الأسطورة دائما في خدمة الدجال

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الأسطورة دائما في خدمة الدجال


مجدي مغيرة.jpg

مجدي مغيرة

( السبت, 11 مارس 2017)


إذا أردت أن تخدع شعبا لينقاد لك ، أو على الأقل لا يمثل لك مصدر قلق ، فاصنع له أسطورة أو عدة أساطير واجعل لها أنبياء وسدنة وكهنة يتميزون بجاذبية الشخصية ، وبلاغة العبارة ، وسحر الإشارة ، وروعة الصورة ، وجمال العرض والإخراج ، واجعل تلك الأسطورة عقيدة للشعب ، من آمن بها ؛ دخل في جنة النظام ، ومن كفر؛ فقد استحق جهنم الدنيا من سجن واعتقال ، ومصادرة وحرمان ، وتشويه وتنكيل وتعذيب .

وما أكثر الأساطير والأوهام التي تضخمت في نفوس الناس ، وسيطرت على قلوبهم وعقولهم بدرجة كبيرة جعلتهم لا يرون عيوبها ولا تناقضها ، ولا تهافتها ، بل إنها صارت في عيونهم وعقولهم وقلوبهم كأنها حقائقُ وبَدَائِهُ ، المُنْكِرُ لها إما مجنون أو مغفل وإما عميل .

ولك أن تعجب كيف قَبِل الناسُ قديما عبادة الأصنام والأوثان ، وعبادة الحكام ، لكن سيزول عجبك حينما تعلم كيف احتال عليهم كبار القوم المنتفعون من عبادة قومهم للأصنام وللحكام ، وكيف اخترعوا لهم أساطير يرسخونها في نفوسهم بطرق شتى ممتعة ومشوقة ؛ لتؤكد حق الحاكم أن يكون حاكما ، وحق الصنم أن يركعوا له ويسجدوا .

و في عصرنا ، عصر العلم والتكنولوجيا ، عصر الانفجار المعرفي ، فقد صُنِعَت الأسطورة بشكل يناسب ظروف العصر ، فلم ينحتوا لهم أصناما ، ولم يؤلهوا حاكما ، بل صنعوا أوهاما ليزرعوها في عقول الناس وقلوبهم ، وجعلوها حقائق من خلال الإعلام عن طريق برامج تطل على الجمهور بكل منافق عليم اللسان ، ميت الضمير ، أسود القلب ، يرتدي أحيانا حُلَّة المفكر والخبير وأحيانا أخرى عباءة الشيخ ، وأحيانا ثالثة من خلال الفن من روايات وأفلام ومسلسلات ، وقصائد ورسوم ونكات وتعليقات ، وأحيانا رابعة من خلال المسابقات الرياضية العالمية والمحلية وبخاصة كرة القدم .

والأساطير في عصرنا متنوعة لتناسب مختلف الأذواق والميول والاتجاهات ، فهناك أسطورة الجيش الذي لا يُهزم ، وأسطورة أقوى مخابرات في العالم ، وأسطورة أذكى طفل في العالم ، وأسطورة القومية ، وأسطورة الوطنية ، وأسطورة سبعة آلاف سنة حضارة ، كادوا يقولون أنها وصلت لكل ما وصل إليه العلم الحديث من اختراعات ومكتشفات .

وبدلا من تأليه الحاكم بصورة قد لا تكون مقبولة بسبب وجود القرآن والسنة في قلوب كثير من الناس ، اخترعوا أسطورة الحاكم العبقري ذي النظرة بعيدة المدى الذي يرى ما لا يراه الآخرون ، ولا يرى غيره ما رآه حاكمنا إلا بعد مرور عشرات السنين ، فهو دائما يسبق زمانه ، المخلص الذي يجهد نفسه من أجل شعبه ، والمناضل الذي يخشاه العالم كله بما فيه من قوىً عظمى وغير عظمى ، واخترعوا أسطورة المؤامرة على هذا الحاكم الفريد من نوعه ، وأسطورة البلد الذي يسعى الجميع لتركيعها وتخريبها ، لكنها تنجو دائما من كل ذلك بفضل عبقرية حاكمها الذي يحقد عليه الخونة من أبناء شعبه ، وبفضل أن الله تعالى يحميها من كل سوء .

ولا تتمكن الأسطورة من العقول إلا إذا تم تفريغها من الحقائق الساطعة ، وتم تغييبها من خلال عمليات غسيل المخ الممنهجة .

ثم تأتي المصائب الكبرى ، والكوارث العظمى التي تجعل البعض يفيق ، ويرى الأمور بعينٍ غير التي كان يرى بها من قبل .

وخير مثال على ذلك ما حدث للمصريين عقب معرفتهم بهزيمتهم الثقيلة على يد العدو الصهيوني .

وكذلك ما حدث لهم عقب الانقلاب العسكري في منتصف عام 2013م على أول تجربة ديمقراطية ، إذ رأى المصريون بأم أعينهم ، ومن خلال شاشات التلفاز كيف قتل الجيش والشرطة المعتصمين السلميين في رابعة والنهضة ، وفي مختلف ميادين مصر ، وكيف كانت الجرافات ترمي الجرحى في حفر عميقة وتدفنهم فيها وهم أحياء ، وكيف لم يراعوا حرمة الموتى ، بل وكيف اتهموا القتيل بأنه من قتل نفسه أو قتله أبوه أو أخوه أو صديقه ، وقلبوا الحقائق الواضحة بعقل بارد وصفاقة لامثيل لها .

لاشك أننا نحتاج إلى وعي عميق وشامل ، وعي بحقائق الحياة بمختلف جوانبها ، وعي بحقائق التاريخ ، ووعي بحقائق السياسة ، وبهذا الوعي تتبخر الأساطير ، وبغيابه تعشش في العقول والنفوس والقلوب ، فمتى نفيق ؟

المصدر