الأحلام مصدر الهوس الفكري والديني -الحلقة الأولى
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيمإن الرؤيا الصالحة كانت جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وقد ورد عن السيدة الطاهرة عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي أنه كان ستة أشهر يرى الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا فتكون كفلق الصبح, وكان الوحي ثلاثاً وعشرين سنة, فتكون رؤيا المنام جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من الوحي.
ولكن لا يبنى على الحلم الذي يراه الواحد منا حكم شرعي، حتى وإن تصور له رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأمره ونهاه فإنه يلتزم القران والسنة ولا يأخذ بالحلم، وبعض الفرق الضالة يرون أن الأحلام مصدر للتشريع ينسخ الكتاب والسنة.
يقول الشيخ صالح بن العثيمين رحمه الله:'وما يراه الإنسان في منامه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رؤيا حق صالحة وهي التي أخبر عنها النبي، صلى الله عليه وسلم ، أنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وغالبًا ما تقع، ولكن أحيانًا يكون وقوعها على صفة ما رآه الإنسان في منامه تمامًا، وأحيانًا يكون وقوعها على صفة ضرب الأمثال في المنام، يضرب له المثل ثم يكون الواقع على نحو هذا المثل وليس مطابقًا له تمامًا، مثل ما رأى النبي، عليه الصلاة والسلام، قبيل غزوة أحد أن في سيفه ثلمة، ورأى بقرًا تنحر، فكان الثلمة التي في سيفه استشهاد عمه حمزة رضي الله عنه لأن قبيلة الإنسان بمنزلة سيفه في دفاعهم عنه ومعاضدته ومناصرته، والبقر التي تنحر كان استشهاد من استشهد من الصحابة رضي الله عنهم لأن في البقر خيرًا كثيرًا، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كانوا أهل علم ونفع للخلق وأعمال صالحة
القسم الثاني: الحلم وهو ما يراه الإنسان في منامه مما يقع له في مجريات حياته، فإن كثيرًا من الناس يرى في المنام ما تحدثه نفسه في اليقظة وما جرى عليه في اليقظة وهذا لا حكم له.
القسم الثالث: إفزاع من الشيطان، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه، أو ماله، أو في أهله، أو في مجتمعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10] فكل شيء ينكد على الإنسان في حياته ويعكر صفوه عليه فإن الشيطان حريص عليه سواء ذلك في اليقظة أو في المنام؛ لأن الشيطان عدو كما قال الله تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا} [فاطر: 6]'.
وبعض الشباب المسلم يغتر بعبادته وطاعته لله تعالى وصلاحه،ولديه حماس وغيره لدينه، لكنه فاقد للعلم الشرعي، فيفتنه الشيطان من هذا الجانب، فينفخ في أوداجه ويصور شخصه له بأنه منقذ البشرية من ضلالاتها،أو هو المخلص أو المهدي المنتظر الذي يملا الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما.
وكم من شخص ادعي المهدية لأنه رأى في المنام ما يزين له ذلك أو يراه غيره في المنام أنه المهدي، ومن ثم يقرأ ما ورد في شأن المهدي من النصوص الشرعية، فيزين له الشيطان أنه هو هو.
أو يزين له من حوله ومعظمهم من الجهلة أو أنصاف المتعلمين، ولعلهم يكونون من أتباعه أنه المهدي أو المصلح الكبير، لما يرون في مناهم من رؤى وأحلام، فيركب رأسه الغرور والإعجاب بنفسه وإعجاب الآخرين به فيقع في براثن الشيطان الرجيم. فيصاب بلوثة فكرية وهوس ديني، فيفتنه الشيطان عن دينه ويغويه للسقوط في الهاوية.
والعجيب أن مدينة رفح امتازت بظهور أمثال هؤلاء الذين أضلهم الشيطان، ففيها ظهر من زعم أنه المهدي، واذكر أن بعض دعاته (من جماعة الدعوة والتبليغ) زارني في بيتي أكثر من مرة لكوني مختص في العقيدة الإسلامية، وكان متحمسا لمهدية صاحبه بطريقة أدهشتني، فلما بدأت أتحدث معه وأبين له صفات المهدي وعلامات ظهره تبين لي أن الجهل المطبق مع الحماس الشديد من أكبر الأسباب التي توقع شبابنا في تصديق الخرافات ومحاولة إلباسها ثوب الدين.
وفي مدينة رفح ظهرت جماعة الهجرة والتكفير ومؤسسها محمود جودة، وهذا الشاب أعرفه جيدا وعن عندما كان طالبا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة فترة دراستي للماجستير، فلما أصبح زعيما لجماعة التكفير في رفح عدت بالذاكرة إلى ما عرفناه عنه من تعرضه لأزمات نفسية أمرضته، وسببت لبعضنا تعبا من شدة إشفاقهم على حاله خاصة وهو طالب مغترب، فكانوا يقفون بجانبه محاولين مساعدته كي تمر الأزمة النفسية التي مرت به بسلام ويكمل دراسته الجامعية.
وأخيرا -وأسأل الله تعالى أن تكون الأخيرة في حق مدينة رفح- ظهر مدعي الإمارة الإسلامية ببيت المقدس وهو الطبيب عبد اللطيف موسى، وهذا الشخص قدر الله لي أن أزوره في بيته سنة 1993م، ووقتها كان خطيبا مؤثرا وداعية بارزا ولديه ثقافة إسلامية جيدة، ولما جمع كتابا في العقيدة ، أهداني نسخة منه، والكتاب على الجملة جمعه من مصادر أهل السنة والجماعة وأسلوبه سهل وميسر، وليس ما يخالف اعتقاد السلف.
لكن انقطعت صلتي به منذ فترة طويلة، وكل ما سمعت أنه اختلف مع جمعية الكتاب والسنة في خان يونس،فما عاد يدرس العقيدة في معهدهم منذ سنوات، وما عاد يخطب الجمعة في مسجدهم، وبالأمس سمعت أخبار الفتنة في مسجد ابن تيمية بمدينة رفح، فلم انتظر سماع أخبارها من وسائل الإعلام، فبادرت الاتصال ببعض الإخوة من مدينة رفح فوضعوني في صورة ما حدث، وبحثت عن خطبته وبيانه في المسجد المذكور فسمعتهما أكثر من مرة، وهالني ما يقول واعتماده على ما يرى في المنام من رؤى فسرها هو بهواه، فقلت لقد أصيب الرجل في عقله وآتاه الشيطان من جهة تدينه، فلَّبس عليه من تلبيساته التي ذكر مثلها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، ففي كتابه ذكر فيه تلبيس الشيطان على العلماء والعباد والفلاسفة والمتصوفة ونحوهم. ونحن بدورنا ننصح بقراءة الكتاب.
وتبقى الأفكار التكفيرية مصدرا للشباب المراهق ممن لم يتلقى العلم الشرعي من مظانه، فانظروا كيف أغوى الشيطان طبيبا درس العلم الشرعي من الكتاب، وتأثر بما يقرأ من بعض المواقع على الإنترنت، وصادف ذلك هوى في نفسه وحبه للزعامة والإمارة، ففتن غيره من الشباب، وأحدث الفتنة في قطاع غزة، ذهب ضحيتها أرواح برئية، منهم خيرة المجاهدين والساهرين على أمن الوطن والمواطن، وأصيب العشرات بجروح مختلفة، أسأل السلامة للجميع.
والحمد لله تعالى أن الفتنة قد أخمدت بسرعة، وبعد الشكر والحمد لله، فالشكر للحكومة الشرعية التي اتخذت قرار حاسما، بالقضاء على الفتنة بالقوة بعد أن لم تفلح الطرق السلمية.
وأتمنى من شبابنا المسلم ألا ينساق وراء صاحب أي فكرة جديدة، وألا يستهويهم دعاة الصلاح والحماس والغيرة على الدين الذين يطرحون أفكارا تكفيرية. فطلب العلم على أن أيدي العلماء المتخصصين.
والله يشهد كم تمنيت أن تكون لي حلقة علم متخصصة في العقيدة، يتخرج من خلالها طلبة علم متميزين، وكم أتمنى أن تخصص في مساجدنا مثل هذه الحلقات في النحو والفقه والتفسير والحديث والعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية.
اللهم أحفظ شبابنا وردهم للدين ردا جميلا وبصرهم حقائق دينهم ونور بصيرتهم بالقرآن الكريم واشرح صدورهم بنور الإيمان، وفقهم في الدين ويسر لهم حسن التأويل.
المصدر
- مقال: الأحلام مصدر الهوس الفكري والديني -الحلقة الأولى موقع الدكتورصالح الرقب