إلى الأحباب.. حازم فاروق ومحمد البلتاجي
05-06-2010
بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحفظكم الله ورعاكم وجعلكم قدوة في كل خير..
لقد فزعت وأنا بالمستشفى للأنباء التي تقول إنكما مع إخوانكم في المعمعة وبين مخالب العدو، وقلت في نفسي: كيف للأحباب الذين تدخرهم دعوة الإسلام لجهاد طويل، وصراع مع الباطل في هذا الموقف وفي مواجهة مع الصهيونية الحقيرة؟ قد تخلى عنهم الجميع ما عدا إخوانهم الذين لا يملكون إلا الدعوات وهي عند الله عظيمة الشأن جليلة القدر.
كان الألم لا يفارقني حتى أستطيع أن أملي هذه الكلمات وسالت الدموع وبكت القلوب واقشعرت الأبدان من هول المصيبة التي تقترب من الأخوين الحبيبين ومن معهما من الأبرار الأطهار الذين ما عرفت الأرض أحدًا مشى عليها- بعد جيل الصحابة والتابعين- مثلهم.
وقلت في نفسي: يا أخي يا حازم يا حبيب، أنت من المدخرين لجهاد طويل وكفاح مرير، وأنا شخصيًّا كنت أعدك لتولي أمر تغسيلي وتكفيني، كيف حدث هذا؟
أما أنت يا أخي محمد البلتاجي، يا رجل، يا شجاع، يا من برزت من بين الصفوف، وتقدمت لتواجه الخطر، كنا ندخرك ونعدك لما هو أعظم من ذلك، لكن الحمد لله، لا شيء أعظم من الشهادة في سبيل الله، ولا شيء أكرم للإنسان منها عند الله، فالشهيد يغفر له في أول دفقة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويشفع في سبعين من أهله فيُشفع فيهم ويتزوج ثنْتين وسبعين من الحور العين، لو اطلعت إحداهن على الدنيا لأنارتها وأرواحهم في جوف طيور خضر ترد أنهار الجنة، تشرب من مائها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة تحت العرش فتبيت فيها.
إيه يا أخ محمد، إيه يا أخ حازم، هذا بعض ما أعده الله للشهداء كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق في كل حرف نطق به، وبقي علينا أن نصدق وأن نوقن بكل حرف نطق به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
عشت مع هذه الحقائق، أحدث نفسي وتحدثني، حتى فوجئت بأن الله نجاكما وحفظكما، ورجعتما إلى أهلكما لاستكمال رسالتكما التي وهبتما أنفسكما ووهب جميع الإخوان أنفسهم لها طالت الأيام أم قصرت، وأظلمت الليالي أم لم تظلم، وهب الإخوان المسلمون أنفسهم لها وهي إخراج كل عدو من أرض الإسلام الطاهرة النقية مهما كانت التكاليف، وأول قضية دفع لها الإخوان شبابهم الطاهر النقي، هي قضية فلسطين قلب العروبة وقلب الإسلام، دفعوا لها أزكى الشباب وأغلى الشباب وأعز الشباب، ووقفوا فعلاً أمام اليهود فاختفى اليهود من أمامهم خوفاً منهم، وما زالوا يختفون رعبًا وفزعًا من صلابة هؤلاء الأبرار ومن إيمانهم، وقالوا نحن على استعداد لمقابلة الجيوش العربية مجتمعة، لكن لسنا على استعداد لمقابلة الإخوان، لأن الإخوان يريدون الجنة والموت ونحن نريد الحياة، وصدق الله العظيم ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: من الآية 96).
أي حياة.. حياة القردة، حياة الخنازير، حياة السفلة من الناس، حياة المكر السيئ، أي حياة وأي مستوى يريدون أن يحيوه، وبين يوم وليلة انقلبت الأمور وجاءت محنة الإخوان في 1948م، من كان في الميدان قبض عليه ووضع في المعتقل، ومن كان في مصر قبض عليه ورُحَّل إلى طور سيناء.
أَصف لكم واحدًا من هؤلاء الشباب البررة الأطهار الذين لا نظير لهم لنقتدي بهم جميعًا.
يقول والد أحد شهداء الجامعة:
(كنت أعود إلى البيت متأخرًا فأجد حجرة ابني الشهيد مظلمة وأريد أن اطمئن عليه فأطرق الباب ثم افتح وادخل وأضئ المصباح فأجده ساجدًا بين يدي ربه فأنتظره حتى ينتهي من صلاته، فلا ينتهي فاستبطئ سكونه وأقوم برفعه من تحت إبطيه فأجده في حالة عجيبة، دموعه تملأ وجهه وصدره، والجلباب الذي يلبسه يكاد يكون مبتلاً كله من الدموع، والأرض التي كان ساجدًا عليها ابتلت هي الأخرى، فآخذه في صدري وأجلسه بجواري على السرير، وأقسم عليه أن يهدأ وأن ينام بعد هذه الحالة التي رأيته عليها).
هذه عدة شهداء الإخوان الأولى في فلسطين وفي القناة لطرد اليهود ولطرد الإنجليز، لكن زعماء الشر وأساطين الإجرام تجمعوا بسرعة وقرروا الحرب الدائمة دفاعًا عن العدو والمحتل.
ووكلت إلى الحكومات والدول حول فلسطين لكف هذه الأيدي الطاهرة المتوضئة وإيداعها في السجون وتلفيق التهم لها، وتسخير الصحف والجرائد في كيل التهم، وأصبح كل من ينتمي إليها ممنوعًا من السفر ومن الوظيفة وممنوعًا من حرية الحركة، ممنوعًا من كل شيء في رزقه وفي حياته، مع أولاده.
الأخ خيرت الشاطر الحبيب هل ظلم أحدًا؟ هل عادى أحدًا؟ هل أخذ مال أحد؟! ويبحث له عن تهمة سيئة (غسيل الأموال) ويا لها من تهمة فجة مؤلمة، تهمة سمجة.
والأخ حسن مالك يعيش على (البرش) وهو الرجل الوديع الأمير الصادق، لا تراه ويقع بصرك عليه إلا وتحبه وتحب جميع إخوانه، وتتمنى أن تعيش معه حتى في غياهب السجون!
وتسأل لماذا؟ لماذا؟ فيأتيك الجواب المخزي والمحزن والمؤلم: إنه من جماعة الإخوان المنحلة أصبحت الإخوان منحلة، وكل من هب ودب وشرق وغرب معترف به! ما هذه القسمة العجيبة التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا عرفت في التاريخ؟!
ومع الأخ خيرت والأخ حسن جميع الأحباب يخرجون من السجن ليعودوا إليه، أموالهم تنهب هم وغيرهم.
لست أدري تحت أي اسم يباح نهب أموال الإخوان؟ وإلى متى، وفي أي قانون؟
أما أنتم يا أيها الأحباب، يا أهل غزة الكرام فكل مسلم يذكركم ولا ينساكم، وكل مؤمن يدعو لكم آناء الليل وأطراف النهار، ويتمنى لكم الثبات، ويقول لكم ما قاله المولى سبحانه وتعالى ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾ (آل عمران).
أكثروا من الصبر وألحوا في الدعاء، دعاء مالك الملك الذي هو أقرب إلينا جميعًا من حبل الوريد، ادعوه وتعلقوا ببابه، وأديموا الطرق فإن بابه مفتوح، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62)﴾ (النمل).
أنتم الثمرة الحقيقية المؤمنة لفلسطين المؤمنة لفلسطين، أنتم الورثة لأن أرض الله لا يرثها إلا عباده الصالحون.
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ (105)﴾ (الأنبياء).
حافظوا على هذا الميراث، وادفعوا فيه الكثير ولا تضنوا بشيء، وها أنتم الآن حتى الأرواح تقدمونها فداء لهذا الأمر.
ولقد ذكرني موقفكم العظيم هذا، وصبركم بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في شِعب أبي طالب لقد ضُيّق الحصار عليهم كما ضيق عليكم وأوذوا في سبيل الله كما لم يؤذ أحد وصبروا كما لم يصبر أحد، وها أنتم اختاركم الله عز وجل لتكونوا ورثتهم في هذا الأمر.
لقد انقطع العون إلا من الله- وأحكم الكيان الصهيوني الحلقات ظنًّا منه أنه بهذا قادر على أن يجعلكم تركعون له، لكن المؤمن ابن الدعوة الإسلامية الذي ركع وسجد لله لن يركع- بإذن الله- لمخلوق تافه حقير، لا يملك لنفسه شيئًا، ولولا البندقية التي يمسكها في يده لدفن نفسه في الرمال رعبًا وخوفًا منكم.
لقد بلغ الجهد بالمسلمين من الحصار مبلغه حتى أن سعد بن أبي وقاص يقول: خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ورضضتها بالماء، فقويت بها ثلاث.
أما الوحي فكان ينزل ليل نهار فيطالب المسلمين ويطالبكم ويطالبنا بالصبر والثبات وقوة اليقين في نصر الله وعونه، فكل ما حدث في شعب أبي طالب كان تدريبًا وإعدادًا للمؤمنين على مواجهة الشدائد، ولذلك يجب على المسلمين جميعًا أن يحمدوا الله على حقائق الإيمان التي عرفوها، وأن يستمدوها من سموها وصدقها ما يراغمون به الأيام والأحداث.
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47)﴾ (يونس).
أما أنتم يا من أخذتكم الغيرة وتحركت فيكم النخوة الإسلامية والغيرة، وبدأتم تتحركون، من أهل تركيا الكرام، وغيرهم من الأحرار في كل مكان، فلكم فضل السبق وأجر المجاهد ونحسبكم عند الله من الأبرار.
أما باقي الشعوب التي نامت وطال نومها من كتاب ومفكرين وأحرار، فكان الموقف منهم يقتضي غير هذا أن يكونوا في المقدمة، وفي الطليعة التي تدفع بلسانها وبقلمها وبعلمها، وما زلنا ننتظر هذه الصحوة بين أبناء الأمة على اختلاف طبقاتها.
أما الذين لا يعنيهم الأمر فكأنهم رضوا بقول الشاعر:
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرّم
ناموا ولا تتحركوا ما فاز إلا النوّم
إن قيل إن شهدكم مُرّ فقولوا علقم
أو قيل إن نهاركم ليل فقولوا مظلم
أيها الأحباب.. رغم الواقع المر الأليم فنحن نطمئن إلى غد أفضل ومستقبل أكرم وحياة طيبة، شهداؤنا في الجنة وكل من ظُلم منا سيرفع الله في درجاته، وسيضاعف له المثوبة وسيكرمه في الدنيا قبل الآخرة.
أما من ظَلم فيكفيه عقاب الله عز وجل ووعيده له قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227) وقال عز وجل ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)﴾ (إبراهيم).
والحمد لله رب العالمين.
- من علماء الأزهر الشريف.
المصدر
- مقال: إلى الأحباب.. حازم فاروق ومحمد البلتاجي موقع اخوان اون لاين