ابتعاث الأسطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر الإسلامي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ابتعاث الأسطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر الإسلامي

الأستاذ:أنور الجندي

مقدمة

هناك حصيلة ضخمة من الأساطير والخرافات تتمثل في قصص وملاحم.

وتتخذ من المعتقدات الوثنية موضوعاً لها، وهي تفسر أحداث الحياة وظواهر الطبيعة على ضوء هذه المعتقدات وتنسبها إلى تدخل الآلهة وأنصاف الآلهة في شئون البشر ولقد كان لليونان أساطيرهم وكان للعرب في الجاهلية أساطيرهم والغالب أن الإغريق والعرب في الجاهلية اشتقوا معتقداتهم الأسطورية من الفرعونية الوثنية القديمة.

هذا التراث من الأساطير والخرافات، المتصل بطوالع النجوم وأفلاك البروج، وأسرار الأرقام ومجموع التعاويذ الخاصة بطرد الأرواح الشريرة، كان بمثابة تجارة للكهنة القدامى في الحضارات المصرية والآشورية والبابلية القديمة ولقد كان اليهود هم حملة لواء هذه الأساطير والخرافات بالإضافة إلى فن السحر الذي يخصصوا فيه.

هذه الحصيلة يجرى تجديدها في العصر الحديث على نحو من الاهتمام الواسع، والتركيز الشديد على أفق الفكر الإسلامي بعد أن جاء الإسلام فحطم هذا التراث كله، وقضى عليه وذلك حين قدم صحاح الأخبار والصور والعقائد فيما يتعلق بمختلف شئون الغيب، وأجاب عن كل الأسئلة التي جاءت بها هذه الأساطير والخرافات بمثابة محاولات بشرية ضالة مضلة إزاء هذه الأمور.

عالم الغيب

لقد أعطى الإسلام منهجاً كاملاً للميتا فيزيقا أو ما يسمونه عالم الغيب، فكشف عن حقائق عالم الجن والملائكة ورسالات الأنبياء والوحي، وخلق السموات والأرض والرياح والبحار والكواكب والأقمار، وأوضح علاقة الإنسان بها، ودعا الإنسان إلى أن يعبد خالق هذه الكواكب، وأن لا يسجد للشمس ولا للقمر.

وأن يعرف أنه تبارك وتعالى هو رب (الشعري) اليمانية التي كان يعبدها العرب في الجاهلية.

كذلك فقد دعا الإنسان إلى عبادة الله الواحد الخالق، وحرره من عبادة الأصنام والأوثان والصور، وعلمه أن هذه كلها لا تملك له نفعاً ولا ضراً، كما كشف الله تبارك وتعالى سنن الخلق وتصريف الرياح، وإنشاء السحب وسوقها إلى حيث يأمرها بأن تمطر فيصيب بهذا الغيث من يشاء ويصرفه عمن يشاء.

لكل دار دواء إلا الموت

وبذلك قضى على الأساطير العديدة التي كانت تتحدث عن الشياطين التي تسوق الرياح، كذلك دعا إلى التداوي من الأمراض، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تبارك وتعالى خلق لكل داء إلا السام (أي الموت).

وبذلك قضى على ما كان يقوم به كهنة بابل من بعض الطقوس لشفاء المرضى أو طرد الأرواح الشريرة أو ما كانوا يصفونه لالتهاب العين من انتزاع أحشاء ضفدع صفراء.

كذلك دعا الإسلام إلى دحض ما يسمى طوالع النجوم وأفلاك البروج وتأثيرها على خطوط البشر وأسرار الأرقام، فإن هذه كلها لا تملك لنفسها شيئاً ولا تستطيع أن تقدم للإنسان أي دليل على غيب، فالغيب كله لله تبارك وتعالى.

المنهج التجريبي

وكانت دعوة الإسلام إلى البشرية أن تنظر إلى خلق السموات والأرض، وإلى كيف بدأ الله الخلق، والتأمل في هذا الكون الذي هدى المسلمين إلى بناء المنهج العلمي التجريبي الذي نشأت عليه الحضارة الحديثة.

والذي إدعاه القس روجر بيكون وفرانسيس بيكون ومن ذهب مذهبهم.

وبذلك تحرر العقل البشري من الأساطير والوثنيات والخرافات القديمة، وانسحق هذا الركام كله تحت أقدام الحقائق، وتحت أضواء نور العلم الحقيقي.

غير أننا نرى الآن أن هناك محاولة مستميتة لإحياء هذا الركان، وإعادة إذاعة هذه الخرافات التي سادت في العصور القديمة من جديد بعد أن حطمها الإسلام، وأقام مفهوماً أصيلاً لكل ما يتصل بعالم الغيب ولما يتصل بخلق الكون والسموات والأرض.

عودة إلى الأساطير

هذا الركام الوثني والبشري تجرى إعادة صياغته في أساليب براقة وكتب فاخرة، وتحمله إلى الناس صحف ومجلات راقية الطباعة، ويحمل لواء الدعوة إليه كتاب لهم شهرة ذائعة، حيث يجد إعجاباً وإقبالاً وافتناناً من الشباب المسلم، الذي لم تتشكل له خلفية أساسية من مفهوم الإسلام، تحميه من تقبل هذه السموم.

ولا ريب أن بعض البلاد الإسلامية قد خضعت لهذه الأفكار الزائفة، عندما ضعف مفهومها الإسلامي في مرحلة التخلف، ولكنهم وقد عادوا اليوم ينفضون عنهم غبارها، عليهم أن يتحرروا منها، وأن الصورة التي سجلها مثل أدوار لين في كتابه (المصريون المحدثون) لا تمثل إلا مرحلة الضعف التي سيطرت فيها مفاهيم باطلة، حيث تسربت الخرافات والأساطير مرة أخرى إلى المجتمعات تحت أسماء التمائم والتطير، وتقمص الأرواح، قد كتب لين ذلك في نفس الوقت الذي كان الإمام محمد بن عبد الوهاب يجاهد في الجزيرة العربية ونجد لتطهير الإسلام من هذه الخرافات.

بين الفك والتنجيم

ومن عجب أن تذيع بعض المجلات كتباً مسمومة تحت اسم "علم الأساطير" لتخدع المسلمين عن حقائق دينهم، للبشر، وفي هذا ارتداد إلى مجاهل التنجيم وشعوذة المنجمين، مما يتناقض مع مفهوم الإسلام الأصيل، ومع منهج البحث العلمي الصحيح، ولاريب أن وراء هذه الأهواء قوى تغريبية وتلمودية خطيرة تحاول أن تفرض هذه المفاهيم المسمومة الزائفة، بحيث تقول أن هناك صلة بين وجود الكواكب في أبراج معينة وبين الأحداث، أي أن مواليد برج معين تتميز شخصياتهم بظواهر معينة تختلف عن مواليد الأبراج الأخرى.

ولقد حرى العلماء المسلمون علم الفلك الحديث من خرافات التنجيم القديمة وفرقوا بين التنجيم وبين دراسة الأفلاك ومواقع النجوم، ولكن دعاة التلمودية يحاولون إعادته مرة أخرى إلى الأساطير.

والحق أنه لا صلة مطلقاً بين الكواكب وبين ميول المواليد، أو شخصياتهم ولا توجد أي إشعاعات خاصة نابعة من هذا الكوكب أو ذاك تؤثر على الناس.

خلط العلوم بالأساطير

بل إن بعض الباحثين في علوم النفس والأخلاق، يعتمدون على بعض الأساطير القديمة الزائفة، في إقرار أوضاع معينة على أنها حقائق – كما فعل فرويد في تحليل أسطورة أوديب – التي أقام عليها نظريته، وقد اختار الرموز الأصلية لنظرياته في العقل الباطن والغريزة الجنسية من واقع هذه الأساطير وكذلك فعل سارتر.

ولقد تبين أن معظم أساطير الأولين هي من صنع خيال السومريين والبابليين وأنها قد وضعت لتفسير الخليقة والتكوين وأحوال الآلهة التي هي في صراع مع الإنسان، وإيضاح حادثات الكون الكبرى وفكرة الجان والشياطين والروح والنفس. وقد انتشرت حتى بلغت الجزيرة العربية، ومنها ما رواه هيردوت اليوناني وتيودور الصقلي وما ورد في العهد القديم.

وكلها كما قلنا محاولات لسد الفراغ النفسي لدى الإنسان إزاء الجوانب التي يخشاها ولا يعرف مصدرها، ولا ريب أن هذا كان بضاعة الوثنيين وما زال صناعة الكارهين لدين الله الحق، ذلك أن دين الله منذ أول البشرية قد قام لمعتنقيه الإجابات الكاملة لكل هذه التساؤلات وهدي نفوس البشر إلى الحق والهدى، وقد قاومت الأديان كلها الكهانة والعرافة (الكهانة تعني استطلاع المستقبل بينما تعني العرافة استرجاع الماضي) والقاسم المشترك بينهما هو استطلاع الغيب والتنبؤ.

ولا ريب أن لدين الله الحق موقف مضاد للكهانة وهو يعتبرها قد انتهت بعد النبوة "لا كهانة بعد النبوة" وقد أكد الإسلام أن الغيث ملك لله تبارك وتعالى وحده وأن من قصد عرافاً فصدقه لا تقبل صلاته أربعين يوماً. الوسائل:

وجملة القول في هذا أن الأسطورة هي بديل الحقيقة، وعندما تختفي الحقيقة تنشأ القصة الخيالية والحقيقة هي الوحي.. ولقد جرت في السنوات الأخيرة محاولة واسعة لإعادة طرح الأساطير اليونانية والعربية القديمة، عن طريق الأدب: "الشعر والقصة" وأعيد عرض هذه الخرافات الوثنية بأساليب جديدة عن طرق فنون المسرح والشعر الملحمي، والنقد الأدبي، وحشدت أسماء كثيرة لإعادة كتابة تاريخ الأسطورة في الآداب العالمية، وكل هذا ولاشك يرمي إلى تحقيق هدف خطير هو شغل الأذهان بأهواء البشرية وضلالاتها في مرحلة طفولتها، ودفع ذوي الأغراض إلى الأسطورة التي تمثل طفولة الإنسان في مرحلة إنحرافه عن الدين الحق، إلى أن تصبح مصدراً من مصادر المعرفة، وتوجه نحوها دراسات نفسية واجتماعية بقصد إحياء الوثنية القديمة الممثلة في بروميثوس، وجلجامش، وأوزيريس، وعشتروت، وزينوس.

هذه الأساطير التي تحاول أن تعارض الإله الواحد والدين الحق، وتقدم مفهوماً زائفاً عن العلاقة بين الله تبارك وتعالى وبين الإنسان بما تحمل من تعدد في الآلهة، بتقديم القرابين تارة، وما تصوره من صراع دائم بين الإنسان وبين الآلهة تارة أخرى، هذه الآلهة الظامئة إلى الشر والانتقام وما يكون دائماً من هزيمة الإنسان أمام الآلهة.

مفهوم الدين الحق

وهذا في جملته غير صحيح في النظر العلمي الصحيح، وفي مفهوم الدين الحق، الذي يتمثل فيه الله تبارك وتعالى إلهاً واحداً رحيماً يقبل التوب ويغفر الذنب وهو بعباده غفور رحيم، وكيف أن العلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة عبودية وإيمان وتسليم (إيمان بالبعث والجزاء وتسليم بالقضاء والقدر) وتقبل كامل لعطاء الله كله وأمره كله، فليس هناك ما يومئ من قريب أو بعيد إلى هذا الذي يصورونه زيف باسم الصراع بين الإنسان المسلم وجهه لربه وبين الخالق الرحيم، ولقد زيف الدين الحق مفاهيم الأساطير ورجال اللاهوت حين ردوا الأمراض إلى عوامل خفية، منها حقد الشيطان وغضب الله، وما يتصل بذلك من مفاهيم زائفة في السجن والجن والخوارق، حتى ردوا الأوبئة والزوابع والقحط وكسوف الشمس وخسوف القمر إلى الشياطين.

كذلك فقد فرق الدين الحق بين الألوهية والنبوة، وبين النبوة والإنسان على نحو يحول جون هذا الخلط الذي تقع فيه الأساطير بين آلهة وإنصاف الآلهة وبين الأبطال، وبذلك دحض فكرة أن يكون هناك آلهة لكل عالم من العوالم كآلهة الجبال والأمطار والرياح والحرب والخمر والجمال، او أن يكون هناك أنصاف آلهة من الأبطال القادة: وسجل هذا سيدنا يوسف على قومه من وقت بعيد حيث قال:

{أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف: 39، 40.

وهكذا جاءت أديان السماء، لتنسخ هذا الزيف جيلاً بعد جيل، فعلى لسان كل نبي كانت الدعوة إلى تحرير البشرية من هذه الوثنية ومن عبادة الأوثان والأصنام والتماثيل.

خرافات الإلياذة والأوديسة

والمعروف أن هذه الآلهة المدعاة لم تكن إلا بشراً، أعطى من القداسة قدراً أخرجه عن طبيعة البشر فوصف بمثل هذه الصفات الزائفة على النحو الذي نراه في ملاحم الإغريق وكملحمة الأوديسة والإلياذة، من أن الآلهة عند الإغريق حاقدون على البشر، وإنها قاسية على الكائنات الأخرى يغضبون فيحولونهم إلى حيوانات أو نباتات أو أحجار أو مياه وقد وصفها الشاعر "أوفيد" بأنها ينابيع النار والدمار والهوان لكل الآداب العالمية.

ويرجع وصف الآلهة بالقسوة إلى ما أوردته التوراة بأقلام الأحبار من وصف لله {جل وعلا عما يقولون علواً كبيراً} بالإله المنتقم القاسي.

المترجمون المسلموت أهملوا ترجمة الأساطير

ترجمت إلى اللغة العربية في العصور الأخيرة إعداد من الملاحم والأساطير اليونانية والفارسية، وقد غفل القائمون على هذه الأعمال عن أن العرب في إبان نهضة الترجمة تنكبوا ترجمة الملاحم والقصة والشعر بقصد واضح، هو أنها تمثل "عواطف" و "مشاعر" أمم تختلف عن العرب في عقائدها وعاداتها وتقاليدها، ولكن ترجمة هذه الأساطير في العصور الأخيرة، جاء في مرحلة ضعف العرب والمسلمين عن مواجهة تيار الترجمة الخطير، الذي قادته قوى التغريب والغزو الثقافي، بهدف طرح سموم الوثنية في أفق الفكر الإسلامي.

ذلك أن الملاحم إنما تقوم على تصور أحداث غير صحيحة في طبيعتها، وإنما هي موضوعة على طريقة التهويل والإثارة وتضخيم الأحداث، وتدافع الخيال في أمواج من الخوارق التي تتنافى مع طبيعة النفس العربية والإسلامية ومع واقع الحياة نفسها، وقد قصد بإنشاء هذه الملاحم والأساطير في بيئاتها تغيير وجهة الناس وتفكيرهم عن واقعهم المرير، إلى أجواء من الوهم والخيال، ومن هنا فقد أعرضت الطبيعة العربية الإسلامية القائمة على الفطرة والبساطة والواقع والصدق عن هذه الملاحم، هذه الطبيعة التي تستمد مقوماتها من خصائص مختلفة عن هذه الأحقاد والأهواء والمطامع والقتل والتدمير، فالنفس العربية الإسلامية تستمد خصائصها من الشهامة والكرامة والفروسية بكل مقومات المروءة وحماية الذماء والدفاع عن الجار وصفات الكرم والشجاعة وإغاثة الملهوف.

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي * * * حتى يواري جارتي مأواها

هذه الخصائص العربية الإسلامية بعيدة عن المبالغة والعنف وصناعة الوقائع الأسطورية، مرتفعة عن الخوارق عازفة عن الأهواء المضلة، هذه الطبيعة في الحقيقة استمدها العرب والمسلمون من ميراث الأديان والنبوة بدءا الحنيفية الإبراهيمية السمحاء ومتصلة بالنبوة المحمدية الكريمة، ولذلك فقد رفضوا هذا اللون من الملاحم والأساطير وأعرضوا عنها، خاصة وقد قدم لهم القرآن الواقعة الصحيحة والتاريخ الصحيح لكل ما حاولت الأساطير تصويره بالخداع والباطل: من أمثال الطوفان وأهل الكهف وسليمان الحكيم وذي القرنين {نحن نصقص عليك نبأهن بالحق}، {ننح نقص عليك أحسن القصص}.

نزعات لا يقبلها الإسلام

وإذا كانت الأسطورة – كما تقول مصادر البحث الأدبي العالمية – تمثل الصراع بين الإنسان والقوى الإلهية، فإن هذه النزعة وثنية طابعها، ولم يكن من الممكن أن ينقلها الإسلام أو يقرها، ذلك – وكما قال أحد كبار الباحثين الغربيين "جوستاف فون جرنبوم" – أن مفهوم الإنسان في الإسلام يمنع وقوع أي صراع درامي.

ومن هنا فإن عزوف الأدب العربي والإسلامي عن التمثيل والقصص والملاحم يرجع إلى طبيعته الأصيلة القائمى على الواقعية والوضوح، أن هذه النزعة – نزعة الصراع بين الإنسان والقوى الإلهية نزعة وثنية في طابعها لا يعرفها الإسلام، ولا تتمثل في نتاجه الأدبي أو الفكري، فلماذا هذه المحاولات الضخمة، التي يقدم بها بعض الشعراء والقصاصون – التابعون للتغريب والغزو الثقافي – على طرح هذه الصور القاتمة في أفق الفكر الإسلامي والأدبي العربي الذي لا يتقلبها ويرفضها كما يرفض الجسم العنصر الغريب، فضلاً عن أن هذه الروايات والملاحم تغلب عليها روح الزندقة والإلحاد، وهي تتسم بفهم سيء لعلاقات الرجل والمرأة، فهي مكشوفة إباحية هي في مجموعها تصدر عن معين مسموم، وهي توصل أذى السم إلى قارئها فتفسد نفوساً ذكية وأرواحاً طاهرة.

وما الهدف؟

ولاشك أن الهدف من هذا هو نفس الهدف الذي ترمي إليه دعوة التغريب: من إفساد عقليات الشباب المسلم وعواطفه فضلاً عن خلق مفهوم منحرف عن مفهوم الأصالة والفطرة التي جاء بها الإسلام.

وحين نراجع ذلك الركام الذي ترجم في السنوات الأخيرة من أمثال قصص توفيق الحكيم "بيجماليون"، "أهل الكهف"، "الملك سليمان" وما نشره على محمود طه من شعر في ديوانه "أرواح وأشباح" نجد هذا الالتقاء بين أساطير اليونان والمسيحية والفراعنة، وتراث بابل وآشور والإسرائيليات اليهودية، في محاولة لاحتواء الفكر الإسلامي والأدب العربي اللذين هما بطبيعتهما يتعارضان مع هذا التيار الخيالي المغرق في المبالغة الوثني الاتجاه، بما أعطى الإسلام هذا الفكر وهذا الأدب من طابع الوضوح والصراحة والطبيعة المشرقو "ليلها كنهارها" وحيث لا يعرف الإسلام في باب القصة إلا القصة إلا القصة الواقعية الصادقة البعيدة عن الزيف، المتحررة من التفاصيل الوهمية، الهادفة إلى تقديم العبرة الخالصة بعيداً عن التخيل والمبالغة والتأثير الخطابي.

ولاريب أن هذه المحاولة الجديدة التي اقمت بها قوى التغريب تستهدف ما عجزت عنه هذه القوى في الماضي حين رفض المسلمون ترجمة الملاحم والأساطير، ولذلك فإنه يجب التنبه لها ودحضها ومدفاعتها بكل قوة وكيف يمكن أن يقبل هذا أهل الإسلام، وقد جاء الإسلام لينهي طفولة البشرية وليعلن دخولها في مرحلة الرشد الفكري، هذا اللون من الأدب أو القصة، وقد أعلن الباحثون في العصر الحديث أن الأسطورة من مخلفات طرائق في السلوك والتفكير وعادات مندرسة، حافظت على تفسير ساذج للعالم الخارجي.

لا حاجة بنا إلى هذا اللون

ولا أعتقد أنه بعد أن تحدد هذا المؤقف العلمي وبعد أن أعطى المسلمون منهجاً كاملاً للميتافيزيقا (عام من وراء المادة) أن يكونوا في حاجة إلى إعادة هذا اللون من مخلفات الجاهلية الوثنية القديمة، التي فضل الإسلام بين البشرية وبينها بأضوائه السلطعة، وليس أدل على تخبط الغرب من أنه في الوقت الذي يعلن فيه أن ينطلق في أبحاثه من النهج العلمي، أن يقبل هذه الأساطير لتقييم عليها نظريات وفروض ويعيد العالم من جديد إلى عصر الأسطورة والغابة {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}. البقرة: 257.

ولعل من أخطر الدعوات التي يروج لها التلموديون هي محاولة إجراء المقارنات بين الأساطير وبين الأديان وقولهم أن الأديان القديمة ما هي إلا مجموعة من الأساطير التي لا تصلح إلا للتلهية وإمتاع الخيال، ومن وراء ذلك القول المسموم هدف مبيت ترمي به اليهودية إلى إثارة التشكيك في دين الله الحق الذي صاحب البشرية منذ نشأتها الأولى وهداها جيلاً بعد جيل إلى الحق.

وبالجملة فإن القرآن الكريم، حين نزل وهو ما يزال وسيظل هدي للبشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قد ألغى تراث الأسطورة كله، وقدم بدلاً منه تقريراً صادقاً حقاً، في كل ما يتعلق بحوادث التاريخ ووقائعه القديمة التي وصفت بأنها أساطير، وزيفت في العرض في العهد القديم، وخاصة فيما يتعلق بنشأة الحياة والطوفان وغيره "سفر التكوين" وقد أعلن القرآن – صادقاً – أن ما يقدمه هو الحق الذي لا مرية فيه.

كذلك فإن الأدب العربي لم يكن في حاجة إلى الأسطورة، لأنه قام على الحقيقة نفسها، ذلك أن الأسطورة لم تكن في عرف أصحابها إلا محاولة لملء فراغ الخيال بالنسبة لأمور غائبة، وقد قامت على معنى متوهم، بأن هناك فراغاً بين الإنسان وقوى الغيب وليس هذا صحيحاً وقد جاءت الأديان السماوية – ديناً بعد دين – لتنفيه وتكذبه – وقد أكد الإسلام حين طبقت تعاليمه أن ما بين الإنسان وربه هي رابطة العبودية بين المخلوق وخالقه، ورابطة التكامل بين الإنسان والكون، فهي رابطة العطاء المذلل للإنسان.

{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}. الملك: 15.

ولم يعرف المسلمون الأساطير في تاريخهم كله لأن الحقائق التي جاءتهم من رسالة السماء كانت كافية ومقنعة.