إعلان العجز الرسمي العربي ومسئولية الشعوب
جاء قرار تونس بإرجاء أو إلغاء القمة العربية الدورية قبل انعقادها بساعات ليفضح العجز الرسمي العربي على كافة الأصعدة.
لقد كان اتخاذ قرار دورية القمة قبل سنتين مؤشرًا- اتضح أنه كان كاذبًا- على بدء التعافي في النظام الرسمي العربي ممثلاً في الجامعة العربية، وإذا اليوم بقرار- شبه منفرد- من الرئيس التونسي ينسف كل الآمال المنعقدة على القادة والزعماء العرب.
فبينما كان وزراء الخارجية يضعون اللمسات الأخيرة على قمة بدا منذ التحضير لها أنها لن تنعقد، وأنها إذا انعقدت فسيتم تأجيل الملفات الأهم حول الإصلاح الجاد للنظم العربية وللنظام العربي الرسمي وتجاه القضايا الأخطر في حياة العرب؛فلسطين، وأضيف إليها العراق.
رأى التونسيون- كما قال بيانهم- أنه إذا كان مناقشة الأولويات مؤجلة؛ فما الداعي لانعقاد القمة؟! ولماذا يعلق الفشل في رقبة تونس وحدها؟! هذا في الوقت الذي كان رئيسها مترددًا في عقد القمة أصلاً تحت الضغوط الأمريكية.
تضارب المبادرات وغياب قيادة كبيرة مثل ولي العهد السعودي، واغتيال الشهيد الشيخ "أحمد ياسين"، والضغوط الأمريكية، والطابور الخامس الأمريكي داخل الزعماء العرب، وغير ذلك من الأسباب، كانت هي الأسباب المعلنة، أما السبب الحقيقي فهو "غياب الإرادة السياسية"، والعجز عن البدء في إصلاح حقيقي مؤجل منذ نشأة الجامعة العربية، وولادة الدول العربية التي رسمت حدودها الاستخبارات البريطانية والفرنسية، والتي ترسم حددوها الآن المخابرات الأمريكية في تقسيم جديد للوطن العربي، وللشرق الأوسط الذي يريد الأمريكيون أن يكون كبيرًا (اسمًا)، ممزقًا إلى دويلات طائفية وعرقية وقومية "حقيقة" في (سايكس- بيكو)، جديدة لا نعرف اسمها الآن، وقد نعرفه بعد بضع سنوات.
خط الشهيد "أحمد ياسين" رسالة إلى الزعماء والعرب، لم يسعفه الإرهابي "شارون"- مجرم الحرب المضرجة يديه بدماء الشهداء- أن يدبجها ويراجعها قبل إرسالها لتليق بمكانة الزعماء.
وقرر المرشد العام لـ(الإخوان المسلمون) توجيد رسالته الأسبوعية الدورية إلى القادة العرب الذين كان مقررًا انعقاد قمتهم في تونس؛ ولكن جاء اغتيال الشهيد العظيم والمجاهد الكبير "أحمد ياسين" لتكون رسالته بلا توقيع وبلا عنوان، فإلى أين يرسلها خلفه "الشهيد الحي"- "عبدالعزيز الرنتيسي"- فالقمة بلا عنوان، مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وعقب اغتيال الشهيد قرر المرشد عدم توجيه رسالة إلى القمة، وأن تكون رسالته إلى (الإخوان) وإلى الأمة حول معاني اغتيال الشهيد "أحمد ياسين"، وقد كان ذلك هو الأوفق والأفضل.
فنحن مع تحميلنا الرؤساء والملوك والأمراء كامل المسئولية التي استرعاهم الله إياها، وقيامًا بواجب النصح الشرعي لكل مسلم ومسلمة، خاصةً أولي الأمر منهم، إلا أن الظرف الحرج الدقيق الذي تمر به الأمة اقتضى أن نحمل الشعوب المسئولية.
فالأمل في استجابة الحكام ضئيل، ومع تضاؤله يومًا بعد يوم، إلا أننا لا نتوقف عن واجب النصيحة، والأمل بعد الله تعالى في الشعوب كبير، فهي التي خرجت بمئات الألوف رغم حواجز الأمن وتعتيم الإعلام وتخويف السلطات؛ لتعلن بكل قوة دعمها وتأييدها لنهج المقاومة ولطريق الشهداء، ولاختيار الشهيد "أحمد ياسين".
لم يكن الزعماء على مستوى الشعوب يومًا من الأيام، وخاف الزعماء من كل هذه الملايين في غزة والرباط والقاهرة وبيروت؛ بل بغداد والموصل إلى جاكرتا وكراتش التي تطالب بموقف حاسم من الهجمة الصهيونية الأمريكية المشتركة.
كان (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن- ضد قرار إدانة الكيان الصهيوني العنصري على جريمة الاغتيال البشعة- رسالةً إلى القادة قبل ذهابهم إلى تونس، فلم يكونوا يجرؤون على إدانة الاغتيال بإجماع؛ حيث تلكأ الكثير عن الإفصاح عن مواقفهم علانية.
كان الإرهاب الصهيوني قويًّا؛ حيث بدا أن أكبر الدول العربية بدأت تدين العنف من الجانبين، فسوَّت بين الجاني وبين الضحية، ووقعت في فخ إدانة المقاومة المشروعة على أنها إرهاب.
والآن ماذا بعد تأجيل القمة؟ وهل هناك أمل في انعقادها؟
إن الواضح أن الأمل في قمة جديدة بعيد المنال، وقد تكون هذه هي بداية النهاية لنظام عربي رسمي رعته بريطانيا العظمي، ودمرته أمريكا الإمبراطورية، التي تدهس في طريقها كل شيء بعد أن انهيار الاتحاد السوفيتي.
أما الأمل الحقيقي فهو في الشعوب العربية والإسلامية التي يجب عليها أن تدرك مسئوليتها الحقيقة عن التغيير والإصلاح.
إن الله تعالي يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)، وينادي المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج: 77).
ويوصي المجاهدين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).
فليتحمل كل منا مسئوليته، وليقم بواجبه، مجاهدًا لنفسه، مصلحًا لشأنه، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، مضحيًا في سبيل دينه وعقيدته.
ولنتواصَ بالحق، ولنتواصَ بالصبر، ولنحشد قوانا كلها خلف إخواننا في ساحة الجهاد الحق على أرض فلسطين، وفي العراق لدحر هذه الهجمة الأمريكية الصهيونية، ولنعمل جهدنا للضغط المتواصل على حكامنا لإحداث التغيير الحقيقي، ولا ننتظر استجابتهم؛ بل نسعى نحن وفق منهجنا القرآني لتغيير أنفسنا وبناء مجتمعاتنا وتنمية قدراتنا وتحقيق استقلالنا رغم أنف الطوارئ، ورغم أنف القيود، ورغم أنف السدود.
﴿وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ (الأحزاب: 4).
- القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمون)، والأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصرية.
المصدر
- خبر:إعلان العجز الرسمي العربي ومسئولية الشعوبإخوان أون لاين