إسرائيل من الداخل..قاتل رابين نموذجا
بقلم : غازي السعدي
«باتت إسرائيل بيتا للمجانين، ونحن بأيدينا نهدم أركان الديمقراطية، التي تعتبر الكنز الأثمن للشعب اليهودي»، هذه الأقوال وهذا الوصف، لم نقله نحن، بل من أطلقه هو يونتان بن تسفي، أحد أحفاد رئيس الوزراء الأسبق «اسحاق رابين»، الذي اغتيل برصاص مسدس شاب يهودي متطرف قبل 12 عاماً، فأقوال بن تسفي جاءت رداً على الحملة التي أطلقها اليمين اليهودي المتطرف، من أجل إصدار عفو عن يغئال عمير قاتل رابين، وتشمل هذه الحملة جمع التواقيع على عريضة ستقدم لرئيس الدولة شمعون بيرس، لإصدار العفو عنه، كما تشمل الحملة مهرجانات خطابية وستوزع 150 ألف نسخة من شريط فيديو، يظهر فيه عمير كبطل قومي، أنقذ إسرائيل من نتائج اتفاق أوسلو، ففي إسرائيل شرائح يمينية متطرفة، تعمل على تسميم أجواء المجتمع الإسرائيلي، وبث الكراهية ضد أنصار وحركات السلام في إسرائيل والقول للحفيد. «إرث رابين»
خلال دقيقة الحداد في إحياء ذكرى رابين، الذي اغتيل عام 1995، كان قاتل رابين المدعو يغئال عمير، يحتفل في سجنه في ختان طفله داخل أسوار السجن، فبعد معركة قضائية أمام المحاكم، مُنح القاتل امتيازات خاصة في سجنه، وسمح له بالزواج، وبالاختلاء مع زوجته داخل أسوار السجن بين الحين والآخر، حيث رزق بطفل فالإسرائيليون لا ينشغلون اليوم بالفساد الذي طال قادة الحكم، وبالجريمة بمختلف أشكالها ومنها جريمة قاتل رئيس وزراء، وبالعنف الآخذ بالتغلغل في صفوف الشبيبة الإسرائيلية خاصة، والإسرائيليين عامة، وانتقال هذا العنف من المشاجرات الحادة، إلى القتل والاغتيالات بإطلاق النار حينا، وبالسكاكين والوسائل الحادة حينا آخر، في وقت ينتشر فيه الإدمان على المشروبات الروحية، وتناول المخدرات داخل هذا المجتمع وفي صفوف الجيش، تعبيراً عن المرض واليأس والإحباط الذي يواجهه هذا المجتمع. أصبح قاتل رابين بطلاً وطنياً بنظر جزء كبير من الإسرائيليين، فأثناء مباراة لكرة القدم جرت في القدس، في نفس يوم ذكرى مقتل رابين، كان شبان ومؤيدو فريق بيتار اليميني، يصرخون في ملعب كرة القدم، ويحيون ويشربون نخب قاتل رابين، وسط صيحات الاحتقار لرابين ويقولون : إن إرث رابين الحقيقي يجب أن نبحث عنه في ملاعب كرة القدم، وفي المدارس الدينية، والنقاط الاستيطانية، بل وفي كل مكان في إسرائيل، فاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، كشفت أن 38% من الإسرائيليين، يعتبرون عمير القاتل بطلا قوميا، هذا القاتل يعلن صباح مساء أنه غير نادم على فعلته، وأن ما جرى في ملعب كرة القدم، من قبل أنصار بيتار اعتبر أكبر من الاحتفال بختان طفله.
لقد وصفت أوساط إسرائيلية، أن ما حدث في ملعب كرة القدم، والتأييد الجارف للقاتل، هو صراع داخل المجتمع الإسرائيلي الآخذ بالانحلال، فهناك عداء داخلي بين المهاجرين من دول المشرق والمغرب العربي، وبين المهاجرين الأوروبيين من الدول الغربية، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين طوائف اليهود وبين عشائرها، ويبدو أن التمييز والكراهية القائمة بين الطوائف الإسرائيلية على اختلافها ما زال على حاله، وهناك رواسب عميقة من الخصومات والعداء ما زالت قائمة داخل المجتمع الإسرائيلي، فهذا المجتمع أخذت أواصره وروابطه تضعف شيئا فشيئا، والتناقضات ما زالت على حالها، وهو في الطريق نحو الانفراط. أرقام دالة
في ذات يوم الاحتفال بذكرى رابين، تغطت جدران مدينة القدس الغربية بالملصقات التي تحمل صورة شمعون بيرس، رئيس الدولة، وهو يعتمر الكوفية الفلسطينية، وقد كتب على الملصقات بالخط الأسود : «بيرس مطلق سراح المخربين رئيس العرب»، وللتذكير فإن جدران القدس غطيت قبل 12 عاماً، بملصقات تحمل صورة رابين، وهو يرتدي زي ضابط نازي، وصورة أخرى يعتمر فيها كوفية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهذا مؤشر على الحقد اليميني الديني المتطرف تجاه قياداتهم التاريخية، هذا اليمين الذي يصلي من أجل فشل مؤتمر أنابوليس الأميركي، من جهتنا، فإنه لا تعنينا كثيراً الأخطار الحقيقية التي تواجه المجتمع الإسرائيلي، والذي يسير نحو الفاشية، فشبان إسرائيليون ينتظمون في بناء تنظيمات نازية، ويرسمون صلبا معكوفة في الكنس، وفي الأماكن العامة وهذا من مظاهر الانهيار داخل المجتمع الإسرائيلي، فالشبان الإسرائيليون الذين يتابعون الفساد والمسلكيات اللاأخلاقية لقياداتهم، باتوا يتأثرون بهذا الفساد. ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نشرته «يديعوت أحرونوت» (5/11/2007) يتبين أن الإسرائيليين ملوا من فساد سلطتهم، وأن 69% من المستطلعة آراؤهم يعتبرون أن هذا الفساد متفش بشكل واسع، وفي تقرير حول الجريمة (معاريف 18/6/2007)، فتحت الشرطة (475759) ملفا جنائيا ضد الإسرائيليين في العام الماضي، حيث يقع في كل (1.8) دقيقة حادث جنائي، وفي كل خمس ساعات عملية اغتصاب، وكل (11) ساعة سطو مسلح، وتم فتح (11584) ملفا في قضايا المخدرات، واحتلت إسرائيل المرتبة (18) من حيث الدول الأكثر فساداً في العالم، وهذا الفساد طال رؤساء حكومات ووزراء ونواب كنيست وأصحاب المناصب العليا، وإسرائيل تحتل المرتبة الثالثة في العالم بعدد حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، والمتاجرة بالنساء، كما أن كل خمس أيام يفتح ملف تحقيق ضد جندي بتهمة اغتصاب مجندات والاعتداءات الجنسية بين المتدينين اليهود، أكثر عددا ووحشية، فهذه صورة عن المجتمع الإسرائيلي من الداخل.
إن سياسة العنف والقتل التي بدأوها ضد الفلسطينيين، ارتدت عليهم وتحولت بين بعضهم البعض، فعلى نفسها جنت براقش، غير أن المعارضين من بين الإسرائيليين لاغتيال رابين، يتفجرون غضبا ضد الجهاز القضائي الذي لم ينزل عقوبة الإعدام على قاتل رابين، ويحتجون على منح القاتل امتيازات في شروط سجنه، فقد وجهوا ومازالوا يوجهون ويتهمون الفلسطينيين باللجوء إلى العنف، غير أن هذا العنف أصبح متوطن في عقر دارهم، يطالبون الفلسطينيين بالتوقف عن العنف، وهم عاجزون عن وقفه فيما بينهم، وما يجري في إسرائيل واضح فالأرقام والإحصائيات الإسرائيلية تتكلم عن نفسها بنفسها.
يقول شقيق قاتل رابين وبافتخار: في الرابع من تشرين الثاني 1995، عقد يغئال عمير تحالفا مع شعب إسرائيل، وضحى بنفسه من أجلنا جميعا، ودافع عنا في وجه اتفاق أوسلو الذي صنعه رابين، وهذا التحالف ما زال قائما رغم مرور (12) عاما عليه، فيما اتفاق «أوسلو» لم يعد قائما، والقول لشقيق القاتل، أما استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، فيتبين منها أن ثلث الإسرائيليين يؤيدون منح العفو عن القاتل عمير الذي أصبح بطلا بنظر جزء من الإسرائيليين، وتظهر صورة هذا القاتل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أكثر من ظهور صورة رابين، مما دفع بأحد متظاهري اليسار، للوقوف أمام سجن «ريمونيم» الذي يقبع فيه عمير رافعاً بلوحة لصورة القاتل وهو يضحك، فهذا المتظاهر وضع علامة إكس سوداء تغطي وجه عمير، كتب إلى جانبها : «سنزيل البسمة عن وجه هذا القاتل».
فساد وجهل البروفيسور يحزقيل دور، رئيس تخطيط سياسة الشعب اليهودي للقرن الحادي والعشرين وضع وثيقة سرية قدمت للمؤتمر المكرس للشعب اليهودي والذي عقد في شهر تموز (يوليو) من هذا العام، وسرب بعض ما جاء في هذه الوثيقة (يديعوت أحرونوت 12/7/2007): هناك مؤشرات مقلقة جدا من الفساد في أوساط القيادة الإسرائيلية العليا، الشخصي والمؤسساتي، وهناك انعدام خطير في تخطيط السياسة الإسرائيلية بشكل معمق، يدل أنهم عديمو الفهم والمعرفة لدرجة الجهل في مواضيع معينة، والبروفيسور المذكور عضو في لجنة «فينوغراد» التي تحقق في أسباب فشل العدوان على لبنان في العام الماضي،
ومن ما جاء في الوثيقة، أن قادة إسرائيل يعانون من جهل شديد في مجالات حرجة، كعدم الفهم والمعرفة في الآليات الثقافية والاجتماعية، كذلك عدم الفهم الكافي للمحركات التي تبني المستقبل، كالعلم والتكنولوجيا، والميول السياسية والجغرافية، التطورات في الإسلام، الديمغرافية، آثار العولمة وغيرها، وجاء في الوثيقة أيضا، أن الشعب اليهودي سيقف أمام تحديات مصيرية، تتضمن مخاطر جسيمة، في وقت تترنح فيه إسرائيل بين السلام، واستمرار الصراع، ويحذر من أن تركيبة العمر الحالية في محافل القيادات العليا للشعب اليهودي، تشكل خطرا جسيما على مستقبل الشعب اليهودي وفقا للوثيقة، وخلاصة القول، فإن مجمل الأوضاع الإسرائيلية من كافة جوانبها البائسة، تحتاج إلى افتعال استمرار العداء والحروب، وليس السلام، إذ أن ما يجتمع عليه الإسرائيليون ويوحدهم وجود العدو، أما السلام، فهو سيكشف عن تناقضات الإسرائيليين، يفرق بهم ويمزقهم من الداخل، وهذا سر معاداة إسرائيل للسلام العادل والشامل.
المصدر
- مقال:إسرائيل من الداخل..قاتل رابين نموذجاالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات