الألباني والإخوان .. نموذج فريد يحتذى

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الألباني والإخوان .. نموذج فريد يحتذى

عصام تليمة : بتاريخ 16 - 3 - 2008

الشيخ عصام تليمة

لم أكن متعجبا من حقائق عثرت عليها بين أضابير المجلات والصحف الإخوانية القديمة، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كانت من أهم هذه الحقائق المذهلة بحق، هذا التواصل الحميم بين العلامة المحدث المرحوم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وجماعة الإخوان المسلمين، إذ هذا التواصل يؤكد أن الجماعات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة من الممكن أن تتآخى وتتآزر، مع ما بينهما من خلاف بين وكبير في الفكر، ولكن يجمعها جميعا أمران: العمل للإسلام، والتخلق والتحلي بآدابه عند الخلاف والاتفاق.

أقول هذا الكلام لأعلن هذه الحقائق التي عثرت عليها للقارئ، وللجماعتين معا: السلفيين والإخوان المسلمين. كنت أقلب في صفحات مجلة (المسلمون) التي كان يصدها الأستاذ سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا الكبرى، وكان قد أصدر من مجلته ثلاث سنوات في مصر، وثلاث سنوات في سوريا، وثلاث سنوات في سويسرا، في السنوات الثلاث التي صدرت في سوريا عندما أسقط عبد الناصر عنه الجنسية المصرية في عام 1954م، فوجئت بكم من المقالات للشيخ الألباني، وكان المشرف على المجلة مع سعيد رمضان: الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، وكان من هدي المجلة أن أي سؤال في علم الحديث يحال مباشرة للشيخ الألباني، كما كان الشيخ الألباني رحمه الله يكتب من نفسه تعقيبات وتعليقات على ما يعن له من موضوعات، أو ما يختلف معه من مواقف وأفكار في المجلة لبعض الكتاب، من ذلك: سلسلة من أربع مقالات بعنوان: (عودة إلى السنة) يرد فيها على الأديب القاضي الأستاذ علي الطنطاوي، وقد كتب مقالا بعنوان: (مشكلة) يتحدث فيه عن مشكلة الدعاة إلى الله، والخلل والقصور في تناولهم للقضايا.

كما كتب الشيخ الألباني مقالا يعلق فيه على سلسلة مقالات للدكتور مصطفى السباعي، وهو ما جمع فيما بعد في كتاب تحت عنوان: (السنة ومكانتها في التشريع)، والتي ختم مقاله بهذه العبارة التي تدل على أدب الخلاف بين الرجلين: (وختاما: أقدم إلى الأستاذ الفاضل (السباعي) شكري على مقالاته التي يخدم بها السنة، مشفوعا بتحيتي الإسلامية).

وكتب مقالا آخر يعقب على ما كتبه الشيخ محمد الحامد العالم الحموي المعروف، حول مقاله عن أحاديث وردت في فضل العمامة، وقام بالرد عليه تخريجا وتعقيبا الشيخ الألباني. كل هذه المقالات التي لم يكن الشيخ الألباني وقتها معروفا للقراء نشرتها له مجلة (المسلمون) التي يصدرها ويشرف عليها رمزين كبيرين من جماعة الإخوان المسلمين: سعيد رمضان، ود. مصطفى السباعي.

وقفت عند هذه الفترة من المجلة، وظننت أن علاقة الشيخ الألباني بدأت من هذه الفترة، ولكني فوجئت بثلاث مقالات سابقة مهمة لها أثر كبير في علاقة الألباني بالإخوان آنذاك، وفي أثر ما كتب وقتئذ في الحركة العلمية سواء عند الإخوان أو عند السلفيين، المقال الأول له، كان عبارة عن رسالة ينقد فيها تخريج بعض الأحاديث للشيخ سيد سابق، وكانت سنة 1947م في مجلة (الإخوان المسلمين) النصف شهرية، وكان الشيخ سيد سابق يكتب مقالات في الفقه جمعت فيما بعد في كتابه الأشهر (فقه السنة) فكتب الشيخ الألباني يعقب عليه في تخريج بعض الأحاديث، وأحال الأستاذ حسن البنا الرد على الشيخ سيد سابق، فكتب ردا على الرد بين فيها وجهة نظره في سند هذه الأحاديث، وفي فقه هذه الأحاديث، وكانت هذه المقالة هي النواة الأولى لكتابه (تمام المنة في التعليق على فقه السنة).

ثم كان مقاله الثاني في مجلة (الإخوان المسلمين) التي أصدر منها أعدادا الأستاذ سيد قطب رحمه الله في بدايات سنة 1954م قبل الصدام مع الثورة، وكانت تعقيبا على مقالة كتبها الدكتور عبد العزيز كامل رحمه الله مسؤول قسم الأسر، عن (نظام الأسر) أي الإخوانية، وورد فيها عدة أحاديث لم يخرجها الأستاذ عبد العزيز وقتها لعدم تخصصه في ذلك، فكتب الشيخ الألباني رسالة يعقب فيها على المقالة ويثني عليها، ويبين أنه ليت الكاتب يزيد في قيمتها بتخريج أحاديثها، وهذا ما تم بالفعل فيما بعد عندما أصدر الإخوان المسلمون رسالة (من آداب الأسرة والكتيبة) فقد رأيت تخريجات في الرسالة لا يمكن أن يكتبها الإخوان من أنفسهم، ورأيت أهم تعليقات الشيخ الألباني في هامش الرسالة، وأهم تخريجاته والتي كانت من كتابه فيما بعد (صحيح الترغيب والترهيب) ويبدو أنه كان قد بدأ في العمل فيه آنذاك.

هناك مقال ثالث كتبه الشيخ الألباني في هذه الفترة ولكن لم ينشر لأن المجلة كانت قد أغلقت، وكان تعقيبا على فتوى كتبها العلامة الفقيه الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله، حول الغناء والموسيقى، ثم طالت مقالة الشيخ الألباني فيما بعد حتى صارت كتابا في الأسواق الآن، بعنوان: (حكم آلات اللهو والطرب).

هذه المواقف توجها موقف أهم ـ في وجهة نظري ـ من كل ما مضى، ويبدو أنه كان علامة بارزة في نفس الشيخ الألباني، وهو للأسف إلى الآن حاولت الوصول إليه دون فائدة من البحث، وهي رسالة خاصة أرسلها الإمام الشهيد حسن البنا إلى الشيخ الألباني في عام 1947م، بعد قراءته تعليقه على تخريج الشيخ سيد سابق للأحاديث، وقد كتب له البنا يشكره على هذا النقد المهذب الرقيق، والبحث العلمي الدقيق الذي كتبه، ويشد على يده أن يسد هذه الثغرة في علوم الإسلام (علم الحديث) وقد كان البنا يعلم قيمة هذا العلم فهو ابن محقق كبير لمسند أحمد (الشيخ أحمد عبد الرحمن الشهير بالساعاتي)، ويحثه على المسير قدما في هذا التوجه العلمي المهم. حاولت جاهدا بالاتصال بكل من أعرف من المقربين من الشيخ الألباني للعثور على هذه الرسالة ولكن دون جدوى، وقد حكى الشيخ الألباني مضمون الرسالة لأحد تلامذته وعنه نقلت.

وهذا ما دعا الشيخ الألباني إلى جمع مقالين للشيخ حسن البنا كتبهما في مجلة (المنار) التي رأس تحريرها خلفا للعلامة المجدد الشيخ محمد رشيد رضا، بعنوان: (المرأة المسلمة)، جمع الألباني المقالين في رسالة، وحققها، وعلق عليها بعض التعليقات، ويعتبر بذلك أول من قام بجمع مقالات لحسن البنا بعد وفاته، سواء من داخل الإخوان أو من خارجهم.

لم أرد من مقالي هذا السرد التاريخي بقدر الوقوف على الدروس المهمة، وكيف أن هؤلاء الناس كانوا كبارا في علمهم، وأدبهم، وخلقهم، وحسن التعاون، وفهم مخططات الأعداء في تفريقهم، والنيل من وحدتهم، ولذلك تعالوا على خلافاتهم العلمية والشخصية، ولا أدري متى انتهى الوفاق وبدأ الشقاق بين الجماعتين الكبيرتين، وبين الجماعات بوجه عام، تقرأ الآن في مجلات كل جماعة لا ترى فيها فكرا يخالف فكرها، ولا ترى كاتبا من فكر مخالف، رحم الله حسن البنا الذي جاءه الشيخ [محمد عبد السلام الشقيري] مؤلف (السنن والمبتدعات) وهو من علماء جماعة أنصار السنة، والرجل الثالث فيها، بعد العالمين الكبيرين: العلامة الشيخ أحمد شاكر، والشيخ حامد الفقي، فوجئت يوما بمقال له في مجلة (النذير) الإخوانية سنة 1940م، ممهورا باسمه، وتحت الاسم كان هذا التعريف المفاجأة: محمد عبد السلام الشقيري مسؤول شعبة الحوامدية بجماعة الإخوان المسلمين بالجيزة!! أي أن حسن البنا قبل الرجل وهو سلفي قح، ومن كوادر جماعة أنصار السنة، وقبل أن يكون مسؤولا كبيرا في جماعته.

متى نرى مثل هذا التوافق والتعاون على أوجه الخير والعلم وما أكثرها، ونضيق على شيطان التفرقة الخناق، ونفوت الفرصة على أعداء يتربصون بنا؟!