الأخ الـداعية عـبـدالـعزيـز سعـد الربيعة
المستشار عبد الله العقيل
مولده ونشأته:
هو الأخ الحبيب والخلُّ الوفي رفيق الدرب في طريق دعوة الحق والقوة والحرية الشيخ عبد العزيز بن سعد بن أحمد الربيعة، وُلد في مدينة الزبير سنة 1349هـ، ونشأ نشأة صالحة بتوجيه والديه الكريمين.. هاجر جدّه أحمد من بلدة (جلاجل) في منطقة سدير بنجد، إلى الزبير واستوطنها وتزوج فيها، وكان والده الحاج سعد من أعلام الزبير البارزين في ميدان الثقافة والفكر، تصل إليه المجلات والجرائد العربية والإسلاميـة كالأهـرام والـمقطم والهلال والمقتطف والمنار والفتح والرسالة وغيرها كما كـان رئيس المكتبة الأهلية بالزبير.
وقد استفاد الابن عبد العزيز من ثقافة والده وزاد عليها باهتمامه بالتراث الإسلامي والفكر الإسلامي المعاصر والحرص على اقتناء المجلات الإسلامية، كمجلة (الإخوان المسلمون) وما صدر بعدها من مجلات كـ(التربية الإسلامية)، و(المجتمع) وغيرهما.
نشأته وتعليمه:
تلقى الأخ عبد العزيز تعليمه الابتدائي بمدرسة الزبير، والثانوي بمدرسة الدويحس الدينية العريقة التي أُسست سنة 1180هـ، وكانت مركزاً لطلبة العلم يأتون إليها من نجد والأحساء والكويت والخليج وقد تعاقب على التدريس فيها ثلة من علماء الزبير منهم: الشيخ عبدالله بن حمود، والشيخ محمد العسافي، والشيخ عبدالله الرابح الذي تولى الإشراف عليها والتدريس فيها في الفترة التي كان يَدرُسُ فيها الأخ الربيعة وزملاؤه: الشماس والفضيلي والبلالي وغيرهم.
وتعتبر دراسته في هذه المدرسة الفترة الذهبية من حياته العلمية، فقد حصل على العلوم الشرعية وعلوم اللغة فضلاً عن النشاط الدعوي.
وبعد تخرّجه، التحق بمدرسة النجاة الأهلية معلّماً قرابة العشرين عاماً، كما تولى الإمامة والخطابة بمسجد الرشيدية خلفاً لشيخه محمد الشهوان سنة 1380هـ، وكانت خطبه يوم الجمعة تتناول مختلف الموضوعات وشتى الأمور من اجتماعية وخلقية ودينية وفقهية واقتصادية وسياسية وتوجيهات دعوية وبرامج تربوية، كما يتطرّق في خطبه للقضايا التي تهمُّ الإسلام والمسلمين ويعالج فيها المستجدات من الأحداث على الساحة الإسلامية، ويؤكد على معاني الأخوة الإسلامية والحب في الله والتعاون على البر والخير وإصلاح ذات البين ومساعدة المسلمين في كل مكان وتربية الناشئة وفق منهج الإسلام المستقى من الكتاب والسُّنَّة وما أجمع عليه سلف الأمة، وكان هادئاً في خطبه يعرض القضايا بأسلوب محبب ويستثير عواطف الناس لعمل الخير وخير العمل، كما كان يتناول نماذج من علماء الزبير وتاريخ مساجد الزبير ويهيب بالناس وطلبة العلم أن يترسّموا خُطا العلماء العاملين والدعاة الصادقين، وبجانب استشهاده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال السلف الصالح، كان يُضمّن خطبه مقتطفات من كلمات العلماء القدامى والمحدثين وفي مقدمتهم الإمام الشهيد حسن البنا.
كما كانت له دروس وحلقات لكبار السن وللصغار والشباب يُعنى بتوجيههم التوجيه الإسلامي الصحيح وتحميلهم مسؤولية الدعوة إلى الله.
وفي سنة 1385هـ 1965م، تعرّض لأزمة قلبية اضطرته لإجراء عملية جراحية في لندن وظل بعدها يراجع الطبيب المختص بين فترة وأخرى وكان صابراً محتسباً، ولم يتوقف عن نشاطه الدعوي.
وفي سنة 1399هـ 1979م. انتقل إلى الرياض حيث سكن في حيّ جبرة، وكان يحضر دروس الشيخ عبد العزيز بن باز ـ يرحمه الله ـ في جامع الإمام تركي في الديرة، ثم انتقل إلى حيّ النسيم، حيث عمل إماماً لمسجد عبد العزيز المفدي، وكان له دور مهم في توجيه المصلين والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم لعدد منهم، كما كان حريصاً على حضور مجالس الشيخ عبد الرحمن آل فريان رئيس جماعات تحفيظ القرآن في مدينة الرياض، كما استفاد كثيراً مـن الشيخ عبد الرحمن الدوسري قبيل وفاته ـ يرحمه الله.
وبعد سنوات انتقل من حيّ النسيم، إلى حيّ القدس، حيث عمل إماماً في المسجد المجاور لسكنه، وقد أحبّه المصلون لأخلاقه الفاضلة وتواضعه الجمّ وتعلقوا به، فقد كان اجتماعياً يخالط الناس ويزورهم في دورهم ومجالسهم، بل كان له برنامج منظّم للزيارات، بحيث لا يدع مجلساً إلا زاره وتكلّم فيه بخير من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تذكير بسنّة، أو تحذير من بدعة.
كانت مجلة (الإخوان المسلمون) تصل إلى المكتبة بالزبير، قبل سفره إلى الرياض، فيقوم الأخ الربيعة بكتابة أسماء المشتركين على نسخها، كما يقوم بإهداء نسخ أخرى إلى من يتوسّم فيهم الغيرة الدينية وبهذه الطريقة انتشرت الدعوة وكثر سواد المشتركين في المجلة.
كان الأخ عبد العزيز الربيعة نِعْمَ الوالد والمربي والمصلح لأهله وأولاده، كما كان طيِّب المعشر حلو الحديث يلقى الناس جميعاً بابتسامته المعهودة التي لم تفارقه طيلة حياته، يبدأ الناس بالسلام والمصافحة وتعريفهم بنفسه وسؤالهم عن أسمائهم وأعمالهم، ثم يدخل معهم في أحاديث وديّة وموضوعات شائقة تخالطها النكتة البريئة أحياناً، فتزول الوحشة والكلفة فيما بينه وبينهم، فيبدأ بالسؤال عن أمورهم الشخصية والأحوال العامة، ثم يعرّج على أحوال المسلمين وأوضاعهم وكيفية العلاج لمشكلاتهم، وأنه لا علاج غير الإسلام النظام الشامل الكامل لكل شؤون الحياة والذي به سعادة الإنسانية ونجاحها وفلاحها، وأنه لا بد من العمل الجماعي لنشر دعوة الإسلام والتصدي لدعوات الباطل، وأن جماعة الإخوان المسلمين فهمت الإسلام حق الفهم كما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وعملت به في كل أمور الحياة، وجاهدت أعداء الإسلام بالقول والعمل والقلم والبندقية، وكان لها الشهداء في ميادين الجهاد في الوطن الإسلامي الكبير، وبخاصة فلسطين، وعاش أفرادها يظللهم الحب في الله والأخوة الإسلامية التي ترتفع عن مستوى الجنس أو العرق أو الطين.
أسلوب محبب في الدعوة:
هكذا كان الأخ أبو سعود يسير بالدعوة مع الناس ببساطة دون تكلف وبكلام بسيط لا تحذلق فيه ولا تقعّر، وببشاشة وجه وطيب حديث لا تجهّم فيه ولا جلافة، وكان الخطاب لجميع الناس فلا يفرّق بين الصغير أو الكبير، أو الغني أو الفقير، أو المثقف أو الأمي، وهذا ما جعله محبوباً للجميع، يقبلون عليه ويستمعون لأحاديثه، ويتقبلون نصائحه، ويستشيرونه في الكثير من أمورهم الخاصة والعامة.
وعقب الحديث مع أي إنسان ينهي اللقاء بإهدائه مجلة «الإخوان المسلمون» الأسبوعية، أو رسالة من رسائل الإمام حسن البنا، أو لبيب البوهي، أو أنور الجندي، أو أحمد أنس الحجاجي أو غيرهم، وكثيراً ما يعود هؤلاء إلى الأخ الربيعة يطلبون منه المزيد من الرسائل والكتب والمجلات ويطلبون الاشتراك بمجلة (الإخوان) الأسبوعية، ويداومون على حضور الدروس التوجيهية بمدرسة الدويحس الدينية أو بمكتبة الإخوان أو مكتبة المنار أو المساجد لسماع المواعظ والمشاركة في الرحلات إلى البر وبساتين النخيل، كما يشاركون في قيام الليل وصيام التطوع، وتلاوة القرآن الكريم، والأدعية المأثورة.
وبهذا الأسلوب الحكيم، والعمل الدؤوب، استطاع الأخ الربيعة، بتوفيق الله عز وجل، أن يتألف قلوب الكثيرين، حتى كثر سواد العاملين في الحقل الإسلامي والمنضوين تحت لواء الدعوة، والمؤمنين بضرورة العمل الجماعي لإعلاء كلمة الله ونشر دينه.
وكان للأخ الربيعة من إخوانه العاملين معه، كالأخ عمر الدايل وعبد الرحمن الديحان ومحمد العرفج، ومحمد الصفطاوي وهاني بسيسو وغيرهم خير سند وعون بعد الله، حيث عمَّ الخير وانتشرت الدعوة، وكثر الصالحون الملتزمون والدعاة العاملون، وقامت المشاريع النافعة، والبرامج المفيدة، كما كانت للأخ أبي سعود إسهاماته الطيّبة وجهوده المباركة في جمعية مكتبة الزبير الأهلية العامة، التي تولى رئاستها بعد وفاة والده، وفي مكتبة المنار الإسلامية ومدرسة الدويحس الدينية وجمعية الإصلاح الاجتماعي في الزبير.
كان الأخ عبد العزيز سعد الربيعة من أوائل من ارتبط بجماعة الإخوان المسلمين في الزبير من خلال مجلتهم «الإخوان المسلمون» الأسبوعية، وعن طريق دعاتهم المدرسين الذين أوفدهم الإمام البنا إلى الأقطار العربية للتدريس في مدارسها، حيث كان الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد مدرساً بمتوسطة البصرة، وكنت وإيَّاه ممن استجابوا للدعوة واقتنعوا بالفكرة في وقت مبكر، وقد عملنا معاً متعاونين مع إخواننا في البصرة عبد الهادي الباحسين ويعقوب الباحسين وتوفيق الصانع وجاسم محمد صالح وغيرهم وذلك أواخر عام 1945م. وقد أكرمنا الله جميعاً بحمل لواء الدعوة الإسلامية في مواجهة المد الشيوعي والتيار الغربي والفكر العلماني، وأعوان الاستعمار البريطاني، بحيث صار للإخوان المسلمين حضورهم الفاعل والمؤثر بشكل واضح في المدارس المتوسطة والثانوية وفي المساجد والأندية وبين جماهير الناس في القرى والأرياف.
صورة للمسلم العامل:
وقد ترك الأخ الربيعة آثاراً طيّبة في نفوس وقلوب كل من عرفه أو التقاه، وأُشهد الله أنني قد تَعلمتُ منه الكثير من التواضع، والبساطة، والصدق، والإخلاص، فقد كان صورة صادقة للمسلم العامل الذي يحبّك من كل قلبه، ويُصارحك بكل ما في نفسه، ويخدمك بكل طاقته، ويؤثرك على نفسه في كثير من الأحيان، إذا فرح أشركك في فرحه، وأدخل السرور على قلبك، وإذا سمع بمآسي المسلمين أفراداً أو جماعات، أخذ الحزن منه كل مأخذ، واغرورقت عيناه بالدموع، وسعى قدر طاقته لإزالة ما أصاب المسلمين من بلاء وعناء أو تخفيفه عنهم قدر طاقاته ووفق إمكاناته.
كان يتفقد الفقراء والمحتاجين ويقدّم لهم العون والمساعدة، ويسعى في قضاء حوائجهم، ويبذل من ماله ـ على قِلَّته ـ لتخفيف معاناتهم، وكم مـن مـرة كـان يقدّم لي المال لإيصاله للجهات المستحقة، دون أن يعلم بذلك أقرب الناس إليه.
كما كان يشارك في كل أنواع النشاط الإسلامي، ولا يتأخّر إلا لعذر قاهر، فأنت تراه في الرحلات الكشفية في الصحراء والرحلات البحرية والنهرية والتدريبـات الرياضيـة ومجالس الدروس الفقهـية والدعويـة، ومجالس التلاوة والأذكار، وقيام الليـل والمحاضرات، والندوات، والخطب والاحتفالات، والمناسبات، وعيادة المرضى، وحضور الجنائز ومجالس الإصلاح بين الناس وحفلات الزواج، وكل نشاط فيه المثوبة والأجر من الله.
لقد بكيت أنا وهو طويلاً حين بلغنا استشهاد الإمام حسن البنا بأيدي زبانية السلطة، وهو في أوج نشاطه وشبابه، وكنت أمنِّي النفس بلقائه بعد شهور.
ترك الأخ عبد العزيز الربيعة بعض المخطوطات بخط يده أطلعني عليها أولاده تتضمن بعض الخطب المنبرية والدروس الدعوية التي كان يلقيها ومن خطبه الكثيرة نجتزئ هذه الفقرات:
«... إن الصحابة الكرام تآخوا بأخوة الدين والحب في الله، عقيدتهم صادقة، وعبادتهم صحيحة، وغايتهم رضا الله، ودستورهم كتاب الله، وقدوتهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والجهاد في سبيل الله أسمى أمانيهم، فيا أيها المسلمون: أقيموا الأخوَّة الإسلامية فيما بينكم، وأقيموا دولة القرآن في قلوبكم، وكونوا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضـه بعضـاً، وحـذار من الأحـزاب الـعلمانية والطوائف الباطنية وأعوان الاستعمار وأذنابه، وكونوا يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد يؤيدكم الله بنصره».
كما أطلعني أولاده (سعود وأسامة وعامر وقيس)، على مذكرات بخط يده يذكر فيها أن أهم رجال العمل والفضل الذين تأثَّر بهم ـ بعد أساتذته في مدرسة الدويحس الدينية ـ هم: والده الحاج سعد، ومحمد سليمان العقيل، وعبدالله الشارخ، وعبد المحسن المهيدب، وهاني مصطفى بسيسو، وعبد الوهاب الفارس.
وقد استفاد الأخ عبد العزيز من علم كل من: الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والإمام حسن البنا، والشيخ محمد البيحاني، والأستاذ الشهيد سيّد قطب، والدكتور مصطفى السباعي، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ عبدالله الدحيان، والشيخ يوسف القناعي، والشيخ عبد الرحمن الدوسري وغيرهم.
وقد اختاره الله إلى جواره يوم الأربعاء 28/12/1419هـ، الموافق 14/4/1999م، حيث دفن في مقبرة النسيم بمدينة الرياض، بعد تشييع جماهيري غفير وصلي عليه أكثر من مرة في المسجد والمقبرة.
رحم الله أخانا أبا سعود وأسكنه فسيح جناته وألحقنا به وحشرنا وإياه في زمرة عباده الصالحين مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التاجـر الصـدوق عبدالعزيز الـعـلي المطوع
(1328 ـ 1416هـ = 1910 ـ 1996م)
معرفتي به:
عرفتُ الأخ الداعية والتاجر الصدوق عبد العزيز العلي المطوع ـ يرحمه الله ـ عن طريق السماع في أواخر الأربعينيات الميلادية، من خلال الحاج عبدالله الخالد البدر، الذي كان مكتبه التجاري بجوار مكتب العم محمد سليمان العقيل وإخوانه بالبصرة، وكان الشيخ المطوع من التجار المحسنين في مجال العمل الخيري، والإسهام في خدمة الدعوة الإسلامية المعاصرة، والاتصال بالعلماء والدعاة في كل مكان، والتعاون معهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وتقديم العون لذوي الحاجات، ومساعدة الطلاب والدعاة العاملين بالحقل الإسلامي.
ولقد سرَّني ما قرأته في مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية سنة 1946م، حيث قام بالتبرع لمشروع الجريدة اليومية والمطبعة بمبلغ سخي جزاه الله خيراً، وذلك أثناء زيارته لمصر والتقائه الإمام الشهيد حسن البنا، الذي يُكنُّ له كل الحب والتقدير ويراه مثـال المسلم الصـادق، والعالم العامل، والـداعية القدوة والمجاهد الصابر والحكيم الموفق.
وكان اجتماعاً مباركاً، كان فيه (عهد وميثاق وأخوَّة، وتعاون واتفاق للعمل الجماعي، والجهاد المشترك) لرفعة شأن الإسلام والمسلمين والعمل فيما يرضي الله تعالى في الكويت والعالم العربي والإسلامي.
المراقب العام للإخوان بالكويت:
وقد حضر الاجتماعات للهيئة التأسيسية التي ضمّت المراقبين العامين للإخوان المسلمين، الذي حضره الدكتور مصطفى السباعي ـ المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، والأستاذ محمد محمود الصواف ـ المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق، والأستاذ علي طالب الله ـ المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان، والأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة ـ المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، والأستاذ عبد العزيز العلي المطوع ـ المراقب العام للإخوان المسلمين في الكويت، وممثلون عن الإخوان المسلمين في فلسطين، والمغرب العربي، ولبنان، وجيبوتي وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن أول فرع للإخوان المسلمين خارج مصر كان فرع جيبوتي، حيث رغب بعض شباب جيبوتي في تكوين شعبة للإخوان المسلمين فيها، وذلك عام 1352هـ 1933م، كما جاء منشوراً في جريدة الإخوان المسلمين الصادرة يوم 22 صفر 1352هـ الموافق 24/6/1933م، بالإضافة إلى ممثـلين عن البـلاد الإسلاميـة الأخرى الذين كانوا يشاركـون الإخوان المسلمين بمصر باعتبـار أن حركة الإخـوان المسلمين حركـة إسلاميـة عالـمية لا تقيم وزناً للحدود الجغرافية المصطنعة، وتعلو عندها راية الدين على راية الطين، وأخوَّة الإسلام على أخوَّة النسب، ورابطة العقيدة على رابطة القبيلة، لأن المسلمين جميعاً أمة واحدة، ربها واحد، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقِبلتها واحدة، {وإن هذه أمتكم أمة واحدة} [المؤمنون: 52].
كان الشيخ عبد العزيز ذا حركة دائبة، وأسفار متواصلة، دفعته إلى أن يقدم استقالته من قيادة الجماعة في الكويت، قدّمها في 1/10/1953، وأبدى الأسباب التي حملته على تقديم استقالته، قال فيها:
إلى بني وطني
وإخواني في جمعية الإرشاد الإسلاميةإخواني:
لقد شرفتموني بثقتكم، وغمرتموني بفضلكم، عضواً في المجلس البلدي، ومراقباً عاماً لجمعية الإرشاد... فعاهدت الله وعاهدتكم على أن أعمل الخير ما استطعت؛ وأن أحيا لبلادي، وفي بلادي، فتكون إقامتي أو أكثرها في الكويت العزيزة.
ولكن تطلعي إلى خدمة الكويت في نطاق أوسع، في مصر والبلاد العربية، جعل إقامتي الدائمة في الكويت متعذرة، لفتحي مكتباً تجارياً في القاهرة، وتعدد أعمالي في البلاد العربية... مما يجعلني أشعر بخجل شديد حيال ثقة إخواني وزملائي ورؤسائي.
وإني لأرجو أن يقيم لي إخواني المعذرة من أنفسهم، وأن يقبلوا تنازلي عن تجديد انتخابي، شاكراً لهم نبيل شعورهم، وكريم عواطفهم.
إن كل عمل خيري في سبيل الوطن لهو عبادة مقدسة، وكل مؤسسة شعارها عمل الخير لإسعاد البلاد، هي مسجد يجب الخشوع والصلاة فيه، وإذا لم يسعدني الحظ بالصلاة في الصفوف الأولى فإن الصلاة لا تسقط عني في الصفوف الخلفية، معتقداً أن إخواني والذين قدمتهم بلادنا إلى الصفوف الأولى فيها أقدر مني على تحمل المسؤولية، وأدوم إقامة في الكويت.
وأكرر شكري لكم جميعاً على ثقتكم الغالية، وأعاهد الله على الجهاد مع كل مصلح يريد الخير لوطننا العربي الصغير (الكويت)، ولوطننا العربي الكبير، وفقكم الله لخير الأمة.
1/10/
عبد العزيز العلي المطوع
ولكن إخوانه في الكويت، أصروا على بقائه في منصبه مراقباً عاماً، لما عرفوا فيه من شمائل لا توجد في سواه، فأذعن لإصرارهم، وخيراً فعل.
زيارات متبادلة:
وحين ذهبت للدراسة الجامعية بمصر، التقيته أوائل الخمسينيات، ثم تكررت بعد ذلك لقاءاتي بالشيخ المطوع مرات ومرات في مصر، والعراق، وبلاد الشام، والسعودية، وباكستان، والكويت، التي استقر مقامي بها من 1959م إلى 1986م، حيث توثّقت صلتي به، وكانت الزيارات المتبادلة بيننا في المنازل والمكاتب، وكان ـ رحمه الله ـ يحضر ندوة الجمعة الأسبوعية ويشارك في أحاديثها وحواراتها ومحاضراتها ودروسها، وكانت آخر ندوة شارك فيها بحضور الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ حيث كانا فارسي الحلبة، واستفدنا وإخواننا الحضور فائدة كبيرة منهما ـ رحمهما الله تعالى.
والأخ الكبير عبد العزيز المطوع له نظرات عميقة، وتأملات فاحصة، وتوجيهات صائبة، وآراء سديدة، استقاها من قراءاته وتجاربه في الحياة وتوفيق الله له،وكان ـ رحمه الله ـ شغوفاً بالقراءة، والتأمل في آيات الله عز وجل، والتدبر في القرآن الكريم، الذي كانت له فيه وقفات، فسَّر فيها بعض السور والآيات، وبخاصة ما له علاقة بالعلوم العصرية، وآخر الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم.
كما كان له اهتمام بالغ في ر فع المستوى التعليمي لشباب المسلمين، وتشجيعهم على الدراسات العليا، ودعم الجهاد الإسلامي في كل مكان، ونشر الدعوة الإسلامية الصحيحة بين القبائل العربية، التي تأثر بعضها بأفكار غريبة، وكان من المحبين للعلماء والدعاة، يحرص على تكريمهم والاحتفاء بهم، كما كان يخالط الحكام، ويقدِّم لهم النصح، باعتبارهم ولاة أمور المسلمين، الواجب نصحهم كما جاء في الحديث النبوي «الدين النصيحة»، قلنا لمن؟، قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وهو رجل رقيق الحاشية، طيب المعشر، خفيف الروح، بشوش الوجه، مرهف الشعور، بالغ التأثر بالمواقف الإنسانية، تغلبه الدموع حين يتحدث عن أحوال المسلمين ومآسيهم، والمصائب التي حلّت بهم، نتيجة ابتعادهم عن دينهم، وهجرهم لكتاب ربهم وسُنَّة نبيهم (صلى الله عليه وسلم).
وكان يبذل قصارى جهده للتخفيف عنهم وتقديم العون المستطاع لهم، فقد كان كريماً معطاءً، ينظر للمسلمين نظرة واحدة، فلا يفرّق في عطائه بين شخص وآخر، فكلهم عنده سواء، مهما كانت جنسيتهم، وإن كان يُؤْثر صاحب الدين، وحامل الدعوة، وطالب العلم، والمجاهد في سبيل الله، ويقدّمهم على غيرهم، لأن لهم الأولوية في العطاء، كما كان باراً بأقاربه وذوي رحمه وأصهاره وأنسبائه، ولم يكن يتردد في دعم كل مشروع خيري يُعرض عليه إذا اطمأن لأحقيته ووثق بالقائمين عليه، واقتنع بأهميته وضرورته، وكانت له صلات وثيقة بالعلماء والدعاة والمصلحين وكبار الزعماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي يزورهم ويزورونه، ويراسلهم ويراسلونه، ويتشاور معهم ويتشاورون معه، وكان يعرف لهم قدرهم ويكرمهم، ويُنزلهم منازلهم ويحيطهم بالإجلال والإكبار والتقدير، ويقدِّمهم للمسؤولين بكل التجلَّة والاحترام والتوقير.
وقد زار الكثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، وحضر الكثير من المؤتمرات الإسلامية، وشارك في العديد من المشاريع لبناء المساجد، وإقامة المدارس، والمستشفيات، والمعاهد، ودور العلم، وكفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وقد وفّقه الله لشراء عدد من الكنائس في البلاد الأوروبية لتحويلها إلى مساجد بالتعاون مع الشيخ عبدالله العلي المحمود من إمارة الشارقة.
آثار طيبة:
لقد ترك الأخ عبد العزيز المطوع الآثار الطيّبة في كل من مصر، والعراق، وبلاد الشام، والجزيرة، والخليج، فضلاً عن الكويت، وكانت له صولات وجولات تكشف عن نفاسة معدنه، وعمق تجربته، وقوة إيمانه، وسماحة نفسه، وجزالة عطائه، فقد كان سخياً في وجوه الخير لا يتردد أبداً، وتنفق يمينه ما لا تعلم شماله، وهو أول من أرسى أساس العمل الإسلامي المنظم في الكويت، فقد استقبل الدعاة المسلمين ودعم نشاطهم، وأنشأ مكتبة إسلامية كبيرة، كما أسس جمعية الإرشاد الإسلامي بالكويت أوائل الخمسينيات بالتعاون مع إخوانه وتلامذته ومحبيه من رجال وشباب الكويت الصالحين، وبذل من وقته وجهده وماله ما يعرفه وما لا يعرفه القريب والبعيد، وكان لا يتأخر عن أي مؤتمر، أو ندوة، أو لقاء فيه خير للإسلام والمسلمين.
جهوده الدعوية في الكويت:
ولقد أجرى الله على يديه الخير الكثير في الكويت وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، فكان محبوباً من الزعماء المسلمين، والدعاة، والعلماء، والقادة والحكام الصالحين، الذين كانوا يُجلّونه ويحترمونه ويستجيبون لشفاعته.
وإن مجلة (الإرشاد الإسلامية) وجمعية (الإرشاد الإسلامية)، ومدرسة (الإرشاد الإسلامية)، ومكتبة (الإرشاد الإسلامية)، كلها شواهد ناطقة، وآثار واضحة على جهوده الخيّرة، وعطائه السخي، وجهاده الدؤوب، وإن معظم الشباب المسلم بالكويت، هم من آثار تلك الجهود المباركة التي شاركه فيها إخوانه: خالد الجسّار، ومحمد العدساني، ويوسف الرفاعي، وعبدالله الكليب، ومحمد بودي، وخالد الرويشد، وغيرهم، ولقد كان ساعده الأيمن وعضده الذي شدّ أزره ووقف إلى جانبه، وسار على منهجه هو شقيقه الأخ الكريم عبدالله العلي المطوع ـ بارك الله في عمره(1) ـ الذي سلك الطريق نفسه، وبخاصة بعد أن عرَّفه على الإمام الشهيد حسن البنا في موسم الحج عام 1946م، حيث التقياه، وتوثّقت الصلة معه، وظلت قائمة إلى أن استشهد الإمام البنا في 12 فبراير 1949م برصاص الغدر في أكبر شوارع القاهرة، بيد العملاء والمأجورين، وجلاوزة الطغاة.
يقول الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة «الرسالة» في عددها المرقم «966» والصادر في 7/1/1952م:
«الإخوان المسلمون هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ، عقيدة الإسلام الخالص، وعقلية المسلم الحق، إنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة، ولا الدنيا على أنها سوق منفصلة، وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق، وأن السوق عمارة المسجد، وكان للإخوان في الإرشاد لسان، وفي الاقتصاد يد، وفي الجهاد سلاح، وفي السياسة رأي، فلهم في كل بلد من البلدان العربية أتباع، وفي كل من الأقطار الإسلامية أشياع، وما يقظة الوعي العام في مصر والسودان، وفي العراق وسورية، وفي اليمن والحجاز، وفي الجزائر ومراكش، إلا شعاع من هذه الروح، سيكون له بعد حين نبأ» انتهى.
لقد صار الأخَوَان الشقيقان عبد العزيز وعبدالله المطوع يتباريان ويتنافسان في عمل الخير ونصرة الإسلام والمسلمين دون كلل أو ملل، بل طمعاً في مرضاة الله تعالى وطلباً لمثوبته وأداءً للواجب الملقى على عاتقيهما نحو الإسلام والمسلمين.
وأشهد الله الذي لا إله غيره، إنني وجدتُ فيهما النماذج الصادقة لترجمة الإسلام قولاً وعملاً، وبذلاً وسخاءً، ورجولةً وثباتاً، فلم يغْترا بزخارف الدنيا، ولم يزدهم المال والثراء إلا تواضعاً لله ولعباد الله وزيادة في البذل والعطاء في سبيل الله والمستضعفين في الأرض من المسلمين.
ذلكم هم الأخ الكبير والتاجر الصدوق والداعية المسلم عبد العزيز العلي المطوع، وتلك نبذة يسيرة عن سيرته عرضتها من خلال معرفة قريبة، وتجارب شخصية، عسى الله عز وجل أن يجعلها في ميزان الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفاته:
ولقد توفي ـ يرحمه الله ـ يوم الأحد في التاسع عشر من ذي القعدة 1416هـ الموافق 7/4/1996م بعد مرض عضال طال أمده.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويغفر لنا وله، ويرزقنا وإياه الفوز بالجنَّة، والنجاة من النار، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
(1) توفي سنة 1428هـ = 2007م.
المصدر
- مقال: الأخ الـداعية عـبـدالـعزيـز سعـد الربيعة موقع عبدالله العقيل