استنعاج الأمة
كفر الشيخ اون لاين | خاص
«اليوم أصبحت يا عبد الحكيم أعتقد أنه لا حياة لي في بلدى الذي أصبحت أرى فيه جزاء كلمة (اتق الله) هو ما أنا فيه وما أهلى فيه. عندما قلت لكم اتقوا الله قصدت أن تتقوا الله في هذا الشعب الذي قمنا لخلاصه واسترداد حريته. قلت لكم اتقوا الله بعد أن ألجمتم جميع الأفواه إلا أفواه المنافقين والمتزلفين والطبالين والزمارين. قلت لكم اتقوا الله في الحرية التي قضيتم على كل ما كان باقيا من آثارها وكنا نأمل أن تتفتح لها براعم نامية نطمئن حين نمضى من هذه الدنيا اننا قد أدينا أمانتنا فنترك بعدنا هذه البراعم وقد نضجت وأصبحت قوية قادرة على الصمود.
قلت لكم اتقوا الله لأنكم أردتم استنعاج هذا الشعب،وأنا لم أكن أرضى ذلك، ولذلك أصبحت الآن لا أطيق الحياة في هذا الجو الخانق....فاذا كانت قد بقيت لديكم بقية من أخوة كانت بيننا يوما من الأيام فانى لا أطلب سوى أن أخرج أنا ومن يريد من أسرتى التى نالها أيضا نصيب وافر من إجراءاتكم الى السعودية لأبقى الى جوار رسول الله حيث أقضى مابقى من حياتى مخلصا لها حى لنفسى ودينى لله.....وأنت تعلم ياعبدالحكيم أنكم لاتملكون أى حق شرعى فيما قمتم به نحوى إلا حق الدكتاتورية والطغيان إذا جاز أن يكون له حق ......
أنا آسف أن تتحول ثورة الحرية إلى ثورة إرهاب لا يعلم فيها كل إنسان مصيره، لو قال كلمة حرة يرضى بها ضميره ووطنه......إننى لن أستعطف أحدا ولن أخاف الا الله وأنا حين اكتب اليك الآن فإنى لا أطلب شيئا غير الرحيل عن هذه الأرض التى يئست أن تقال فيها كلمة حق فضلا عن أن يقام فيها ميزان عدل .... يا عبد الحكيم ألم أقل لك في مارس الماضي ما هي ضمانات الحرية، فقلت «نحن ضمانات الحرية»، وقلت لك أنني لا أثق في ذلك، وهذه الأيام تأتينى بالبرهان بأن للحرية ضمانات وأنتم الضمانات، كل شيئ جائز. ألم أقل لك يومئذ أنه إذا لم يتنازل عن تألهه وفرديته فلا فائدة للعمل معه، فهل يا ترى الذي جرى لمواجهة كلمة اتق الله هو دليل لهذا التنازل؟. كلمة صريحة أقولها لك يا عبد الحكيم أنا أرثي لهذه الحال، ومع ذلك أتمنى أن يهديكم الله لا تغضب أنت الآخر يا عبد الحكيم، راجع نفسك ولا يغلبك الهوى والغرض،راجع ضميرك قبل ثورة 23 يوليو،وعلى مدى سنين من هذه الثورة ثم انظر أين ينتهي بكم الطريق، طريق الحرية أقدس ما منح الله للإنسان.
يجب أن تعلم يا عبد الحكيم رأي الناس فيكم وما يحسون نحوكم، لقد أصبحتم ويا للأسف في نظر الشعب جلاديه، نتيجة تدعو للرثاء وحصاد مر لثورة 23 التحريرية الكبرى،تتجرعه الملايين المستذلة بعد ما وضعت في تلك الثورة وقيادتها آمالها وأعطتها الكثير واستأمنتها على الكثير، على الحرية، ولكن أين الأمانة الآن، والله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، لقد بُددت الأمانة، لقد وئِدت الحرية، ونعيش هذه الأيام وكأننا في ليل لا يبدو له فجر.
يا عبد الحكيم لا تتصور أنني مبتئس بما جرى ولكنني حقيقة أشعر بالأسف وأقول «يا حسرة على الرجال.. يا خسارة على الثورة» وأشعر بذنب واحد وهو أن ثقتي غير المحدودة فيكم مكنت الطغيان أن يسلب هذا الشعب حريته وكرامته وإنسانيته ومهما كانت الشعارات الزائفة التي ترددت والإدعاءات التي تقال فالناس جميعا يعرفون حقيقتها والسلام».
هذه أجزاء من الرسالة المطولة التى بعث بها كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو الى زميله عبدالحكيم عامر يوم 25 أكتوبر 1965 من محبسه بعد قرار عبد الناصر باعتقاله،وتحديد محل إقامته بعد أن أرسل لعبدالناصر خطابا فى 12 /10/1965 يعترض علي الفساد،وانتهاكات حقوق الإنسان،والقبض على الإخوان،والتعذيب الذى تعرضوا له،وقد جاء فى خطابه :
"الى السيد الرئيس/ جمال عبدالناصر...رئيس الجمهورية
من كمال الدين حسين... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد إذ لاخير فى إذا لم أقل لك ..اتق الله (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
لاخير فى إذا لم أقلها لك..اتق الله
"ومن يتق الله يجعل له من أمره رشدا"
اتق الله قالها سبحانه وتعالى لنبيه الكريم"يا أيها النبى اتق الله ولاتطع الكافرين والمنافقين"
اتق الله ولاتكن ممن قال فيهم سبحانه وتعالى "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم"
اتق الله أمر بها الله الرسول والمؤمنين... وأمر الرسول بها أصحابه والمؤمنين..وقالها الخلفاء والأئمة لولاتهم وللمسلمين..وقالها المسلمون للخلفاء والولاة والأئمة وبعضهم بعضا
قالتها تلك الأمة التى أعزها الله بقوله
" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكروتؤمنون بالله"
صدق الله العظيم ..وسلام على من اتبع الهدى "
ولعل هاتين الرسالتين توضحان بجلاء ودون حاجة لمزيد شرح أوتنظير طبيعة حكم الاستبداد والديكتاتورية التى رسختها ثورة يوليوالتى مازلنا نعيش آثارها حتى الآن،والتى ضاقت بنصيحة من أحد رجالها الذى استيقظ ضميره - وإن كان هذا لايعفيه من المسئولية عن المشاركه فى الجرائم التى ارتكبتها الثورة بصفة خاصة فى ملف الحريات وانتهاك حقوق الإنسان - والذى تولى العديد من أبرز المناصب فى هذا النظام،ومع هذا لم يسلم من أذاه،ولعلها رسالة واضحة حول طبيعة حكم العسكر الذى رسخ جذور الاستبداد منذ أكثر من ستين عاما ،والذى مكن طوال تلك الفترة الطويلة لما يسمى بالدولة العميقة التى استطاعت أن تنقلب على ثورة 25 يناير لتحافظ على دولة الظلم والاستبداد،وهى رسالة واضحة لما ينتظرنا من مصير مظلم لسنوات طويلة اذا تمكن هذا الانقلاب من تثبيت أركانه،وتنفيذ مخططاته
د صفوت حسين
باحث ومحلل سياسى
Dsafouthousin20020@gmail.com
المصدر
- مقال:استنعاج الأمةموقع:كفر الشيخ أون لاين