اسرائيل لا تريد أخذ الدروس و العبر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
إسرائيل لا تريد أخذ الدروس و العبر

2008-10-04

بقلم : محمد خضر قرش

منذ قيامها عام 1948 فوق أرض فلسطين و إسرائيل تعيش حالة استنفار مدني و عسكري دائمين. و بفضل قصر الفترة الزمنية التي انقضت على تأسيسها فوق أرض الغير و الدعم المادي و العيني و السياسي و الاقتصادي غير العادي الذي تتلقاه من الدول الغربية و بشكل خاص من الولات المتحدة الأمريكية و عدم جدية الدول العربية في المواجهة، تمكنت اسرائيل من تعزيز قدراتها العسكرية و الاقتصادية و بناء جيش قوي تقوم عقيدته و استراتيجيته على أن أفضل أنواع الدفاع هو الهجوم العسكري الكاسح و في بعض الحالات الهجوم الإجهاضي على مواقع الخصم اتجاه أهداف محددة بعينها. و لا عجب إن تمكنت من تسجيل انتصارات سريعة في كافة الحروب و المعارك التي خاضتها سواء ضد الدول العربية مجتمعة (1948 و [1967] و 1973 ) أو ضد منظمة التحرير في الأردن و لبنان على امتداد الفترة الممتدة من عام [1967] و حتى عام 1982، حين استطاعت إخراج م.ت.ف من لبنان بشكل نهائي كوجود عسكري علني و مسلح ظاهر للعيان. و كانت اسرائيل تعتقد بعد كل حرب بأنها حققت أهدافها و هي بانتظار اعتراف عربي بانتصاراتها لتكريسه سياسيا و إقليميا. وفي الجانب الاخر فإن هناك معارك خاضتها إسرائيل لم تتمكن من تسجيل فوز ساحق أو حتى نصف فوز و أبرز هذه المعارك تلك التي تمت في آذار 1968 (معركة الكرامة )و الحرب الأخيرة التي خاضتها ضد حزب الله في تموز 2006 و إذا أضفنا إليها الانتفاضتين الأولى و الثانية فوق أرض فلسطين، لتبين لنا- و للقاصي و الداني ايضاً- بأن زمن تسجيل الانتصارات السريعة و بأقصر فترة زمنية ممكنة قد ولى بلا رجعة. بل لعل حربها الأخيرة مع حزب الله حيث لم تتمكن من تحقيق اي مكسب سياسي ملموس على الأرض، وضعت علامات استفهام كبيرة حول قدرتها على الدفاع عن نفسها في الحروب و المعارك القادمة. فإذا لم تتعظ و تتعلم من كل حروبها ضد العرب عامة و الفلسطينيين و اللبنانيين على وجه التحديد فانها ستواجه مشكلات وازمات جدية ستؤثرعلى مستقبلها . و باختصار شديد و بدون حاجة إلى شرح و تحليل و تقديم أمشلة و أدلة و براهين، فإن مقولة الذراع الطويلة لجيش الدفاع الاسرائيلي قد سقطت و لم تعد قائمة. سواء بالنسبة للجيوش النظامية أو شبه النظامية ( المقاومة بأشكالها المختلفة ). لقد انكشف العمق الاسرائيلي- أي الجبهة الداخلية الاسرائيلية- واتضح لها قبل غيرها كم هي ضعيفة و غير قادرة على تحصين ذاتهاوتلقي الضربات. وقد برزت أول مرة بفعل الصواريخ التي أطلقها صدام حسين أبان حرب الخليج عام 1991، و لكنها ظهرت مجددا وبشكل أعمق و أوضح خلال حرب تموز 2006 بفعل صواريخ حزب الله على المدن و التجمعات و المؤسسات المدنية و الاقتصادية و العسكرية الاسرائيلية. فحينما يختبأ السكان طيلة فترة المعارك في الملاجىء و تخلو الشوارع و الفنادق و البيوت و المصانع من السكان و/أو العاملين فيها، فهذا بحد ذاته يعتبر تحولا استراتيجيا كشف نقاط الضعف القاتلة لاسرائيل و التي لا يمكن تداركها أو علاجها عسكريا.

القتال الأقسى و الأعنف قادم

لم يقل هذا الكلام فلسطيني أو عربي أو أجنبي صديقا لهما،بل ذكرهما محللان الأول بريطاني اسمه "يوهان هاري" و نشرته صحيفة (( ذي اندبندنت)) و الثاني كولونيل عسكري متقاعد (موشيه إيلاد) يعمل حاليا في معهد " شموئيل نيمان" التابع لمركز التخنيون في حيفا، وقد نشرتهما جريدة القدس في 23-9-2008. فالأول يقول " إذا لم يتم تقسيم أرض فلسطين التاريخية إلى دولتين واحدة للاسرائيليين و الثانية للفلسطينيين تقسيما سليما-و لم يقل عادلا- فإن الأمر سوف ينتهي إلى قتال شرس بين العرب و اليهود إلى الأبد". و يضيف " فإن البديل لحل الدولتين هو دولة واحدة ثنائية القومية من السهولة بمكان أن يشكل الفلسطينيون فيها أغلبية خلال بضع سنين و هذا بحد ذاته يعتبر نهاية مبرر وجود اسرائيل كدولة لليهود".

أما الثاني الاسرائيلي (موشيه إيلاد) فيقول بأن الصدام الكبير بين الطرفين قادم، و سيكون الأعنف و الأكثر شراسة سواء بين فتح و حماس أو بين الفلسطينيين و الاسرائيلين.

و السؤال الذي يطرح نقسه هنا و بقوة... فما دام القتال الشرس بين العرب و اليهود سوف ينشب وفقا للتوقعات المشار إليها و لغيرها، فلماذا لا نعمل سوية على تجنب هذا القتال الدموي؟ فالذي يقع عليه العبء الأكبر في تجنب حدوث الاقتتال هو دولة اسرائيل لأكثر من سبب لعل الأهم هو ان قواتها هي التي مازالت تحتل الأرض و تقيم المستوطنات غير الشرعية و تبني الحواجز و الأسوار الوهمية و تعتقل آلاف الفلسطينين و تصادرإنسانيتهم و حقهم في التمتع و التنقل داخل أرضهم. اسرائيل و عبر العقود الأربعة الماضية من حزيران 1967 تحديدا، لم تقدم دليلاً أو مؤشراً واحداً يستحق الذكر يؤكد على رغبتها بتحقيق السلام مع الفلسطينين أصحاب الأرض الشرعيين. الفلسطينيون من جهتهم قدموا كل الدلائل و المؤشرات و النيات حول رغبتهم بالسلام. و من المفيد في هذا السياق أن نشير إلى بعض النقاط الهامة التي تعكس رغبة الفلسطينيين (الضحية) بالسلام مع الذي احتل أرضهم (المعتدي) و قتل شبابهم و حجز-و مازال- حرية خيرة رجالهم.

النقطة الأولى: أن الفلسطينين يرغبون حقيقة في تجنب القتال و سفك الدماء المتبادل مع جنود الاحتلال (ليس من باب الضعف و عدم الاستعداد للتضحية، فالتاريخ الماضي و الحاضر يقولان عكس ذلك) بل لاجل إقامة دولتين متجاورتين ليس بالضرورة أن تكونا متحابتين ولكن متفقتين على أن لا حلاً آخر للصراع غير ذلك.

النقطة الثانية: إذا ما رفضت اسرائيل أن تتقدم خطوات مماثلة اتجاه الفلسطينيين فإن الحل البديل يصبح إما قتال شرس ليس له نهاية بين الشعبين أو دولة ثنائية القومية لا يلبث أن يصبح الفلسطينون فيها يمثلون الأكثرية خلال بضع سنوات.

النقطة الثالثة: يتضح من خلال مجريات الأحداث الميدانية على الأرض الفلسطينية و اللبنانية و العربية أن الذي شجع إسرائيل على التمادي و إدارة الظهر و تغييب العقل و الفكر و المنطق عن كل ما يصدر عن الفلسطينيين و العرب من مبادرات سلام، هو عدم الجدية التي رافقت المبادرات و المباحثات و المفاوضات من الجانب العربي و إغلاق الخيارات الأخرى. فما دام القرار العربي قائم على أن المفاوضات هي الخيار الوحيد مع إسرائيل، فهذا يعني عمليا و واقعيا و سياسيا الاستعداد للقبول بتقديم تنازلات للمحتل الاسرائيلي. و لا نقصد بالجدية هنا عدم الرغبة بتحقيق السلام العادل مع إسرائيل فهذا بدا واضحا و ملموسا منذ حرب حزيران 1967 على الأقل- و إنما نقصد بالجدية أن يكون للعرب و الفلسطينيين بدائل أخرى ليس بالضرورة أن تكون الحرب من ضمنها.

فالجدية تعني توظيف الموارد الاقتصادية و العلاقات السياسية و الدولية في خدمة تحقيق التسوية السلمية التاريخية بين الطرفين و ليس كما هو قائم حاليا حيث يسود التراخي و اللامبالاة العربية اتجاه ما يجري في فلسطين.

النقطة الرابعة: حينما تدرك إسرائيل-حكومة و شعبا- بأنه لا يمكن لها أن تحتل الأرض و تحقق السلام في نفس الوقت، فإنها عند هذه النقطة بالذات ستعيد حساباتها من جديد. ما يجري بين اسرائيل و الدول العربية و خاصة بعد زيارة السادات لها و اتفاقيات كامب ديفيد، يؤكد التراخي و اللامبالاة تجاه ما تفعله إسرائيل بالفلسطينين فوق أرضهم بما فيها التهويد المبرمج للقدس الشريف. وهنا تكمن أحد أبرز الأسباب التي جعلت اسرائيل تدير ظهرها بالكامل لكل المبادارات العربية الهادفة إلى تحقيق السلام.

النقطة الخامسة: إسرائيل تعتقد بأن هذا الوضع المترهل و اللامبالي سيدوم لها، و بالتالي ليست بعجلة من أمرها لتحقيق التسوية مع الفلسطينيين. فإذا كان هذا هو ما تفكر به اسرائيل و تضع برامجها و خططها وفقا له، فإنها سوف تكتشف-لكن متأخرة- بأن ذلك ليس غير صحيح فحسب، و إنما سيكون بداية لمواجهة قاسية و شرسة بين الشعبين. اسرائيل لا تريد أن تأخذ العبر و الدروس فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني من تجارب الغير وخاصة ما حصل بجنوب افريقيا، لقناعاتها بأن العرب- انطلاقا من تجربة العقدين الماضيين تحديدا- قد اوقفوا تدخلهم الإيجابي و الفعال لصالح الفلسطينيين على المستويين الاقليمي والدولي و بالتالي سمحوا (بدون الإعلان عن ذلك) لاسرائيل بالاستفراد بهم.

بدورنا نقول لاسرائيل، بأن من سمات كل انواع الصراع وجود حالات من المد و الجزر لذا فلن يبقى الشارع العربي في حالة جزر دائم... تلك هي أبرز حقائق تكوين البحار. على إسرائيل أن تخشى ذلك و أن تبدأ من الآن الأخذ بالاعتبار من نتائج أمواج المد العاتية القادمة لا محالة. وعند ذاك فان الكثير مما هو قاتم حالياً وممكن القيام به وتحقيقه سيصبح خارج اهتمامات الفلسطينيين. اسرائيل تعلم بأن افضل الاوقات المناسبة لها لتحقيق التسوية التاريخية هي الفترة الحالية. وبخلاف ذلك، فإن كل السيناريوهات ستكون مشرّعة الابواب ومفتوحةعلى كل الاحتمالات بما فيها القتال والعنف المدني بين الشعبين.

اما آن الاوان لإسرائيل من تبوأ وحكم قيادة رشيدة تأخذ بشعبها نحو شاطئ الامان مستفيدة من كل من سبقوها باحتلال اراضي الغير. اخذ الدروس والعبر صفة ملازمة لمن يتطلع الى المستقبل الآمن والمستقر، فهل يبدأ قادة إسرائيل بأخذ العبر من تجارب الغير، ذلك هو السؤال الذي يتوجب على الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الاجابة عليه لضمان مستقبل إسرائيل قبل غيرهاوقبل فوات الاوان ايضا .

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات