استعادة الذاكرة ...
2011-02-22
بقلم : يحيى رباح
في هذه الأيام المضطربة، الأيام الواعدة والمخيفة، الحبلى بالآمال والمنذرة بالحرائق، تأتي الذكرى الثانية والأربعون للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولا بأس في هذه المناسبة الوطنية أن نحاول استعادة الذاكرة مع أن كل شيء في حياتنا وحياة المنطقة يوشك أن ينقلب رأساً على عقب.
هل شكلت الجبهة الديمقراطية إضافة نوعية للبيت الفلسطيني ؟! ...
والجواب لدي يقول نعم، في ذلك الوقت عام 1969 حين انطلقت الجبهة الديمقراطية بدأ هناك شعور قوي على امتداد الساحة الفلسطينية وهي في أوج صعودها، أن الشعارات التي أطلقناها في بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع عام 1965، قد أدت
غرضها الأساسي، أي الحضور الوطني الفلسطيني في المشهد، في مقدمة القافلة، بصفة أن الشعب الفلسطيني هو المتضرر الأول من النكبة ومن هزيمة حزيران، وأن كيانه الوطني قد ضاع، وأن هذا الكيان الوطني يجب أن يعود، وأن الفلسطينيين هم أقدر الجميع في التعامل مع الحيثيات المطلوبة لدخول النضال الفلسطيني إلى مسارب وهياكل وتقنيات معقولة، يستقبلها العالم ويراه الشعب الفلسطيني ممكنة، لأن هناك فرقاً شاسعاً جداً بين الغيب والمستقبل، الغيب هو من اختصاص القدرة الإلهية في تسيير الكون، أما المستقبل فهو الخطوط التي نرسمها نحن البشر لحياتنا العظمى.
الإضافة التي قدمتها الجبهة الديمقراطية في ذلك الوقت هي المساعدة في تحويل الحق إلى ممكن، لأن الحق رغم قداسته إذا وضع في علب المستحيل فلا جدوى منه، بل يتحول إلى عبء على أصحابه.
نعم الكفاح المسلح هو جهد رئيسي بالغ الأهمية، ولكن النضالات الأخرى ضرورية، نضالات تتعلق بحياة المجتمع واحتياجاته وحياته اليومية والقدرة على محاولة التكوين الاجتماعي الفلسطيني في وطنهم وفي شتاتهم الواسع، وإعطاء معنى للمرحلية بأن الهدف قد لا يتحقق دفعة واحدة، وعندما يصبح الهدف بعيداً ومحاطاً بسياج الاستحالة، فقد لا يتمكن الشعب من تحمل أعبائه، لأن الشعب يريد دائماً أن يرى ضوءاً في نهاية النفق، والنضال من أجل الممكن مقنع أكثر من النضال من أجل المجرد والمطلق.
وقد نجحت الجبهة الديمقراطية في أول الاختبارات عندما استلزم النضال الفلسطيني برنامجاً مرحلياً، الذي تبلور فيما بعد باسم "برنامج النقاط العشر" عام 1974، وبهذا البرنامج ارتقت المنظمة على الصعيد الإقليمي والدولي لتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعضواً مراقباً في الأمم المتحدة، لتكون أول سابقة في العالم أن تصبح منظمة عضواً في الأمم المتحدة.
الجبهة الديمقراطية التي آمنت بصيغة الجبهة الوطنية العريضة لقيادة النضال الفلسطيني، أعلت من شأن الحوار الوطني، وكانت دائماً السباقة لتقديم المخارج والصيغ البديلة حين تحدث الاستعصاءات في الساحة الفلسطينية، وهي كثيرة في العادة بحيث لا تبقى الأبواب مغلقة، وأن يتغلب الفلسطينيون على صعوبات نضالهم بأنفسهم، وأن يظل الطريق إلى عالمهم العربي ومحيطهم الإقليمي والدولي سالكاً على الدوام.
في الذكرى الثانية والأربعين لانطلاق الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يتوجب علينا أن نستحضر تلك القدرات التي كانت تبقينا معاً، لأن بقاءنا معاً هو مصدر القوة الرئيسي، وأن كل فريق فلسطيني مهما كان عنوانه الإيديولوجي يبقى وحيداً، يصبح عرضة للضعف والاستخدام والشطط، ومن بوابة الانكفاء جاء هذا الانقسام الذي أضعف مشروعنا الوطني، وأضعف حضورنا الوطني، وجعلنا نبدو كالأيتام على موائد اللئام.
تحية للجبهة الديمقراطية في ذكرى انطلاقتها وهذه دعوة لإعادة إحياء الذكرى الوطنية.