اسطنبول استمرار للقدس
2009-12-30
بقلم : فراي تينج
شاهدت المقابلة مع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في منطقة الفنار، برتلماوس، في برنامج "60 دقيقة" على محطة "سي بي إس" التلفزيونية.
لو كنا في أجواء سياسية مختلفة، لشاهدناها كوثائقي عن السياحة يهدف إلى لفت الأنظار إلى تركيا؛ وثائقي يسترعي انتباه الأميركيين إلى هذه الأرض ذات الإرث الذي لا يُضاهى في تاريخ الديانات في العالم.
لم يذكر الصحافي بوب سايمون فقط تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية الممتد على 1700 عام، والتي أدت دوراً أساسياً في تحويل مجتمعات مشرِكة إلى مجتمعات توحيدية، بل أثار الاهتمام أيضاً بمنطقة كابادوكيا.
لكننا نحمل عبئاً ثقيلاً على أكتافنا. وإذ نقوِّم كلام البطريرك تحت تأثير هذا العبء إلى جانب تراكمات الماضي، نحن عرضة للاضطراب بسهولة.
سأله الصحافي: "أنت يوناني؛ إذا كنت تُعامَل كمواطن من الدرجة الثانية وتعتبر أنك لا تفيد من حقوق المواطنية، فلمَ لا تعود إلى اليونان؟".
كان البطريرك برتلماوس قال لسايمون إن المسيحيين الأرثوذكس في تركيا يُعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية. وقد أجاب البطريرك: "لأننا نحب بلدنا. لقد ولدنا هنا، ونريد أن نموت هنا. نشعر أن رسالتنا هي هنا، تماماً كما هو الحال منذ 17 قرناً". وتابع "أرضنا هي استمرار للقدس. وبالنسبة إلينا، إنها أرض مقدّسة. نفضّل البقاء هنا، حتى لو صُلِبنا أحياناً. فقد كُتِب في الإنجيل أنه أعطي لنا ألا نؤمن بالمسيح وحسب بل أن نعاني أيضاً من أجله".
وعندما سأله سايمون "قلت، حتى لو صُلِبنا أحياناً؟" أجاب البطريرك "أجل...".
ليس جوهر هذا الحديث الصَّلْب بل الصعوبات التي تواجهها البطريركية بسبب بعض المشكلات التي لم تجد لها حلاً.
وتأتي في رأس القائمة مسألة رجال الدين. فمعهد هيبليادا (هالكي) الديني مغلق منذ 40 عاماً مع العلم بأنه ظل يعمل حتى عام 1970. تنص معاهدة لوزان على وجوب أن يكون الشخص مواطناً تركياً كي يتمكّن من أن يشغل منصباً في البطريركية.
مسألة الضآلة في عدد رجال الدين خطيرة جداً. أعرف ذلك انطلاقاً من تجربة جزيرة بوزجا آدا (تينيدوس). لقد وفى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بوعده لليونانيين الذين يعيشون في الجزيرة وجرى ترميم قبة الجرس المتداعية. غير أن مشكلات المجموعة لا تزال من دون حل، لأنه لم يأتِ أي كاهن جديد مكان الكاهن الأخير الذي توفّي قبل فترة. عند إحياء الاحتفالات الدينية، يأتي أسقف جزيرة غوكجه آدا (إمبروس) إلى بوزجا آدا. أما في الأوقات الأخرى، فليس هناك كاهن لخدمة اليونانيين في الجزيرة.
المشكلة الكبيرة هي ماذا سيحصل بعد برتلماوس؛ من سيكون البطريرك الجديد؟
يطالب البطريرك بحقوقه كمواطن تركي تماماً كا يفعل العلويون والأرمن والسريان. لكن يمكننا أيضاً أن نُدرِج المسلمين السنّة في اللائحة، أليس كذلك؟
ردّ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على كلام برتلماوس معرباً عن قلقه العميق إزاء ما سمعه: "لم يسبق أن كان هناك صلب في تاريخنا أو تقليدنا".
فلنضع جانباً البطريركَين اللذين شُنِقا عند بوابة مبنى البطريركية عامَي 1657 و1821. لكن أود أن أطرح سؤالاً من دون أن أخرج عن الموضوع: لماذا تولّت وزارة الخارجية الرد؟
فضلاً عن ذلك، ليس البطريرك برتلماوس أول من يقول إن الحريات الدينية لا تُمارَس كما يجب في بلاده. ألم يقل سلف داود أوغلو، علي باباجان، الشيء نفسه خلال اجتماع مجلس الشراكة بين تركيا والاتحاد الأوروبي؟
إذا كنا نتحلّى بالشجاعة الكافية لمواجهة مشكلاتنا، فسوف نتعلّم كيف نحب بلادنا عن حق كمهد للحضارات. سوف ندرك أن اسطنبول عريقة بقدر القدس بالنسبة إلى البشرية ونحاول حمايتها.