل، والحرص على وحدة تجعل من أهله أبناء وطن واحد يشتركون في الحقوق والواجبات، ويتبع ذلك أن تتحرر مصر تحررًا كاملاً من كل القيود التي تعوق نهضتها الاقتصادية، ويسدد إليها دينها المستعان به في ترميم ما أتلفت الحرب من حياتها الاجتماعية.


فليكن ذلك- يا صاحب الدولة- هدفكم فإن وصلتم إليه فذاك، وإلا فبادروا بمكاشفة الأمة (ولها الكلمة الأخيرة) فورًا بحقيقة الموقف على جليته وارفعوا الأمر إلى مجلس الأمن قبل انتهاء دورته، وثقوا بأن الأمة لن تقصَّر في الجهاد وهي على أتم استعداد لمواجهة تبعته وقسوته، وليس طعم النجاح في فمها بأعذب من طعم الكفاح وهو إحدى الحسنيين.


غير أن صدقي باشا نسي وعوده واهتمَّ بالمعاهدة مع الإنجليز، وسافر إلى بريطانيا هو وإبراهيم عبد الهادي بالرغم من رفض هيئة المفاوضات معاهدة صدقي بيفن، ولذا هاجمه الإخوان لحنثه بوعوده، وتحركت مظاهرات الإخوان في كل مكان تطالب بإقالة صدقي باشا، كما حدث في الإسكندرية مساء الأحد 30 من ذي الحجة 1365هـ - 24/ 11/ 1946م؛ مما دفع صدقي للتعامل معهم بالقوة والعنف فكتب الإمام البنا يقول في ذلك: "حشد صدقي باشا قواه جميعًا ضد الإخوان المسلمين, وأعلن عليهم الحرب الظالمة الجائرة بكل سلاح, فراقب رجالهم وحاصر دورهم وقاوم نشاطهم ومنعهم من أن يقوموا برسالتهم الإصلاحية الجليلة: رسالة تهذيب النفوس وتطهير الأرواح, وتجميع الجهود على الخير والبر, وإرشاد الناس إلى الهدى ودين الحق, وإنارة الأفئدة بشعلة الوطنية الصادقة والروحية الصافية, وزجَّ بخيرة شباب هذه الأمة إلى السجون والمعتقلات, وسلَّط سوط العذاب والجبروت على الآمنين البرآء في الشوارع والطرقات, وجهَّز حملةً واسعةَ النطاق من النقل والتشريد تناولت خلصاء الموظفين من الإخوان في الدواوين والمصالح والوزارات, وتوعَّد بما هو أشد من ذلك وأقسى, وظنَّ أنه قد بلغ بذلك من الإخوان ما أراد".


وفي ظل ذلك أصدر صدقي باشا أمرًا بوقف الدراسة شهرًا؛ مما دفع الإمام البنا لأن يكتب ويقول: "لقد أصدر صدقي باشا أمره بتأخير الدراسة في المعاهد العلمية شهرًا في وقتٍ هو أنسب شهور العام للدراسة والتحصيل.


وراقب الهيئات والأندية والجماعات وبخاصة دور الإخوان المسلمين، وضيَّق الخناق على المجتمعين فيها والمترددين عليها، بل لقد وصل الأمر إلى أن أباح رجال البوليس لأنفسهم أن يقتحموا الأندية الخاصة، وأن يقبضوا على مَن فيها بدون إذن من النيابة أو أمر من القضاء".


وسط غليان الحركة الوطنية المصرية بالرفض وتصدر الإخوان لهذه الحركة قدَّم إسماعيل صدقي استقالته بعد مرور عشرة أشهر.


غير أن العلاقة بين الإخوان وصدقي باشا لم تتوقف عند الجانب السياسي، بل طالب الإخوان صدقي بإصلاح الجوانب الاجتماعية، فكتب صالح عشماوي تحت عنوان "صدقي باشا والانهيار الأخلاقي" يُبين ما جلبته أماكن اللهو والرقص من جرائم وانتهاك للأعراض تحت سمع وبصر القانون، وتحت سمع رجال البوليس المكلفين بحماية هذه الدور ولم يفعلوا في الأمر شيئًا، وطالب رئيس الوزراء بحماية الأموال والأعراض بسياجٍ من الدين والشرع وبتشجيع الدعاة والمصلحين في تعريف الناس أخطار هذه الأماكن.


ولقد استهجن الإخوان موقف الدولة من التصاريح التي يستخرجونها لأصحاب الملاهي والمسارح والتي تُبيح لهم إقامة عبثهم بحجة الاحتفال بذكرى النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم بما يحدث في هذه الدور والملاهي من انتهاكٍ للأعراض والحرمات.


من هذا السرد تتبين- كما وضح الأستاذمحمود عبد الحليم عضو الهيئة التأسيسية- الآتي:-


1- أن مساندة الإخوان لحاكم أو معارضهم لحاكم لم يكن الدفع له تحقيق مأرب شخصي أو نفع مادي لكن كان الدافع هو تحقيق مصالح البلاد وانتزاع حريتها والاستقلال.


2- لم يكن الإخوان دخلاء حينما طالبوا بحقوق الوطن والاستقلال؛ لأن الإسلام يطالب كل مسلمٍ بتحرير وطنه من كل محتل.


المراجع

1- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1979م.

2- البصائر للبحوث والدراسات/ من تراث الإمام البنا.

3- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين ، الجزء الأول، دار القبس للنشر والتوزيع، 1989م.

4- عبد الرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919- الجزء الثالث- الطبعة الثانية- طبعة دار المعارف- القاهرة 1409هـ / 1989م.