إسرائيل تريد الانقسام، ونحن ماذا نريد؟
بقلم : د.ناجي صادق شراب
إسرائيل تعرف ما تريد. تريد إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها على يد أبنائها بأن تحولهم متنازعين متصارعين حول حكم وسلطة غير قائمة إلا على ورق مكتوب قد لا يساوي الحبر الذي كتب به، لأنها فشلت وعبر ستين عاما وأكثر من الصراع في حسم القضية بقوة السلاح الذي تملكه، وهذا ما أكده عدوانها الأخير على غزة على طوال أسابيع ثلاث..
فعلى الرغم من حجم التدمير بشريا وماديا ما زالت المقاومة قائمة وما زال الشعب الفلسطيني بهويته الوطنية والحضارية قائما ويشكل حقيقة سياسية وتاريخية وسكانية لا يمكن تجاهلها في اي خريطة سياسية قادمة.
إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية، ولذلك جزأت الأرض وأقامت الحواجز بين كل المدن الفلسطينية من ناحية، وأقامت جدار الفصل الجغرافي والجدار الأكبر بين الضفة الغربية و قطاع غزة ، وكل ذلك حتى لا تحقق أي شكل من أشكال التكامل الاقليمي الذي يوفر الأساس المادي للتكامل والاندماج السكاني..
وبذلك تقسم ليس فقط الأرض إلى كانتونات معزولة تتحكم فيمن يدخل وفيمن يخرج، وأيضا تقسيم السكان إلى كانتونات بشرية متباعدة.
ولهذا أحد أهداف إسرائيل الأساسية هو تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي مما يشتت ويهدر عناصر القوة المتاحة للشعب الفلسطيني وخصوصا في عنصره البشري الذي تكمن فيه قوة الشعب الفلسطينى.
ومن إحياء مشاريع التسوية الاقليمية والحلول الاقليمية والدولية للفلسطينية من خلال إنصهار الجسد السياسي الفلسطيني في كنتونات سياسية واقتصادية إقليمية كبيرة، وهنا الحديث عن فكرة الوطن البديل في الأردن والتي سبق وأن حذرنا منها كثيرا، وفكرة الاقليم المستقل في غزه بحضور أمني إقليمي وفي الحدود المسموح بها سياسيا.
وهذا ما قد يفسر لنا أحد أهداف إسرائيل من عدوانها ضرب المشروع الاسلامي لـ" حماس " في غزة من خلال ضرب كل مؤسسات الحكومة والبنية التحتية التي تحتاج لوقت طويل جدا لاعادة بنائها وتعميرها ومن خلال تحكم إسرائيل بدخول المواد الأساسية اللازمة للبناء..
إسرائيل لا تريد للمقاومة ان تنهض من جديد وذلك بإحتوائها وضرب بنيتها والتحكم في مصادر السلاح ودخوله لقطاع غزة..
وحتى المفاوضات إسرائيل لا تريدها إلا بما يحقق رؤيتها للسلام الذي يقوم على القوة وفرض الأمر الواقع.
والمدخل لكل ذلك أولا فلسطينيا، وثانيا بغرق القضية الفلسطينية في سياسة المحاور والتكتلات العربية وبطمس وطنية القرار الفلسطيني.
إسرائيل تعرف ما تريد وتعرف كيف تحقق ما تريده وتعرف أهدافها حتى ولو لم تعلنها، وتعرف ان هناك من يحاسبها داخليا وخارجيا..
بإختصار شديد إسرائيل تستفيد من معادلة القوة والضعف وموازين القوة التي تحرص أن تكون دائما في صالحها، لذلك هي تجهض أي محاولة لتغييرها بضربها عسكريا وبضمان تفوقها عسكريا.
يبقى الأمر على الجانب الفلسطيني أن نحدد ماذا نريد وبوضوح..
هل نريد مفاوضات ومقاومة؟
وكيف يمكن المزاوجة بينهما، وهل نريد مشروعا سياسيا فلسطينيا توافقيا وليس إقصائيا؟
مشروعا وطنيا يعكس التطلعات الوطنية الفلسطينية والمستجدات الاقليمية والدولية للقضية الفلسطينية..
وأي نظام سياسي فلسطيني نريد؟
هل نزيد نظاما سياسيا أحادي الهيمنة والسيطرة؟
أم نظام سياسي ديمقراطي يحقق المشاركة السياسية الحقيقية، ويؤسس لتوافق وتعايش سياسي بين كل القوى والأحزاب على أساس من الشرعية السياسية الملزمة للجميع والتي تشكل إطارا عاما للحركة السياسية.
وهل نريد إنهاء الاحتلال أم التعايش معه؟
وبأي وسيلة وأداة؟
وهل نريد إنهاء الانقسام السياسي أم الذهاب إلى الحلول الاقليمية والدولية لتصفية القضية الفلسطينية؟
ستين عاما من النضال والمقاومة والتضحية البشرية التي لم يبخل بها الشعب الفلسطيني، وما زلنا بعيدين عن تحقيق أهدافنا الوطنية، بل إننا نتراجع في أحيان كثيرة بسبب الخلافات والتناحرات الداخلية وترك المؤثرات الخارجية تطمس القرار الفلسطيني.
لقد كان من المفترض أن العدوان الاسرائيلي الأخير أن يوحدنا ويدفع بالجميع إلى القفز على كل الخلافات والمبادرة نحو المصالحة والتسامح الفلسطيني، وبدلا من ذلك نجد انفسنا وقد إندفعنا نحو مزيد من الخلافات والخطاب السياسي والاعلامي الذي يعمق فجوة عدم الثقة والتشكيك في الشرعية السياسية لكل من القوتين المتنازعتين. والسؤال لمصلحة من؟
وهل بمقدور كل طرف ان يفرض مشروعه ويلغي وجود الطرف الآخر؟
وهل بمقدور كل طرف أن يحقق خياراته الأحادية في ظل الاحتلال؟
وكيف لنا أن نتعامل مع التحولات الإقليمية والدولية وخصوصا التغيير في الإدارة الأمريكية؟
هل بالانقسام والتفكك والتنازع الداخلي أم بالتوحد والتوافق؟
لا أريد أن أجرى مقارنة مع إسرائيل التي هي الخصم الرئيس لنا.
وكيف تتعامل مع نفسها أولا وبأي وسيلة؟
وكيف تتعامل مع القوى الدولية؟ فإسرائيل تعاني من إنقسامات في الرأي وفي التركيبة الحزبية ومن إنقسامات مجتمعية كبيرة، ومع ذلك لديها نظام سياسي محدد لكل لسلوك السياسيين وخلافاتهم.
وعليه الخطوة الأولى التي على الفلسطينيين أن يدركوها ويحددوها هي أي نظام سياسى نريد؟!
- استاذ العلوم السياسية في جامعة الآزهر- غزة .
المصدر
- مقال:إسرائيل تريد الانقسام، ونحن ماذا نريد؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات