إنعكاسات زيارة باول لكل من سوريا ولبنان على الوضع المحلي اللبناني
بقلم : فادي شامية
قبل أن يستيقظ العالم من ذهوله جراء السقوط السريع لبغداد وتاليا النظام العراقي، بدأ التحضير الأميركي للخطوة التالية التي يبدو أنها تستهدف الضغط الشديد على سوريا لحملها على الاستجابة لسلسلة مطالب أميركية- صهيونية، منها المتعلق بالملف العراقي كتسليم المطلوبين والمساعدة على كشف آخرين وعدم دعم أية مقاومة عراقية محتملة والبحث عن أموال تخص النظام العراقي قد تكون في سوريا ولبنان، ومنها ما يتعلق بالملف الفلسطيني كإقفال المكاتب الإعلامية وعدم معارضة خارطة لطريق، ومنها ما يتعلق بالوضع السوري الداخلي ( أسلحة الدمار الشامل المزعومة والإصلاحات المطلوبة ... ) ومنها ما يتعلق بالملف اللبناني وهو ما يعنينا مباشرة، ويمكن إجمال المطالب الاميركية في لبنان بثلاثة ملفات : تجريد المقاومة من سلاحها وإبعادها عن الحدود – الوجود السوري – المخيمات الفلسطينية.
والحقيقة التي لا يمكن إغفالها في معرض مقاربة الضغوط الاميركية على سوريا أن هذا البلد وجد نفسه بعد احتلال العراق - بالشكل الذي تم فيه - في وضع هو الأصعب منذ بداية استلام الدكتور بشار الأسد للسلطة في دمشق، وإزاء التردي المخزي للواقع العربي تجد سوريا نفسها أمام ضغوط لا بد أن تقدم أمامها بعض التنازلات.
سلاح المقاومة
كانت المقاومة ولا تزال مبعث قلق لكيان العدو الصهيوني بشكل مباشر وللولايات لمتحدة الأميركية بشكل غير مباشر، وقد فاتح الوزير باول القيادتين السورية واللبنانية بضرورة إرسال الجيش إلى الحدود وتحوّل حزب الله إلى حزب سياسي بعد حل ذراعية العسكرية والأمنية، فكان الرد على لسان الرئيس لحود بأن "حزب الله حزب له مكانته العالية بين اللبنانيين وهو حركة مقاومة وليس حركة إرهابية، وقد قام بدور مهم في تحرير أرضنا " أما وزير الخارجية السوري فاروق الشرع فقد اعتبر أن حزب الله حزب لبناني وبحث وضعه مسألة لبنانية وليست سورية، ومع أن الجيش اللبناني موجود في الجنوب وقد تعزز وجوده قبيل العدوان على العراق، فإن الخارجية الاميركية لا تتوقف عن الطلب من الجيش اللبناني التوجه إلى الحدود، وهذا هو الشعار الظاهر لمطلب نزع سلاح المقاومة، وقد رد الرئيس لحود على هذا الطلب بأن الجيش موجود في الجنوب، وتعزيز وجوده يجعله في موقف خطر " ونخشى أن يتعرض لضربات مباشرة وقدرته لا توازي قدرة الجيش الإسرائيلي وسبق وتعرض جيشنا لتجربة مريرة عندما اجتاحت إسرائيل لبنان ". لكن هذا الرد لم يقنع الوزير الأميركي الذي كرر مطالب إدارته على باب القصر الجمهوري وهو يغادره.
الدولة اللبنانية ومن ورائها القيادة السورية ليست في وارد نزع سلاح المقاومة على ما يبدو، ولكن هذا لا يعني أن بحث تعزيز الوجود العسكري للجيش اللبناني في الجنوب لن يكون مطروحا، وهو تعزيز قد يصل إلى حد التواجد الظاهر على الحدود، علما أن الوضع حاليا ممسوك بشكل جيد من قبل حزب الله والمخابرات اللبنانية التي تتعاون على منع أية خروقات للخط الأخضر، مع تراجع ملحوظ للمقاومة في مزارع شبعا بحيث تقع عملية قصف محدود كل ثلاثة أشهر تهدف للتذكير بوجود المقاومة ليس إلا، أما حزب الله فسيبقى في المدى القريب احتياطيا مقاوما وعامل ردع ، مع بعض التكثيف لوجود الجيش في الجنوب.
إنسحاب الجيش السوري
لطالما أكد الجانب اللبناني الرسمي أن الوجود السوري في لبنان وجود شرعي ومؤقت وهو حاجة لبنانية كما هو حاجة سورية، وهو الموقف الذي عبر عنه الرئيس لحود أمام الوزير باول في زيارته الأخيرة، منبها ضيفه إلى أن الوجود السوري يساعد على الإستقرار وهو يدعم الجيش اللبناني في مواجهة بعض المظاهر الإرهابية التي ظهرت وقد تظهر فوق الأراضي اللبنانية، وقد قدّر الوزير الضيف جهود لبنان في مكافحة الإرهاب لكنه تحدث عن السيادة والحرية المبنية على معلومات المعارضة الخارجية. وحقيقة الأمر أن الإدارة الاميركية تريد أن تقلل من الدور السوري في المنطقة وتحرمه من أوراق القوة التي يمتلكها كورقة المقاومة وورقة" الأخوة والتعاون والتنسيق مع لبنان"، ويندرج ذلك في إطار تجزئة الموقف العربي وتضعيفه أكثر مما هو الآن.
وإذا كانت مطالب الإدارة الاميركية ليس فيها جديد في هذا الملف سوى طرحها مباشرة من الوزير باول، إلا أن الجديد الذي أربك الموقف اللبناني تصريحات وزير الخارجية الفرنسية دو فيلبان الذي طالب بتطبيق القرار 520 فجأة، ورغم أن البعض وضع هذا التصريح في إطار استرضاء أميركا بعد التوتر الذي حدث أثناء الحرب على العراق إلا أن ما نقل عن الرئيس شيراك فيما بعد يفيد أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن " ما كان يقال عن العلاقة اللبنانية السورية لم يعد صالحا اليوم " وإزاء هذا الوضع فإننا قد نشهد إنسحابا سوريا جديدا ربما يطال هذه المرة المناطق المحيطة بمخيم نهر البارد والبداوي والمرتفعات المحيطة بطرابلس والضنية أو تجمع الدامور- الدوحة الذي يراقب خط القمم في جبل الباروك، وبهذا ينحصر الوجود السوري في سهل البقاع وفي تجمع بولونيا – المروج – ترشيش الذي يراقب خط بيروت- دمشق حيث حدود إعادة الإنتشار وفق إتفاق الطائف. وبالتوازي مع ذلك قد نشهد إنفتاحا سوريا كبيرا على المعارضة المسيحية الموجودة داخل لبنان وليس خارجه.
الوضع الأمني للمخيمات
بات من المعلوم رفض لبنان للتوطين وإصراره على حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وهو موقف كرره رئيس الجمهورية على الوزير كولن باول قائلا: " نحن في لبنان نعاني مشكلة توطين الفلسطينيين لأنه يناقض ميثاقنا الوطني ودستورنا ويخلق عدم توازن ديمغرافي"، عارضا لمشاكل المخيمات والإجراءات الأمنية المشددة حولها، ولكن نُقل عن الوزير باول "تشجيعه" الحكومة اللبنانية على إنهاء "الإستثناء الأمني" للخيمات الفلسطينية ريثما يتم بت مصير اللاجئين فيه.
على أن مطلب إمساك الدولة اللبنانية للأمن داخل المخيم بشكل مباشر له محاذيره الأمنية والسياسية وهو فوق ذلك قرار إقليمي، لكن حجم الضغوط الكبيرة الممارسة على سوريا ولبنان واستمرار التدهور الأمني في مخيم عين الحلوة قد يدفعان إلى إعادة النظر في الموقف اللبناني لا سيما إن وجد من يرحب بالخطوة داخل المخيمات .
ولا شك أن دخول الجيش إلى مخيم عين الحلوة سوف يكون موضع ترحيب إسرائيلي أميركي وسوف يريح المعارضة المسيحية التي تطالب عقب كل حادث أمني بإنهاء الجزر الأمنية، فهل يمكن للدولة اللبنانية تحمّل كل هذا الضغط دون أن تفعل شيئا إذا وقع حادث أمني كبير له علاقة بالمخيم ؟!.
الأطراف الأساسية داخل مخيم عين الحلوة لا تخفي تخوفها من حمام دم يُجر إليه الجيش اللبناني في ظل وجود عشرات الأشخاص المستعدين للقتال حتى النهاية في المخيم لا سيما المطلوبون منهم، وثمة من يربط مسلسل التفجيرات المستمر منذ عدة أشهر بوتيرة شبه يوميه بهذا الأمر، مع الجزم بوجود أياد صهيونية وراء التوتر الأمني في المخيم، بينما تتهم القوى المناوئة لفتح هذه الأخيرة بالسعي لتوتير الوضع لكي تضطر الأجهزة الأمنية اللبنانية على إعطائها دورا ما في المخيم سواء بوجود عسكري لبناني أو بعدمه .
لا شك أن هذه الانعكاسات المحتملة ُتظهر أهمية الزيارة غير العادية لوزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية بعدما سهّل الإنتصار الأميركي في العراق على سيدة العالم عملية رسم خريطة المنطقة وإملاء إرادتها على أطرافها دون أن يكون أمام القوى الرافضة لهذه السياسة الكثير من الخيارات .
المصدر
- مقال:إنعكاسات زيارة باول لكل من سوريا ولبنان على الوضع المحلي اللبنانيموقع:الشبكة الدعوية