إذا كانت الحكومات العربية قد ماتت
المستشار محمود رضا الخضيري
نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية
عظم الله أجرنا نحن الشعب العربي في حكوماتنا ، فقد ماتت منذ زمن بعيد ودفناها ولم نتبعها ولم نبك عليها ولم تقم علي قبرها بل شيعناها غير حزانى ولا آسفين ولا يحسبن أحد أن ما يوجد بيننا حالياً من مظاهر قوة شرطية هي حكومة بالمعني الصحيح لهذه الكلمة بل هو خيال ظل أو خيال مقاته كما يسميه الناس يقف ليخيف غير ذوي العقول والقلوب من الناس كما يخيف هذا الخيال الطيور وعندما تقترب منه وتنفخ فيه سيسقط متهاوياً كما خر سليمان عليه السلام الذي كان قد مات منذ زمن ولم يخر جسده إلا بعد أن أكل النمل عصاه التي كان يتكئ عليها وعندها تبينت الجنة أن لو كانوا يعلمون الطيب ما لبثوا في العذاب المهين ، وهكذا نحن الشعوب العربية تحكمنا حكومات ماتت منذ زمن بعيد ورغم ذلك لا زلنا نخاف منها ونعمل حساباً لها ظانين أن ما نراه من عناصر القوة المادية المتمثلة في شرطتها المدججة بالسلاح والتي لا تلبث أن تنقلب عليها عندما تقدم هذه الشعوب من رقدتها وتفيق من غفوتها وتكشر عن أنيابها وعندها تتهاوي هذه الأصنام وتسقط غير مأسوف عليها. ولكن متى سيحدث ذلك؟
إراه قد تأخر كثيراً من موعده الذي طال انتظاره ولكنه لابد آت إن شاء الله لأن الشعوب العربية المقهورة لا يمكن أن تصبر طويلاً علي هذا القهر.
ماتت الحكومات العربية منذ زمن طويل ولكن الشعب العربي لم ولن يموت ولست بذلك أقول شعارات ولا أردد هتافات لا يلبث أن يزول صداها بعد أن ينصرف كل إنسان إلي حال سبيله ، بل أقول حقائق نعيشها ونلمسها بأيدينا ونراها بأعيننا في فلسطين ولبنان والعراق وكافة الشعوب العربية بدرجات متفاوتة ، هل يمكن لأحد أن ينكر أن ما يحدث في فلسطين المحتلة الآن من بطولات وتضحيات يكاد يفوق الخيال ، وهل يستطيع أحد أن يصف ما يقوم به حزب الله في لبنان بغير المعجزات ، إن كل عربي عندما يري عجز حكامه ويشعر بالكمد والاشمئزاز من مواقفهم وهم يحتضنون الأعداء اللذين يرسلون إليهم جثث أبنائهم قبل حضورهم في رسالة تحد لمشاعرهم وأهانه لكرامتهم ويقارن ذلك بموقف الشيخ الجليل حسن نصر الله في تحديه لإسرائيل عملاً لا قولاً وهو الرجل الذي لا يملك من الرجال إلا القليل ومن العتاد إلي النذر اليسير ولكنه يتمثل قول العلي القدير كم من فئة قليله غلبت فئة كثيرة بأذن الله وأن القليل كثير مع العزم والإيمان والكثير قليل من الجبن والخور وحب الدنيا وكراهيـة الموت ، هل كان أحد يتوقع أن يهب الشعب العراقي بهذه السرعة من رقدته ويفيق من غفوته ويقاوم المستعمر الغاشم بهذه القوة التي أحالت حياته إلي جحيم وجعلته يندم علي تسرعه في هذه المغامرة التي أخطاء حساباتها وبات يعد الأيام والليالي لحين رحيله ويبحث عن زريعه يخرج بها من هذا المستنقع بأقل الخسائر الممكنة وحتى لا يريق ماء وجهه أكثر من ذلك ، إنهم يسمون ما يحدث في فلسطين ولبنان والعراق إرهاباً وتشايعهم في ذلك حكوماتنا العميلة الميتة ، ونحن نقول لهم لو كان هذا هو الإرهاب فنحن جميعاً إرهابيون لأن من لم يكن إرهابياً بهذا المعني فإنه خائن لوطنه ودينه ديوس لا يغار علي أهله حقير لا يثأر لكرامته مجرم في حق نفسه وعشيرته ، ولكن نحمد الله أن شعبنا العربي كله إرهابي بهذا المعني ومن لم يكن إرهابياً بعمل إيجابي يقاوم به المستعمر الغاشم فهو إرهابي بماله يسهم به في مقاومة المستعمر أو بكلمة يستحث بها الناس علي الجهاد أو بدعاء يشجع به المجاهدين وهكذا حولنا الاستعمار الأمريكي والإسرائيلي إلي إرهابيين يفتخرون بذلك وتتطاول أعناقهم شرفاً وفخراً أن أيدهم مضرجة بدم الغزاة أعداء الشعوب الذين يتشدقون بالحرية والديمقراطية.
اسرح أحياناً بخيالي وطبعاً ليس للخيال حدود ويشط بي هذا الخيال أحياناً وأتخيل أن الحكام العرب جميعاً بعد أن دفناهم وأغلقنا عليهم قبورهم خرج إلينا حكام جدد علي نهج الشيخ حسن نصر الله الرجل الوحيد في القادة العرب أتخيل ذلك وأتخيل حال الأمة العربية في هذا الوقت وقد محت إسرائيل من الوجود ولقنت أمريكا والغرب درساً في كيفية التعامل مع الأقوياء ووقفت تطاول الزمان بهامتها وتملي شروطها علي باقي شعوب العالم وتلقنه درساً في الأخلاق وتعيد للأذهان مجد الخلافة الإسلامية التي كانت تعرف للأديان حرمتها وللإنسان كرامته وحريته بغض النظر عن دينه وعقيدته ، لا تستغل شعباً ضعيفاً ولا تعرف إستعماراً سياسياً أو إقتصادياً تعرف للمعاهدات قدسيتها ولا تعتدي علي الحرمات ولا تهتك الإسرار ، هذه هي أخلاقنا علمنا إياها دينا الحنيف ، لا يعرفها الغرب المستعمر الذي لا يعرف سوي مصلحته يسعي خلفها ويطلبها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لأن الغاية في نظره تبرر الوسيلة ، ورغم ذلك نحن في نظره إرهابيون لأننا ندافع عن أرضنا وكرامتنا وأموالنا وأعراضنا كأن المطلوب منا أن نسلم له بلادنا طوعاً وأموالنا رضاء وأعراضنا حباً وكرامتنا إعتزازاً دون أن نشعر أننا مهانون كأنما استعمارهم لنا شرف لا يداينه شرف.
لن يموت أبداً الشعب العربي لأنه يملك كل مقومات الحياة الكريمة واني عندما أحضر مؤتمرا أتفرس في وجوه الحضور وأتعرف علي بعضهم وأعلم أعمالهم واستمع إلي آرائهم وأفكارهم أشعر إنني أمام شعب جدير بكل احترام وتقدير ويسايرني خاطر أن حكامه ليسو من بين رجاله لأنهم أغبياء متسلطون جهله وناهيك عن تغطرس الحاكم الجاهل عندما يتعامل مع العالم وهو يشعر أنه أفضل منه علماً إنه يحاول أن يهينه ويحقر من شأنه ليشعره أنه أفضل منه بسلطاته وهنا لا يجد العالم أمامه إلا أمرين أما قبول القهر والاستمرار وأما رفض القهر والتصدي للحاكم الجاهل فيفقد منصبه أو حريته وأحياناً حياته.
مقارنه بين موقف الشعب المصري الأصيل وموقف حكومته من المقاومة الفلسطينية
حتى لا يتهمني البعض بالمبالغة في موقفي من الحكومات العربية أسوق إلي القارئ هذين الموقفين اللذين وصلا إلي علمي يوم الجمعة الماضية 14/7/2006 في أثناء مؤتمر عقدته نقابة الأطباء بالإسكندرية تحت شعار ( لن تجوع فلسطين )
موقف الحكومة
دعت نقابة الأطباء فرع الإسكندرية إلي هذا المؤتمر منذ أكثر من خمسة عشر يوماً سابقة علي انعقاده ودعت إليه نخبه من رموز الفكر والثقافة والسياسية والفن وكان محدداً لعقدة القاعة الملكية بفندق مكة الساعة الثانية ظهراً يوم الجمعة 14/7/2006 وفوجئنا عندما ذهبنا إلي الحفل في الموعد المحدد ببعض شباب الأطباء يقفون أمام الفندق لكي يخبروا المدعوين أن مكان الحفل قد تغير في اليوم السابق وأصبح في نقابة المحامين علي الكورنيش بناء علي طلب الأمن في اللحظات الأخيرة وعندما ذهبنا إلي النقابة وجدنا المكان يكتظ برجال الأمن وترتب علي هذا التغير المفاجئ عدم حضور الكثير من المدعوين وعدم حضور أحد من رجال الأعمال خوفاً من تصرفات رجال الأمن حيالهم فقد شعروا من هذه الإجراءات وتهديد الأمن لصاحب الفندق إن لم يطع الأوامر يلغي تعاقده من نقابة الأطباء أن الحكومة ليس لديها رغبه في إتمام هذا الحفل الخيري فلم يحضر منهم أحد ونجم عن ذلك أن فشل الحفل في تحقيق غرضه في جمع التبرعات للأطفال الجوعي في فلسطين ، قل لي يا شعب مصر الكريم بما تصف هذا التصرف اترك الأمر لك لأن لساني يعجز عن وصفه.
موقف الشعب
هذا عن موقف حكوماتنا الهمام التي ينطبق عليها قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامه ، أما عن موقف الشعب المصري من شقيقة الشعب الفلسطيني فيكفي أن أقص موقفين سمعتهما من المسئولين عن نقابة الأطباء بطلتهما سيدتين رقيقتي الحال حضرت أحداهما إلي النقابة تقدم كيساً من الشاي وتقول ليس في بيتي متاع سوي كيسين من الشاي أبقيت أحدهما وأحضرت الأخر أتبرع به لأختي الفلسطينية أما الثانية فقصتها أعجب وأشد من الخيال هزت وجداننا وأوجعت قلوبنا وأدمعت عيوننا أنها فتاه حضرت إلي النقابة تقول أنها لا تملك من حطام الدنيا شيء وتريد أن تتبرع من أجل الأخوة في فلسطين ولم تجد شيئاً تتبرع به ولقد هداها قلبها الرقيق الحزين علي ما يحدث في فلسطين ففكرت في أن تحضر إلي نقابة الأطباء لكي تتبرع بأحدي كليتيها واحدي عينيها لمن يحتاجها مقابل مبلغ تتبرع به لإخوتها في فلسطين ، وقد رفض المسئولون بالطبع قبول هذا التبرع لأن القانون يحرمه ولكن انظر يا شعب مصر الكريم إلي تصرف هاتين السيدتين وقارن وأحكم ثم أطلب من الله أن يرينا في الظالمين آياته وهو أعدل العادلين.