الآلاف يشيعون د. سناء أبو زيد ووصيته تلهب مشاعر الحاضرين

بقلم: أحمد رمضان وحسن محمود
بينما تنهمر الدموع من العيون، خاصةً بعد التكبيرة الثالثة أثناء صلاة الجنازة على د. سناء أبو زيد، والمخصصة للدعاء للميت، وبعد أن تم دفنه؛ ساد الصمتُ الموقفَ في مقابر مدينة نصر، وانتظر الجميع كلمات الحضور من قادة الإخوان حول الفقيد، وتعديد مناقبه في الدعوة والجهاد، إلا أن العكس هو الذي حدث، فألقى د. سناء كلمةً عبر وصيةٍ خرج بها ابنه أُبَيّ سناء أبو زيد بعد دفن والده مباشرةً، وكان التراب يعلو ملابسه، بينما تغمر الدموع وجهه ليلقي وصية والده المربِّي الفاضل الذي لم يدع حتى جنازته تمر دون هذه الفرصة في الدعوة إلى الله، ولبلاغة الوصية وعمق تأثيرها ننشرها كما كتبها الأخ الفقيد وكما ألقاها ولده:
وصيتي
هذه وصيتي لأهلي وأحبابي، أسجِّل فيها ما أحبُّ لي ولهم حين تنقضي مهلة العمر الممنوحة للقاء ربي الرحيم الودود.
أولاً: أوصي في نفسي (يُقرأ هذا الجزء على حضور دفني)
1- أن يشهد غسلي وتكفيني الأعلم بسنة حبيبي- صلى الله عليه وسلم- ممن تيسر حضورهم ممن أحب من الصالحين.
2- أن يتقدَّم للصلاة عليَّ أعلم أهلي بالسنة، واجتهدوا لحشد ما استطعتم من الصالحين لحضور الصلاة، وأكثروا من الدعاء، وأخلصوا فيه.
3- أن يطيل شهود دفني الوقوف عند قبري، وأحسنوا استثمار المناسبة لترقيق القلوب القاسية، وتذكير النفوس اللاهية، واسمعوها مني عالية مدوِّية- بلسان حالي-:
(يا ساكني الدور والقصور.. استعدوا قبل أن تسكنوا اللحود والقبور).
(ويا واطئي الثرى فرحين مرحين.. استعدوا قبل أن يطأكم نادمين محسورين).
﴿إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ (لقمان: من الآية 33).
4- وأن يفيَ ذريتي بما بقي لي عليهم من حق بِرِّي، وهو:
- ملازمة الدعاء لي والاستغفار، وإنفاذ عهدي، ومنه وصيتي هذه.
- وإكرام صديقي وصلة رحمي التي لا توصل إلا بي.
5- وأن يدعوَ لي أحبابي كلما قرءوا أو سمعوا أو تذكروا قول الله- تعالى- ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ (الحشر: من الآية 10).
وأتبرًّأ:
1- مِن كل مَن ناح أو صاح أو لطم أو شقَّ أو دعا بدعوى الجاهلية.
2- ومن كل مَن ابتدع لي بدعةً لا أصل لها في دين الله تعالى، مثل الخميس، والأربعين، والذكرى السنوية، وستر القبر، والنفقة عليه بإضاءته واتخاذه عيدًا وتشييده (لغير ضرورة الدفن)... إلخ.
3- ومن كل مَن نَسَب إليَّ من الكرامات ما لم يكن، أو من الصالحات ما لم أفعل، أو غَالَى فيَّ بغير حق، وإنما منتهى رجائي أن أكون في مَن ناداهم العفو الرحيم بقوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: من الآية 53).
هكذا انتهت وصية المربي الفاضل وسط تعالي أصوات البكاء من الآلاف التي حضرت تشييع الجنازة، وقد تحوَّل المشهد معها إلى ما يشبه خطبة الجمعة وليس تشييع جنازة، وكأنَّ د. سناء لا يزال يخطب ويعظ بين ظهرانينا.
ثم تحدَّث الحاج مسعود السبحي سكرتير فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، والذي حمد الله على نعمة الموت ونعمة الحياة؛ مشيرًا إلى أننا نعمل جاهدين لمثل هذا الموقف الذي ينتظرنا جميعًا، فنحاول أن نعمل حتى نلحق بربنا وهو راضٍ عنا.
وأضاف أننا جميعًا مسئولون بين يدي الله للعمل لهذا الدين ورفع راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، قائلاً: "أشهد أن أخانا سناء كان يعمل جاهدًا لهذه الراية، وأسأل الله أن يغفر له ويرحمه".

"رُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك".. جملة بدأ بها د. عصام العريان القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين وصهر الفقيد، موضحًا أن "د. سناء أوصى ألا نذكر ما قد يُنسب إليه من كرامات، وقد كانت له كرامات رأيناها في حياته، ولكننا نزولاً على وصيته فلن نذكرها".
وأضاف د. العريان: لقد عرفت أخي وصديقي وحبيبي منذ أكثر من 36 سنةً، فما عرفتُ فيه إلا الخلق والأدب والتواضع والتأسي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولعلنا رأينا ابنه وهو يقرأ وصيته فيذكرنا بالله وهو تحت الثرى، ولا أنسى- وهو في مرضه الأخير- أنه كتب أبياتًا من الشعر يطالب فيها إخوانه بعدم التقصير في صلاة الفجر.
وذكر د. العريان أن د. سناء كان أول مَن قام بعمل لائحة للحياة الزوجية، وكان إخوانه يمازحونه للتنازل عنها، فكان يشعر أن ذلك بمثابة الابتعاد عن نهج الرسول صلى الله عليه وسلم.
واختتم كلمته التي لاقت انتباهًا من الحضور بأن "د. سناء أولنا رحيلاً إلى الله؛ يبشِّرنا بلقاء رب كريم، فنعم الأخ والمربي والصهر، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون".
أما الحاج سيد نزيلي مسئول المكتب الإداري للإخوان بالجيزة فأوضح أن الفقيد كان نِعْم الأخ الذي يحمل مبدأ ودعوة ورسالة يسير بها بين الناس، ولم ينسها لحظة، سواءٌ في منامه أو يقظته، ولا في بيته وبين أولاده أو بين إخوانه؛ فهي تُحيطه وهو يحوطها، وهي منه وهو لها، فتم الخلط بين نفسه وبين دعوته، وبالتالي لا نستطيع التفرقة بين سلوكه الخاص والدعوي.
واستطرد نزيلي أن د. سناء كان يصدق فيه الحكمة القائلة: "فِعْل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل"، فلم يكن الحال منفصلاً عنده عن المقال.

وأكد نزيلي أن كل شُعَب ومناطق الجيزة تشهد للدكتور سناء بالتقوى والورع والصدق والإخلاص، فكان كالريح المرسلة والطيف الطيب؛ كلما حلَّ في مكان أو زمان تجده غيورًا على دعوته، مضيفًا أنه لم تشغله السياسة عن الدعوة، فزاوج بين الاثنتين، بل إنه كان مشغولاً بالدعوة أكثر، وهو المطلب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون الآن، فنريد أن نكون ربانيين كما كان سناء أبو زيد.
واختتم كلمته بقوله: "د. سناء كان قديمًا مع القدماء، وجديدًا مع الجدد، وشابًّا مع الشباب وشيخًا مع الشيوخ، فجاوز الثمانين والتسعين لأنه عاش بنفسه هذه الدعوة".
وقال د. عبد الحميد الغزالي المستشار السياسي لفضيلة المرشد: "لقد فقدت الجماعة أحد قاداتها المخلصين، وأحد رجالاتها الذين نذروا أنفسهم طوال حياتهم للدعوة إلى الله، سائلاً المولى- عز وجل- أن يتغمَّد فقيدنا برحمته، وأن يعوِّض الجماعة عن فقيدها العزيز".
أما د. محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين فأوضح أن الأخ العزيز سناء أبو زيد "شابٌّ نشأ في طاعة الله، وكان لسانه رطبًا بذكر الله؛ حينما نحادثه ونقترب منه لا نملك إلا أن نحبه، وكان- رحمه الله- طيب الخلق، خفيف الظل، رحيمًا بإخوانه، دائمًا ما يُذكِّر أصحابه وتلاميذه بالله".
حضر الصلاة على الجنازة فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين، ود. محمد السيد حبيب النائب الأول للمرشد العام، ود. محمود عزت الأمين العام للجماعة، ود. عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد، والحاج مسعود السبحي سكرتير عام المرشد، والحاج سيد نزيلي مسئول المكتب الإداري بالجيزة، ود. عصام العريان القيادي بالجماعة، ود. محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، ود. حازم فاروق وعادل حامد نائبا الكتلة البرلمانية للإخوان، بالإضافةِ إلى لفيفٍ من أقارب وإخوان وزملاء وتلاميذ الفقيد.
هذا، ومن المقرَّر أن يُقام العزاء عقب صلاة المغرب يوم غدٍ الجمعة بمسجد "الصَّبَّاح" آخر شارع الهرم.
- المصدر :الآلاف يشيعون د. سناء أبو زيد ووصيته تلهب مشاعر الحاضرين موقع إخوان أون لاين