الأزهر.. الحاضر الغائب

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الأزهر.. الحاضر الغائب

مقدمة

الازهر الشريف

ربما يقول البعض إن هناك فارقًا كبيرًا بين أزهر الأمس وأزهر اليوم، ومع استقراءٍ للتاريخ ونظرة على الواقع تلحظ أن الأزهر ما زال يجود بالمزيد من الرجال والعلماء الذين يواجهون الظلم ويشاركون الأمة طموحها في اتجاه التغيير والانعتاق من القيود.

إن كان هناك فارقً بين الأمس واليوم، فبالأمس لم تكن هناك حواجز وحدود بين الأزهر الرسمي وأزهر الأمة، بينما اليوم تولدت خطوطٌ فاصلةٌ بين الجانبين، ومع هذا ظل هناك من يحمل الرسالة بغض النظر عن موقعه الرسمي أوانحيازه للأمة.

العالم الأزهري الدكتور عبد الودود شلبي بسط بين أيدينا في كتاب (الأزهر.. الحاضر الغائب) تاريخ الأزهر الشريف الذي نهض رجاله في ساحات الحرية وميادين الجهاد بالكلمة والسنان.

بدأ المؤلف الكتاب بالعرض للأزهر في بدايته، وكيف أن صحن الأزهر كان عبارةً عن خلية نحل لا تخلو من العلماء والطلاب في أي وقت، وكانت الأروقة مفتحةَ الأبواب، وكان منظر علماء وشيوخ الأزهر مهيبًا وهم يديرون مع الطالب الحوار في امتحان رهيب يستمر لأكثر من ثلاث ساعات لكي يفوز الطالب بدرجة العالِمية، وأن الأزهر كان دائمًا عند حسن الظن، لم يتخلَّف يومًا عن واجبه تجاه الشعب، ولم يرْضَ لعلمائه أن يقفوا ساكتين أمام الظَلَمة والطغاة من حكام مصر.

ويضيف الكاتب أن الأزهر كان هو المثابة التي يفزع إليها الناس حين يحزبهم أمرٌ والمأمن الذي يقصده الشعب حين تضيق به السبل، وكان العلماء والمجاورون يستمعون إلى الشعب حين يلجأون إليهم فيغضبون على من أوقع بهم الظلم، بل نجد أحيانًا أن الحاكم الظالم كانت توبته أمام العلماء، ويعاهد الله أن يعدل بينهم في حكمه، وكان الناس ينظرون للعلماء على أنهم حماة الدين، وأن الأزهر هو كعبة العلم والعلماء.

مجاهرة بالحق

ويذكر دكتور شلبي أنه عندما توالت هزائم مصر في حروب الحبشة قال أحد العلماء للخديوى إسماعيل: "أنت سبب الهزائم يا إسماعيل.. لأنك رخَّصت الزنا والربا والخمر"، وعدَّد له منكرات عدة، فكيف تنتظر النصر من السماء؟!

فرد عليه الخديوى: وماذا نصنع وقد عاشَرَنا الأجانب؟! فقال له الشيخ: وما ذنب العلماء؟ ففكر الخديوى مليًّا ثم قال: صدقت صدقت!!

ثم تطرق الكاتب إلى صفات شيخ الأزهر الذي كان متواضعًا، وضرب مثالاً بالشيخ مصطفى المراغي- رحمه الله- الذي كان يتردد على سكنه القديم بين الحين والآخر ليذكِّر نفسه بأيام الفقر؛ حتى لا تطغيه الدنيا والمنصب الرفيع، وعندما قامت الحرب العالمية طلبت منه إنجلترا أن يؤيدَها في خطَبِهِ؛

بحجة أنها راعيةٌ الديمقراطية، ولكنَّ ضمير الشيخ الحي لم يسمح له بمغالطة شعبه، وندد بالقنابل التي تسقط على الإسكندرية وتعرض المدن المصرية للقصف؛ مما جعل السفير الإنجليزى يطلب من حسين سري- رئيس الوزراء- إقالة المراغي ولكنه لم يخشَ رئيس الوزراء، وقال له: أنا أستطيع أن أقيلك بخطبة واحدة في الجامع الأزهر.

وبيَّن الكاتب مكانة الأزهر في قلوب الناس في مختلف بلاد العالم، وأن الأزهر الذي لا يعرف أهلُه قيمتَه جعل أناسًا في مدينة رانجون- عاصمة بورما- تخطف حذاءً لصحفي دخل يصلي؛ لأنه من بلاد الأزهر، وأن هذا الحذاء قد مس تراب الأزهر الشريف؛ مما جعل الصحفي يبكي من شدة التأثر.

لا.. يا د. طنطاوي

وفي بداية الفصل الثاني أكد الكاتب أن الذي يهمه هو الرمز وليس الشخص والأزهر وليس الشيخ قدوة المسلمين ورمزهم في جميع الأقطار الإسلامية، وكيف أن شيخ الأزهر لا بد أن يدافع عن الإسلام إذا انتُهكت حرماتُه، وعاب على شيخ الأزهر الحالي الدكتور سيد طنطاوي زيارته لنادي الروتاري والماسونية التي تسعى لتحقيق أهداف الصهيونية التي أنشئت من أجلها، وأخذ عليه دعوتَه للتطبيع معها، في حين أن البابا شنودة- بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر- رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكيف أن رجاء جارودي- الكاتب الفرنسي الشهير- تعرَّض لاضطهادهم عندما كشف أوهامهم فوجد الرجل نفسه وحيدًا ولم يجد من يسانده سوى الأب الكاثوليكي بيير، وكيف أن المسيح نفسه- عليه السلام- حكم عليهم بالجحيم بسبب إنكارهم له ولرسالته.

وأكد الكاتب أن اليهود والأمريكان استغلوا ضعف الأزهر وشيخه وقاموا بتمرير مخططاتهم الجهنمية باسم الدين، وأن الأزهر برر انتهاكاتهم لحرمات الفلسطينيين وقتلهم لهم، وعاب على شيخ الأزهر فتواه بجواز التبرع بالجثث وجواز نقل الأعضاء بين الحي والميت؛ لأن الجسد أمانة الله في أرضه، وأن هذه الفتوى جعلت منطقة صلاح سالم سوقًا رائجةً للأعضاء والجثث يديرها أطباء و"تُرَبِيًّة" و"حانوتية"، وانضم إليهم مؤخرًا تجار المخدرات الذين يبحثون عن العظام البالية لطحنها وإضافتها للهيروين.

وكيف أن اليهود ثاروا عندما أرادت الحكومة الصهيونية أن تقتطع جزءًا من مقبرة اليهود لعمل طريق.. الأمر الذي جعل اليهود يتظاهرون وأرسلت الجاليات اليهودية عشرات الملايين من الدولارات لتحويل الطريق من مساره الأصلي، وأَخذ على شيخ الأزهر جوازه مؤاكلتَهم والزواجَ منهم، ونسي أنهم محاربون اغتصبوا أرضنا وديارنا فكيف يكون الحما والخال والجد مغتصب وعدو؟!

لماذا فقد الأزهر تأثيره؟!

ثم تطرق الكاتب لمكانة الأزهر وكيف أنه أن فقد تأثيره بعد أن كان ملء السمع والبصر، وكانت الكلمة من شيوخه تهز جهات الدنيا الأربع، ثم بعد ذلك تحولوا من القوة إلى الضعف، وأصبحوا كالصدفة الخالية من اللؤلؤ، وبدأ في عرض الأسباب التي أدت إلى ذلك الخلل وكان أهمها:

1- ضعف مستوى خريجي الأزهر، ويستدل بأن خريجًا أزهريًّا لم يعرف الفرق بين الشيعة والشيوعية، وموجِّهًا علوم شرعية لا يعرف الفرق بين الأفعال الثلاثة المعروفة، ومدرِّسةً تقول لطلاب الفصل سنحفظ سورة عمر، وهي تقصد سورة "عم"؛ لأنها لم تعرف كيف تفرق بين خط النسخ وخط الثلث.

2- ومن الأسباب إلغاء تحفيظ القرآن الكريم في جامعة الأزهر وقصره على المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية؛ مما جعل أولياء الأمور يَشْكُون الأزهر للصحافة، مطالبين بعودة القرآن الكريم، وكيف أن شيخ الأزهر لم يهتم بهذه القضية التي هي أساس الأزهر، كما أن الذين يحصلون على درجة الدكتوراة ليسوا على المستوى المطلوب؛ مما يجعلهم لا يقدمون للطلبة أي شيء جديد، وأن كليات الأزهر أصبحت بعيدةً عن واقع التخصص مثل الطب والهندسة والزراعة، وأصبح خريجوها ليست لديهم أية امتيازات مقارنةً بخريجي الجامعات الأخرى.

3- ثم أوضح الكاتب أن الأزهر قصَّر بشدة في إرسال البعثات والدعاة لأنحاء الأرض، وأن عدد المبعوثين ثلاثة آلاف مبعوث ومتعاقد وليس خمسة آلاف، وأوضح أن هناك بعض المشاكل التي تواجه الدعاة وتشغلهم عن أداء رسالتهم، منها أنهم لا يعرفون لغة البلد الذي يمارسون فيه الدعوة.. كذلك انشغال الدعاة بأعمال أخرى كالتجارة للحصول على أموال للعيش في رغد، وأصبح يذهب إلى دول تدفع له أكثر، فخرج الأزهر من قلوبهم وفقدوا انتماءهم له كذلك.

4- ضعف مستوى خريجي الأزهر، فهم غير مؤهلين علميًّا لدعوة الناس إلى الإسلام.

وجوب الدعوة

وأكد الكاتب أننا كمسلمين يجب أن نتحرك ونجوب البلاد طولاً وعرضًا للدعوة إلى الإسلام، وكيف أن يوحنا بولس الثاني- بابا الفاتيكان الراحل- أجرى ثلاث جولات لأفريقيا خلال خمس سنوات من أجل الحفاظ على المد الكاثوليكي ضد المد الإسلامي، فالمسيحيون يحاربون من أجل نشر المسيحية في أفريقيا ونحن لا نحرك ساكنًا.

وطالب الدكتورعبد الودود شلبي في كتابه بتوجيه الأموال المخصصة لإنشاء المساجد في مصر إلى أفريقيا؛ حيث لا يمكن الخوف على الإسلام في "الحسين"، ولكن نخشى عليه في نيجيريا ومالاوي وغيرها من الدول الأفريقية التي تواجه إعصارًا تنصيريًّا.

ثم تناول الكاتب دور مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وكيف أنه نافذة الأزهر على العالم، في حين أنه وصل إلى مرحلة لا تليق بمكانته الإسلامية والتاريخية؛ وذلك لضعف مستوى أعضائه الذين تم اختيارهم لاعتبارات شخصية بحتة، بعيدًا عن الشروط الأساسية والمستوى الضعيف الذي وصل إليه المجمع؛ حيث إنه لم يصدر منه أي بحث جاد منذ فترة.

وأكد شلبي أن هناك مشاكل فكرية وتطبيقية لا يمكن إنكارها في تصور العلاقة بين رجال الفقه بالإسلام وبين رجال الممارسة السياسية، وأيضًا مشاكل في التنسيق بين الحركة الإسلامية وهي تنبع من قرار السلطة العليا وبين حركتها وهي تنبع من الامتثال الشعبي.

المصدر