إسرائيـل قــوة متخمــة...وخيــارات لا ســـلام ضمنهــا
بقلم : محمد سرور
إسرائيل، وبرغم وضوح ظلمها وعدوانيتها، هي الكيان الأكثر حصولاً على الدعم والرعاية والحصانة في العالم أجمع.
هذا الكيان يملك أسباباً متعددة وهامة، تؤهله الحصول على ما يناله من أوراق قوة ما فوق الإستراتيجية. فقد نجح ولعقود عدة في تسويق مظلوميتي المحرقة وسعي العرب إلى تدمير إسرائيل.
يضاف إلى ذلك، وخاصة بعد عدوان عام 1967، نجح بالتغلغل في الضمير الأميركي، حيث أصبح الكيان العبري جزءاً أصيلاً من أسطورة قيام الولايات المتحدة، كنقطة استقطاب لمهاجرين مغامرين- محاربين، يملكون مشروعاً متماثلاً ومستمراً.
حتى أن بريطانيا فقدت ألفَ خصوصية علاقتها العضوية بالولايات المتحدة نتيجة تقدم إسرائيل عليها، على رغم اختلاف أسباب علاقة كل منهما مع الشعب والحكومات الأميركية على حد سواء.
لكن الأهم بين جملة الأسباب الوجيهة التي تجيز للغرب عامة اعتماد سياسة حاسمة تجاه دعم إسرائيل هو الدور الذي تؤديه في المنطقة، على المستوى الديموغرافي- الإستراتيجي الثابت.
وحتى الآن، لم تشهد الساحة الدبلوماسية الغربية دوراً واضحاً وحازما تجاه إنتاج تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي.
لأن المشروع الأصلي للمنطقة متحرك دائماً وعلى قاعدة التهديد المستمر لأرض العرب ومصير وجودهم.
لماذا التهديد؟
لأنه يولد ردود أفعال وتناقضات عربية- إسلامية حول التعامل معه، وبالتالي ينتج إشكالات داخلية على مستوى التناقض السياسي الذي يفرَّخ جماعات متطرفة تنظر لتغيير النظام- أو الأنظمة بواسطة القوة المسلحة.
وعلى المستوى نفسه، وأكثر قليلاً، تسهم إسرائيل ومنذ سنين بعيدة بإنتاج حالة التطرف، واعتماد سبل كثيرة لتقويتها، لكي تبرر تطرفها وما ينتج عنه من عدوان وتوسع ورفض للتسوية القائمة على أساس القرارات الدولية ذات الصلة.
تنتج إسرائيل التطرف بكل معانيه وأبعاده، لكي تتلطى وراءه، بدعوى استهدافها وتهديدها، فتحصل على ما تريد من دلال وعنج ولهف مصطنع كاذب، وبذات الوقت تنال ما تريده من تفهم للاستمرار في مشروعها الاستعماري- التوسعي.
فبعيداً عن كونها الثكنة، والمستودع الأهم للولايات المتحدة في العالم، فإن فائض ما حصلت وتحصل عليه كل يوم من الأسلحة الأكثر تطوراً ورعباً على مستوى العالم، خاصة بعد حصولها على امتياز امتلاك عشرين طائرة أف 35، المحصور امتلاكها بالجيش الأميركي- مسبوقة بزيادة نوعية لمخزون الأسلحة الأميركية، الذي باستطاعة جيش الاحتلال استعماله، بينها ما يزيد على المئة صاروخ ذكي. كل ذلك ليس لطمأنه إسرائيل من عدوان يهددها، ولا تحصينا لها من تبعات التسوية التي بصدد إبرامها في المنطقة، بل هي الورم الذي يتراكم ويتضخم وبالتالي يتفجر عدواناً قاتلاً في الجغرافيا التي تحدد أولوياتها.
فلا يمكن لعاقل في هذه الظروف أن يصدق استعداد إسرائيل لخوض مغامرة السلام، ولا حتى أن يصدق إقلاع قادتها العنصريين عن خطة تبديد الكيانية الفلسطينية ومعها ترحيل- تهجير ما تبقى من فلسطينيي العام 1948.
القيادة الإسرائيلية الحالية- خاصة الثنائي نتنياهو- ليبرمان هي تجسيد حقيقي للمشروع الصهيوني الأصلي، وهي الأكثر صراحة بين سابقاتها من الحكومات الإسرائيلية.
هذه القيادة لم تزل تعمل بهدي مشروع بوش الابن في الفوضى الخلاقة، حيث الخلافات والصراعات المحتدمة في البعدين العربي والإسلامي، من اليمن إلى الصومال ف السودان ف العراق ، ومنها إلى لبنان و فلسطين و باكستان و أفغانستان و إيران أيضاً.
وإذا كانت إسرائيل بوضع أقرب إلى المثالية السياسية والأمنية، أضف إلى ذلك، ما قيل عن اكتشاف لحقول البترول والغاز على شواطئها، فإنها لا يمكن أن تعتمد غير الخطاب السياسي الذي تروجه، ولا يمكن أن تضع في أولوياتها سوى العدوان على هذه الدولة أو تلك، ضمن قائمة فرضيات لأعداء تختارهم وتضع العالم أمام حتمية مساندتها في حربها ضدهم...
إيران مثلاً.
ورغم الشك بالنوايا الحقيقية لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حول سعيه الدؤوب لعقد صفقة التسوية في المنطقة، من بوابة إدراكه لترابط الصراعات ومركزية القضية الفلسطينية فيها، إلا أن نجم الرئيس الأميركي عجل كثيراً بالأفول فنال صفعة الانتخابات النصفية في الكونغرس، فيما استطلاعات الرأي هبطت إلى أقل من 47% من نسبة الرضا عن سياسته وأدائه.
لذا فإننا الآن أمام رئيس أميركي ضعيف، بعيد عن كل ما وعد به المنطقة، غير قادر على المبادرة وفرض مسار الملفات التي تعهد بحلها خلال ولايته، وليس أمامه سوى عقد تسويات مع شركائه الجمهوريين، برغم شكلية الانتخابات النصفية، وبالتالي منح نتنياهو وحكومته مزيداً من أوراق القوة والمناورة تجاه الخيارات الإسرائيلية، القريبة والمتوسطة المدى.
لقد تنازل الفلسطينيون عام 1988 عن حصتهم من الأراضي التي شملتها خارطة تقسيم فلسطين التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947 ، بحيث تقلصت مساحة كيانهم من 43% من مجموع الأرض الفلسطينية إلى 22% منها. بذلك يكون الفلسطينيون هم الأكثر صدقاً في سعيهم إلى السلام من كل من أسهم وتحدث في تحقيق السلام.
كذلك فإن حديث نتنياهو أو سواه من قادة الكيان الإسرائيلي عن التنازلات المؤلمة، وتهمة سعي الفلسطينيين تجزئة الأراضي الإسرائيلية بهدف القضاء على كيانهم، باطلة جملة وتفصيلاً، لأن نظرة عابرة من أيّ كان يستطيع استكشاف الخطر الذي يجسد الاستيطان على الأرض الفلسطينية، وبالتالي يظهر الفارق بين قرار تقسيم فلسطين وقبول الفلسطينيين دولتهم المستقلة على أراضي العامل 1967 ، وبين ما تقوم به إسرائيل من سلب ممنهج وإجرامي بواسطة الاستيطان، بحيث يدل ذلك على مدى عدوانية الكيان الإسرائيلي، ومن ورائه مجتمع دولي كاذب ومسهم في حماية وصون العدوانية الإسرائيلية، ومخادع في التعامل مع القوانين الدولية التي تمنع على المحتل التصرف بالأراضي التي يحتلها، ومع قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على انسحاب المحتل وعلى حق الشعوب بإزالة الاحتلال وتقرير مصيرها أيضاً.
لماذا لا نكون سبباً بالذي يحصل.
هل تكفي الدبلوماسية، أم يلزمها بهار القوة وقطرانها، الناتج عن فعالية الحضور ومركزيته؟
ندرك أن السلام خطير على الإسرائيليين، لذلك يصرون على كونهم الشر الذي لا ينتج إلا مثله، فلا تعيش إسرائيل إلا في بيئة العدوان والعدوانية لتبرير ذاتها.
وما دامت ترفض خيار السلام، وترفض حتى التعايش مع المنطقة والاندماج فيها كجزء من نسيجها، ما الخيارات التي تنفع بتذكير الإسرائيليين أن ثمة لغة أو لغات أخرى عليهم سماعها والإصغاء لها جيداً؟
خيبتنا غياب المشروع العربي، وبالتالي استحالة نهوض فلسطيني على أساس هذا الواقع، لأن الفلسطينيين أيضاً، لا يفقدون الإستراتيجية فقط، إنما مؤهلات إنتاج ذلك، بسبب انقسامهم وسهولة الاختراق الإقليمي لنسيجهم السياسي.
العالم يحسب حساب الأقوياء، ويبني معادلاته على أساس قوتهم.
على الفلسطينيين الارتفاع إلى هذا المستوى.
المصدر
- مقال:إسرائيـل قــوة متخمــة...وخيــارات لا ســـلام ضمنهــاالمركز الفلطسينى للتوثيق والمعلومات