الأحلام مصدر الهوس الفكري والديني الحلقة الثانية
إنّ الرؤيا ثلاثة أقسام: رؤيا بشرى من الله تعالى، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث المرء به نفسه في اليقظة، فيراه في المنام، وقد ثبت هذا التقسيم في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:'الرؤيا الصالحة بشارة من الله، والتحزين من الشيطان، ومن الرؤيا يحدّث به الرجل نفسه'.(رواه النسائي في السنن الكبرى رقم (765)، 4/390)).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصادقة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: 'أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءته مثل فلق الصبح...'، (رواه البخاري رقم(6982)كتاب التعبير، باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ودام كذلك نصف سنة ثمّ رأى الملك في اليقظة، حكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر.(فتح الباري شرح صحيح البخاري:ابن حجر العسقلاني تصحيح وتعليق الشيخ عبد العزيز ابن باز، نشر وتوزيع رئاسة إدارات لبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد –الرياض- 1/27).
ورؤى الأنبياء وحي معصوم، والرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو تُرى له حق، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم 'رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة' رواه البخاري رقم(6987، 6988) كتاب التعبير، باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) وقوله: 'الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة'.(رواه مسلم رقم (2265) في كتاب الرؤيا في فاتحته).
ورؤيا الأنبياء وحي بخلاف غيرهم، فالوحي لا يدخله خلل، ولا يتعلق به هوى لأنه محروس قال الله تعالى:(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) سورة النجم:3-4، بخلاف رؤيا غير الأنبياء، فإنها قد يحضرها الشيطان, وقد وردت في القراَن الكريم أمثلة من الرؤيا الصادقة، وهى رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك الرؤيا التي رآها النّبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقة إلى الحديبية، قال الله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) سورة الفتح:27، والرؤيا التي رآها إبراهيم عليه السلام.
قال تعالى:(يا بني إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك) سورة الصافات:102.
ولكن أحلام الدكتور عبد اللطيف موسى التي كانت عمدته في إعلان الإمارة الإسلامية بالجملة تحتاج إلى تحليل وبيان، حتى لا يتلبس الحق بالباطل، لأنّ رؤيا الأنبياء وحي بخلاف رؤيا غيرهم من الناس، والوحي لا يدخله خلل، ولا يخالطه هوى أو تخيلاّت، وهذا حاصل في رؤيا كثير من الناس، بسبب تلبيس إبليس، أو نتيجة مرض أو هوس، ونحو ذلك.
قال ابن بطال: 'والرؤيا الصادقة وإن كانت جزءاً من النبوة فهي باعتبار صدقها، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبياً، وليس كذلك'.(فتح الباري 1/20) وإذا كان الأنبياء يختصون بآيات يؤيدون بها ليتميزوا بها عمّن ليس مثلهم، كما تميزوا بالعلم الإلهي، فإنّ رؤاهم كذلك يجب أن يتميزوا بها عمّن ليس مثلهم.
إن عامة علماء الإسلام يقرون بأنّ الرؤيا الصادقة من الله تعالى، لكن إنّ ما ادّعاه الدكتور عبد اللطيف موسى من أنّ الرؤيا قد يحصل بها معرفة المغيبات وما يكون في المستقبل أو تثبت بها الأحكام الشرعية فحق ولكن هذا خاص بالأنبياء، وأيضا الرؤيا الصادقة التي من الله تعالى تكون للصالحين التي لا يوظفونها في تحقيق طموحاتهم الشخصية، ومن منا يستطيع تزكية نفسه أنه من الصالحين والله تعالى يقول:( َلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)النجم:32، فتزكية النفس ليس من دأب الصالحين من سلف الأمة.
ثم تأويل الأحلام التي راءها الدكتور في نومه دخلها الشطح والهوى والطموح النفسي وفق معتقدات مسبقة استقرت في وجدانه، وأني اعتقد جازما أنها من تلبيسات مرافقه أبو عبد الله السوري الذي شهد من عرفه بذكائه وقدرته على التأثير على مستمعيه، وجاءت أيضا نتيجة قراءات خاطئة لمشايخ سلفية الفتنة الذين يصدرون الفتاوى والأحكام الشرعية بتكفير من يخالفهم من الحركات الإسلامية، ومنها حركة حماس، حيث جرى بهم الشطح والحقد والحسد بتكفير كتائب القسام ووجوب قتالها. ولم نقرأ مثلا لهم فتوى في تكفير حكام بني يعرب موالي الأمريكان واليهود، والذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار وجعلوا بلدانهم مسرحا للصليبيين ورجال الموساد ومستنقعا للرذيلة والفجور.
ثم هل سجل التاريخ الإسلامي أن دولة إمارة إسلامية أنشئت وفق الأحلام والرؤى، أليس من يريد إنشاء شركة ناجحة يخطط لها علميا وإداريا وماليا ويدرس وضع السوق من حوله، وهل مقدرته المالية والإدارية تسمح له بذلك.
وهل تقام الإمارة ببضع مئات من المسلحين، والمتحصنين في مسجد في أطراف البلد. إنها شطحات وتلبيسات أبالسة الجن والإنس، التي تفقد الإنسان عقله وتشل تفكيره.
يقول ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس:'التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق، والغرور نوع جهل يوجب اعتقاد الفاسد صحيحا والرديء جيدا، وسببه وجود شبهة أوجبت ذلك. وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكنه منهم، ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم....
إن إبليس إنما يتمكن من الإنسان على قدر قلة العلم، فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس منه، وكلما كثر العلم قل تمكنه منه، ومن العباد من يرى ضوءا أو نورا في السماء فإن كان رمضان قال رأيت ليلة القدر، وإن كان في غيره قال قد فتحت لي أبواب السماء، وقد يتفق له الشيء الذي يطلبه فيظن ذلك كرامة، وربما كان اتفاقا، وربما كان اختبارا، وربما كان من خدع إبليس، والعاقل لا يساكن شيئا من هذا، ولو كان كرامة، وقد ذكرنا في باب الزهاد عن مالك بن دينار وحبيب العجمي أنهما قالا إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز.
ولما علم العقلاء شدة تلبيس إبليس حذروا من أشياء ظاهرها الكرامة، وخافوا أن تكون من تلبيسه روينا بإسناد عن أبي الطيب يقول سمعت زهرون يقول كلمني الطير وذاك أني كنت في البادية فتهت فرأيت طائرا أبيض فقال لي يا زهرون أنت تائه فقلت يا شيطان غر غيري فقال لي أنت تائه فقلت يا شيطان غر غيري فوثب في الثالثة وصار على كتفي وقال ما أنا بشيطان أنت تائه أرسلت إليك ثم غاب عني'.
وبعد قراءتي بعض أدبيات رؤوس الفتنة (أدعياء علم نكرات) التي اعتمد عليها التكفيريون في قطاع غزة أصبحت اعتقد جازما أنها تأتي في سياق مخططات أعداء المشروع الإسلامي الذين استخدموا بل وظفوا حركة فتح عبر المال الحرام وأمدوها ومازالوا بمزيد من المال والسلاح والتدريبات للقضاء على حركة حماس في قطاع غزة ففشلت بعد أن سفكت الدم الحرام وقامت بكل أنواع العربدة والبلطجه وخاصة السياسية والأمنية، وهي تواصل نفس الطريق في الضفة الفلسطينية.
أراد أعداء المشروع الإسلامي الإساءة إليه من خلال توجيه طعنة نجلاء له، وإحداث الشقاق والصدام بين المتدينين بقطع الشجرة من أحد أغصانها، ولكن فاتهم أنهم اعتمدوا على أغصان لا علاقة لها بنفس الشجرة، فقطاع غزة ليس هو الصومال وليس هو العراق ولا أفغانستان، وفلسطين أرض الرباط والتي توجد فيها العصابة أو الطائفة المنصورة-التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: 'لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم قال بيت المقدس وأكناف بيت المقدس'.[كنز العمال 37893]، وأخرجه أحمد (5/269، رقم 22374)، والطبرانى(8/145، رقم 7643).
فلسطين لها ظروفها الخاصة التي جعلتها محصنة من فتن الإمارات الإسلامية التي أعلنت في تلك البلاد.وأذاقت الناس هناك البأساء والضراء وما زالوا.
وليس معنى كلامي أني اتهم التكفيريين في قطاعنا الصابر بالعمالة، ولكني اعتقد جازما بأنه قد تم اختراق صفهم، من عملاء وجواسيس دربوا بإتقان على القيام بدور تمثيلي لشخصية المتدين الورع والناصح الأمين.
وكلنا يعرف دور العصافير في سجون يهود يظهرون لأبناء المقاومة بمسوح المتدينين أصحاب لحى وصلاة وقيام وصيام ثم يقعون ضحيتهم في حبائل المخابرات الصهيونية.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واختم بالصالحات أعمالنا.
المصدر
- مقال: الأحلام مصدر الهوس الفكري والديني الحلقة الثانية موقع الدكتورصالح الرقب