إثم

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

إثم


[09:33مكة المكرمة ] [30/09/2007]


حسن البنا

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).


أيها المفطرون في رمضان عامةً، والمتجاهرون بالفطر خاصةً.. لماذا تفطرون؟!


إن صوم رمضان فريضة إسلامية، وشعيرة اجتماعية للوطن الإسلامي، وأمرٌ ربانيٌّ كريمٌ لا جدال فيه، ﴿فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: من الآية 185)، وأعذار الفطر معروفة من مرض أو سفر أو عجز، ومع وجودها يجب على المفطر أن يستتر بفطره، وألا يتجاهر به أمام الناس؛ سدًّا للذريعة، ودفعًا لسوء الظن، ومع قيام بعض الأعذار؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: من الآية 184).


ولقد رغَّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صوم شهر رمضان، وأكثَرَ من تبيان فضائله وجميل آثاره، وعظيم مثوبة الله للصائمين؛ بل إن هذا الترغيب لم يقتصر على شهر رمضان وحده، بل تعدَّاه إلى الأيام الفاضلة المباركة المفصَّلة في الفقه الإسلامي، وكلما اشتدَّ الحر وتوهَّج القيظ وعظُم الجهد؛ كلما زادت المثوبة، وتضاعف الأجر والثواب على قدر المشقة، ولهذا كان كثير من السلف الصالحين يتحرَّون اليوم الشديد الحر ويصومونه رجاءَ ما وعَد الله عباده الصالحين من مثوبة، كما بيَّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جسيمَ عقوبة المُفطِرين وما أعدَّ لهم من عذابٍ يوم الدين، وكيف أن هذا الفطر قد يصل بهم إلى حدِّ الكفر، ما لم يتوبوا إلى الله- تبارك وتعالى- وينيبوا إليه نادمين على ما فرَّطوا في جنب الله.


ومن أمثلة هذه الأحاديث المرغبة:

1- ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال يومًا وقد حضر رمضان: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل" (رواه الطبراني- مجمع الزوائد للهيثمي 3/142، قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي قيس ولم أجد له ترجمة، وفي الترغيب والترهيب 2/60: رواه الطبراني، ورواته ثقات، إلا أن محمد بن أبي قيس لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل).

2- وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أُعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزيِّن الله- عز وجل- كل يوم جنته لهم، يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المثوبة، ويصيروا إليك، وتصفَّد فيه مردةُ الشياطين؛ فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفَّى أجره إذا قضى عمله" (رواه أحمد والبزار- مسند الإمام أحمد 2/292 رقم 7904، ومجمع الزوائد: 3/140 وقال: "فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف").

3- وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، من حديث طويل أن "الله قضى على نفسه أن من عطَّش نفسه لله في يوم حارٍّ كان حقًّا على الله أن يرويَه يوم القيامة"، قال: فكان أبو موسى يتوخَّى اليوم الشديد الحر الذي كان الإنسان ينسلخ فيه حرًّا فيصومه (الترغيب والترهيب: 2/51، وشعب الإيمان للبيهقي: 3/411 رقم 3921).

ومن أمثلة أحاديث الوعيد على الفطر من غير عذر:

1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "من أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضِه صومُ الدهر كله وإن صامه" (رواه الترمذي وغيره- سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الإفطار متعمدًا: 3/101 رقم 723، وقال أبو عيسى: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، ومسند الإمام أحمد: 2/470 رقم 10082).


2- وما رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينما أنا نائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعرًا، فقالا: اصعد، فقلت: أنا لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت، حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشقَّقة أشداقهم تسيل أشداقهم دمًا، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم" (رواه ابن خزيمة وابن حبان- المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/228 رقم 2837، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وصحيح ابن حبان: 16/536 رقم 7491).


3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما- يرفعه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-: "عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أُسِّس الإسلام، من ترك منهن واحدةً فهو بالله كافر، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ، وقد حلَّ دمه وماله: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان" (رواه أبو يعلى بإسناد حسن- مسند أبي يعلى: 4/236 رقم 2349- تحقيق حسين سليم أسد- دار المأمون للتراث- دمشق- الطبعة الأولى- 1404هـ/ 1984م).


فيا أيها المفطرون عامةً والمتجاهرون بالفطر خاصةً..

إن الإفطار في رمضان نهارًا إثم كبير كما ترون، والمجاهرة بهذا الإثم إثم آخر؛ فما الذي يحملكم على أحدهما أو كليهما؟!


أهو الشك والريب في دين الله؟ وما علِمْنَاكم إلا مسلمين؛ فإن كنتم غير ذلك فأنتم وما اخترتم لأنفسكم، أم هو العجز عن الصوم؟ ونحن نراكم أقوى أبدانًا، وأصحَّ أجسامًا، وأعظمَ احتمالاً من كثير من الصائمين فعلاً، وهو الوهْم لا غيره يستولي على أنفسكم، فتتصوَّرون أن الحرَّ سينال منكم، وأن العطَش سيبلغ بكم، وأن أعمالكم الشاقَّة- ذهنيةً أو بدنيةً- لا تتفق مع الصوم، ولا يمكن أداؤها معه، كما تتوهَّم (في الأصل: "يتوهم"..) بعض السيدات أو الفتيات أن الصوم ستذوى معه أعوادُهن، أو تذبل به نضرة أجسامهن، أو ينقص بسببه وزنهن.. إلى آخر هذه الأوهام الفاسدة التي يسلِّطها الشيطان على الرجال والنساء معًا، مع أن المعروف المقطوع به أن الصوم صحَّةٌ للأبدان، وراحةٌ للأعضاء، وقوةٌ بعد ذلك للأجسام.


أم هو ضعف الإرادة، وخور العزيمة، والاستسلام للعادات الرديئة التي نشأ عليها الكثير منا؟ مع أن الرجولة الحقَّة والإنسانية الفاضلة تفرض على الإنسان- رجلاً كان أو امرأةً- أن يغالب نوازع الشر في نفسه، وعادات الفساد في حياته؛ حتى يتغلَّب عليها، ويتحكَّم فيها، ويتحرَّر منها، ويقيم حياته على نهج قويم وصراط مستقيم.


ولو لم يكن من مقابح الفطر وسخفه إلا كون المفطر يهدم شعيرةً اجتماعيةً تواضَعَ قومُه على احترامها وتعظيمها، ويصادم ظاهرةً وطنيةً يتمسك أهله ومواطنوه بها، ولا يصح أن يجرح بفطره شعورهم، وأن يؤذي بمعصيته هذه عواطفهم، ولا يخرج بعمله عن إجماعهم.. لكان في ذلك ما يدفع المفطرين إلى الصوم ولو مجاملةً، وإني لأعرف كثيرًا من مواطنينا الفضلاء غير المسلمين يشارك المسلمين صومهم، ويأبى كل الإباء أن يشرب الماء، أو يدخِّن، أو يتعاطَى حتى الدواء أمام غيره من مواطنيه المسلمين الصائمين؛ تقديرًا لشعورهم، واحترامًا لشعيرة دينهم؛ فكيف يجرؤ مسلم على الفطر، ثم على المجاهرة بفطره بعد ذلك كأن لم يرتكب وزرًا، ولم يقارف معصية وإثمًا؟!


ثم ماذا يكون موقف هذا المفطر في بيته ومع أولاده وزوجته، والمطلوب منه أن يكون قدوةً صالحةً لهم، يدعوهم إلى الخير، ويقودهم إلى طاعة الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6).


أيها الإخوة الضعفاء المفطرون والمتجاهرون بالفطر..

عودوا إلى أنفسكم، وأنيبوا إلى ربكم، واندموا على ما فرط، وصوموا شهركم، وسلوا الله- تبارك وتعالى- أن يوفِّقَكم وأن يغفرَ لكم، وهو فاعل إن شاء الله إذا علم الصدق منكم، وهو العليم الخبير الذي يقول لنبيه- صلى الله عليه وسلم- في ثنايا آيات الصوم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186) وصدق الله العظيم.


  • إعداد: إسماعيل التركي- مدير البصائر للدراسات والبحوث.
  • جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (378)، السنة الثانية، 7 رمضان 1366ﻫ/ 25 يوليو 1947م، ص (1).