إشكاليّة التعيينات.. أسبابها طائفيّة أم مصالح زعاميّة؟
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
أمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان
يستبشر كثيرون من اللبنانيين خيراً بعد تشكيل الحكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي بما يشبه الإجماع، بأن الأزمة انقشعت وطالما أن الأحوال هادئة والأمن مستقر فإن معنى هذا نجاح تجربة «الحكومة التوافقية» أو «حكومة الوحدة الوطنية».
مع أن ميزان الحكم ينبغي أن يكون الانجازات التي حققتها الحكومة وليس مجرد تشكيلها. ويذكر الجميع كم استغرقت عملية تأليف الحكومة (خمسة أشهر) بالطول والعرض، أما بيانها الوزاري فقد استغرق قرابة شهر، تخللته عشرة اجتماعات، كان يحضرها اثنا عشر وزيراً من ممثلي الكتل النيابية المشاركة في الحكومة.
وماذا بعد؟ لقد عقدت الحكومة اجتماعها الأول في القصر الجمهوري، ناقشت فيه نتائج زيارة رئيسها سعد الحريري الى دمشق، ورئيس الجمهورية الى واشنطن.
ومنذ يومين عقدت لقاءها الثاني في السراي الحكومي، كان من المفترض أن تصدر عنه تعيينات موظفي الفئة الأولى لملء الشواغر التي تنتظر منذ سنوات، لكنها لم تفعل.
والمعروف أن هناك شواغر تبلغ نسبتها 47 بالمئة من وظائف الفئة الأولى، مما يلحق الشلل في عمل المؤسسات الكبرى، ويعيق مصالح المواطنين، ليس منذ بداية عمل هذه الحكومة، بل منذ بداية الانقسام الذي أصاب حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أواخر عام 2006 نتيجة استقالة عدد من وزراء حكومته، وبعد ذلك أحداث 7 أيار 2008 واتفاق الدوحة، ثم عودة الوزراء عن استقالاتهم، وانتخاب رئيس (توافقي) للجمهورية، ومجلس نيابي، وحكومة وحدة وطنية.
ومع كل هذا فإن الحكومة تنعقد بغياب رئيس الجمهورية، وكان على رأس جدول أعمالها تعيينات وظائف الفئة الأولى، لكن بقدرة قادر جرى سحب هذا البند من جدول الأعمال الى أجل غير مسمى.
يحاول البعض القاء التبعة على عملية تقاسم كعكة الحكم، وأن الطوائف اللبنانية تصرّ على ان تنال حصتها من مواقع السلطة ومناصبها، مع أن القضية ليست طائفية ولا مذهبية بقدر ما هي حرص حيتان السياسة على تحقيق المكاسب والمغانم، فما علاقة البطريرك الماروني أو مفتي الجمهورية أو نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بهذا المدير العام أو ذاك؟
القضية أن حيتان الطوائف هم الذين يفرضون أنصارهم وأزلامهم على رأس مفاصل السلطة، ثم يلقون بعد ذلك المسؤولية على هذا المرجع الديني أو ذاك، حرصاً على مصالح الطائفة، المحرومة دائماً والمغتصبة حقوقها، بينما المستفيد الوحيد هو المتربع على عرش الزعامة السياسية أو العشائرية، دون أن تكون له علاقة بالدين أو بالطائفة أو بتطهير دوائر الدولة ومؤسساتها من الفساد والانحراف والاستغلال المالي والسياسي.
يسجل التاريخ اللبناني الحديث تجربة رائدة في تحديث الادارة وتطهيرها في بداية عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، فقد تولى موقعه بعد أحداث دامية تعرض لها لبنان عام 1958، وخلال أشهر من توليه الرئاسة الأولى استعان بخبراء في الادارة (أبرزهم بعثة الأب لوبريه)، جرى بعدها انشاء مجلس الخدمة المدنيّة، اضافة الى مؤسسات رقابية أخرى كالمجلس الدستوري وديوان المحاسبة ومجلس التفتيش المركزي..
كل هذا والادارة اللبنانية على حالها يأكلها الفساد وتحكمها المحسوبية الزعامية والمناطقية والنفعية، بينما لا يجد المنتفعون بذلك سوى شماعة الطائفية يعلقون عليها مكاسبهم أو ما يسمى حقوقهم.
ورغم وجود هذه المؤسسات، فإن الرئيس نبيه بري الذي يستشعر مؤامرة ابعاده عن عملية تقاسم كعكة الحكم بعد انفراط «ترويكا السلطة» التي كانت تحكم العلاقات الرئاسية أيام الرئيسين الراحلين الياس الهراوي ورفيق الحريري، فقد رد على مطالبة رئيس الجمهورية بتعديل اتفاق الطائف الذي اختزل بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، بأن طرح ضرورة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، مما أحرج حلفاءه في التيار العوني.
ثم طرح بري تشكيل هيئة قضائية من أجل اعتماد تعيينات موظفي الفئة الأولى، حتى تكون الكفاءة هي الحكم وليس الانتماء الطائفي أو المذهبي.
لكن القضية هي - كما قال البطريرك اكثر من مرة - في اصلاح النفوس وليس النصوص، وها هي حكومة الوحدة الوطنية تقف عاجزة عن اصدار أيّ من تعيينات الفئة الأولى، سواء في المناصب الادارية أو القضائية أو الأمنيّة أو العسكرية، بانتظار تفاهم أركان السلطة الممثلين في حكومة «الوحدة الوطنية» على حصة كل منهم، وليس الخلاف على الكفاءة أو النزاهة أو الانتماء الديني أو الطائفي أو المذهبي لأي من الأسماء المرشحة.
هذه التعيينات التي يفترض بالحكومة أن تناقشها وتعتمدها خلال اجتماعها الأول، وعلى كل وزير أن يحمل قائمة بالمرشحين في نطاق وزارته ليطرحهم أمام مجلس الوزراء، فقد تأجل بحثها بانتظار مزيد من الانضاج، ولمزيد من «التفاهم» بين أركان الحكم، وعلى رأسهم زعماء الترويكا الذين يملكون ناصية التصويت في الحكومة العتيدة.
وكمؤشر على هذه الأجواء فقد أطلق الناطقون باسم أركان الترويكا اشاعات أو اتهامات، ليس المقصود بها استقامة الخط السياسي لهذا الرئيس أو ذاك، وانما هزّ العصا بحيث يفهم من يعنيهم الأمر أننا جاهزون لمحاسبتهم، ونحن نسمع ونرى ما قاله الرئيس سليمان همساً مع الرئيس الأمريكي أوباما، وما يقصده الرئيس بري من اطلاق فزاعة إلغاء الطائفية السياسية، فالهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ليست وليدة اليوم، انها نص في دستور الطائف يعود الى عام 1990، فلماذا اليوم يطرحها الرئيس بري ويصدر مكتبه مذكرة بشأنها يجري تعميمها على البعثات الدبلوماسية!!
ليسمح لنا المروّجون لحكومة الوفاق الوطني، أو سمّها «حكومة الوحدة الوطنية» بالقول ان التجربة فاشلة من بداياتها، واذا كانت تعيينات ومناقلات وترقيات سوف تستغرق نصف عمر العهد، أو فترة ولاية الحكومة، فإن المواطن ضاق ذرعاً بما يرى ويسمع، خاصة أن القضايا الأساسية لم تناقش بعد ولم تطرح لا على مجلس الوزراء ولا على المجلس النيابي، فماذا عن الاستراتيجية الدفاعية، وماذا عن ملف الاتصالات والهيئة الناظمة، وماذا عن حق المواطن في أن يزوّد بالماء والكهرباء، وماذا عن مشروع الخصخصة والمجلس الأعلى للخصخصة؟!
فضلاً عن معالجة الدين العام الذي يتضخم عاماً بعد عام لأنه لم يجد حكومة تضع خطة لسداده أو تجميده.
كل هذه القضايا والمواضيع تنتظر الحكومة لتناقشها وتعالجها وتجد لها الحلول المناسبة.. فهل «حكومة الوفاق الوطني» قادرة على القيام بهذه الأعباء؟! اللهم لا..!
المصدر
- مقال:إشكاليّة التعيينات.. أسبابها طائفيّة أم مصالح زعاميّة؟موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان